
الطلاق عن حب.. رحلت ليبقى كل شيء جميلا..
بقلم: حلا البرغوثي.. فلسطين
كان الليل يستلقي على الطريق المحمل بجسديهما المثقلان بأحلام لا زالت تتعلق على أطراف الهاوية التي أوشكا على الوصول إليها. كانا يسيران على ‘‘الهدا’’ يوبخان العمر والقدر الذي غافلهم بكل شيء لم يرغبا به، يداهما تتعانقان وتتشابكان، والليل يستنطق نبضهما المرتجف. حبيبان تحت ضوء القمر كما يقال، ولكن أيامهم في عمر الهوى أصبحت معدودة، وحكايتهم شارفت على النهاية، فلم يبقى سوى صفحتان فارغتان في الفصل الأخير ينتظران أن تمتلئا.
ستة سنوات مضت على زواجهم، وطفلان شاهدان على هذا العمر، طفلان كانا ولا زالا بصمة لهذا القران المقدّس. (ليث ولميس): زهرتان تفوحان في أرض مصيرها الانشقاق، ستة سنوات لم يكف فيها الحب عن طرق قلبيهما، ولم تتوقف الخلافات عن طرق هذا الحب. شخصان مختلفان ويختلفان: هي خيالية في الحب، وهو أبعد ما يكون عن تلك الخيالات. هي تتشبث بالتفاصيل الذرية، وهو يكتفي بالعناوين. هي خارجة عن القانون، وهو يخضع لكل القوانين والعادات. علاقتهما في غياب دائم عن ساحات الاستقرار والانسجام والسكينة، ولكن الحب لا زال يتدفق من نوافير قلبيهما. الحب كان الحلقة الأضعف في حكايتهم. الحب الذي كان يعيد صياغة كل قرارات الانفصال والابتعاد والنهاية، إلى أن جاءت تلك الليلة التي طالت بقدر امتداد النور على الطرقات التي أضاعت نهاياتها، ليلة السلام والصراع؛ ليلة قلبت تضاريس القلب، وجعلت الدماء تتوه عن الشرايين والأوردة، فاختلطت خطوط السير الداخل بالخارج.
لا زالا يتشبثان ببعضهما كطفلين خائفان، ولكن عقولهم أصبحت تدرك أن الطريق مسدودة لا محالة، فقالت له بصوت متحشرج:
- دعني، ليحل السلام. دعني لخير هذا الحب. دعني أرحل ليبقى كل شيء جميل.
- قال: كيف لشيء أن يبقى جميلا بدونك؟!.
- قالت: كل الأشياء الجميلة سقطت في لقاءنا الصامت الباهت العقيم!.
أحنى رأسه ومضيا يشدان الخطى وينفران الآهات. كان يفكر وهي تفكر بكل السنوات التي أهدرتها وهي تبحث عن سعادتها، وهو يفكر في سعادة بعيدة عنها، وعن ما سيصبح بعد أيام؛ ماضي.
لم يطل نقاشهما، لأنها لم تكن المرة الأولى، ولكنها كانت المرة الأخيرة التي أنجبت قرارا يجهض زواجهما، يحكم على حياة بأسرها بالموت.
في تلك الليلة قررا الانفصال وحرق كل الأوراق والذكريات، لقد اتفقا على الطلاق وأيديهما لا زالت تتشابكان. لم يكن هناك خلاف أو شتيمة أو ضرب أو أصوات تتعالى وتتهاوى. لم يكن سوى الحب وبعض الدموع.
كان طلاقهما (طلاق عن حب). لقد اعتدنا أن نسمع بالزواج عن حب، أما طلاق عن حب، فيصعب على المجتمع الذي نقبع فيه أن يستوعب مثل هذه الحادثة!.
ارتبط الطلاق في بلادنا العربية بكل ما هو سلبي في العلاقة، من قلة الاحترام، البخل، الشتم، الضرب، الظروف المعيشية السيئة، عدم الإنجاب، الخيانة وغيرها الكثير. أما في هذه الحالة التي ذكرناها، الحب هو الدافع لمثل هذه الخطوة، فليس من الضروري أن نفقد الحب والاحترام للأناس الذين شاركونا أجمل سنوات العمر، لأننا لم نتمكن من الاستمرار معهم تحت سقف واحد، بسبب خلافاتنا الفكرية، أو متطلباتنا وحاجاتنا المختلفة، أو لأننا لم نجد في هذا الشريك نمط المعيشة الذي يتناسب مع متطلباتنا.
فالزواج مسؤولية تقلب عاداتنا وطباعنا رأسا على عقب، حتى تتناسب مع حياتنا الجديدة التي أصبح يشاركنا فيها إنسان آخر بطباع وأفكار وعادات مختلفة. فحتى يتمكن الزوجان من قيادة هذه المركبة لبر الأمان، عليهما أن يقدما التنازلات والتضحيات التي تضمن لهم حياة زوجية وعائلية سعيدة قدر الإمكان. ولكن في حالة استحالة هذه الحياة واستنفاذ كل الحلول والمحاولات لإنقاذ العلاقة، وعدم تمكن الشريكين من تسيير المركبة وتطويع الأنانية في النفس البشرية لإنجاح هذه الشراكة، وكان لا بد من الانفصال لا محالة، فكم جميل أن يكون انفصالا حضاريا لا يقوم سوى على الحب والاحترام.
فلا تنسوا أن رباطا مقدسا جمعكم بهذا الإنسان أو الإنسانة، ولكن العشرة والأيام بينكم كانت كفيلة لتوصلكم إلى قرار النهاية بسبب خلافات واختلافات بعيدة عن المعايير التي وضعها المجتمع للطلاق.
الطلاق قرار لا يمكن اتخاذه بكل سهولة، خاصة إذا كان هناك أطفال. فقبل الوصول إلى هذا القرار، تجتاحنا مئات الأسئلة والمخاوف خاصة، إذا كان طلاقا عن حب، ماذا لو اشتقت، ندمت، احتجت، تراجعت. وماذا سيحل بالأطفال ومصيرهم وغيرها. فيدخل الإنسان في صراع الحب والحرب، حربه مع وعلى نفسه وعواطفه، فإما تقضي عليه ويكمل حياته ويمضي راضيا بقدره، وإما يقضي على عواطفه ويحزم حقائبه ويمضي، وفي النهاية الإنسان يقضي حياته باحثا عن السعادة، ويحق له الابتعاد عن كل شيء يمنحه شعورا بالضيق والتعاسة، فليس من الضرورة أن نتعرض للشتم والسب والضرب والتعنيف والخيانة حتى نصل إلى قرار الطلاق.
في حديثنا هذا لا يوجد أي تحريض على الطلاق والتشتت الأسري، ولكنها ظاهرة موجودة بكثرة وتزداد، ولكن حرصا منا على علاقاتنا الاجتماعية، خاصة بين عائلات الأزواج والتي نلاحظ أن العلاقات تنقطع بين العائلتين وتصبحان كالأعداء في حالة تم الطلاق لأبنائهم، وحفاظا على مستقبل الأولاد وعدم تعريضهم للمحاكم. وحتى نضمن عنصر التفاهم والحوار؛ على كل منا دراسة حياته الزوجية بالشكل الصحيح قبل اتخاذ القرارات، ولا ندع الأمور تحتدم، فإما نقطع الورم من جذوره ونمضي، أو يتفشى في حياتنا فيقتل كل ما هو جميل.
مع تمنياتي للجميع بحياة زوجية سعيدة خالية من الطلاق حتى لو كان (طلاقا عن حب).
بقلم: حلا البرغوثي.. فلسطين
كان الليل يستلقي على الطريق المحمل بجسديهما المثقلان بأحلام لا زالت تتعلق على أطراف الهاوية التي أوشكا على الوصول إليها. كانا يسيران على ‘‘الهدا’’ يوبخان العمر والقدر الذي غافلهم بكل شيء لم يرغبا به، يداهما تتعانقان وتتشابكان، والليل يستنطق نبضهما المرتجف. حبيبان تحت ضوء القمر كما يقال، ولكن أيامهم في عمر الهوى أصبحت معدودة، وحكايتهم شارفت على النهاية، فلم يبقى سوى صفحتان فارغتان في الفصل الأخير ينتظران أن تمتلئا.
ستة سنوات مضت على زواجهم، وطفلان شاهدان على هذا العمر، طفلان كانا ولا زالا بصمة لهذا القران المقدّس. (ليث ولميس): زهرتان تفوحان في أرض مصيرها الانشقاق، ستة سنوات لم يكف فيها الحب عن طرق قلبيهما، ولم تتوقف الخلافات عن طرق هذا الحب. شخصان مختلفان ويختلفان: هي خيالية في الحب، وهو أبعد ما يكون عن تلك الخيالات. هي تتشبث بالتفاصيل الذرية، وهو يكتفي بالعناوين. هي خارجة عن القانون، وهو يخضع لكل القوانين والعادات. علاقتهما في غياب دائم عن ساحات الاستقرار والانسجام والسكينة، ولكن الحب لا زال يتدفق من نوافير قلبيهما. الحب كان الحلقة الأضعف في حكايتهم. الحب الذي كان يعيد صياغة كل قرارات الانفصال والابتعاد والنهاية، إلى أن جاءت تلك الليلة التي طالت بقدر امتداد النور على الطرقات التي أضاعت نهاياتها، ليلة السلام والصراع؛ ليلة قلبت تضاريس القلب، وجعلت الدماء تتوه عن الشرايين والأوردة، فاختلطت خطوط السير الداخل بالخارج.
لا زالا يتشبثان ببعضهما كطفلين خائفان، ولكن عقولهم أصبحت تدرك أن الطريق مسدودة لا محالة، فقالت له بصوت متحشرج:
- دعني، ليحل السلام. دعني لخير هذا الحب. دعني أرحل ليبقى كل شيء جميل.
- قال: كيف لشيء أن يبقى جميلا بدونك؟!.
- قالت: كل الأشياء الجميلة سقطت في لقاءنا الصامت الباهت العقيم!.
أحنى رأسه ومضيا يشدان الخطى وينفران الآهات. كان يفكر وهي تفكر بكل السنوات التي أهدرتها وهي تبحث عن سعادتها، وهو يفكر في سعادة بعيدة عنها، وعن ما سيصبح بعد أيام؛ ماضي.
لم يطل نقاشهما، لأنها لم تكن المرة الأولى، ولكنها كانت المرة الأخيرة التي أنجبت قرارا يجهض زواجهما، يحكم على حياة بأسرها بالموت.
في تلك الليلة قررا الانفصال وحرق كل الأوراق والذكريات، لقد اتفقا على الطلاق وأيديهما لا زالت تتشابكان. لم يكن هناك خلاف أو شتيمة أو ضرب أو أصوات تتعالى وتتهاوى. لم يكن سوى الحب وبعض الدموع.
كان طلاقهما (طلاق عن حب). لقد اعتدنا أن نسمع بالزواج عن حب، أما طلاق عن حب، فيصعب على المجتمع الذي نقبع فيه أن يستوعب مثل هذه الحادثة!.
ارتبط الطلاق في بلادنا العربية بكل ما هو سلبي في العلاقة، من قلة الاحترام، البخل، الشتم، الضرب، الظروف المعيشية السيئة، عدم الإنجاب، الخيانة وغيرها الكثير. أما في هذه الحالة التي ذكرناها، الحب هو الدافع لمثل هذه الخطوة، فليس من الضروري أن نفقد الحب والاحترام للأناس الذين شاركونا أجمل سنوات العمر، لأننا لم نتمكن من الاستمرار معهم تحت سقف واحد، بسبب خلافاتنا الفكرية، أو متطلباتنا وحاجاتنا المختلفة، أو لأننا لم نجد في هذا الشريك نمط المعيشة الذي يتناسب مع متطلباتنا.
فالزواج مسؤولية تقلب عاداتنا وطباعنا رأسا على عقب، حتى تتناسب مع حياتنا الجديدة التي أصبح يشاركنا فيها إنسان آخر بطباع وأفكار وعادات مختلفة. فحتى يتمكن الزوجان من قيادة هذه المركبة لبر الأمان، عليهما أن يقدما التنازلات والتضحيات التي تضمن لهم حياة زوجية وعائلية سعيدة قدر الإمكان. ولكن في حالة استحالة هذه الحياة واستنفاذ كل الحلول والمحاولات لإنقاذ العلاقة، وعدم تمكن الشريكين من تسيير المركبة وتطويع الأنانية في النفس البشرية لإنجاح هذه الشراكة، وكان لا بد من الانفصال لا محالة، فكم جميل أن يكون انفصالا حضاريا لا يقوم سوى على الحب والاحترام.
فلا تنسوا أن رباطا مقدسا جمعكم بهذا الإنسان أو الإنسانة، ولكن العشرة والأيام بينكم كانت كفيلة لتوصلكم إلى قرار النهاية بسبب خلافات واختلافات بعيدة عن المعايير التي وضعها المجتمع للطلاق.
الطلاق قرار لا يمكن اتخاذه بكل سهولة، خاصة إذا كان هناك أطفال. فقبل الوصول إلى هذا القرار، تجتاحنا مئات الأسئلة والمخاوف خاصة، إذا كان طلاقا عن حب، ماذا لو اشتقت، ندمت، احتجت، تراجعت. وماذا سيحل بالأطفال ومصيرهم وغيرها. فيدخل الإنسان في صراع الحب والحرب، حربه مع وعلى نفسه وعواطفه، فإما تقضي عليه ويكمل حياته ويمضي راضيا بقدره، وإما يقضي على عواطفه ويحزم حقائبه ويمضي، وفي النهاية الإنسان يقضي حياته باحثا عن السعادة، ويحق له الابتعاد عن كل شيء يمنحه شعورا بالضيق والتعاسة، فليس من الضرورة أن نتعرض للشتم والسب والضرب والتعنيف والخيانة حتى نصل إلى قرار الطلاق.
في حديثنا هذا لا يوجد أي تحريض على الطلاق والتشتت الأسري، ولكنها ظاهرة موجودة بكثرة وتزداد، ولكن حرصا منا على علاقاتنا الاجتماعية، خاصة بين عائلات الأزواج والتي نلاحظ أن العلاقات تنقطع بين العائلتين وتصبحان كالأعداء في حالة تم الطلاق لأبنائهم، وحفاظا على مستقبل الأولاد وعدم تعريضهم للمحاكم. وحتى نضمن عنصر التفاهم والحوار؛ على كل منا دراسة حياته الزوجية بالشكل الصحيح قبل اتخاذ القرارات، ولا ندع الأمور تحتدم، فإما نقطع الورم من جذوره ونمضي، أو يتفشى في حياتنا فيقتل كل ما هو جميل.
مع تمنياتي للجميع بحياة زوجية سعيدة خالية من الطلاق حتى لو كان (طلاقا عن حب).