الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

لفصل الثامن (8) - رواية تـــمرد بقلم د. أميمة منير جادو

تاريخ النشر : 2017-02-20
لفصل الثامن  (8) - رواية تـــمرد بقلم د. أميمة منير جادو
الفصل الثامن
(8)
رواية تـــمرد
بقلم د/ أميمة منير جادو


واستيقظت مسكونة بك حد الدهشة
كأنك كنت معي في حلم ونسيته ...كأننا كنا معا نسكن عالما برزخيا ما بعد الحياة ..لا أدري.
كأنني قضيت معك عمرا منذ عام 1990 فافترقنا وعدنا .
لست أدري
استيقظت مسكونة بكل هذا الوجع ، نعم وجع الحنين إليك، وجع الفراق والبعد.
لا أدري إن كنت موجودا أم رحلت ،وعدت من حيث أتيت .
أعرف أنك ربما سترحل في الغد ، رغم أنك أخبرتني بحياد في آخر هاتف بيننا : " لا ..لست أدري ..ربما " وتركتني معلقة على مشانق الشوق والانتظار الموحش، ومنحتني أملا جديدا في البقاء ، أي أن تبقى يوما آخر .
ثم ماذا ؟
حتما ستمضي ..بعد يوم ..بعد يومين ستمضي ..وسترحل معك أفراحي ، ستأخذ قلبي وفرحي معا وترحل بهما .
أجل الفرح الذي لم أعرفه بعمري إلا نادرا
الفرح الذي عشته وأنت معي ، الفرح الذي جئتني به هدية سارقين من الزمن أحلى سويعاته .
هذا الصباح
استيقظت مسكونة بك إثر حلم غامض ، أذكر أنك كنت تسكن حلمي وغادرني الحلم ككل المعاني الحلوة ، فلا أذكره ، وأخلفك بوجداني تسكنني .
هاأنذا هنا وحدي ..باستراحتي الواسعة المطلة على الشاطئ .
كلهم رحلوا عني وبقيت وحدي ، اختنق بوحدتي ، وقلقي ، وتوتري ، وصداعي الذي لا يبرحني ، وصراعاتي اللا محدودة.
لبثت أفر في الدعوات الألكترونية التي تسلمتها عبر موقعي ، والتي حفظتها في محمولي .
هذه دعوة من هذه المؤسسة الثقافية لاستقبال الوفد العراقي ، وهذه دعوة أخرى لمؤتمر مهم يمكنني المشاركة فيه ، وتلك دعوة لحفل الموسيقى العربية من أصدقاء أعزاء ، لطالما حرصت على مشاركتهم أحيانا بعض حفلاتهم بحسب ما تسمح أقداري.
وتلك دعوة لرحلة سياحية ليوم واحد ..فرحت وداعبني الأمل : آه يا لروعة العرض.
فكرت أتصل بك وأدعوك ، ولنقض يومنا معا في رحاب الأزهر والحسين وش المعز لدين الله في القاهرة الفاطمية .
خجلت وطويت رغبتي وانتظرتك تهاتفني ، تهاتفني لتصبح علي ، تهاتفني لتسأل عني ، تهاتفني لتبلغني بموعد طائرتك ورحيلك كي أرافقك للمطار كما تمنيت ،وهل مازال موعد رحيلك كما هو أم أجلت الحجز ؟
تهاتفني لتعتذر عن جفاء ردودك بالأمس ، اللا متوقعة والصادمة ، تهاتفني وكفى ، لأي سبب ، فالمحبون لا يحتاجون لأسباب للتواصل بينهم ، بل يبحثون عن كافة المبررات للتواصل .
ولم تهاتفني
صدمة جديدة لا متوقعة .. وأنا لا أدري ماذا أفعل ؟
مازلت أدور في فلكك ، كأنك الحدث الأوحد في حياتي ، كأنك الحدث الأهم بجدارة ، كأنك وحدك عندي ومن بعدك الطوفان ، لهذا الحد صرت عندي ؟ متى وكيف ولم حدث كل هذا وتطورت مشاعري بهذه السرعة ولهذا الحد ؟
أخبرتك أني أمكث هنا أجازة أيضا مثلك ، وقد أجلت رحيلي من أجلك ، بل أجلت مواعيدي واعتذرت عنها جميعا .
