في وقت يمر فيه العالم أجمع بأزمات إقتصادية و سياسية متلاحقة و خانقة، لا تزال نسب البطالة في الدول العربية و دول العالم الثالث في إرتفاع متسارع و غير مسبوق، تاركة وراءها طاقات و كوادر و مؤهلات شبابية تتأرجح بين اليأس و الإنحراف و التطرف.
لعل التطرق إلى هذا الموضوع لم يعد بالأمر الجديد، فقد شهدنا على مر العقود الماضية آلاف الدراسات التي تناولته من مختلف جوانبه، و التي خرجت بآلاف التداعيات لهذه الظاهرة و مختلف التوصيات و الحلول المقترحة لها، ولكن الشيء الوحيد الذي تشابه فيها أنها بقيت حبرا على الورق.
و إذا ما بحثنا في مسببات هذه الظاهرة سنجدها لا تعد ولا تحصى، بل إننا نشهد كل يوم ظهور مسببات و سلوكيات جديدة تعمل على تعميقها و تثبيتها و توسيع نطاقها بل و تفاقم تداعياتها، و كأنها إنجاز عظيم نفخر به و نسعى إلى تنميته بشتى الوسائل.
هنا، ألاحظ أن هذه الظاهرة تبدأ في مرحلة مبكرة جدا، تسبق بكثير مرحلة سعي الخرجيين للدخول بسوق العمل أو حتى إلتحاقهم بالجامعات أو الكليات العلمية و المهنية. فهذه الظاهرة برأيي تبدأ بغياب التوجيه الأكاديمي للطلاب و الشباب. فكما نعلم أن سوق العمل تختلف إحتياجاته و متطلباته من دولة لأخرى و من قطاع لآخر. فبمجرد حصول الطلاب على شهادة الثانوية العامة (التوجيهي)، يسعى كل منهم إلى الإلتحاق بكليات معينة بناء على معدله أو ميولاته أو طموحات و تطلعات أهله (يا ولدي بدي أشوفك دكتور أو باش مهندس قد الدنيا)، دون أن نلحظ تنسيقا بين وزارات العمل أو الجهات المعنية بتوظيف الكوادر الشبابية و بين الجامعات و الكليات الأكاديمية و المهنية بهدف توجيه و تحفيز هؤلاء الطلاب إلى الإلتحاق بالتخصصات التي يحتاجها سوق العمل فعلا. هذا بالإضافة إلى محدودية و أحيانا غياب تدريبهم عمليا و مهنيا قبل تخريجهم من الجامعات و حصولهم على الدرجات الأكاديمية المختلفة، مما يعمق الفجوة بين ما يتعلمه و يتوقعه الطلاب أثناء دراستهم و بين ما يواجهونه من تحديات و معوقات للحصول على وظائف فور تخرجهم.
أما بالنسبة لسوق العمل و القطاع الخاص و العام، فلا زلنا نشهد بعض السلوكيات المريضة و الملتوية و غير المنطقية من قبل العديد من أصحاب و مدراء الشركات و المسؤولين عن التوظيف و الموارد البشرية خلال عملية التوظيف أو التعيين. منها على سبيل المثال لا الحصر؛ دخول المحسوبية و الواسطة في عملية إختيار الموظفين، التمييز بناء على الأصل أو العرق أو الجنسية، التمييز بناء على الجنس حيث يشترط بعضهم أن يكون المتقدمين للوظيفة من الإناث فقط رغم أن المتطلبات الوظيفية مناسبة للجنسين و ذلك لأسباب و أهداف مريضة و غير أخلاقية، تجنب تعيين أصحاب المؤهلات العلمية العليا رغبة في التقنين و التخفيض من الرواتب المقدمة لهم أو بسبب خوفهم الغير مبرر من أن يستولي أو ينافسهم أصحاب هذه المؤهلات العليا على مناصبهم أو أن يحلوا محلهم في المستقبل، تعيين كوادر في وظائف معينة لا يتمتعون بالمؤهلات العلمية المناسبة لها (مهندس إتصالات بعمل كمذيع أو معد برامج، و صيدلاني يعمل كمسؤول خدمة عملاء...)، تفضيل المهارات الأجنبية أو حاملين الجنسيات الغربية على المهارات العربية بل و الوطنية أحيانا و الإستعداد التام لدفع رواتب خيالية أو مبالغ فيها للمتقدمين من جنسيات أوروبية أو غربية و التي لا يفكرون بدفع نصفها لو كان المتقدم للعمل من الكفاءات الوطنية أو العربية، أو يشترطون خبرة عملية لا تقل عن خمسة سنوات في وظيفة من المفترض أنها مقدمة للخريجين الجدد!! ناهيك عن أساليب الإذلال و التعالي و التصرفات اللاأخلاقية التي تسيطر و تتفشى في العديد من مقابلات العمل.
و مع إستمرار مثل هذه السلوكيات التي لا يسعني أن أسميها إلا بالسلبية و المتأخرة، لا يدرك أصحاب الشركات و مسؤولي التوظيف أنهم لا يضرون فقط بالباحثين عن عمل، بل هم يتسببون في تأخر و خسارة شركاتهم و مؤسساتهم، كما أنهم يهدرون فرصا لتطوير أعمالهم و تحقيق أرباح و نجاحات جديدة. فما الذي يضرهم بجنسية أو جنس أو أصل الباحث عن العمل إن كان يتمتع بالمؤهلات و المهارات الأنسب للوظيفة؟! أليس من المفترض أن عالم المال و الأعمال يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق الأرباح و الإنجازات و المحافظة على الإستمرارية و الديمومة و التطور المستمر بشتى الوسائل؟! فكيف لهم أن يحققوا ذلك وهم بأنفسهم يهدرون الكفاءات و يغرقون في مستنقع المحسوبية و الواسطة و التمييز و التملق و المزاجية و العنصرية أحيانا؟!
في النهاية فإن مجتمعات العالم الثالث تتشابه إلى حد كبير في التحديات و المشكلات و المعوقات التي تواجهها. كما أن تطوير المجتمع هو واجب وطني و أخلاقي على كل فرد في المجتمع. فأن تكون في موقع مسؤول يفرض عليك مسؤوليات و واجبات أخلاقية في أن تتخذ القرارات السليمة و الصحيحة التي تسهم في تحقيق المصلحة العامة. ففي النهاية نحن جميعا نبحر في مركب واحد، و إن لم ندرك أو نستوعب ذلك بعد و نحن في عام 2017، فالأفضل لنا أن لا نتباكى أو نشتكي من تدهور الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية. فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
و كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار".
لعل التطرق إلى هذا الموضوع لم يعد بالأمر الجديد، فقد شهدنا على مر العقود الماضية آلاف الدراسات التي تناولته من مختلف جوانبه، و التي خرجت بآلاف التداعيات لهذه الظاهرة و مختلف التوصيات و الحلول المقترحة لها، ولكن الشيء الوحيد الذي تشابه فيها أنها بقيت حبرا على الورق.
و إذا ما بحثنا في مسببات هذه الظاهرة سنجدها لا تعد ولا تحصى، بل إننا نشهد كل يوم ظهور مسببات و سلوكيات جديدة تعمل على تعميقها و تثبيتها و توسيع نطاقها بل و تفاقم تداعياتها، و كأنها إنجاز عظيم نفخر به و نسعى إلى تنميته بشتى الوسائل.
هنا، ألاحظ أن هذه الظاهرة تبدأ في مرحلة مبكرة جدا، تسبق بكثير مرحلة سعي الخرجيين للدخول بسوق العمل أو حتى إلتحاقهم بالجامعات أو الكليات العلمية و المهنية. فهذه الظاهرة برأيي تبدأ بغياب التوجيه الأكاديمي للطلاب و الشباب. فكما نعلم أن سوق العمل تختلف إحتياجاته و متطلباته من دولة لأخرى و من قطاع لآخر. فبمجرد حصول الطلاب على شهادة الثانوية العامة (التوجيهي)، يسعى كل منهم إلى الإلتحاق بكليات معينة بناء على معدله أو ميولاته أو طموحات و تطلعات أهله (يا ولدي بدي أشوفك دكتور أو باش مهندس قد الدنيا)، دون أن نلحظ تنسيقا بين وزارات العمل أو الجهات المعنية بتوظيف الكوادر الشبابية و بين الجامعات و الكليات الأكاديمية و المهنية بهدف توجيه و تحفيز هؤلاء الطلاب إلى الإلتحاق بالتخصصات التي يحتاجها سوق العمل فعلا. هذا بالإضافة إلى محدودية و أحيانا غياب تدريبهم عمليا و مهنيا قبل تخريجهم من الجامعات و حصولهم على الدرجات الأكاديمية المختلفة، مما يعمق الفجوة بين ما يتعلمه و يتوقعه الطلاب أثناء دراستهم و بين ما يواجهونه من تحديات و معوقات للحصول على وظائف فور تخرجهم.
أما بالنسبة لسوق العمل و القطاع الخاص و العام، فلا زلنا نشهد بعض السلوكيات المريضة و الملتوية و غير المنطقية من قبل العديد من أصحاب و مدراء الشركات و المسؤولين عن التوظيف و الموارد البشرية خلال عملية التوظيف أو التعيين. منها على سبيل المثال لا الحصر؛ دخول المحسوبية و الواسطة في عملية إختيار الموظفين، التمييز بناء على الأصل أو العرق أو الجنسية، التمييز بناء على الجنس حيث يشترط بعضهم أن يكون المتقدمين للوظيفة من الإناث فقط رغم أن المتطلبات الوظيفية مناسبة للجنسين و ذلك لأسباب و أهداف مريضة و غير أخلاقية، تجنب تعيين أصحاب المؤهلات العلمية العليا رغبة في التقنين و التخفيض من الرواتب المقدمة لهم أو بسبب خوفهم الغير مبرر من أن يستولي أو ينافسهم أصحاب هذه المؤهلات العليا على مناصبهم أو أن يحلوا محلهم في المستقبل، تعيين كوادر في وظائف معينة لا يتمتعون بالمؤهلات العلمية المناسبة لها (مهندس إتصالات بعمل كمذيع أو معد برامج، و صيدلاني يعمل كمسؤول خدمة عملاء...)، تفضيل المهارات الأجنبية أو حاملين الجنسيات الغربية على المهارات العربية بل و الوطنية أحيانا و الإستعداد التام لدفع رواتب خيالية أو مبالغ فيها للمتقدمين من جنسيات أوروبية أو غربية و التي لا يفكرون بدفع نصفها لو كان المتقدم للعمل من الكفاءات الوطنية أو العربية، أو يشترطون خبرة عملية لا تقل عن خمسة سنوات في وظيفة من المفترض أنها مقدمة للخريجين الجدد!! ناهيك عن أساليب الإذلال و التعالي و التصرفات اللاأخلاقية التي تسيطر و تتفشى في العديد من مقابلات العمل.
و مع إستمرار مثل هذه السلوكيات التي لا يسعني أن أسميها إلا بالسلبية و المتأخرة، لا يدرك أصحاب الشركات و مسؤولي التوظيف أنهم لا يضرون فقط بالباحثين عن عمل، بل هم يتسببون في تأخر و خسارة شركاتهم و مؤسساتهم، كما أنهم يهدرون فرصا لتطوير أعمالهم و تحقيق أرباح و نجاحات جديدة. فما الذي يضرهم بجنسية أو جنس أو أصل الباحث عن العمل إن كان يتمتع بالمؤهلات و المهارات الأنسب للوظيفة؟! أليس من المفترض أن عالم المال و الأعمال يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق الأرباح و الإنجازات و المحافظة على الإستمرارية و الديمومة و التطور المستمر بشتى الوسائل؟! فكيف لهم أن يحققوا ذلك وهم بأنفسهم يهدرون الكفاءات و يغرقون في مستنقع المحسوبية و الواسطة و التمييز و التملق و المزاجية و العنصرية أحيانا؟!
في النهاية فإن مجتمعات العالم الثالث تتشابه إلى حد كبير في التحديات و المشكلات و المعوقات التي تواجهها. كما أن تطوير المجتمع هو واجب وطني و أخلاقي على كل فرد في المجتمع. فأن تكون في موقع مسؤول يفرض عليك مسؤوليات و واجبات أخلاقية في أن تتخذ القرارات السليمة و الصحيحة التي تسهم في تحقيق المصلحة العامة. ففي النهاية نحن جميعا نبحر في مركب واحد، و إن لم ندرك أو نستوعب ذلك بعد و نحن في عام 2017، فالأفضل لنا أن لا نتباكى أو نشتكي من تدهور الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية. فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
و كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار".