الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحلقة العاشرة-ذاكرة الترف النرجسي بقلم: د.حنان عواد

تاريخ النشر : 2017-02-17
الحلقة العاشرة-ذاكرة الترف النرجسي بقلم: د.حنان عواد
ذاكرة الترف النرجسي

القيادة الفلسطينية وروح الثورة...

تخرجت من معهد المعلمات في مدينة رام الله ،وأنا أحمل أولى خطوات المستقبل المفروش بورود الطموح والتطلع الى مستقبل ممتد الفضاءات،أتلمس عبيره في روحي وفي توثبها نحو أهداف رسمتها لنفسي،وصممت أن أحققها،وأن أسير في مسارات المعرفة من مصادرها المتعددة .

لم تكن الجامعات الوطنية الفلسطينية قد تأسست في فلسطين في ذلك الوقت ، ولم اتمكن من السفر للالتحاق في جامعات الخارج ،  وذلك بسبب الاوضاع السياسية التي فرضها الاحتلال الاسرائيلي، الذي القى بستائره السوداء علينا ، ورسم معالم القيود في اركان وجودنا وتحركاتنا ، فقررت ان اضيء شموع الروح من خلف الجدران الموصدة ، واكون .  فكان لا بد من ايجاد حلول تساعدني على تحقيق خطوات طموحي الذي ينبعث في نفسي نارا يصعب اطفاؤها،تلتهب في روحي،وتشعل ارادتي لمتابعة السير في الطريق مهما  اشتد الظلام .

انتشرت في ذلك الوقت اعلانات  للالتحاق في الجامعة العربية في بيروت للانتساب في حقول وتخصصات متعددة ، على ان يتم عقد الامتحانات النهائية في نهاية العام في الجامعة نفسها . راقت لي الفكرة ، وتوجهت الى المعهد العلمي الواقع في شارع الزهراء للتسجيل في الجامعة ، حيث كان متخصصا في هذا الموضوع ، التقيت هناك السيد علي الحسيني مدير المعهد ، وهو شخصية متميزة ذات حضور ثقافي ، اهتم بي كثيرا ، فسجلني في الجامعة تخصص ادب عربي ، وزودني بجميع الكتب والمراجع الهامة ، وكنت اتابع معه متطلبات الجامعة ، وأخذت أعيش تجربة التحليق في أجنحة المعرفة من أوسع أبوابها.

اضافة الى التحاقي في الجامعة ، سجلت في دورة للغة الفرنسية في المعهد ذاته ، وقد طلبت مني ادارة المعهد المساهمة في تدريس بعض الطلبة في اوقات محددة ، قبلت العرض ، وفي الحصة الاولى دخلت الغرفة ففوجئت بان بعض الطلبة يقتربون من عمري ، وبعضهم يكبرني سنا ، اذكر منهم السيد فهمي ابو سنينة الذي كان يعمل في مطعم في القدس ، والسيد مازن الفتياني الذي كان يعد نفسه للالتحاق بالجامعة في العراق ، وقد كان صديقا مقربا جدا لاخي رياض ، وفي احد الايام حضر اخي الحصة مع مازن للاستماع الي ، نظرت اليهم ونظروا الي ، وفجأة انتابنا جميعا ضحك هستيري، خرجت من غرفة التدريس ،ولم اعد ثانية . 

ومرت السنون، وفي احد الايام ،اثناء تواجدي في مكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات ،التقيت السيد فهمي ابو سنينة ، وحين راني ركض الي قائلا " اهلين معلمتي " ، ضحكنا بشدة ، ونظر الينا الحاضرون باستغراب شديد .

منذ ذلك الحين ،بدأت بنشر مقالاتي  السياسية في "جريدة القدس" ،أولى الجرائد التي صدرت في مدينة القدس،والتي يرأس تحريرها السيد محمود أبو الزلف..

ثم تبعتها "جريدة الشعب"،برئاسة السيد محمود يعيش.

في بداية تأسيس الجريدة ،اتصل بي السيد محمود يعيش،وطلب مني أن أكتب مقالات يومية للجريدة،حيث كان يتابع مقالاتي في جريدة القدس .وافقت،وأفرد لي عمودا يوميا،وأخذت أنشر مقالاتي تحت عنوان "من دمي أكتب"،وهي مقالات سياسية ،تعكس الرؤيا الوطنية والموقف السياسي الثوري .

 دخلت عالم الصحافة،واستقبل الناس مقالاتي بالترحاب والمتابعة والدهشة،كيف لفتاة مثلي أن تكتب عن الدم والوطن،في زمن اعتادت به المرأة أن تكتب عن ذاتها،وأن يفرد اليها زاوية"اليك يا سيدتي"،لتناقش مواضيع الأزياء والأطباق ، والمشاكل الاجتماعية.

كان رئيس التحرير محمود يعيش، طيب الله ثراه،يفرد لي مساحات هامة في الجريدة،ويتعامل معي كابنته .جاءني يوما قائلا:"لماذا تغرقين نفسك بهموم الوطن،اكتبي عن المرأة،خذي زاوية اليك يا سيدتي،نحن بحاجة اليها ،تضايقت جدا  ورفضت ، واستمر عمودي اليومي،ثم أعاد الطلب وألح علي كثيرا،فخصصت عمودا أسبوعيا بعنوان"اليك يا سيدتي"،وطعمته بالمعايير السياسية والوطنية،ثم استحثني ثانية أن أقدم "طبق اليوم"،فوعدته بالاستجابة..في اليوم التالي جهزت صفحة كاملة بذات العنوان،وافتتحت الزاوية بالكلمات التالية:"سيدتي،الدخول الى قلب الرجل يكون عن طريق معدته،فاحرصي على تقديم الأطباق الشهية،واليك وصفة اعداد الديك الرومي المحشي"، قدمت الوصفة بعناية ، وشرحت كيفية اعدادها بكل مستلزماتها. فاذا برئيس التحرير يفاجأ باتصال من سيدة فلسطينية تقول له،ضاحكة،:يبدو أن عندك طباخة ماهرة، وذات خبرة عظيمة !!!". فاقتنع بعدها بأنني لا أجيد الطبخ ولا شرح الوصفات ،وانما أجيد الجلوس في مطبخ الوطن السياسي،أقفلت زاوية "اليك يا سيدتي"،لأكتب للأرض والانسان الفلسطيني أينما كان .

آمنت،وأنا أعيش في ظلال مجتمع أعشقه وأعتز به، وأسعى لأجله،بأن هنالك الكثير من القضايا تستحق الوقوف عندها طويلا في رحلة البناء الفكري والمجتمعي،لصياغة أفكار قد تقودنا الى الوعي الايجابي والمسؤول في بناء مجتمعنا الحديث،وهي بحاجة الى تمهيد توضيحي ،حتى يستطيع المتلقي التفاعل مع خطوات التغيير دون اغفال الرؤى المجتمعية،ودون التفاعل مع مستوردات الفكر والسلوك التي قد تكون بعيدة عن واقعنا المعاش.

أخذت جريدة الشعب تحتل موقعا سياسيا ووطنيا في السبعينات ، كنا نقضي الساعات المكثفة بالعمل السياسي والثقافي،وتمتد الساعات الى منتصف الليل.

كانت الجريدة ملتقى السياسيين ،والمفكرين ،وأصحاب التجارب،وكنت في الدرجة الأولى من السلم،أمنح من روحي وقلمي، وأتعلم الكثير من أساتذتي. علي يعيش ابن صاحب الجريدة،كان يتابع مهام والده،كنا نقضي أوقاتا كثيرة في الأحاديث والمتابعات السياسية ، وقد تعرضت الجريدة الى اغلاقات عديدة من قبل سلطات الاحتلال،وتعرضت مقالاتي بشكل دائم لمقص الرقيب.

عبد الباقي الرفاعي، استاذ من الرعيل الأول،كان يكتب مقالته اليومية،ويقضي مع محمود يعيش ساعات، يطرقون بها على أبواب ذاكرة الماضي،فقد كان السيد محمود يعيش"أبو علي"، يرأس تحرير جريدة الجهاد في الخمسينات والستينات ،وكانت أحاديثهم مشوقة تجذبني.

الصحفي المرحوم فؤاد رزق،كان مديرا للتحرير لفترة قصيرة،وكان مبدعا،ثم قضى نحبه،وتولى رئاسة تحرير الصفحات الأدبية الصديق ابراهيم قراعين،

اهتم ابراهيم بعمودي اليومي،وشكلت الصداقة الابداعية والانسانية حافزا للعطاء.

كنا نجلس عند رئيس التحرير،فيسهب علينا بفيض قصصه،ثم نتابع الدراسة في الجامعة،اضافة الى اللقاءات الثقافية والأدبية.

كانت جريدة "الشعب" مقر المثقفين،وملتقى المفكرين،ومن بين حروفها كانت تتشكل صورة فلسطين التي نود أن ننقلها الى الشعب الفلسطيني والعالم،لحمل الراية، والحفاظ على الهوية الوطنية في زمن الاحتلال الوحشي.

وكنا على اتصال بالقيادة الفلسطينية في المنفى،نوافيهم بالتقارير الهامة حول الأرض المحتلة،ونتابع من خلالهم، متطلبات عملنا السياسي والثوري، كنا صورتهم الوطنية في القدس، وفي جميع أرجاء فلسطين، وكانت الكلمة هي الهوية التي تحمل الانتماء لقضية وانسان.

وكانت القدس مركز الحركة الوطنية ، وكل بدء بها ومنها،وجريدة الشعب كانت  صوت حركة فتح في الداخل.

تسلم رئاسة التحرير بعد ذلك، الأخ أكرم هنية،حضر من عمان،واستقبلته في الجريدة،وكان يتابع مقالاتي باهتمام قبل أن يتسلم رئاسة التحرير،كان معي يوميا،يلتفت الي ويطالع مقالاتي ويشجعني،وأحيانا أشعر وهو يولي الاهتمام بمقالاتي،ينتابه صمت ووجوم .أتابع الكتابة،وكأنني لا أفهم.

شخصية هادئة،جدية،أكاد لا أراه يبتسم..طرحت عليه أهمية تأسيس اتحاد الكتاب في الأرض المحتلة،ليكون رافعة للاتحاد العام،لأن الاتحاد كان يندرج تحت مظلة الملتقى الفكري،وكان يرأسه آنذاك الشاعرعلي الخليلي.أتفقنا على التأسيس،وبدأنا نعد القوائم،وعينا موعدا للانتخابات.وقد توجهت الأنظار حولي لقيادة الاتحاد.وكان من المرشحين أيضا،الشاعر المعروف عبد الناصر صالح ، والدكتور سمير شحادة والدكتور جمال سلسع الذي ظل يحاول الفوز  بقيادة الاتحاد. وكان المكتب الفلسطيني قد تأسس حديثا ،تراسه ريموندا الطويل ، وابراهيم قراعين. وضم الأخ رضوان أبو عياش ، ومجموعة من الكتاب والاعلاميين،وقد رأى المكتب أن يكون رئيس الاتحاد من أعضاء المكتب،لسهولة الاتصال مع القيادة. 

وكان المكتب الفلسطيني،ومقره شارع صلاح الدين،يقوم بدور اعلامي وسياسي متميز،تأسس المكتب وأنا خارج الوطن،كثير من الوجوه الاعلامية انطلقت من هناك،وكان المكتب أيضا،مقرا للاجتماعات السياسية،ولتوزيع المنشورات الاعلامية.

وأخيرا تم اختيار المتوكل طه ، وقد كان حينها محررا بسيطا في المكتب الفلسطيني..ولهذا،وخلال الانتخابات،حصلت مشادات،وانسحب أعضاء،واحتج أعضاء،ووقفت أمام الأخوة،طالبة منهم القبول من أجل حركة فتح،واحتراما للموقف السياسي.

عقدنا اجتماعا جماهيريا هاما في الفندق الوطني للاعلان عن تشكيل الاتحاد.

وكانت لحظات تاريخية هامة، أن يتم انجاز الانتخابات ، وتأسيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الأرض المحتلة،ومقره القدس،ليكون فرعا أساس للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ومقره تونس.

تم انتخابي سكرتيرا عاما للاتحاد،فباشرت مهامي على الصعيد المحلي،العربي والدولي،من خلال الأخ أبو عمار والأخ أبو جهاد.

وفي لحظات اشراقات الفرح بانجاز هذه المهمة السياسية الثقافية الهامة،وعمق المسئولية الملقاة على عاتقنا،استقبلنا وفودا كثيرة،جاءوا للتضامن مع الشعب الفلسطيني،وكانت القدس آنذاك،تزدان بحلتها الوطنية والقومية،والنشاطات المكثفة ووفود التضامن. علاقات حميمية ربطتنا مع كتاب فلسطين التاريخية،نظمنا خلالها العديد من المهرجانات الملتزمة،والتي أكبرتها القيادة..وظل أبو عمار يوصينا عليهم بشكل دائم،فكلما اجتمعت به كان يقول لي:"ال 48 يا حنان".

أذكر الوجوه السياسية التي عملنا معها بكل ثقة، صالح برانسي وحركة الأرض.. واول مؤتمر عقده في القدس،يعقوب حجازي ودار الأسوار التي ساهمت بنشر الابداع الفلسطيني..مجلة المواكب،ولفيف من كتابها المعروفين الذين أغنوا التجربة الوطنية..جريدة الاتحاد ودورها التاريخي الهام..وبعدها بسنوات تأسست جريدة الصنارة والذي ترأس تحريرها الشاعر الكبير سميح القاسم..ولا ننسى حركة أبناء البلد الرائدة بزعيمها رجا اغبارية،و التي كانت وظلت مصدر الفخر والاعتزاز..اضافة الى الشخصيات السياسية التي حملت صوت فلسطينيي الداخل،ومثلتهم في أحلك الظروف، حتى أصبحوا قوة لا يستهان بها أمام المحتل. ولا ننسى الشخصيات الأدبية المميزة في ابداعاتها المقاومة،ودورها في صنع الصيرورة الفلسطينية،انها قامات عالية ،حملت روح الثورة والكلمة الملتزمة التي حققت البعد الوطني والعالمي .امتدت العلاقات بهم ومعهم في بناء الهوية الوطنية غير القابلة للكسر،والتي استعصت على التشويه والتزييف.أسماء  من ابداع خارق يحتاج الى صفحات خاصة لذكر كل منهم وايفائه حقه.

وحينما كنت أقطع المسافات لأصل الى أم الفحم،الناصرة،عكا وغيرها،كنت أشعر بفلسطينيتي المكتملة الحضور.

كان الفندق الوطني الواقع في شارع الزهراء،علامة مميزة من علامات النشاط السياسي ،استضفنا وفودا من جميع أنحاء العالم،وكانت ادارة الفندق في جاهزية تامة وفي تعاون مع حركتنا الوطنية.لا استطيع احصاء كم الفعاليات الملتزمة التي أطلقناها هناك،والتي استمرت الى فترات طويلة متلاحقة،الى أن توقف الفندق لأسباب عائلية،ثم أعيد فتحه حديثا.

ويظل الفندق الوطني صرحنا الذي انطلقت به كلماتنا،واحتضن ضيوفنا ،وسار معنا في خطوات العمل الجاد،وحينما تم اغلاقه، شعرنا بهذا الغياب،وصعوبة استبدال تلك المظلة الحضارية.

وفي ذلك الشارع أيضا، مطعم "فيلادلفيا"،الذي كان المكان الحاضن لضيافة الوفود الدولية والمحلية.

ونظرا لتكثيف نشاطنا في مدينة القدس،واستمرارية النشاط الهادف ،ظهرت القدس، وكأنها تنعم بحريتها واستقلالها،رغم حجم الملاحقات والاعتقالات.

كثفت الحكومة الاسرائيلية هجومها على الابداع المقاوم والكتاب،واعتقلت العديد من أصحاب الكلمة الحرة،رئيس الاتحاد المتوكل طه،الكاتب عزت الغزاوي،الشاعر عبد الناصر صالح ،الدكتور سمير شحادة وآخرون،

وكنت تحت الملاحقة والمراقبة الدائمة من الاحتلال الذي منعني من السفر عدة مرات،واستدعاني للتحقيق في أكثر من نشاط، وأكثر من فعالية.

 كان الاحتلال يقوم باستمرار بمداهمة مكان انعقاد الاجتماعات، يوقف الفعالية ويعطلها بالقوة، لنبحث عن منفذ آخر..

وكنا دائما نبحث عن منافذ، فاذا اغلق مسرح أو قاعة،كنا نلجأ الى المكاتب غير المعروفة وقاعات الفنادق،واذا تعذر، نعقد اجتماعنا وفعالياتنا بأحدى البيوت..

وكثفنا من خلال الاتحاد أيضا، علاقاتنا مع النقابات الأخرى في جميع أنحاء الوطن،وعملنا بتنسيق دائم في تفعيل المد الوطني الفلسطيني. وكان الأخ القائد ابو جهاد طيب الله ثراه،يولي اهتماما كبيرا بالنقابات،وطالبنا بتأسيس نقابات مختلفة،لأهميتها في تجميع القوى وقيادتها،وخلال عملنا الميداني، أدركنا عمق الفلسفة المطروحة.

ابتدأنا علاقاتنا التنسيقية مع النقابات المشابهة،كنقابة الفنانين التشكيليين،المعلمين،وغيرها..          

وقد قدمت لنا نقابة المهندسين في غزة دعوة احتفالية بتأسيس الاتحاد،وكانت الطريق الى غزة بلا حواجز،ذهبت أنا والمتوكل طه،استقبلنا منظمو المؤتمر بكل ترحاب،وكان احتفالامميزا لتأكيد وحدة الأرض الفلسطينية التي حاول الاحتلال تفتيتها.أخذنا نلقي قصائدنا الملتزمة،وحين كنت على المنصة،أمام الجماهير المحتشدة،شدني الموقف، فارتجلت قصيدة لغزة..بعنوان"لقد آن للفارس أن ينتصر"،

في ظلال الزيتون

في أوراق الليمون في دموع الأطفال

أبحث عنك

في قمة بركان أحمر

في الأرض المزروعة زعتر

يا فرحي الأكبر

يا وطن الأحزان تفجر

يا وطن الأحزان تفجر....

غزة يا أمي

يا غزة...ولهيب الشوق بنا يكبر..

الى آخر القصيدة.

واعتبر النقاد هذه القصيدة استشرافا لما سيأتي،فقد تفجر الوطن في انتفاضة شعبية مباركة، استمرارا لدرب الكفاح الثوري الذي قادته الثورة الفلسطينية.

شكلت القدس في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات،العاصمة الحقيقية لدولة فلسطين، وعقدنا بها عددا من الفعاليات الهامة والصاعدة بارتقاء الروح الجمعي نحو الحرية،في ظل الانتفاضة المباركة والتي أسست لحقبة سياسية جديدة،و تاريخا كفاحيا،حضاريا وحضوريا للشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة.

والحديث عن الانتفاضة حديث كثير التفاصيل، منقوشة كلماته بفيض المشاعر ونبل التضحيات.وكلما طافت في ذاكرتي صور البطولات ،أتوقف طويلا عند عظمة الروح التنظيمية الجمعية،والخطط المستحدثة ،والبيانات الساخنة،والاستجابة الشعبية بشكلها التكاملي في تنفيذ العصيان المدني والتحدي والصمود.كان شعارها :"لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة"،وبالطبع لا صوت يعلو فوق صوت فلسطين.عشت الانتفاضة بتفاصيلها ومهامها الميدانية،وكتبت عن الروح النضالية الفلسطينية،ولم يتوقف قلمي، رغم محاولات الاحتلال اسكات الصوت الفلسطيني .

كانت القدس هي المركز الفاعل للانتفاضة،وتشكلت القيادة الموحدة من الكثير من رموزها،وانطلقت بياناتها الثورية .

وكانت المحال التجارية تفتح عدة ساعات فقط،وبعد اغلاق المحال التجارية، تبدأ الخطوات الميدانية.

أذكر أن شارع صلاح الدين كان محور الأحداث ، وقد كانت محلات بيع الأشرطة الموسيقية تضع أغان ثورية محركة للشارع ،وكان الاحتلال يصادرها ويلاحق أصحابها..

ما أروع الكلمات وهي تروي اسطورة الشعب النضالية والثورية .

أصدرت في تلك الأيام عملين أدبيين يصوران المرحلة،كتاب"الفارس يزف الى الوطن"،و"ديوان اخترت الخطر"، محملان بفيض ارادة التحدي والصمود،وتصويرموقف المرأة الصلب أمام كل ما يجري...

ففي قصيدة "اخترت الخطر"،والذي أخذ الديوان عنوانه منها:"

عذبوني

عذبوني..حجبوا عني ضياء وقمر

خيروني بين موت وسفر

وأنا اخترت الخطر

أنقل الخطوة في الخطوة

لا أخشى الحفر.."

وفي قصيدة "أشواق" من الديوان:

أحبك أيها الرجل الفدائي الذي يمضي الى وطني

أحبك أيها الجسد الفدائي الذي يمضي بلا كفن

أحبك راية تعلو وترفع في ذرى وطني...

وقد سجلت قصائد الديوان في أكثر من اذاعة مع خلفية موسيقية ساهمت بوصول روح الرسالة الى المتلقي.

وامتد النشاط السياسي الهادف ،وتلاحقت الأحداث،واستسرش العدو...وحملت رسالة الانتفاضة ، وصوت منطمة التحرير الى الخارج ،في  برامج هادفة للحفاظ على الرؤية الثورية للانتفاضة،

تابعت القيادة الفلسطينية الانتفاضة بفخر،لانها ارادة الشعب في أرضه المقدسة ، وكان تأثير الانتفاضة كبيرا على حكومة اسرائيل التي أخذت تستنجد لايجاد حلول بديلة لاخماد الثورة المباركة.

بدأت في تونس بعض الخطوات التي رسمت معالم جديدة، فقامت الولايات المتحدة ببدء حوار مع  منظمة التحرير، لطرح فكرة السلام ،أسفرت  الحوارات عن عقد مؤتمر مدريد .

كان المؤتمر يشكل خطوة سياسية هامة شارك بها عدد من دول الطوق، على مبدأ الأرض مقابل السلام، تبعها لقاءات واجتماعات مكثفة.

وفي نفس الوقت،كانت التهديدات الأمريكية لصدام حسين تشتعل.. وبعد غزوالكويت،قرعت طبول الحرب واشتدت التهديدات.

استفقنا على هزيمة أخرى، وحصارمقيت لدولة عربية غراء...

لم نتوقع الهزيمة،بل كانت ملامح النصر تبدو،وارتقاء أرواحنا يتجدد.

 بحثت عن الروح التي كانت،وزمن الارتقاء والصمود،وكلمات الرجال الملتزمين،لأجد المشهد أضحى ضبابيا،والكلمات التي أطلقناها وأطلقها المبدعون في المربد،وكلمات الوعد، صارت في صحراء التيه.فكيف جرت كل هذه الأحداث؟ وساربنا الحال ؟؟! وكيف يرسم التاريخ لنا قهرا آخر وألما يصعب شفاؤه؟؟، وماذا علينا أن نفعل وقد تشرد شعبنا مرة ثانية؟؟.

وأمام سلسلة المصائب والكوارث،اجتمعنا في مكاتب المنظمة بشكل متواصل،بعدد من الشخصيات السياسية والنسائية ،لدراسة تداعيات المرحلة ، والخطوات اللازم اتخاذها..أسفر الاجتماع عن الاتفاق على برنامج عمل مرحلي في ظل الهجمة الشرسة التي تقوم بها اسرائيل وأعوانها.

وبعد تأسيس فرع فلسطين لمنظمة المرأة العالمية للسلام والحرية ، واستكمالا لرسالتنا السياسية ، وبرامجنا الملتزمة ،عقدنا مؤتمرا هاما بعد الحرب الكارثية على العراق الشقيق،دعما للشعب العراقي والموقف الفلسطيني.

 قمنا بدعوة ممثلين عن جميع القوى الوطنية،وعدد من الأساتذة المتخصصين ، ولفيف من كتاب ورؤساء الأحزاب السياسية من الداخل الفلسطيني،وقد حضر الجميع دون استثناء،وعقدنا مؤتمرا صحفيا،أعلنا فيه الموقف الفلسطيني دون تحفظ، رغم أن قوات الاحتلال كانت تحاصر المسرح الوطني،الذي يعقد فيه المؤتمر.وكان المسرح الوطني،بادارة الدكتور أنيس القاق آنذاك،مركزا هاما للفعاليات السياسية، وقد تعرض للاغلاق عدة مرات من قوات الاحتلال.

 نظم المؤتمر بكل ابداع،وقام بتنظيمه شابان من اسرة المكتب،وهما الأخ محمد عياد والأخ معروف الرفاعي ، اللذان كانا شعلة عطاء وانتماء.

بذلا جهودا كبيرة في الاعداد والتنظيم ،والذي لاقى اكبارا من الحضور..فتخال وأنت تشاهد الحدث،بأنك في بلد محرر.رفعت الأعلام الفلسطينية والتي كانت ممنوعة حينها،وعزفت الألحان الوطنية الهادفة،النشيد الوطني الفلسطيني وأغنية "بغداد يا قلعة الأسود ".

وجاءت الكلمات جميعها في نسق سياسي واحد ، رغم تعددية الرؤى .وشكلت دعما قويا، للثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية والعراق.

تبع المهرجان،ندوة سياسية، تحدث فيها عدد من الأكاديميين والسياسيين في رؤى تحليلية معمقة.

كانت المؤسسة تشكل مدا نضاليا بثقة القيادة ، وتشجيعها الدائم..وأصبحت المؤسسة مركزا ،ومرجعية للقدس في مجدها،وتوثبها في طريق النصر ووحدة المصير، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية ، الممثل الشرعي والوحيد.وظل الشباب يعملون بروح الانتماء والقوة، والحرص على كينونة فتح وعلى المباديء التي طرحها ياسر عرفات.

كانوا أجنحة محلقة بالعطاء، ،فكانوا قوة ضد التهاون والتطبيع والمراوغة..سميح الرفاعي العم المقرب لمعروف،كان دائما رجل الأمن الدفاعي عن المؤسسة وتحدياتها..وقد ربطتني بهم العلاقات العائلية أيضا،واعتبرهم والدي أبناءه،وكانوا صورة لا تنسى في زمن الفقد لوالدي الذي هز كياننا جميعا.

لاقى الحدث تغطية اعلامية كبيرة ، وقد أكبر الرئيس عرفات هذا الحدث،واتصل بي شخصيا،

وهنأني على نجاح المؤتمر.

وفي كلمة الأخ جميل ناصر ، ممثل حركة فتح آنذاك،والذي أصبح في ظل السلطة الوطنيةمحافظا للقدس ، ثمن عاليا هذه المبادرة، واعتبر كلمتي في افتتاح المؤتمر، وثيقة سياسية تاريخية يجب اعتمادها كمرجعية،وطالب بتوزيعها على المؤسسات الوطنية.

وعودة الى جريدة الشعب ،والأحداث السابقة المتداخلة...

بعد الانتحابات بأسابيع ، قام الاحتلال الاسرائيلي بابعاد الأخ أكرم هنية،  تظاهرنا،وتجمعنا،في المحكمة احتجاجا، ولكن دون جدوى..غادر أكرم هنية البلاد قسرا،لألقاه في السنة التالية في بغداد،عند الأخ أبو جهاد.

وبعده تسلم رئاسة التحرير الاخ غسان طهبوب ، ومن خلال العمل الملتزم، نشأت بيننا صداقة مميزة ، كنا نجلس ساعات طويلة في النقاش ودراسة الوقائع ، وبعد عامين، ترك جريدة الشعب، ليصبح رئيس تحرير جريدة الفجرالتي تأسست بعد جريدة الشعب .

سافر بعدها الى الخليج العربي ، والتقيته في اللقاء الثقافي في دبي..

وبعدها استلم التحرير الأخ صلاح الزحيكة ، مع مجموعة من المحررين منهم،عبد الله أبو صيام،نعيم الطوباسي وآخرين..

كانت جريدة الشعب منبرا هاما لي،سجلت مقالاتي مواقف سياسية صلبة،وكان رئيس التحرير كلما أنجزت مهمة نجاح بحصولي على درجة علمية،ينشرها على صفحات الجريدة باهتمام،حتى انني حينما أنهيت السنة الأولى في الجامعة بدرجة امتياز،جعل الموضوع خبرا هاما،ولم يكن معتادا أن تكتب تهاني للسنة الأولى.

وسارت روح الابداع، لتتلاقى مع خطواتي الجامعية ونشاطي السياسي .فتابعت دراستي في جامعة بيروت العربية، والتحقت في معهد الدراسات الآسيوية والافريقية في الجامعة العبرية في القدس،وبدأت أطوف في حدائق المعرفة والقلم..أخذ حضوري الفكري ينمو في بلدي،وقد ساعدني أهلي كثيرا،والدي منحني الثقة المطلقة والحرية،وعرفني بالناس،وفتح أبواب بيته لأصدقائي بوجودي وعدم وجودي،وقدم لي أجمل هدية يمكن أن تحلم بها فتاة عربية،وهي الثقة والاحترام والحرية،وبالطبع،تناولتها بمسئولية،ووضعتها في امتداد قيدي الذاتي، الذي يسير باتجاه القيم العليا والمجد الأسمى..

في الجامعة في القدس ، دخلت عالما جديدا،عالما مليئا بالحيوية ،والتحدي ،والعلم والعمل،وابتدأت المشوار..

كان معي عدد من الزملاء من القدس، الأخ فرنسيس دعيبس،والأخ ابراهيم قراعين،وتعرفت على عدد آخر من فلسطين التاريخية،أعتز بهم،والذين أصبحوا في المستقبل شخصيات اعتبارية،ابراهيم نصار،الذي أصبح محاميا مميزا،عدنان صرصور الذي اهتم بي كثيرا،وأصبح مديرا للتربية والتعليم، رياض اغبارية،والذي ترأس الاتحاد قبلي ،نواف شلبي الذي أصبح محاميا أيضا، وكان أخا وصديقا وفيا لم يتوقف يوما عن الاهتمام بي والمتابعة معي في العديد من الامور الهامة،وحينما سافرت للدراسة ، لم تفارقني رسائله.

في ساحات الجامعة التي تكسوها الحشائش الخضراء، جلست ساعات حالمة تحت ظلال الأشجار، وفي قاعات المكتبة،أقلب الكتب، وأغيب فيها عشقا ونهما للمعرفة،أخرج قليلا الى الكافتيريا،ثم أعود ثانية للمتابعة..كانت سنوات جميلة في بدء خطى المستقبل،وكلما أنهيت محاضرة وخرجت من القاعة،وجدت الأصدقاء بانتظاري،كنا نجلس جلسات أخوية ودراسية.

عشنا تجربة خاصة،تبدأ حروفها من انتمائنا الوطني،وحرصنا على الاستفادة  من التجربة العلمية والمعرفية،كما عملنا على فهم الآخر من خلال المؤسسة التربوية،وكان ذلك.

وقد واجهنا صعوبات كثيرة وملاحقات،ونظرات الشك التي كانت تتعقبنا من الاسرائيليين..

الطلاب الفلسطينيون جاءوا من مختلف المناطق، يحصدون أعلى الدرجات يقاومون،ويحافظون على الهوية الوطنية. ما أجمل اللغة العربية وهي تنطلق من هناك لتؤكد الجذور.

مررنا بأوقات صعبة تستحق الوقفة...

كانت الثورة الفلسطينية بألقها،على جميع الأصعدة،وكان الكفاح المسلح احد أهم بنودها و برنامجها النضالي،وحينما كانت تصلنا أنباء العمليات الفدائية، ونحن في الجامعة،نهب بكثافة، ونجتمع بالكافتيريا متابعين،وعلى الجانب الآخر تجد الاسرائيليين مجتمعين أيضا،يرسلون باتجاهنا اشارات الحقد.  

في أيام الدراسة،كانت ضحكاتنا وابتساماتنا دائمة،نخال الكون ورودا،وأن لا مكان للحزن..كنت أرى الكون ضياء في ضياء،أحلق بالروح دون توقف..قدرني أساتذتي كثيرا،وشجعوني على المواصلة.

ربطتني بأصدقائي علاقات حميمية، ظلت حتى هذه اللحظات،ولم تخدش قداستها الأيام.

·       ترأست مجلس الطلبة في الجامعة العبرية،حيث تم انتخابي بالاجماع من قبل الطلبة العرب. وأعددت، بالتعاون مع اسرة المجلس، العديد من البرامج السياسية والثقافية،وعقدنا ندوات سياسية هامة،واجهنا من خلالها الملاحقة من المحتل . كنا نؤكد بأن كل بقعة في فلسطين "هي فلسطينية العينين والاسم ..فلسطينية الميلاد والموت،"مهما أصابها من يد الغدر.فلسطين تعتز بأبنائها وطلابها،وترى فيهم المستقبل الموعود.

كان الطلاب الفلسطينيون يحضرون بحافلات خاصة من مختلف فروع الجامعة للمشاركة بالفعاليات السياسية التي ينظمها المجلس،بصوتهم العربي الحر.

وفي الجامعة،حلقت بأجنحتي في أمهات الكتب ، وعشت الصيرورة الفكرية بكل تجلياتها،ومرت ثلاث سنوات بالدراسة والعمل الهادف.

تخرجت من الجامعة العبرية بعد ثلاث سنوات، وحصلت على شهادة البكالوريوس في الآداب بدرجة امتياز..كما حصلت على درجة امتياز أيضا، من جامعة بيروت العربية، التي كنت أدرس فيها انتسابا بذات الوقت.

ومنذ ابتدأ القلم يتحرك بين أصابعي المقيدة،والوطن يحتل مركز الصدارة،فهو المعشوق الأبدي،أنتمي اليه والتحق بثورتي العملاقة.

في عالم الصحافة ،أصبح لي حضور مميز،واستمر عمودي اليومي في جريدة الشعب  ،وأخذت علاقتي بالحقل الثقافي تتعمق،فشاركت بنشاطات الوطن الثقافية والسياسية،في فلسطين وخارجها،وأصبحت أنشر في أكثر من موقع وفي أكثر من صحيفة،وعلى رأسها "فلسطين الثورة" التي كانت تصدر في قبرص، ومجلة"بلسم"،وصوت البلاد،وصحف عالمية أخرى.

انطلق قلمي في القدس وفي ربوع فلسطين بايقاع خاص لها،لعذوبة جمالها،ووضاءة تاريخها،وعظمة أبنائها، وحضورها الأبدي في روحي.

 وتعمقت علاقتي بأهلها،وأصبحت مرجعيتهم السياسية.

 اقتربت منهم بحبي الكبير لهم، وثقتهم بي، وتشجيعهم الدائم الذي أضفى الى روحي طمأنينة وحافزا أكبر للابداع، فكانوا يتابعون عمودي اليومي باهتمام ،و يستأنسون برأيي في المواقف الهامة،وكلما سرت في شوارع المدينة،يلتف التجار والناس حولي في متابعة ما أكتب،ويستفسرون عن أهم الأحداث السياسية،خاصة أن الأحداث كانت عديدة ومتلاحقة،الجرائم ضد شعبنا في لبنان وفي كل المواقع...

تتشنج الذاكرة حينما تلقي بكلماتها على صور الارهاب المنظم ضد شعبنا وثورتنا،وتهيم الروح بجراحاتها الأبدية..ماذا أذكر،وماذا يستطيع أن يصف قلمي في صبرا وشاتيلا،وفي طرابلس وحرب المخيمات،وتل الزعتر.والدم الفلسطيني يسيل أنهارا،والطفولة المعذبة معلقة على مشانق الجزار؟.وكيف أستطيع أن أصور رحلة الخروج من بيروت بعد معارك الصمود الأسطورية،ومواكب الرحيل في وداع لبنان ،الأرض والانسان ؟.

والوجهة تونس، طريقا الى فلسطين....

كان قلمي بندقية موجهة ضد أعداء الثورة بكل فئاتهم..لقد تصديت لهم بقوة،بقوة الحجة والايمان بالحق،والافتخار بأبناء ثورتي وقيادتها..وقد أخذت المخيمات في لبنان موقع الصدارة في قلمي،بروح العودة ونص الحق التاريخي والعلاقة بالأرض، ففي مقطوعة أيلول التي تصور جرائم صبرا وشاتيلا:"

لم تكن مجازر صبرا وشاتيلا أسطورة

قرأناها في كتب التاريخ الماضي...

لم تكن ضحاياها كابوسا يتراءى في الأحلام..

لم تكن أجساد الطفولة المعلقة على مشانق الجزار

تماثيل حجرية..

لم تكن لحظة التواصل بالعدم

بعدا وهميا..

بل كانت حقيقة نقشتها أنياب الظلم

وصاغ وقائعها حفاروا القبور

وأعداء الانسانية.

وأختتم بهذه الأبيات:"

يا أبناء حزيران وتموز وأيلول

لن يطول غياب الفجر

ولن يستمر نواح الأمهات

ما دامت ثورتنا تحتضن البندقية

.......................

ولن يتحقق اليتم

ما دامت فلسطين بالانتظار....

وفي مقطوعة من كتاب الفارس يزف الى الوطن بعنوان.."كفى"..

جاء فيها:"ان الشعب الذي يناضل من أجل العدالة والثوابت لا تغيره تصريحات العدو،ولا تغير به المؤامرات..وسيبقى شامخا ملفعا بالكوفية رمز بقائنا،واثقا برجالاته،معلنا باكبار"كلنا منظمة التحرير،ولا خيار لأمريكا الا أن تقبل هذه الحقيقة..والا،لا سلام الا من أفواه البنادق،

ومن بين الزلازل وحصاد البراكين..

لا سلام الا أن تشتعل النار في كل ركن وفي كل مكان..

لا سلام الا أن تمزق وجوه الخبث ورايات الاستسلام..

لا سلام الا بالقوة –والقوة السلام.

وكلما أطل صباح،تحرك قلمي في المواقع وسجل المواقف...وكان مقص الرقيب ملاحقا لكلماتي،ابتدأها ببعض الكلمات،ثم تطورت الى سطور هامة،الى أن وصلت الى الحذف التام..كنا ننشر المقالة مع ختم الرقيب،حتى يدرك المتلقي ما يجري. تابعت الكتابة الداعمة لموقف المنظمة،وظل قلمي سيفا حادا أمام الظلم ،ونارا على أعداء ثورتنا العملاقة،التي واجهت مؤامرات الاحتلال الاسرائيلي وجرائمه المبيتة،والتي شكلت وصمة عار في وجه التاريخ، ووجه القوى العظمي التي ساهمت بأنهار الدم الفلسطيني ومواكب الرحيل...

وساند الاحتلال في ضرب منظمة التحرير، قوى كثيرة في لبنان ، استهدفت الثورة،والوجود الفلسطيني في لبنان..

ولكن ثورتنا التي تسلحت بقوة الايمان بالحق والتضحية،وعظمة رجالاتها ،ظلت عصية على أعدائها،و استطاعت أن تنهض من وراءت الغيب،ومن خلف الرماد فينيقا عائدا.

ونظرة الى التطور السياسي ،العسكري والثقافي الفلسطيني،ندرك عمق التجربة،بدءا بانطلاقة الثورة ودروب الفداء،وبناء المؤسسات،لتكون صرحا شامخا وحصنا منيعا للشعب الفلسطيني.فقد أنشأت مؤسساتها العسكرية،المالية والطبية،بمهارة تعجز عنها الدول المستقرة.

وكان للكلمة المقاومة مجدها وحضورها المميز،والتي أرهبت المحتل،وظل متعطشا لحرق الانتاج الثقافي واعتقال الكلمة الحرة بوقعها وأثرها العظيم .فقام باغتيال اعلام الكلمة والموقف،الأديب المقاوم غسان كنفاني،كمال ناصر،كمال عدوان ويوسف النجار.واستمر في حربه المسعورة،ليلقي بنيرانه على مركز الأبحاث الفلسطيني،أيقونة الفكرة،والدراسات المعمقة بقيادة الشاعر الكبير محمود درويش ،فارس الكلمة والابداع ،وشخصيات أخرى مرموقة عربيا ودوليا..

 

وتعتز الثورة الفلسطينية بكلماتها المقاومة، وصحفها الوطنية ومركز الأبحاث الذي ظل حيا ومستمرا في العطاء.

كما أنها تفتخر بأدبائها الذين كتبوا بالدم،،وقدموا أرواحهم وكلماتهم رسالة للحرية والفداء..وبشروابالفجر الجديد،ليكون أدب المقاومة مدرسة أدبية وفكرية عالمية،وانمذج يحتذى لجميع الكتاب الأحرار وحركات التحرر العالمية،

 وكما اعتزت الثورة الفلسطينية بشاعرها العبقري محمود درويش،اعتز به العالم وأكبره، ليكون شاعر العالم الحر برمته.

واننا دائما نردد ما قاله الرئيس ياسر عرفات طيب الله ثراه في خطابه الأول في الأمم المتحدة:

 "اننا نعتز ونفتخر، بأننا،ونحن نقود معاركنا النضالية،التحق في صفوفنا رجال أحرار،رجال كلمة وموقف.. ،ينقشون فجر الوطن."
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف