الأخبار
(حماس): قدمنا رداً إيجابياً وجاهزون للدخول فوراً في مفاوضات حول آلية التنفيذلماذا على حماس أن توافق لا أن تناور؟(أونروا): الناس يسقطون مغشياً عليهم في غزة من شدة الجوعفلسفة المصلحةقناة إسرائيلية: جدال كبير بين نتنياهو وقيادة الجيش حول استمرار العمليات العسكرية في غزةغزة: 138 شهيداً و452 جريحاً غالبيتهم من طالبي المساعدات في آخر 24 ساعة(رويترز): مصرفان عالميان يرفضان فتح حسابات لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"كاتس: الجيش الإسرائيلي يعد خطة لضمان ألا تتمكن إيران من العودة لتهديدناترقُّب لرد حماس.. وإعلام إسرائيلي: ترامب قد يعلن الاثنين التوصل لاتفاق بغزة(فتح) ترد على تصريحات وزير الصناعة الإسرائيلي الداعية لتفكيك السلطة الفلسطينية30 عائلة تنزح قسراً من تجمع عرب المليحات شمال أريحا بفعل اعتداءات الاحتلال ومستوطنيهمقتل جنديين إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين بجروح خطيرة في معارك قطاع غزة20 شهيداً في غارات للاحتلال على مواصي خانيونس وحي الصبرة بمدينة غزةغوتيريش: آخر شرايين البقاء على قيد الحياة بغزة تكاد تنقطعترامب وبوتين يبحثان الحرب في أوكرانيا والتطورات بالشرق الأوسط
2025/7/5
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عذرا أيها التاريخ بقلم:أحمد يحيى سعيد

تاريخ النشر : 2017-02-09
عذرا أيها التاريخ

مر أحد الرحالة على إحدى البلدان كواحدة من عدة ؛ مرعليها في نفس الفترة في إحدى جولاته التي تستغرق أعواما. 

لم تكن رحلته لذاك البلد رحلة اختيارية. فهي على طبيعة الحال رحلة إجبارية ولكن فاجئته الأحداث الواقعة هناك كثيرا ، بسبب طبيعة الوضع الذي تعيشه تلك البلد آنذاك.

وبينما هو في بداية الطريق ، بدى له شعورا غريبا تجاه تلك البلاد،  فأحس بطابع غريب غير بقية البلدان التي مر بها آنفا.

تقادمت خطوات الرحالة نحو عمق البلد وظل ينظر حوله ويلتفت يمينا وشمالا عليه علامات الدهشة لما رآه من أهل تلك البلاد بانهماكهم الملحوظ في زراعة بعض الأشجار غريبة الشكل والرائحة. وكلما أقترب الرحالة نحو مركز البلدة؛ يرى المكان كله مغطى بهذا النوع من الأشجار .

شق الرحالة طريقه حتى وصل إلى مكان مطل على مزرعة كبيرة يتجمع حولها مجموعات كبيرة من أهالي البلدة؛

وأثارت هذه الأحداث في نفسه تساؤلات كثيرة ؛  فالبلدان كلها تعاني من ويلات الحرب بينما هذه البلدة تعيش في عالم آخر يملؤها الأمل والجد والنشاط على غير العادة في بقية البلدان المجاورة.

استمر الرحالة بالمشي قاصدا الوصول إلى المزرعة الكبيرة وسط البلدة، ولكن ما إن وصل إلى مكان يبعد أمتار من تجمعات الناس حول المزرعة الكبيرة والمحاطة بهذا النوع من الأشجار الغريبة ؛ حتى بدأت ملامحه تتغير ،

رأى رجلا معلقا على حبل مشنقة في قارعة الطريق، وبجانبه أم قد سفك دمها وأطفال صغار حولها لايحركون ساكنا؛ قد ماتوا جوعا.

فزع الرحالة فزعا شديدا. وواصل طريقه نحو المزرعة ، عله يجد أحدا يوقضه من هذا الكابوس.

أمضى الرحالة قدما، وبدأ يشتم رائحة نتنة ، وازداد تعجبا ودهشة ؛ واستمر بالإقتراب حتى صادف رجلا غريبا قبيح الوجه ثيابه متسخه ورائحته كريهه قادما من مكان تجمع أهل البلدة.

اقترب الرحالة نحو الرجل الغريب يسئله عن ذاك الرجل وتلك المرأة هي وأطفالها وعن هذه الأشجار وعن سبب انهماك أهل القرية الشديد بهذا النوع من الأشجار  وعن المزرعة الكبيرة وسبب تجمع الناس حولها.

(الرحالة) : معذرة ؛ ما بال هذه البلاد ؟! مالذي حدث لهذه العائلة ؟ أي جرم ارتكبته حتى يعدم الأب في وسط البلدة أمام أولاده وزوجته دون أن يلتفت إليه أحد. وحتى ترمى الأم هي وأطفالها في قارعة الطريق!!

(الغريب) : عذرا فلا أستطيع إجابتك الآن ، لن تفهمني بمجرد إجابتي على سؤالك .. عليك الإقتراب من تجمعات الناس هناك وتبحث عن أحد يفسر لك ما يحدث

(الرحالة): ولكني لم أستطع الإقتراب بسبب تلك الرائحة الكريهه الصادرة من هناك!

وإلى أين أنت ذاهب الآن ، كأنك مغادر البلدة! لماذا لا تعمل معهم بزراعة هذه الأشجار؟

(الغريب) : جئت باحثا عن عمل ولكن لم يعد لي فرصة في العمل هنا . فالكل يعمل وليس لديهم مكانا لي . بالإضافة إلى أنني لست بمستواهم المهني ؛ ظننت أنني وحدي محترفا بزراعة هذا النوع من الأشجار ولكني تفاجئت عندما رأيت الناس هنا محترفون جدا بزراعتها . فاضطررت للحفاظ على ماء وجهي والرحيل بهدوء.

(الرحالة) : وما اسمك ؟ وإلى أين متجه ؟

(الغريب) : يدعونني (إبليس) وكنت مقتنعا بذلك ؛ ولكن بعد مروري بهذا المكان بدأت توسوس لي نفسي بأنني سأصبح ملاكا يوما ما!!!!
(الرحالة) : أعوذ بالله منك !

(الغريب) : صدقت ولكن بعد خروجك من هذه البلدة ستكون عبارتك (( أعوذ بكلمات الله من شر ماخلق )) ليصبح المعنى أشمل لكل من حمل صفة الشر . فشياطين الإنس أصبحت أكثر فتكا.

انتهى الحوار وانطلق الرحالة شاقا طريقه نحو التجمع وكان يبدو قلقا ومصابا بالذهول

وانطلق خائفا يترقب ماينتظره هناك، وما إن وصل حتى بدأ يضع رداءه على انفه وفمه من شدة الرائحة الكريهة.

وصل الرحالة إلى المزرعة ولكن بسبب التجمع الشديد اضطر للمزاحمة لكثافة الناس، وعند وصوله إلى وسط التجمع ؛ أصيب بالذهول، فلقد رأى ساحة المزرعة الكبيرة ممتلئة بلحوم بشر ميتة !!!  والناس يتدافعون من أجل شراء هذه الجثث. يستبدلون النقود بالجثث ولكن النقود ليست أوراقا عادية ، فهي عبارة عن مجوهرات تشع نورا.

ازداد الرحالة انبهارا وظل يبحث عن شخص بين هذه الحشود حتى يفسر له هول ما يحدث. وبينما هو يبحث ؛ رأى شيخا عجوزا  آخر التجمع قرب سور المزرعة الخشبي قاعدا على كرسي من الخشب يتأمل من بعيد وكأنه فقط يراقب ما يحدث .

ذهب الرحالة مسرعا نحو العجوز حتى وصل إليه وقد شحب وجهه.

(الرحالة) : مالذي يحدث في هذه البلدة أكاد أجن.

(العجوز) : اهدأ قليلا يارجل .. لست أول من يصاب بالذهول. ألم تلق أحدا خارجا من البلدة في طريقك إلى هنا ؟

(الرحالة) : بلى، ولكنه بدى متعجبا، ولم يخبرني عن أي شيء يدور هنا . فقط أشار لي بأن آتي إليكم؛ فهل يمكنك تفسير مايحدث ؟

(العجوز) :  أما عن الأشجار ذو الشكل الغريب والرائحة الكريهة فهي أشجار الفتن التي اجتهد وجهاء البلدة بزراعتها ...

وأما عن لحوم البشر الميته فهي ثمار تلك الأشجار.

وأما عن المجوهرات المشعة فهي ( أهالي القرية البسطاء والفقراء الذين يفنون أعمارهم يعملون بحثا عن لقمة العيش ولكنهم يموتون جوعا).

وأخيرا عملية شراء تلك اللحوم وأكلها؛

هي نشر الفتن وممارسة الظلم والتجويع وسفك الدماء  وغيرها من العاهات الخبيثة التي سيطرت على وجهاء هذه البلدة.

أي بالمختصر هذا السوق (يقصد مكان تجمع الوجهاء عند المزرعة) يتم فيه استبدال أناس أحياء؛ بلحوم بشر ميتة، وذلك كي يظل الوجهاء على ماهم عليه.

(الرحالة) :  منذ متى والبلدة على هذه الحال؟

(العجوز) : لم تكن بهذا التوسع وهذا الحجم قديما، كان قليلون من يعملون بهذه المهنة، ولكن مع مرور الزمن أزدادت ثقافة الأنانية عند بعض الوجهاء وتكاثرت الأطماع وظهرت معها وسائل أكثر خبثا !!

(الرحالة) : ومن أنت ؟  لماذا لم تحدثني عن نفسك ؟

(العجوز) : أنا المستقبل المجهول ،لطالما حاولت الإقتراب منهم كي يفهموا أن الحياة تكاد أن تنتهي وهم لايزالون في يتلذذون  في هذه المهنة، وكم كنت ومازلت أتمنى منهم الإلتفات والتقرب نحوي أو حتى النظر إلي، ولكن طيلة هاذه الفترة لم يلتفت ولم يستيقظ أحد، وكل من أدرك خطورة الموقف وحاول تغيير مايحدث؛ ينتهي به المطاف على حبل المشنقة.

وماذا عنك أيها الرحالة ؛ من أنت ؟ ولماذا تبدو تائها ؟

(الرحالة) : أنا التاريخ المعاصر ، وبمجرد مروري من هنا يؤسفني أن أدون كصفحة سوداء في هذا المكان. والآن لم يعد لدي الوقت الكافي للبقاء ، سأذهب بعيدا موطنا آخر لعلي أجد خاتمة سعيدة في مكان مغاير. ولكن هناك صفحة تاريخية مهمة أريدك أن تعلقها في وسط القرية ، الصفحة التي كشفت الأقنعة وأخرجت الخبث وفضحت كل منافق.

انتهى الحوار بين الرحالة والعجوز ، ورحل التاريخ عليه علامات الحزن على فضاعة الأحداث ، إلا أنه ظهرت عليه علامات السعادة لإنكشاف حقائق لطالما كانت تحت غطاء النفاق والتصنع.

عذرا إيها التاريخ ، واقعنا مر . ولو كان الأشرار قليلون ... لما رأيت أشجار الفتنة مزروعة في كل أركان البلدة حتى حصد أهلها ثمار الشتات والتفرقة. ولم تكن لتستنشق رائحة الجثث الميتة من لحوم البشر والتي تلذذ البعض في أكلها.

هكذا رحل التاريخ تاركا ورائه علامات تعجب كثيرة!!!!

رحل التاريخ بعد أن رأى ذاك الطفل الذي كان بالأمس يحلم أن يكون رئيسا؛ اليوم معلقا على حبل المشنقة في قارعة الطريق

وررحل بعد أن رأى تلك الطفلة الصغيرة التي كانت تحلم بالأمس أن تكون طبيبة ؛ قد سفك دمها ومات أطفالها جوعا.

رحل التاريخ مستنفدا كل صفحاته السوداء.

ونحن ما زلنا نكابر ونفاخر بأننا كنا وأننا سنكون... وحياتنا تسافر كل يوم كالمجنون ؛ بين الأمل المسجون ... والحلم المدفون.#

أحمد يحيى سعيد سعد


 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف