د.أحمد يوسف: قبطان مجتهد لسفينة تتقاذفها أمواج عاتية
الكاتب: فهمي شراب*
تشرفت الأسبوع الماضي بدعوة الدكتور أحمد يوسف الكريمة لحضور ندوة حول كتابين له صدرا مؤخراً، في "تجمع قرطبة الثقافي" بغزة، أو ما يمكن تسميته "حفل توقيع" كتابيه "أنا والقلم في مرآة الآخرين"، و "تركيا أردوغان: المسيرة الظافرة للوسطية الإسلامية". وللحقيقة أنني لا أرى أي فواصل أو مسافات تفصل شخصية الدكتور احمد الحقيقية عن كتاباته الصادقة وأسلوبه الأدبي الرفيع، وأهدافه النبيلة، التي يرنو لتحقيقها في هذا الواقع الذي يحتاج إلى فكر مستنير متجدد، ورؤية عميقة حقيقية، لتخرج هذا الواقع من آتون الفتن، ومن أزماته التي تعصف به في بحر لجي يغشاه كثير من المتاهات والظلم وتغييب للحقائق.
وكما يقول بيت الشعر "من وعى التاريخ في صدره أضاف أعمارا إلى عمره"، فان الدكتور أحمد يوسف قد اطلع على العديد من التجارب المتعددة في كثير من الدول،-الولايات المتحدة، الجزائر، تونس، تركيا،ماليزيا الخ...- وبات توصيف المشهد الفلسطيني أمراً يستطعه، على عكس كثير من الذين يفتقرون للنظرة الاستشرافية و يتخبطون ولا يقدمون إلا توصيفا للحالة الفلسطينية على أبعد حد، دون وضع البدائل والحلول والمقترحات.
في سطور بسيطة، هو رجل وحدوي، شامل، يغلب المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية والحزبية، يعرف سلبيات كل طرف ولكنه يعي بان عليه أن يزيد مساحات الأمل والنقاط الايجابية وتشجيع الآخرين على التقدم للأمام، يقدم رؤية ناضجة، لا يخشى احد، سقفه يتخطى التنظيم ليصل إلى حدود الوطن. سيحتاج لأن يطلع على كتاباته من تتسلل إليه إرادة أو نية حقيقية من أولى الأمر لطي صفحة الانقسام، وإتمام المصالحة الفلسطينية. كتاباته تؤرق فقط القطط السمان المنتفعة من تأبيد الانقسام.
وما يلفت الانتباه, انه أحيانا يطرح شيئاً جديدا، فلا يلقى عند البعض قبول، ولكن بعد مرور سنوات طوال، يكون لما قدمه أهمية متزايدة، ويصار إلى اخذ كلامه وما قدمه بعين الاعتبار، بل يكون ما طرحه من فكر مستنير استوحاه من تجاربه الغزيرة وتجارب الحكم في تلك البلدان، هو السبيل الوحيد للخروج من مستنقع هذه الأزمات.
عمله الرسمي الحكومي أتاح له بان يعرف عن قرب دهاليز الحكم، و كيف يصنع القرار، وأن العمل في السياسة له ضريبته، لذا، يوازن بين الموقف المبدئي والممارسة "البراغماتية"، في زمن الاستهداف المباشر للفكرة التي يدافع عنها الدكتور ويؤمن بها.
وهو إذ يعتبره البعض بأنه يغرد خارج السرب، فان أي مجدد ومفكر يواجه نفس هذه الملاحظة، حيث الكثير تعود على التفكير النمطي البطيء، والكثير لا يؤمن إلا بإضاعة الوقت في مفاهيم "التخوين والتكفير". فهو أشبه بالقبطان الذي يعمل في سفينة فقدت بوصلتها تتقاذفها الأمواج العاتية، يحاول أن يرسو بها لمرفأ أكثر أماناً، لذا، فهو يقدم بجرأة مواقفه المتقدمة وفق تجربة واضحة يقدرها عالياً أصحاب الفكر والقلم والنخب والمفكرين وأصحاب المسئولية الحقيقية وقد يرفضها بعضا من التيار الشعوبي وأصحاب المصالح الخاصة.
أكاديمي-
كاتب ومحلل سياسي