الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفصل (7) -رواية تمرد بقلم د. أميمة منير جادو

تاريخ النشر : 2017-02-19
الفصل (7) -رواية تمرد  بقلم د. أميمة منير جادو
الفصل (7)
رواية تمرد

بقلم د / أميمة منير جادو

حتى عدنا .كنا في أسعد حالاتنا
حتى افترقنا في محطة المترو ..كنا في أروع حالاتنا .
قطعنا المسافة ما بين المقهى والشارع في غبش الليل ، نسير في ضي قناديل الضوء الشارد المنبعث من أعمدة الكهرباء البعيدة .
الأرض ليست ممهدة ، تناثرت فوقها زلطات كثيرة بقايا إشغالات مباني مستقبلية .
كنت تعثرت قبلها مرات ، راح يضيء كشاف "موبايله " المحمول بين الحين والآخر ، مسلطا ضوءه على الأرض أمامي ، فإذا ما لاحت زلطة ضربها ببوز حذائه وطيرها بعيدا ..
وهكذا ظل يفعل مرة تلو أخرى منشغلا بزلطات الطريق وصمت أشواقه عن الحديث معي .
كنا سعيدين لأننا معا ..
وكنت حزينة لأنني سأفارقه بعد حين ، تمنيت لو قضيت الليلة معه .تمنيت لو قضيناها معا.
في لقاء الأمس (أول لقاء لنا) عند البحر سألته : وقتما تريد تمشي أخبرني بلا خجل ، لا أريد أن أعطلك عن شيء ، وبابتسامة عذبة صافية ملؤها حنين داخلني منه وبرقة صوت رد: لا ، ليس ورائي شيء، أنا أنجزت كل المهام التي جئت لأجلها ، أهم ما كنت أريده فعلته ، ومستعد أمكث معك ثلاثة أيام متواصلة حتى الصباح .
سألني سؤال غريب لم أفهمه : هو في حد عندك بالشقة ؟
هززت رأسي وقطبت جبيني باستفهام واستنكار لمقصد سؤاله وأجبت بسرعة دون أن أسأله عما يقصده : نعم ، أولادي .ثم سألته بجدية : لم تسأل ؟
رد : لا أبدا ، مجرد سؤال عادي يعني ، كنت ... ... وغمغم بعبارة لم أتبينها تماما ، ربما قال : كنت بافكر نتغدى معا ، أو ما شابه ، ثقتي به حالت دون شك في أية نوايا آثمة ، لا أعتقد أنه من هذا النوع من الرجال ، ولا أعتقد أنه يظن في شيئا من ذلك ، كنت أربأ به وبنفسي عن مجرد التلميح لأي شيء خارج الأعراف .
عدى الموقف بسرعة وبارتباك قال : تحبي نتغدا هنا ، إيه رأيك ؟
شكرته وسألته : هل جوعان ؟
- لا أقول أنت لو تحبي .
- لا لا أبدا ، أشكرك .
كان في الطاولة بجوارنا مجموعة تتناول طعاما ربما وصلتنا رائحته فاشتهى أن يأكل،ثم نظر لشاشة العرض الكبيرة المعلقة هناك بعيدا عنا بالنادي المطل على البحر وقال مقترحا : ما رأيك غدا ستكون مباراة مهمة ، نأتي هنا ، ونشاهدها معا .سأجلس هناك ، وستجلسين هنا على هذه الطاولة وتراقبيننا من بعيد .
لم أفهم ما الحكمة في ذلك غير أنه أحب وجودي معه في كل حالاته أو تفاؤل بوجهى البشوش كما كنت أسمع دائما منذ طفولتي : يا وش الخير والسعد.
علق مؤكدا ما ذهب إليه ظني : أكيد سنكسب لو كنت معي .
ابتسمت وتمنيت وفكرت بسرعة : أنا لا أحب الكرة اطلاقا ولا صوت المعلق ولا المباريات ، ولا عمري شاهدت مباراة رغمنشأتي في بيت يشجع الأهلي ، فشجعت الأهلي بالوراثة دونما اهتمام حقيقي .
رد : وهذا شيء آخر نتوافق فيه معا، بيننا المشترك كثير جدا ، أتذكرين حين كنت أكتب لك شيئا وأجدك تتحدثين فيه في نفس الثانية تقريبا قبلما تصلك الرسالة ، أو العكس ؟ هل لا حظت ذلك ؟ هذا توافق...هههههه
-هذه ظاهرة التخاطر "التليباثي" وهو التواصل عن بعد في نفس الموضوع في نفس اللحظة ، فعلا قلت لي عن أشياء كثيرة كنا نفكربها في ذات الوقت ، سبحان الله ،هذه ظاهرة صحية في العلاقات الانسانية .
-إذن أنت أهلاوي مثلي ، ههههه.
أذكر أن كثيرا من تجمعات أمام التلفاز شهدها بيتنا الكبير ، كان جمهورها بابا وأصحابه ، كنت أضيق بها وبهم وبالوقت الذي يقضونه امام الشاشة لمتابعة المبارة ويصفقون ويتعصبون ويعلقون ، كنت ومازلت اعدها نوعا من التفاهة ، والفرا ، وأن هناك بالحياة ما هو أكثر أهمية بكثير,هو فكر يخصني لكني لا أحجر على أحد ممن يشاهدون آية مباراة ، لهم دينهم ولي ديني.
ليس عادل الرجل الأول ولا الأخير الذي يهتم بالشأن الكروي ، بل واحد من جماهير عريضة على مستوى العالم ،حتما هم الصح وأنا الخطأ.
حتما هم القاعدة وأنا شذوذها ، لم يعرف عني هذا ولم أشأ أن أزعجه برأي مخالف ، فاحتفظت به لنفسي ، ولم تأت مناسبة للحديث بيننا في الشأن الكروي ، سألته : أهي مباراة مهمة ؟
رد : نعم ... المنتخب سيلعب أمام فريق مهم ..
- قلت بوداعة : ربنا يوفق.
عاد يكرر : هيه ما رأيك ..سآتي أشاهد المباراة هنا ، سأجلس هناك ، وأشار جهة شاشة العرض البعيدة ، وأنت تجلسين هنا كما أنت "وطرق على المنضدة الفاصلة بيننا بيديه بهدوء" وراح يؤكد ثالثة : تكونين هنا ، معي وأنا أشاهد المباراة ، ونظر في وجهي متأملا بابتسامة وقور ، أحسست أنه يريدني معه في كل أوقاته ، لا يفوته شيء مني ، في كل سويعاته ، متابعاته ، فرحته ، أحزانه ، لو لا قدر الله وخسر المنتخب ، وربما يستمد مني تأييدا ما ، تحميسا ما ، ربما يود أن يحسب هذا الوقت من بين الوقت الذي سنقضيه سويا ، لكنه لن يكون عقله معي سيكون مشغولا بمتابعة المباراة .
فكرت أن النادي سوف يزدحم حتما بجمهور مشاهدي المباراة الدولية ، وأنا لست من المتحمسين إطلاقا لها ، رغم أني أتمنى أن أكون معه في كل الأوقات ، فسألته وأنا أشاور عقلي بتردد : متى ستنتهي المباراة ؟ فقال:ربما الحادية عشرة مساء .
ابتسمت : في هذا البرد ؟ أجلس لمشاهدة مباراة ، وأنت هناك وأنا هنا ؟ وجمهور محتمل ،والحادية عشرة ، لا.. لا ..صعب ، أتمنى لك وقتا سعيدا .
أومأ بابتسامة وقال : إذن هيا .
كان قد استقبل هاتفا من أخيه يطمئن عليه متى سيعود كأنه طفل صغير ، فاستشعرته قلقا مضطربا متوترا ، ويؤكد انه سيكون عندهم في خلال ساعة على الأكثر .
تضايقت ، لم تكن الساعة جاوزت الثامنة مساء ، كنا التقينا في الخامسة تقريبا ، السويعات جرت سريعة وأفلتت من اعتقالنا لها ، تمنيت لو قضيت معه وقتا أطول ، لكني لم أبين وامتثلت لرغبته دونما تردد .
كانت وجهته عن طريق المترو ، عكس وجهتي ، لكن في هذا الاتجاه يوجد مشوار لي مؤجل من الأسبوع الماضي ، والوقت مبكرا ، أحببت ان أقضي معه بعض وقت محتمل .
اتصلت بصاحب المكتبة ، وطلبت منه المجلات الأسبوعية التي اعتاد تجهيزها وتوصيلها لي وأخبرني أنه تحت الأمر وفي الخدمة ، وأنه يمكنه أن يأتي لي بها كما اعتاد ذلك قبلا ، لكن الرجل فوجئ بأني سأذهب له بنفسي ، فعاد يسألني : سيادتك تحضرين بنفسك لنا ؟ هذا شرف كبير ..فقلت : لي مشوار جواركم فقلت أمر عليكم وأردت أن استوثق من وجودكم بالمكتبة ، وأنها مفتوحة .
حفظت ماء وجهي بهذه الإجابة الكاذبة المرتجلة كارتجال المراهقات أمام الرجل صاحب المكتبة ، فلا مشوار بجوارهم ، ولا أنا أركب المترو ، لكن ركوبه له شجعني أن أركبه معه ، كأي طفلة تتشبث بمن تحب ، فطالما نحن معا ، فكل شيء ممكن وكل شيء يبدو لطيفا وممتعا أكيد.
أخبرته بوجهتي معه ، وركبنا ، سمحت الأقدار بمقعدين شاغرين على أريكة واحدة ، جلس لجواري ، ساد الصمت بيننا ، عرفت انه ليس من هواة التحدث بالمواصلات فصوته مرتفع والناس ستسمعه.وكنت مثله .
رغم أن صوته منذ جلسنا كان خفيضا ، لم ألحظ ارتفاعه ربما حرص على خفضه لأجلي ، كما حرص على تخليصه من لكنته المحلية فبان قاهريا لحد بعيد مما أدهشني .
حقا كان مدهشا في كل شيء منذ حديثنا بالنادي وأناقته وجنتلته حين سحب لي مقعدي لأجلس عليه كأي "جنتل مان" ، فلم يكن بدويا متخلفا بل عصريا متحضرا ، وراق لي هذا كثيرا ، لفتاته البسيطة مما تحبها المرأة واهتمامه بالتفاصيل البسيطة مما يعجبني في الرجل ، تدل على رقته وذكائه وتزيده جاذبية .
سألت نفسي أين تعلم كل هذا وتذكرت أنه أخبرني أنه عمل في بداية حياته بالسياحة قبلما يعمل محاسبا بالخليج منذ سنوات .
أفكر به وهو لجواري صامتا بيني وبينه مسافة الهمس ، قد يتحرك المترو من محطة لأخرى فتلصق كتفه بكتفي لكني كنت حريصة على مسافة السنتيمتر الواحد الذي لا تتيح هذا التلاصق ، لا لعدم رغبتي لكنه حياء اعتدته ، وحرص على وضعي ومكانتي .
لو تركت ذاتي على سجيتها لاشتعل حرمانها بالشوق دونما تلامس، ولكفاها الخيال أن يؤجج رغباتها، لكني أعتدت ترويضها وتهذيبها ، فانصاعت كثيرا لي ، في عز أوقات الاشتعال بالظمأ القاتل .
كان يكفيني أنه لجواري ، وأني أفتقده رغم الجوار ، شعور لم أمارسه من زمن طويل ، أخذته من جواري سيدة خريفية مثلي ركبت من المحطة التالية بان عليها الإجهاد ، فأجلسها مكانه كأي رجل شهم وجدع ، فرحت به في نفسي ، صار لمواجهتي صامتا ، يختلس كلانا النظر للآخر بين الحين الحين دونما تكلف على استحياء ، ونتبادل ابتسامات ودودة مريحة .
تقاسمنا حزنا شفيفا غامضا ، وبعض ارتباك مكابر وحيرة ، كنت أحسب المحطات التي نمر بها ، كل محطة تعني قرب النهاية ، وتمنيت أمنيات خبيثة ، تمنيت لو انقطعت الكهرباء وتوقف المترو .
لكن المترو ينهب القضبان نهبا كعادته ، يمضي سريعا محطة ثر أخرى ، يقصر الزمن الباقي لنا ، حتما ستأتي المحطة الأخيرة وحتما سنفترق ، عشت أحزان الفراق قبلما نفترق .
سويعات قليلة هي التي قضيناها هناك داخل الصوبة الزجاجية لذلك النادي المطل على البحر الأعظم.
سويعات ولا أحلى ذكرتني بفيلم العمر لحظة ، شعرت فيها كيف يختصر العمر للحظة .
تذكرت بيت الشعر القائل :
"ويهون العمر إلا ساعة ..... وتهون الأرض إلا موضعا"
كانت هي السويعات الأولى ، واللقاء الأول بيننا وجها لوجه ، لكن سبقته أحاديث كثيرة في غرفتنا الألكترونية الخاصة جدا ، حتى ليلة البوح ليلة ما قبل اللقاء ، البوح بعذاباتي ، أصر أن يعرف حقيقة وضعي الاجتماعي ، ولم أكن أهتم بهذا ، ولا أحببت أن يتعامل معي من خلاله بل من خلال حالة إنسانية راقية بعيدا عن الأوضاع والمسميات طالما في إطار القيم الجميلة المشروعة ، طالما لا تجاوز.
لكنه ليلتها أصر : أحب أن أعرف اين حدودي ؟وكيف أتعامل معك ؟ هل من حقي أبوح لك بما أريد ؟ أم ليس من حقي ويجب أن أصمت ، واحتفظ بمشاعري لنفسي ؟
يا الله ...
اللعنة على المسميات ..اللعنة على مشانق الأوضاع الاجتماعية الخانقة..ما توقعت أبدا أن يأت علي يوم وأوضع بهذا الموقف ، ويقتلني هذا الصراع .
كنت أخاف حد الرعب لو بحت له بحقيقتي المرة فابتعد ،وليتها الحقيقة .
تمنيت لو ظل قريبا ..
لم تكن هي المرة الأولى التي لا حقني فيها بالسؤال ، فقد سأله قبلا أكثر من مرة دونما مباشرة ، وكنت لا أهتم ، ولا أحبذ الحديث في خصوصية لا تهمني ولا تهم غيري .
وللحقيقة ألف وجه ..
الحقيقة ليست هي المثبوتة في الأوراق الرسمية .
الحقيقة هي الأفعال والسلوكيات التي نمارسها والمشاعر التي نشعر بها .
لكن كيف أفهمه إياها ؟
كان من الممكن أن أكذب أو أدع أي شيء وأخبره بأي شيء واكتفي بهذا القدر ، ولنتتابع على عام الفيس بوك دون الخاص ، وقد قررت هذا بالفعل أكثر من مرة ، وصمتت دونما إجابة بل ابتعدت أياما وكان يعود الحديث عفويا عاديا أخويا لا شبهة فيه .
كان من الممكن أن أتوقف هاهنا ولا داع حتى لأن أراه .
لكنها الأقدار ..
حقا إنها حكمة الأقدار مرسومة بعناية .
لو كنت بحالتي الطبيعية في قوتي ما كنت لقيته ..
لكنها الأقدار وحدها وضعتني تلك الليلة، ليلة ما قبل اللقاء، في حالة قصوى من الضعف الإنساني ، عبر هاتف أتاني من أحد أسباب تعاستي وشقائي بالحياة ، تأزمت الأمور فيما بيني وبين أباهم ، وفيما بينه وبين أولادي ، تأزمت لأقصى حد عبر حوار جارح قاس ، ليس بجديد علينا لكنه قتلني وقتلهم ، كأنه القشة التي قصمت ظهر البعير ، ووجدتني أختنق بقوة كأن ثعبانا يلتف حل رقبتي ويبثني سمومه .
ووجدتني مختنقة بما يفوق احتمالي ، لا ملاذ لي ولا ملجأ بعد الله في هذه اللحظة الحرجة ، وفي هذه العتبات الفارقة إلا هو ..عادل .. هو تحديدا ..ولا احد غيره ...
لا أدري لماذا ؟؟
أعرف الكثير لكنها معرفة العموم ، لا خصوصية لأحدهم عندي ، لا راحة كاملة ، لا ثقة مطلقة ، وحده عادل له عندي مشاعر مستثناة ، لم أكن وقفت عليها تماما إلا في هذه الليلة ، كأن تلك الليلة القاسية الخانقة هي اختبار قدري لمشاعري وأحاسيسي .
كان ضيقي واختناقي على أشده ، أود أخرج الشارع أصرخ ، أود ألقي بنفسي في هذا النهر ، القي بذاتي من الشرفة ، لهذا الحد خرجت عن كل عقل واتزان من فرط تجريحه وإهاناته وراحت سنين العمر كلها تجري بسرعة أمام عيني : لماذا احتملت ؟ ولماذا ضحيت؟ ولماذا لم أحسم أمري منذ زمن ؟ لماذا رضيت بهذه المذلة وذاك الهوان ؟ بكيت بكيت ، اختنقت ، اختنقت، ضعفت
ووجدتني أهاتفه بعد منتصف الليل بكل هذه الشحنة وهذا الاضطراب ، اعتذرت له وأخبرته دون مقدمات أنه كان لابد أن أهاتفه لاستعادة توازني ، لفض بعض توتري ، وأني في أسوأ حالاتي ، بل في أشد احتياجي إليه .
كن شعوري بالحاجة إليه كبيرا وعظيما ، وبما لم استطع التواصل مع غيره .
كنت قطعت وصلي بكل من حولي ولا أطيق أحدا غيره ، فاستعنت بالله واتصلت به .
كنت متوترة ، لا متوازنة ، مختنقة ،بحاجة شديدة كي أبكي في صدر إنسان خاص جدا ، استثنائي جدا ، أثق به وأرتاح إليه كثيرا .
هاتفته وأنا أتشوق ساعات الصباح كي ألقاه ، وطاردتني أغنية " ع اللي جرى .. ع اللي جرى ..بس أما تجيني وأنا أحكيلك ع اللي جرى ، وأمسح دموعي ف منديلك ع اللي جرى .."
ليلتها أخبرته : لا داعي لأن تعرف الكثير عني ، دعني أحدثك بشكل إنساني . عاد يؤكد ما تجاهلته قبلا : ستفرق معي كثيرا لو عرفت وضعك .
اندهشت في نفسي ، فهو يعرف عملي واهتماماي وعمري وأولادي ، لم أخف عنه شيئا ، هذا هو المباح للجميع ، لكنه ليس كالجميع ، صمم وألح .
أندهشت ، هذه عبارة لا يقولها إلا من يريد الزواج بامرأة ، وأنا بهذا العمر خارج نطاق هذا الطرح ن وكثيرا ما تعمدت كشف عمري له .هذا ما كان يهمني مصارحته به .
كرر سؤاله ولأني استبعدت فكرة الزواج تماما ، فلم تتطرق لذهني ، أدهشني إلحاحه ..قال مصمما : أرجوكي ..أخبريني بالحقيقة وأيا كانت لن تتغير مشاعري نحوك أبدا ، ولن يؤثر على شيء ، ولو جاءت متفقة مع رغبتي فيما أحب أن أسمع منك ، سيكون لنا شأنا آخر .
فأي شأن يقصد ؟ وأي رغبة يمكن أن تكون مع خريفية تودع الحياة مثلي ؟
فهمت انه يريد أن يسمع أني أرملة أو مطلقة مثلا ، وكنت أجمع بينهما في الحقيقة ،مع إيقاف التنفيذ ، بل تزيد عليها عذريتي لو أنصفنا ، هذه هي الحقيقة ، لكن الأوراق الثبوتية تدعي كذبا حقيقة أخرى : "زوجة عذراء" ، ولا تكتب كلمة عذراء ، زوجة منفصلة ، ولا تكتب منفصلة ، زوجة مع إيقاف التنفيذ ، ولا تكتب مع إيقاف التنفيذ ،زوجة بالإكراه منذ ما يربو فوق ثلاثين عاما ، زوجة مهانة مقهورة مقبورة مضطرة ، ولا تكتب صفاتها ؟
وزوجة مثالية أمام الناس ، لعلها السمة الوحيدة الواضحة والمشهود لها بها ، فأي حقيقة وأي مشروعية وأي عدل في هذا المسكوت عنه ؟؟
أكثر الزوجات هكذا ، والأزواج أيضا ...فأين العدالة ؟؟
أي عدالة وأي حقيقة لزوجة مطلقة نفسيا ؟ أرملة لزوج على قيد المحاكمة اليومية ، مات ودفنني بجواره في مطبخه وعشة دجاجه التي لم يبق بها إلا دجاجة وحيدة تبيض له ذهبا ، فأمسك بها ، ولم يمسكها بمعروف ولم يسرحها بإحسان .
فأي شرع هذا وأي دين يرضى هذا الذل والإذلال ؟؟
حاشا لله أن اشك في ديني لكن في أنفسنا نحن من فهمنا الدين خطأ .
هذه هي الحقيقة فكيف اخبره بها ؟
وكيف يفهمها ؟
وماذا سيقول عني ؟
كم انا متعبة هذه الليلة ، ضعيفة لأقصى حد، وظمأى لحنان بعيد المنال .
عاد يلح في سؤاله ويمنحني أمانا إضافيا : أرجوكِ ، أخبريني بالحقيقة ، ولن يتغير أي شيء ، ولا تفكري أبدا أني سأتخلى عنكِ ، هل أوكِ..أوكِ ..
قلت : أوكِ.
تنهد متنفسا الصعداء بارتياح شديد ، كان على صدره جبل جثم طويلا وأزحته عنه بتأميني على كلمته : أوك ، وموافقته .منحنى هذا الأمان شعورا بالثقة في أن أبوح له بالحقيقة ، لكن الكلمات تأبى أن تخرج مني ، تخنقني وبقوة ، تنتحر فوق لساني ، صعب ان أنطق ما ليس بالحقيقة ، هو يريد الحقيقة الموثقة ببطاقة هويتي الشخصية ، وأنا أود الاعتراف له بحقيقتي الوجدانية والروحية .
فانا في الحقيقة منفصلة ، ومطلقة نفسيا من ربع قرن ، أما المكتوب في الهوية الشخصية هو اسم رجل لم يزل مثبتا حيا يرزق ، وأنا التي مت اختناقا من زمن طويل.
وبوحت له حتى أصبح الصباح ...
سويعات قضيناها معا نحكي ، وحالة من التناغم الروحي الشفيف لا أنساها أبدا ، لم أعشها في عمري كله من قبل ، حالة حولتني من امرأة ذات جسد إلى روح شفافة أثيرية كانت تحلق في الآفاق.
لم أكن على الأرض معه بل كنا في السماء ، ينقطع الخط كل ساعة ، تارة اطلبه ، تارة يطلبني حتى مطلع الفجر ، صلينا وعدنا ، وكلما راودني النوم قمت وصنعت شايا ونيس كافيه ، لا هو يكتف مني ولا أنا اكتف منه .
كنت أنهل من عذب حديثه الفرات والكوثر وهو يبوح بالكثير من حياته وأنا في أقصى أقاصي سعادتي ، لم أفكر في أي شيء كنت معه وله وبه وفرح استثنائي وحالة خرافية عبر الأثير والبوح في المدى.
كأننا خلقنا لبعضنا ، كأن كل حياتنا قبلا زيفا ، وهاهي بدأت ...
تذكرته وهو يقول : أشعر كأني قابلتك قبل ميلادي ..عام 1990
ولم أنكر عليه مشاعره ، وأحببت هذا التواصل الحميم الراقي الرائع بيننا ، ودعوت الله أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا.

2 فبراير 2017 –شبرا
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف