
حــســــــن زايــــــــد .. يكتب :
شــمـاعــة الــوزراء فـي مصــر
هالني الزخم الإعلامي ، المواكب للتغيير الوزاري في مصر ، قبل وأثناء وبعد التغيير . فقد فاقت التوقعات كل تصور ، حيث جلس كل إعلامي متكئاً علي أريكته الإعلامية ، يفند بين أصابعه أوراق اللعب ، أو يلعب بخيوط عرائس الماريونيت ، ويحرك قطع لعبة الشطرنج كيفما شاء . هذا الوزير يبقي ، وهذا ينتظر ، وذاك يذهب إلي غير رجعة غير مأسوف عليه . والأسباب التي يسوقها هؤلاء الإعلاميون للبقاء أو الإنتظار أو الذهاب قد تبدو للعامة منطقية ، ومقبولة ، ومعقولة ، بحسب ما يتراءي له ، أو يتصور أنه نبض الشارع ، أو إحساس الجماهير . ولا ريب أن البناء علي أحاسيس الجماهير فقط بناء في غير محله ، خاصة لو كانت هذه المشاعر ملتهبة ، ومتذبذبة . فالمشاعر والأحاسيس الهادئة والمستقرة تعكس قدراً من العقلانية والمنطقية ، وهي فقط التي يمكن التعويل والبناء عليها . هذا فضلاً عن أن اختيار وزير أو مغادرة آخر ، لا تخلوا من أسباب وجيهة للإختيار أو المغادرة . مع الأخذ في الإعتبار وجود نسبة انحراف في أي سلوك أو اختيار بشري . ولذا فإنني أجد بعض المحللين والساسة والإعلاميين يقولون بأنه يتعين معرفة لماذا جاء الوزير في مصر ؟ ! ، ولماذا غادر وزارته ؟ . وربط هذه المعرفة بدرجة الشفافية السياسية المتوفرة في النظام القائم . وهو مطلب أظنه غير منطقي ـ رغم أنني أدعو إليه ، من باب قطع الطريق علي المزايدين ـ لأن الوزير الذي جاء ، جاء لتنفيذ برنامج الحكومة ، لا للتغريد ببرنامج خاص به مغاير لبرنامج الحكومة . والوزير الذي غادر الوزارة غادرها لأنه قد استنفد كل أغراضه ، وقصر جهده عن البذل والعطاء ، وأصبح يمثل عبئاً لا تحتمل الحكومة احتماله . وبرنامج الحكومة خالي من البنود السرية ، إلا تلك السرية بطبيعتها ، وقد عرض علي مجلس النواب ، ويتم محاسبة الحكومة بناءًا عليه . ومن هنا كانت غرابة المطلب ، خاصة أنه لا يوجد ما يقضي بذلك ـ فيما أعرف من دول ـ تتبني أكثر درجات الشفافية منهجاً وسلوكاً . ويبقي التساؤل الأهم معلقاً بغير إجابة ، أو محاولة البحث عن إجابة ومؤداه : لماذا يأتي الوزراء في مصر ويذهبون ولا نلمس لهم فعلاً أو عملاً ، يُحدث التغيير المنشود ؟ . يأتي الوزراء ويذهبون ، ونحن نمشي في المحل ، دون تقدم خطوة للأمام في الطريق الصحيح ، وكأننا مقيدين بأقدار السير في المحل ، بلا فكاك . هل العيب في الوزراء ؟ . إن معظم الوزراء لدينا عندما تقرأ سيرهم الذاتية ، تضرب كفاً بكف ، لأن سيرهم تؤهلهم للعمل ، الذي يشق ممرات في الجرانيت ، والصخور ، والجبال . وعندما يتحركون علي الأرض تجدهم مكبلين بالأصفاد ، يجروُّن في أرجلهم جوالات من الملح . وكأن أدمغتهم قد سقطت منهم في عجائن الجبس ، إزاء ما يواجهه المجتمع من مشكلات . وهنا يأتي تساؤل آخر مشروع مفاده : لماذا يندفع وزراء مصر في هذا الإتجاه بقوة قد تكون غاشمة ؟ . هناك عوامل كثيرة قد تجتمع لتشكيل هذا المشهد العبثي ، الذي يتمثل في حالة العجز والشلل ، الذي يصيب من يملك السلطة والقرار والرؤية . ويعد أهم هذه العوامل ، حالة التصور المجتمعي القائم علي اعتبار أن الوزير بيده كل شيء ، وكل الأدوات اللازمة ، وعصا موسي التي ضرب بها الحجر فانبجست منه اثني عشر عيناً ، ورماها فابتلعت الحيات التي رآها الناس تسعي ، أو انشق لها البحر شقاً . فإذا بهذا الوزير ـ واقعياً ـ لا يملك من أمره شيئاً . المالك الحقيقي للقرارت الوزارية هم وكلاء أول ، ووكلاء الوزارة ، ورؤساء الإدارات المركزية ، ومديرو العموم ، والمدراء ، ورؤساء الأقسام . جيش بيروقراطي عتيق ، لا تحكمه حتي قواعد البيروقراطية ، ولا ينشغل بالقوانين واللوائح ، وإنما الأهواء والأمزجة ، والعلاقات الشخصية ، والتربيطات ، والمصالح الخاصة ، والرشوة ، واستغلال النفوذ . ومصادر المعرفة الحاكمة يستقيها هذا الجيش ، ليس من مصادر علمية ، وإنما ممن هم أعلي منه من الموظفين ، سواء في الدرجة ، أو في السن ، أو في الوظيفة . خبرات متراكمة من خليط يمثل في مجمله ـ بحلوه ، ومره ـ قيحاً معرفياً قميئاً . وحتي لو حاولت الدولة تدبير ، وتوفير ، دورات تدريبية ، بقصد الإصلاح ، تحولت هذه الدورات إلي فرصة للتكسب ، أو فرصة للتحلل من بعض الإلتزامات الوظيفية ، إن وجدت . وهنا ينبجس سؤال ثالث : هل يعني هذا وجود خلل في تركيبة الشخصية المصرية ؟ . والإجابة بالقطع لا . لأن هذا المصري حين تراه وهو يعمل في الخارج ، تراه قد بز في ميدانه ، علي رفقاء العمل من الأجانب . القصة ليست قصة وزير ، فالوزير يجيء ويذهب ، ومهما بلغت مهارته ، فلن تجدينا نفعاً . وكفانا تعليقاً لمشكلاتنا وهمومنا علي شماعة الوزراء . القيح يسبح تحت الجلد وليس فوقه ، وعلاجه لن يأتي من خارجه ـ فوق الجلد ـ بتغيير وزير أو الإبقاء عليه . لابد من التدخل الجراحي ، وإفراغ الجسد المجتمعي من قيحه ، وتطهيره ، وعلاج مصادره، حتي يتعافي المجتمع مما يعانيه ، ساعتئذ لن نكون في حاجة إلي شماعة .
حــســــــن زايـــــــــــد
شــمـاعــة الــوزراء فـي مصــر
هالني الزخم الإعلامي ، المواكب للتغيير الوزاري في مصر ، قبل وأثناء وبعد التغيير . فقد فاقت التوقعات كل تصور ، حيث جلس كل إعلامي متكئاً علي أريكته الإعلامية ، يفند بين أصابعه أوراق اللعب ، أو يلعب بخيوط عرائس الماريونيت ، ويحرك قطع لعبة الشطرنج كيفما شاء . هذا الوزير يبقي ، وهذا ينتظر ، وذاك يذهب إلي غير رجعة غير مأسوف عليه . والأسباب التي يسوقها هؤلاء الإعلاميون للبقاء أو الإنتظار أو الذهاب قد تبدو للعامة منطقية ، ومقبولة ، ومعقولة ، بحسب ما يتراءي له ، أو يتصور أنه نبض الشارع ، أو إحساس الجماهير . ولا ريب أن البناء علي أحاسيس الجماهير فقط بناء في غير محله ، خاصة لو كانت هذه المشاعر ملتهبة ، ومتذبذبة . فالمشاعر والأحاسيس الهادئة والمستقرة تعكس قدراً من العقلانية والمنطقية ، وهي فقط التي يمكن التعويل والبناء عليها . هذا فضلاً عن أن اختيار وزير أو مغادرة آخر ، لا تخلوا من أسباب وجيهة للإختيار أو المغادرة . مع الأخذ في الإعتبار وجود نسبة انحراف في أي سلوك أو اختيار بشري . ولذا فإنني أجد بعض المحللين والساسة والإعلاميين يقولون بأنه يتعين معرفة لماذا جاء الوزير في مصر ؟ ! ، ولماذا غادر وزارته ؟ . وربط هذه المعرفة بدرجة الشفافية السياسية المتوفرة في النظام القائم . وهو مطلب أظنه غير منطقي ـ رغم أنني أدعو إليه ، من باب قطع الطريق علي المزايدين ـ لأن الوزير الذي جاء ، جاء لتنفيذ برنامج الحكومة ، لا للتغريد ببرنامج خاص به مغاير لبرنامج الحكومة . والوزير الذي غادر الوزارة غادرها لأنه قد استنفد كل أغراضه ، وقصر جهده عن البذل والعطاء ، وأصبح يمثل عبئاً لا تحتمل الحكومة احتماله . وبرنامج الحكومة خالي من البنود السرية ، إلا تلك السرية بطبيعتها ، وقد عرض علي مجلس النواب ، ويتم محاسبة الحكومة بناءًا عليه . ومن هنا كانت غرابة المطلب ، خاصة أنه لا يوجد ما يقضي بذلك ـ فيما أعرف من دول ـ تتبني أكثر درجات الشفافية منهجاً وسلوكاً . ويبقي التساؤل الأهم معلقاً بغير إجابة ، أو محاولة البحث عن إجابة ومؤداه : لماذا يأتي الوزراء في مصر ويذهبون ولا نلمس لهم فعلاً أو عملاً ، يُحدث التغيير المنشود ؟ . يأتي الوزراء ويذهبون ، ونحن نمشي في المحل ، دون تقدم خطوة للأمام في الطريق الصحيح ، وكأننا مقيدين بأقدار السير في المحل ، بلا فكاك . هل العيب في الوزراء ؟ . إن معظم الوزراء لدينا عندما تقرأ سيرهم الذاتية ، تضرب كفاً بكف ، لأن سيرهم تؤهلهم للعمل ، الذي يشق ممرات في الجرانيت ، والصخور ، والجبال . وعندما يتحركون علي الأرض تجدهم مكبلين بالأصفاد ، يجروُّن في أرجلهم جوالات من الملح . وكأن أدمغتهم قد سقطت منهم في عجائن الجبس ، إزاء ما يواجهه المجتمع من مشكلات . وهنا يأتي تساؤل آخر مشروع مفاده : لماذا يندفع وزراء مصر في هذا الإتجاه بقوة قد تكون غاشمة ؟ . هناك عوامل كثيرة قد تجتمع لتشكيل هذا المشهد العبثي ، الذي يتمثل في حالة العجز والشلل ، الذي يصيب من يملك السلطة والقرار والرؤية . ويعد أهم هذه العوامل ، حالة التصور المجتمعي القائم علي اعتبار أن الوزير بيده كل شيء ، وكل الأدوات اللازمة ، وعصا موسي التي ضرب بها الحجر فانبجست منه اثني عشر عيناً ، ورماها فابتلعت الحيات التي رآها الناس تسعي ، أو انشق لها البحر شقاً . فإذا بهذا الوزير ـ واقعياً ـ لا يملك من أمره شيئاً . المالك الحقيقي للقرارت الوزارية هم وكلاء أول ، ووكلاء الوزارة ، ورؤساء الإدارات المركزية ، ومديرو العموم ، والمدراء ، ورؤساء الأقسام . جيش بيروقراطي عتيق ، لا تحكمه حتي قواعد البيروقراطية ، ولا ينشغل بالقوانين واللوائح ، وإنما الأهواء والأمزجة ، والعلاقات الشخصية ، والتربيطات ، والمصالح الخاصة ، والرشوة ، واستغلال النفوذ . ومصادر المعرفة الحاكمة يستقيها هذا الجيش ، ليس من مصادر علمية ، وإنما ممن هم أعلي منه من الموظفين ، سواء في الدرجة ، أو في السن ، أو في الوظيفة . خبرات متراكمة من خليط يمثل في مجمله ـ بحلوه ، ومره ـ قيحاً معرفياً قميئاً . وحتي لو حاولت الدولة تدبير ، وتوفير ، دورات تدريبية ، بقصد الإصلاح ، تحولت هذه الدورات إلي فرصة للتكسب ، أو فرصة للتحلل من بعض الإلتزامات الوظيفية ، إن وجدت . وهنا ينبجس سؤال ثالث : هل يعني هذا وجود خلل في تركيبة الشخصية المصرية ؟ . والإجابة بالقطع لا . لأن هذا المصري حين تراه وهو يعمل في الخارج ، تراه قد بز في ميدانه ، علي رفقاء العمل من الأجانب . القصة ليست قصة وزير ، فالوزير يجيء ويذهب ، ومهما بلغت مهارته ، فلن تجدينا نفعاً . وكفانا تعليقاً لمشكلاتنا وهمومنا علي شماعة الوزراء . القيح يسبح تحت الجلد وليس فوقه ، وعلاجه لن يأتي من خارجه ـ فوق الجلد ـ بتغيير وزير أو الإبقاء عليه . لابد من التدخل الجراحي ، وإفراغ الجسد المجتمعي من قيحه ، وتطهيره ، وعلاج مصادره، حتي يتعافي المجتمع مما يعانيه ، ساعتئذ لن نكون في حاجة إلي شماعة .
حــســــــن زايـــــــــــد