كان من المفترض أني حجزت تذكرتي للعودة من أيام ، لما علمت أنك ستقضي أياما أخرى هنا فقد أجلت سفري ، ألغيت مواعيدي المهمة لأجلك وحدك ، كل المواعيد باطلة إلا موعدك ..هذه أفاعيل الحب الحقيقي.تجعل المحبوب على قمة سلم أولوياتنا.
لكن أين هو ؟
ها أنت بالأمس غائب طول اليوم ، لم نلتق ، ولما ضغطت على كرامتي وطلبتك تقديرا لك، ها أنت ترد بجفاء ، بحيدة ، بقسوة ، لا أتخيل أنها جفوة ، لا أصدق أسلوبك الصادم ، بلا سبب ، بلا داع .
كلما استرجعت ردك : أنا لن أخرج اليوم ، سأستريح ، جاء بمثابة صفعة قوية على قلبي الملهوف حين سألتك بعفويتي : مالك يا عادل ؟ ماذا بك ؟ ألا تريد تكلمني ؟ ألا تود مهاتفتي ؟ ألا تحب نخرج اليوم .وجاءني ردك قاسيا متحججا بحجج واهية ، لم تقنعني : لا أبدا ، أصلي بأحمل حاجات على الموبايل ، ولما بأكلم حد بيفصل شحن ، ولو فصل سأعود للتحميل مرة أخرى من جديد .
كانت سكينة ردك وحجتك الكاذبة قد سرقتني فلم أستوعب بسرعة رفضك لحديثي رغم أني التي طلبتك ، قلت مستمرة في عفويتي قبلما انتبه :طيب بتحمل إيه ؟أغاني ؟
- ليس بالضرورة ، أي حاجة .. ممكن برامج
- طيب ممكن تضع الشاحن في " الكوبس" وتتكلم أثناء الشحن عادي.
- لا أصل الفيشة بعيدة ، وسأضطر أقف لو وضعته في الشاحن واتكلمت .
- هل ستغادر غدا ؟
- ربما لا لست متأكد
- هل ستخرج ؟
- لا سأرتاح
- ألا نلتقي مرة أخرى قبل سفرك الطويل ؟
- ألا تسمعين سعالي ؟ قلت لك تعبان وسأرتاح
وبدأت أفيق من غيبوبتي عبر أسئلتي الملهوفة ، وبدأت أفيق على أوجاع الصفعات المتوالية على وجهي ، ولكماته بصدري وخناجره المصوبة لكرامتي ، ما هذا ؟
أهو عادل
كأنه ليس هو
كأنه ليس صوته
غبت في صدمتي عبر حوار هاتفي القصير جدا الذي لم يتجاوز دقائق قليلة كأنها شهر ودهر ثبتني مكاني وكاد يوقف دقات قلبي المتلاحقة وأنفاسي المختنقة بردوده الغشيمة الغبية ، كأحجار قذفها بوجهي حجرا تلو حجر ؟
هكذا جاءت ردودك الجافة القاسية حاسمة للموقف ،هذا الصد يعني " أنت لا تريد"
وأي تزيد مني يعني مزيد من إهدار كرامتي وكبريائي
أي تزيد مني يعني " الرخص"
" الرخص" أنا ...أنا ؟؟
وممن ؟؟
من عادل ؟؟
ولم ؟
وكيف ؟
لم أفهم شيئا ، ولم يمنحني فرصة للفهم والحوار ، ما كنت رخيصة أبدا ، وما فرطت أبدا ..هذا الموقف ربما وقفته من زمن طويل وكرهت الحب وطلقته ألف طلقة وليس ثلاثا من وقتها .
هذا الموقف الجارح لم أعشه من زمن ، وربما أنا التي كنت أعيش دورك هذا مع الآخرين وأمضي في سلام لا أأبه بهم أو أبالي بمشاعرهم .
مع الفارق ..أن أحدهم لم يكن بدائرة اهتمامي ، هو من يفرض نفسه ويفرض مشاعره ويتوقع أن أبادله إياها فكان ردي عليه بمثل ردك هذا ، فلا إكراه في الحب .
الموقف مختلف ..موقفنا مختلف..أنت قلت الكثير ، واعترفت بالكثير ، بوحك الليلي وتعليقاتك ، واهتمامك ، واعترافاتك الأخيرة كانت بمثابة صكوك عشق واضحة .
أنا لم أفرض نفسي عليك ، ولا تسولت عشقك ، ولا فكرت أبدا في مسائل العشق حين عرفتك ، كنت واحدا من عشرات المعجبين الذين أجاملهم تارة وأصد من يتجاوز وأحظره مهما كان .
نعم كنت واحدا من كثر لست أكثرهم ثقافة ولا أعلاهم منزلة لكن ربما أقربهم لنفسي وأكثرهم تميزا بتعليقاتك الجدلية ، بفلسفتك ، بظهورك البسام ، بمتابعاتك ، بأسلوبك ، وبعض حوارات جانبية اختصصتك بها من ندرة حواراتي المنتخبة .
هكذا نمت بالأمس محزونة بلا حدود ، أطوي عذابي وجرحي ، وأقسمت ألا أهاتفك بعدها ، لن أعاودك اتصالا ، لن أبحث عنك ، نمت مسكونة بألم وأوجاع لا حدود لها .
واستيقظت مسكونة بنفس الألم وحنين الافتقاد والوحشة وجرح باتساع الكون ، أخبرتك عنه : لست بحاجة لجرح جديد ، لن احتمل وخزة إبرة ، أنت فرحتي ، فلنكتف بهذا القدر ولتغادرني دون جرح ، وتمسكت بي : من يغادر ؟ ولم ؟ لا تقولي هذا مرة أخرى .أنت من أبحث عنها ، والحمد لله وجدتها أخيرا ، وحططت رحالي لن أطير هنا وهناك بحثا عما أفتقده .
فهل هذا هو أنت ، بكل قسوة رده اللا متوقع ابدا ؟ بهذه الجرأة ؟ ودونما أية أسباب.
هكذا يتحول العاشق فجأة ويغدر بكل هذه القسوة ؟ وأنا التي توقعت أن تقضي معي الأيام القليلة الباقية لك من الأجازة .
استيقظت بأوجاع لا حدود لها ن مسكونة بدهشة رد فعلك ، لم أطق الشقة ، لم أطق نفسي ، لم أطق تصفحي الصباحي للفيس بوك .
فررت كل الدعوات الألكترونية التي حفظتها في مفكرتي الألكترونية ، والتي أهملتها لأجلك ، واعتذرت لأصحابها .
وقررت الخروج لا أدري لأين وجهتي تحديدا ..
لم ألو على شيء محدد .
حين وقفت متخذة طريقي للحمام لأغتسل وأتوضأ كعادتي ، وبينما أبحث عن مداسي تحت السرير ، كما تركته بالأمس ، صدمتني أوجاع شديدة بقدمي ، لم أستطع تحريكها ، أوجاع تكاد تشل حركتي ولا تستطيع قدمي حملي ، تحاملت وسألت ربي :يا رب ما كل هذا الألم والوجع ؟ مم ؟ رب أعني ، أنا لا أطيق الشقة .أريد الخروج فورا .
دلفت للمطبخ لأعد فنجانا من "الكابتشينو" الذي أحب والذي تحب ، والذي اقتسمنا حبه عند لقاءنا الأول ذات جلسة صافية نقية عذبة كعذوبة النهر الخالد ، بالصوبة الزجاجية للنادي التاريخي .
لم أجد " الكابتشينو" كانت العلبة فارغة ، حتى الكابتشينو تمرد علي هذا الصباح .
تجاهلت وصببت في ال"ماج" الكبير النيسكافيه بالحليب ، مشروبي المفضل أيضا ، الذي لا تحبه أنت ، تذكرتك وأنت تخبرني : لا أحب الشاي والقهوة والنيسكافيه ، وحين اندهشت : معقولة ؟ لم؟
- مجرد تعود ، ولا السجائر .
-والله أحسن لا أحب المدخنين .تخنقني أنفاسهم .
بينما أعرج بقدمي وأتحامل للمسير ، تعثرت قدمي ب "زلطة " صغيرة فوق سيراميك ارضية المطبخ ، انحنيت لأستوثق منها ، حقا إنها زلطة ، زلطة ؟؟ في المطبخ ؟ من أين جاءت ..
ضحكت في نفسي ساخرة هههههه ..زلطة ؟ في المطبخ زلطة ع الصبح ؟ زلطة ع الذكرى ؟ من أين ومن أتى بها وكيف ؟
ربما هي المواقف عابرة بسيطة قد تمر مرور الكرام على أحدنا دون أن تترك أثرا به ، قد يبدو الموقف تافها ، وقد يحدث كثيرا .
لكن بالنسبة لي لم يكن بسيطا ولا عاديا ولا تافها ، فالزلطة ذات علاقة بك ، ولم الزلطة تحديدا هذا الصباح ؟ وكيف تكون الزلطة بمطبخ كله سيراميك اعتدت تنظيفه ومن أين أتت ؟
وأتت من مطرح ما أتت ، ليس هذا هو المهم ، المهم أنها أحد تيمات ارتبطت بك ، فضحكت وشوطتها لأسفل البوتاجاز ببوز مداسي كما فعلت أنت لتبعدها عن طريقي. .
كأن الزلطة قدري هذا الصباح ، قدر عنيد مشاكس يخبرني أنك هنا حتى في تفاصيلي الصغيرة ، وصل لبيتك وشقتك التي لم يزرها أبدا ، لكنه يعرف مكانها فقط حين سألك عن عنوانها .
صار الزلط يثير ذكرى معك ، أول موقف عندما جئتني بهذا المحفل الثقافي ، وكنت أقف مع مجموعة من صديقات من بينهن ابنتي ، فعرفتك عليهن ، وأخبرتك : هذه ابنتي الكبرى ، باقي لها زلطة وتطلع بره...
قلتها بضحك ، فاستوقفتك الجملة وسألتني : ماذا تعني ؟
كنت أعرف انك تحب الوقوف على كل التفاصيل ولا تفوت شيئا ببساطة ، ولما كنت على علم بمشكلتها من بين ثنيات حديثى الأخير في ليلة البوح التي سبقت اللقاء ، فقلت لك : أقصد هي منفصلة وباقي لها الحكم فقط .
لم نقف سوى دقائق قليلة هي زمن التعارف وخشيت أن يطول الوقت فيسرق من وقتي معك ، فاستأذنت منهن بسرعة وافترقنا .هي مع صاحباتها وأنا معك .مع فرحتي لليوم الثاني .
تذكرت أسباب وجع قدمي الذي بدأ يتزايد بعدها وتتضح معالم ألمي مصاحبا أوجاع القلب والروح ، وتذكرتك ، فهل نسيتك كي أذكرك ؟
أنا مسكونة بك ، إنما أتذكر الموقف معك .
" كنت أنزل من على الرصيف ، فالتوت قدمي فجأة بشدة وأصابني وجع مباغت صادم ، ندت عني أنة وجع " آه..آه" نبهتك وكنت سبقتني بخطوة ، فالتفت جهتي ومددت لي ذراعك لأسند عليها مفاديا سقوطي على الأرض ، فاستندت عليك ، وأنت تسألني بخوف وقلق ، مالك ؟ مالك ؟ ماذا حدث ؟
من بين وجعي تحاملت بوقار حتى لا تثار في نفسك ظنونا ليست بمحلها وقلت:لا أعرف ، كأني تعثرت في شيء .
ورأيتك تنظر نحو الأرض شذرا كأنك تود الانتقام منها ، باحثا عما أصابني منها .
وانحنيت تلتقط زلطة ، وقلت بضيق تكاد تسبها : آه ..هذه هي ..هي تلك التي كعبلتك ، انظري ، انها زلطة ، هي هذه .
ووجدتك تركز تفكيرك مندمجا في علاقة الأرض بالرصيف بالزلطة بوجعي وأنت تقلبها بين أصابع يدك كأنك تلومها .
تحاملت ولم أتماد رغم وجعي ، وعدت للسور أرتكن عليه وأنا أتمنى عشرات الزلطات تحتي كي توقعني لأتكأ عليك ، لتسندني ، كي تقيلني من عثرات العمر قبلك .
تمنيت لو أخبرتك : ليتها وحدها "كعبلة" الزلطة ،هي مقدور عليها ، لكنه قلبك الجميل الذي تكعبلت به صدفة ، وروحك الحلوة المتوهجة المشتعلة بالخوف علي المتقدة بمشاعر لا مستني وإن لم تلمسني .
انتبهت على زلطة المطبخ تجرني لزلطة أسفل الرصيف دفعتك لتسندني ، وتعيدني للسور الذي يجلس عليه الشباب .
لا أنسى تفاصيل بسيطة حفرت بالذاكرة .
تمردت على وجع قدمي والتوائه ، وقررت سأخرج ، سأخرج ، دهنت المرهم ، شددت رباطا ضاغطا ولففته جيدا أسفل بنطالي ، وخرجت للشارع لا ألوي على شيء محدد ، وكل امنيتي أن تهاتفني ، ولا أعرف هل سترحل اليوم حقا كما هو مقرر قبلا ؟ أم أجلت رحيلك ، كم تمنيت لو أوصلتك للمطار .
ووجدتني أتجه صوب المترو الذي لا أحب ، لا أدري لم فعلت هذا رغم أوجاع قدمي ، تحاملت وأنا أهبط السلم ، متعبة قدمي لاقصى حد ، يتعبها أكثر هبوط سلم المترو العادي ، لم أصل للسلم الكهربي بعد .
قطعت تذكرة وحيدة يتيمة مثلي وتذكرت حين قطعتها المرة الفائتة حين كنت معك ولم أكن أعرف انك ستبقى معي ، ورأيتك تذهب لشباك التذاكر وتقطع واحدة لك ، فاعتذرت لك : لم أقطع لك ، لأني لا أعرف انك ستأتي معي ؟ رصيفنا مختلف .
- نعم ، لكني سأوصلك أولا ، ثم أعود
- لم هذا التعب ؟
- لا أبدا لا استطيع أن أتركك بمفردك ، سآتي معك ثم أوصلك .
ظننتك ستأتي معي محطة وأخرى وسأنزل أنا لتستمر أنت .لكنك صممت يومها أن توصلني .فرحت برفقتك كثيرا .أحببت المترو الذي أكرهه لأنه جمعنا .
ها أنذا وحدي
لكنك ما زلت ترافقني ، روحك ، مواقفنا البسيطة ، ذكريات حفرت في روحي ، لا أدري لم ؟
ركبت السلم الكهربي الذي هبط فجأة بي ، أتراه يهبط بي للرصيف أم لسابع وجع لفراقك ووداعك دونما وداع .
أتراه يهبط بي للرصيف الذي سيخلو منك ؟ أم سيهبط بي لحديثك القاسي الأخير الذي هبط بروحي من سابع سما لسابع بئر .
ها أنذا وحدي دونك ، مازلت مسكونة بك وبأشواقي وأوجاعي معا .ولسوف أهبط أهبط حتى الرصيف البارد وحيدة دون دفء صحبتك ، ولسوف تطالعني المقاعد الشاغرة الباردة المغبرة بالوحشة ، ولسوف تصدمني برودة المقاعد الرخامية ووحدتي ، ولسوف أسأل المقعد الخالي عنك ،أين هو الآن ؟ ليته ما جاء ..ليتني ما عرفته ..ليتني ما قابلته ..ليتني ما أحببته ..ليتني لم أطع عقلي والتقيته ، كنت واثقة أني سأرتبط به أكثر وأكثر .
وتمنيت لو صدمه خريفي ، وتمنيت لو انسحب مودع بعد قليل من لقائنا معتذرا .
تمنيت لم لم ينظر طويلا في عيوني ويتفرس ملامحي ، ولو لم يقل لي أنت ساحرة سحرتيني ، لا تفكري أبدا بالعمر أبدا أبدا ، لا تتحدثي عن أية فوارق ، ليته لم يخبرني كم هو سعيد معي ، ليته لم يقل : تمنيت لو تزوجتك ، وخشيت مشكلة الأولاد ورأيهم فقط ، لا يهمني المجتمع .
ليته لم يقل ها أنذا بك اكتفيت وعندك وقفت ببابك وحططت رحالي ولن أطير بعد هذا بحثا عن ضالة ارتجيها .ليته لم يقل : أنهيت طوافي ومطاف رحلتي وتسمرت ببابك فهلا سمحتى لي بالدخول ؟ أنت سمائي البعيدة المنال والصعب الوصول إليها .
ليته لم يجئني مرة أخرى ولا قال : أنا لا أدري معك بالزمان والمكان ، كأني معك خارج حدودهما .نسيت المباراة وكل من حولي ، إلا أنت ؟ ماذا فعلت بي؟
ليته لم ينظر لوجهي متأملا مقررا : تظلمك الصور كثيرا ، أنت أحلى من صورك وأصغر بكثير ، ليته لم ينظر بعيني وملء عينيه كل هذا الحب كل هذا الشوق كل هذا الحنين الذي لم أشعر به مع رجل منذ ما يربو فوق ربع قرن .
ليته لم يأت .. لم أره ..لم يقل ..لم أذهب ..لم نكن ..
لكنها إرادة الله ..
مكتوب لقاؤنا ..
اللقاء نصيب .. الحب نصيب ..الفرح ..الحزن ...كالميلاد والموت ..كله مقسوم.
حبه قدر ..رفعت الأقلام وجفت الصحف.
نفذ سهم كيوبيد بيننا ، معلنا حالة عشق مستحيلة ، بدأت ولم تنته بعد، رم رحيله ، ورحيلي ، رم بعادنا ، وأسفاره وأسفاري ، صار حلي في ترحالي ، رم كل شيء.
صدمني رصيف المترو البارد ، المقاعد الحزينة ، وطيفه يدعوني أن أجلس هناك على هذا المقعد ، لأرتاح قليلا ، وأنا كطفلة أتشبث بوقوفي معه وأوثر وقفتنا على أن أجلس دونه .أحببت نقف معا ، نجلس معا ، نتناول ذات المشروب ، وذاك الساندوتش.
عاودني الدوار الذي يهاجمني احيانا بين الحين والآخر ولا أدري سببه ،هل ضغط مرتفع ؟ هل حرقة قلب ؟ هل حزن مكابد عتيد؟
عاودني الدوار فجأة لما سمعت صفارة المحطة تعلن عن قدوم القطار للرصيف ، تذكرت الدوار الذي داهمني وأنا معه ، أيضا وحاولت أن أداريه عنه ، سألني مخطوفا : ماذا بك ؟
خشيت السقوط ، فمضيت استند لحائط رصيف المترو : لا لا شيء ، خشيت أخبره بأنه دوار اعتدت عليه يعاودني باستمرار وأتناول علاجا لا يأت بنتيجة تماما ، لا سيما حين ألتفت فجأة أو يقتحمني صوت يفزعني ، أو حين أسير بسرعة ..حين أفرح كثيرا أو أحزن كثيرا ، كنت معه فرحة ، فهل دوختني الفرحة معه وأصابتني بالدوار ؟ لا أدري
قال بحنان طاغ : انتظري قليلا ..اجلسي هنا ، لا يهم أن نركب هذا المترو، ارتاحي ولننتظر آخر قادم .
جلست على المقعد الرخامي لرصيف المحطة ، واستأذن من آخر ليجلس جواري ،وراح ينصحني بالاهتمام بصحتي أكثر .لم أشأ أن أزعجه ، أو أضايقه بتعبي.
كنت أعرف أنها ربما أيام أقضيها أو ساعات لا أعرف مابي ، ولا أريد أن أوهم نفسي بالمرض وعيادة الأطباء ، أعرف أني من أكثر الناس إهمالا في صحتي ، وأتعايش مع كل شيء حتى أقع من طولي ، ودائما وقعتي تقودني إلى غرفة العمليات .
معه أحببت دواري وأحببت حنانه وأحببت جلسته لجواري ، وتسكعي كأي فتاة ، كنت نشيطة ، متجددة ، أشعر بالحيوية ، كأن الحب دفقة في الروح ، تطيرها كبالون أو كمنطاد لأعلى .
رافقني بالمترو ، نزل معي وكان المفروض ان يكمل ، وصمم : سآتي معك .
قلت : لأين ؟
قال بعفوية جميلة : لمشوارك .لن أتركك وحدك وأنت بهذا الوضع ، أنا قلق عليك .
تمنيت لو أتى معي ، لكني جبنت أن أفعل ..فاعتذرت : لا داعي .
- هل ستغيبين ؟
- لا أبدا ، بعض أوراق ، في الشركة وأجلت موعدي معهم مرات ، قلت فرصة وأنت معي ، في طريقك.
-ألح بصدق : سأرافقك .
جبنت أفكر : ماذا سأقول لصاحب الشركة ؟من هذا ؟ ولماذا يرافقني ؟إن صاحب الشركة ملتح وسني ، وسبحته لا تفارق يده ، وهو يقدرني ويحترمني كثيرا ويعرف أولادي ، ومن أهل التقوى بل والتزمت الشديد ، خشيت أن تداعبه ظنون شبهة بي .
قلت بجبن : لا يا عادل ، لا ، لا أستطيع آخذك معي ، ماذا سأقول لهم عنك ؟
- قولي أي شيء .
- لست مضطرة للكذب ، سأقول اسمك ، وصورتك معروفة ، فهذا يثير شكوكا .
مضى على مضض ، وحزنت كثيرا ، مضيت متعبة ، الدوار لم يبرحني بعد ، فقدت كل طاقتي حين ابتعد عادل عني وحجزت بيننا آلات استقبال تذاكر المترو.
ظل يتابعني بين الحين والآخر هاتفيا ، ثم نفذ الشحن وفصل الموبايل ، وضعت هاتفي في حقيبتي ، وعدت متعبة للغاية لتستقبلني ابنتي بتفاقم جديد في مشكلتها وبعصبية شديدة ، واضطررت للمكوث معها أدعمها بحضني وأنصت لها تحكي تطورات جديدة تسألني نصحا فيها .
نمت غاية في الاجهاد بعد الفجر ، مستسلمة لأحزاني معها .وأتعزى بوجود عادل في حياتي بلسما لأوجاع العمر.
حين فتحت محمولي في الصباح وجدت عدة رسائل منه في اوقات مختلفة تركها على الخاص.
-10 مساء .أين أنت ؟
-10وربع طمنيني عنك
- 10 وثلث.. هل عدتِ؟
- 11 م ...... ؟؟؟؟
-11وربع ... أين أنت ؟
- 11 ونصف ، أنا قلق جدا عليك
- 9 صباحا ..متى عدتِ بالأمس؟
وفوجئت بكل هذه الرسائل اللامتوقعة ، كل هذا الغيث المنهمر في صحراء حياتي الموحشة ، كل هذه الرسائل ليطمئن بها علي ، أنا ؟؟ أنا التي لا يسأل عليها أحد ؟
ولا حتى أولادي ، يسألون لو كانوا يريدون منها فلوسا أو خدمة ، نادرا ما يسأل أحد الأصدقاء أو الصديقات باستثناء مجاملات الفيس بوك التي صارت تشكل جزءا كبيرا من علاقاتي الاجتماعية خارج الأهل ..وأين هم الأهل ؟ والأخوة ؟ كل في حاله وظروفه وحياته ، مأساة أخرى قطع صلة الرحم تلك ، قلت لعادل : نحن اسرة لا نزور ولا نزار وتبرمجت على هذا لأسباب كثيرة ، لا وق لشرحها .
هذه رسائله يود الاطمئنان علي ، رسائل هي منظومة قلق وانشغال وحب ولهفة وغيرة ومسئولية ورجولة وكل شيء ودون أن يقل "أحبك" فإذا لم يكن الحب هو هذا فماذا يكون ؟
كم فرحت برسائله يومها ...فرحت بها كالغيث لأرض ظمأى ، صدق حين قال يوما : أنا كالغيث أأتي بلا مواعيد .
آه يا عادل ،،، يآآآآآآه ، يالحنيني إليه ، يالفرحي به ، بقلقه علي بخوفه ، باهتمامه ،بكل شيء ، تمنيت لو قلت له : وحشتني قوي ، لكن لم أستطع فحاولت تلطيفها فقلت : أفتقدك كثيرا .
رد بالانجليزية متخففا من حرج العربية أيضا : " آي..ميس ..يو ..تو" أي أني أفتقدك أيضا ووحشتيني أيضا .
كم فرحت بهذه الكلمات البسيطة التي انطوت على الكثير من المشاعر الرائعة .وتواصلنا بعدها بأحاديث عادية وحوارات الوصل كأجمل ما نكون.
ها أنذا على رصيف المحطة الباردة ..وحيدة إلا من كلماته ، إلا من ذكرياتنا القليلة الكثيفة ،ها أنذا وحيدة مسكونة به ، بكل حبي وأشواقي ، ونبض روحي يكرر :
" وحشتني قووي .. أفتقدك جدا ...أي ميس يو تو فري فري فري ماتش "

د أميمة جادو
2 فبراير 2017
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف