الأخبار
غالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيرانيالجيش الإسرائيلي: صفارات الانذار دوت 720 مرة جراء الهجوم الإيرانيالحرس الثوري الإيراني يحذر الولايات المتحدةإسرائيل: سنرد بقوة على الهجوم الإيرانيطهران: العمل العسكري كان ردا على استهداف بعثتنا في دمشقإيران تشن هجوماً جوياً على إسرائيل بمئات المسيرات والصواريخالاحتلال يعثر على المستوطن المفقود مقتولاً.. والمستوطنون يكثفون عدوانهم على قرى فلسطينيةبايدن يحذر طهران من مهاجمة إسرائيل
2024/4/16
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحلقة التاسعة من كتاب ذاكرة الترف النرجسي بقلم: د.حنان عواد

تاريخ النشر : 2017-02-08
الحلقة التاسعة من كتاب ذاكرة الترف النرجسي بقلم: د.حنان عواد
ما بعد الحرب.

حرب الاستنزاف.

بعد الحرب وفواجعها،والألم المتناثر مع عبق دماء الشهداء،والسفر النفسي البعيد القريب، والتساؤلات، ومواقع الألم الذي رسم في أرواحنا عذابات لا تمحوها السنون ، والصور الجريحة لجيوشنا العربية،وهي تتناثر أجسادها في الصحراء،وتعبر بسلاسل كأنها تعيش في وطن آخر وأرض غريبة.فكيف يصير المرء معلقا على المشانق ؟؟ورياح العذاب تمرغ ذاك الوجه وتلك القامة العربية،التي اذا اعتزت بشيء من تاريخها الوضيء،فهو الشجاعةوالكرامةوحماية الذمار..فأين ذهب كل هذا؟ أغرنا على أنفستا بسموم بدل أن نغيرعلى المحتل ..فأين الأمل ؟ وأين الانسان في بلادنا؟فكيف يهون دمنا علينا،ونقضي بالفرار؟وكيف تصير دماؤنا حجرا،وأرواحنا ظلا،وشمسنا رمادا؟؟

وكيف نستعيد شيئا مما كان ؟وكيف نداوي الجراح ،ونستعيد شيئا قد ذهب؟كيف نستحضرشيئا من الكبرياء الممزق في رحلة الترحيل الى آفاق الهزيمة المرة؟؟!

وكيف ننسى؟وقوات دفاعنا مدفوعة بالصمت والمجد المقتول ،والفكر المشلول،ونواصي تنحني بلا عواصف، وبلا سيوف؟؟!

آه يا جرح العذاب!آه يا دمنا مهدورا بدون ثأر!آه يا نحن وقد أصبحنا أضحية ،لا شيء يحملنا سوانا في نفق التشرد،في الظلمات...وترفع أبواق الشعارات في منافي الثائرين...

آه يا روح المقاتل في السويس وفي الدفرسوار،أين غابت أجنحة النهار؟ وتوارى النص الحربي منزوعا على حدود النار...ليعبر المهزوم منصورا على بيارق كانت،وصقور غيبها قرار..

.وانحنينا وامتطينا أشرعة الرحيل من زمن المجد الطويل..فهل تعرف الأفراح مسراها الينا واول الموال آه يا عيون الصابرين على دمي..!

حاول الزعيم جمال عبد الناصر وضع خطط بديلة بما سمي" حرب الاستنزاف،"والتي حاول من خلالها  ضرب العدو ضربات موجعة.وسارت الحرب في خطوات متلاحقة،وجهت البوصلة للبعد العربي المقاوم ،لاستعادة شيئا من روح الشعب الذي آمن بزعيمه وقدرته على تغيير معلم الهزيمة وقيادة شعبه والشعب العربي بأجمعه الى فجر جديد،يحمل الأمل من خلال العمل الدؤؤب ،وتكثيف الهجوم على مواقع عسكرية،شهد التاريخ أحداثها الهامة،وقد غرق العدو بمحاولات الدفاع  المزعوم ،لتظل هذه الحرب علامة فارقة بعد الهزيمة،في عودتها لمنظور النصر والتغلب على القهر.

وفي ذلك الزمن القاهر،الذي يلقي بغلالات مجهولة على الأحلام والمستقبل ويمضي بنا في نفق طويل، بدون شموع تضيء درب المستحيل.

.دخلت المدرسة الابراهيمية لاستكمال دراستي الثانوية،ولمعت فيها بشكل منقطع النظير.كانت المدرسة مختلطة،وازداد احترام الأساتذة لي بعد امتحانات الفصل الأول،وحصولي على أعلى الدرجات..فكلما دخل أستاذ الصف،كان يسأل عني ليتعرف علي..وصرت ألاقي احتراما شديدا من أساتذتي وزملائي الطلاب.

كان عريف الصف يحبني ويكرهني،مشاعر متناقضة تولدت ،لأنني كنت أخالفه دائما،فقدم شكوى ضدي الى أستاذ الآداب،وقرر حرماني من الحصة،وانفرجت أسارير العريف...وبعدها جاء يعتذر..

أذكر أنه كان طويل القامة،نحيلا،من قرية" بيت اكسا"،تحدث الي في ساحة المدرسة عن طموحاته وتطلعاته، وعزمه على السفر الى فنزويلا.

ومرة كنت ذاهبة الى البلدة القديمة،فتبعني،أوقفني وتحدث الي،ثم قدم لي هدية،ولما وصلت البيت فتحت الهدية ،واذا بها قلم حبر،وبداخل الأنبوب رسالة صغيرة ،محملة بأطياب الحديث ودنف الأشواق،طالبا مني الزواج والذهاب معه الى فنزويلا..تبسمت وأعدت القلم الى موضعه،وفي اليوم التالي تجاهلته في الكلية..فجن جنونه.

كنت كل يوم أستقل الحافلة من قرب بيتنا للذهاب الى المدرسة،كنت أحب الجلوس قرب النافذة لأستطلع الضياء والناس وهمسات النسيم..وكان ابن جيران لنا يطالعني باستمرار، ويجلس بجانبي،ويفتح للحديث شجونا،وتكررت الجلسات والأحاديث فمللتها..

وفي اليوم التالي تجاهلته تماما،جلست بالجهة المقابلة،أي على طرف الكرسي،ولما جاء كعادته،لم أمكنه من الجلوس بجانبي،وفي نفس اليوم،بعد الظهر،أرسل والدته لطلب يدي.

وهكذا قضيت سنة دراسية ما بين شدة الحلم بالنجاح بامتحانات الثانوية،وما بين القلق على المستقبل وتحدي الاحتلال،والسير في المظاهرات..وفي نهاية العام،تقرر أن نقدم الامتحانات في رام الله..وزميلي العاشق(عريف الصف)،لا زال يأمل أن أستجيب لندائه.

فبينما كنت مع عدد من الزملاء،عائدين من رام الله في الحافلة ،بعد تقديم الامتحان،جاء مراقب التذاكر،وسألني عن تذكرتي،وكنت قد فقدتها،وطالبني بالدفع ثانية،"فاشمأنط" العاشق،وافتعل معركة،وضرب المراقب ليثبت أنه يحبني.

لقد عشنا لحظات مقلقة في الحلم والواقع،وأنا أفرد أجنحتي للتحليق في المستقبل الذي أطمح اليه،في دائرة النرجس وعبق الشموخ والتحدي،ونتيجة لوجود الاحتلال الطارق اليومي على خطوات مستقبلنا،والمعيق المتعمد لتحركاتنا وآفاق طموحنا،فرض علينا تقديم امتحانات الثانوية في رام الله،والطريق الى هناك بالدقائق المكنونة والمنتظرة تسير بتعثر،كما سارت السنة الدراسية بتعثر أيضا،قضيناها ما بين اغلاق واضراب ومظاهرات احتجاج،مما لم يمكننا من انهاء المنهاج،وكان لزاما علينا أن نتابع ما تبقى من المنهاج بأنفسنا...

بذلت جهدا كبيرا لاستيعاب المادة،وبينما كنت أغرق في بحور الدراسة،وأعيش تفاصيل مجرياتها،تم تعيين موعد زفاف أختي الكبرى في نفس الأسبوع الذي تعقد به الامتحانات،نظرا لأن خطيبها ممنوع من الدخول الى فلسطين،ولديه اجازة قصيرة نوعا ما..وكان على والدي اعداد العدة لاقامة حفل زفافها خارج فلسطين.

انتابني حزن شديد مزق قلبي،ظلت دموعي تنهمر على مدار الأسبوع،أحاول الدراسة والاستيعاب، ولكن دون جدوى..أنظر الى صفحات الكتاب،فأراها اغرورقت بالدموع،وتحولت الكتابة بالخط الأسود الى بياض شفاف ، يمحو حروفها،فما أصعبها من لحظات،وكأنما ديمة الحب" السكوب"تكاثفت في قلبي ،لتهطل أمطار الروح دموعا لا تتوقف،رغم كل محاولاتي الهدوء وتقبل الأمر..وكم رجوتهم أن يؤجلوا لعدة أيام،ولكن الأمر لم يكن ممكنا.

أخي الصغير زياد انتابه الحزن الشديد أيضا،وهو ينظم الورود في غرف الاستقبال..وتم حفل الزفاف،وغادرت شقيقتي التي ظللت أعيش بحنانها وأنتظر لحظة حضورها ،لتشرق بها أبهاء القدس ثانية..وعند وداع شقيقتي ،عرفت معنى دموع أبي  المنهمرة، والتي لم تتوقف.

ولما أنهيت دراستي الثانوية،صمم والدي على تعليمي في أعلى المعاهد والجامعات،ولكن شيئا من الخوف كان يعتريه،حالة الحرب والاستنزاف وعدم الاستقرار السياسي.وقد قدم أوراقي الى جامعة القاهرة والجامعة الأردنية،وجاءني القبول..كان حلمه أن أحصل على أعلى الدرجات،ولكن خوفه علي ،وضعه في حيرة وارتباك،ولما رأيته حائرا قلقا،جئته في احدى الأمسيات،وكان جالسا في الحديقة،واضعا يده على خده،تبرق عيناه ببريق الفرح الممزوج بالقلق،تقدمت منه قائلة:"لقد قدمت أوراقي الى معهد المعلمات في رام الله،وقبلت بسرعة،لذا أريد الالتحاق بها"،ولم يتحمس والدي كثيرا ،وظلت علامات الحيرة مرسومةعلى وجهه.

وفي هذا العام،نشرت أول مقالة سياسية في جرية القدس التي كانت قد أسست حديثا..

التحقت بمعهد المعلمات في رام الله،واستعادت شخصيتي حضورها،وتألقت،حزت على الدرجة الأولى في الدراسة ،وعلى لقب الطالبة المثالية ،للمشاركة في مختلف النشاطات غير المنهجية.ضمت الصفوف آنذاك مجموعة من الفتيات المتفوقات من مدن الضفة الغربية وقطاع غزة،ورغم ذلك تفوقت على الجميع..

في نهاية السنة الأولى،أعددنا حفلا للطالبات الخريجات،كان لي في هذا الحفل نصيب كبير،فقد قدمت مجموعة من الأغنيات الوطنية التي أعشقها،والأغنيات العاطفية والهندية..ثم شاركت بمسرحية،وقمت برقص الباليه انفراديا على أنغام معزوفة "ألدانوب الأزرق"،أما الأغنيات والرقصات التي اخترتها،كانت من الأغاني الكلاسيكية التي تحمل روح الطرب..أخذنا وقتا طويلا في تدريب الفتيات على أغاني رابعة العدوية،وأشياء أخرى يصعب تصويرها،وقدمت أولى قصائدي باللغة العامية بعنوان"بركان لا يهدأ"،أذكر منها:

بركان مش خامد         بركان بيثور

للشعب الصامد           للنار والنور

لاقت فقراتي استحسانا كبيرا،واعجابا للابداع الدراسي والنشاط الفني.

بدأت علاقاتي الواعية مع مدرساتي تأخذ منحى العمق والفهم والاحترام والتمثل والامتثال.

مديرة المعهد السيدة ندى بركات،كانت سيدة لطيفة ،متحضرة،تعاملت معي بشكل مميز،ونمت بيننا علاقة خاصة مبنية على الاحترام.كانت تشجعني كثيرا،وتتنسم عبير المستقبل الموعود،معربة عن اعتزازها واعتزاز المعهد بأية خطوة نجاح أنجزها،

كنت أتمتع بذاكرة غير عادية،التقط المادة بسرعة البرق،فلا أحتاج لمعاودة المطالعة لاستيعاب المادة..الاستاذة رحاب علاونه،استاذة الأدب العربي،كانت توكل لي مهام تحليلية ،خاصة في السنة الثانية،وكانت تعول على ابداعاتي وموهبتي.

وقد كلفتني في أحد الأيام بعرض وتحليل ملحمة"الأوذيسا"للطالبات،سعدت بهذا التكليف،وقمت باعداد المطلوب..ولخصت الملحمة للطالبات شفويا، بشكل تفصيلي لأهم الأحداث والشخصيات،وكتبتها على السبورة..

نظرت وجه استاذتي فوجدته مندهشا،والطالبات في صمت مدقع ووجوم،لأن الملحمة تتضمن عشرات الأسماء غير العربية،وتذكرها وعرضها بتلك الصورة، ملفت للنظر.كانت الأستاذة رحاب علاونة جميلة وهادئة،أقامت علاقات متكافئة مع الطالبات،ووجهتنا للمستقبل بنصائحها،والتي حملناها بكل اهتمام.

الأستاذة ماهرة الدجاني،استاذة الرياضة،ربطتني بها علاقة احترام ومودة،وظلت هذه العلاقة حتى الآن،وهي ترأس كلية دار الطفل.ماهرة،سيدة نشيطة،جميلة،متابعة بشكل جدي مهامها الدراسية،عيناها الزرقاوان كانتا تضيف الى جمالها وأنوثتها،وقد تابعت نشاطها حنى هذه اللحظة،ولم تتوقف.

بالاضافةالى النشاط اللامنهجي،كنت أقوم أيضا ،بنشاط مجتمعي،حيث اقترح رئيس البلدية آنذاك ،السيد عبد الجواد صالح،بأن نقوم برعاية مدينة رام الله،الاهتمام بنظافتها وتنظيمها..كان رئيس البلدية تقدميا،شجاعا،يسير أمامنا في كل عمل نقوم به..وفي تلك الأثناء تعرفت على السيدة المناضلة سميحة خليل،حيث كنا نجتمع في الجمعية التي ترأسها"جمعية انعاش الأسرة"،ونرسم خطط رعاية المدينة.لم أكن أدري بأن المستقبل يحمل لنا عملا نضاليا مشتركا.

بعد حفل نهاية العام..بدأت الطالبات الخريجات يجهزن أنفسهن لمغادرة المعهد،

وفي لحظات التلويح للوداع،ارتسمت على جبيني عشرات الأسئلة،عن البدايات والنهايات،وكانت علاقتي مع الطالبات قد توطدت ورست على قواعد المحبة والاحترام.وخلال المسيرة السنوية،لم أفكر بلحظة الوداع هذه الى أن أتت..

في ذلك اليوم من حزيران،استيقظت فوجدت عشرات السيارات تنتظر في ساحة المعهد،حقائب تفتح ثم تقفل،زامور السيارات يعلو،وأنا حائرة ما بين عذابات اللحظة في سفر الخروج،الى سفر تكوين الخروج الجديد.

جلسنا في كافتيريا المعهد،طلبة السنة الأولى مع السنة الثانية، في جلسات وداعية موشحة بالأمنيات،طلبت مني المدرسة تقديم أغنية لهن،فأنشدت أغنية،

أخي جاوز الظالمون المدى

فحق الجهاد وحق الفدى

وفي انتهاء الجلسة،بدأت السلسلة البشرية بالتفرق،واشتد العناق والبكاء،تساقطت دموعي بقوة وأنا أودع صديقاتي من غزة،نابلس،طولكرم وباقي المدن الفلسطينية.

ولما عدنا في بداية العام الجديد،كانت الوجوه قد تغيرت،وابتدأنا بالبناء الجديد.

بدأنا نكبر،وتخف الساعات،وتزداد التدريبات العملية،وصارت الهيئة التدريسية تعاملنا كمعلمات.صرنا نخرج للتدريب في المدارس، ونتابع النشاطات الى أن حان يوم التخرج..ولم أدر كيف مرت سنتان بهذه السرعة ،الى أن قررت ساعة الامتحان ،وأعددت درسا نموذجيا، وقدمته لطالبات الثانوي في مدرسة البيرة الثانوية للبنات. .حضر الدرس مديرة المدرسة الآنسة وداد الأيوبي والشيخ الوسيم محمد الجعبري الذي ظل مبتسما خلال امتحاني،مما ساعدني على طرد الخوف بعيدا .أبدعت في التقديم ،فحزت على تقدير امتياز.

هذه المديرة الرائعة ،تربطني بها علاقة تاريخية،حيث أنها كانت مديرة مدرستي وأنا في الابتدائية.في احدى جولاتها التفقدية،لفت نظرها ،فتحدثت الي،وفي موعد زيارتها الثانية،أردت أن أكرمها بطريقتي..

ذهبت الى المكتبة،فلفت نظري قلم رصاص فائق الطول والتميز،اشتريته واحتفظت به الى موعد اللقاء الثاني، ولما حضرت ،قدمته لها فاستغربت،فقلت لها:"هذا القلم غير العادي ، تستحقه امرأة غير عادية،"كنت آنذاك في صف الرابع الابتدائي وصوتي الرقيق لا يكاد يسمع.

بالطبع،بعد التخرج كان علي أن أطبق ما تعلمته،ولكن كيف والقدس محتلة ومناهجها مختلفة؟

تخرجت من المعهد، ولم أتوقف عن التطلع العلمي،كافأني والدي بسيارة جديدة"الفاروميو"،وكانت اول سيارة من هذا النوع تدخل القدس،سعدت جدا بها،وكانت محفزا لي للأبدع في الدراسة أكثر.

هكذا تمر الأحداث،وتسير الأيام بمفاجآتها لتظلل روحي بالأمل،وتنشر عبير روح الفرح والايمان بالانسان والموقف.

رغم حرب الاستنزاف المستمرة،وألم الهزيمة،وتداعيات الفواجع،وفقد الزعيم العربي الذي ظلل قلوبنا بالحزن والخوف والشك،ومصادرة المجد الذي حلمنا أن يكون،ظل الأمل ينبعث من أعماقنا.

وكان لا بد للانكسار أن ينزف جراحه،ليحملنا في عودة روح نسبية، نستعيد بها شيئا من كرامتنا العربية المستباحة..

جاءت حرب ال 73،لترسم أفقا جديدا،ولتزرع في قلوبنا شيئا من الشجاعة والاصرار.

 

ابتدأت الحرب،وأخذ الجيش المصري يستعيد هويته ،ويقاتل بقوة،وينتصر بقوة، ليواجه العدو بصلابة.كان القادة المصريون آنذاك،في خططهم العسكرية،يخطون طريقا مضيئا،ويمسحون عن الروح سوادها،ويشعلون نار التحدي،لنكون وتكون العروبة وهجا للروح.

أذكر حينما تلقينا النبأ في القدس،أغلقت المحلات التجارية،وهرول الناس الى بيوتهم لترقب الأحداث،وكان الاسرائيليون يأتون الى القدس بأعداد كبيرة آنذاك،

وفي أثناء الحرب،رأيتهم يسيرون في شوارع المدينة في انهيار تام،كانوا يصرخون،ويولون هاربين.انتابني شعور بالأمل، بأن هناك ملامح انفراج لروح الشعب الذي واجه الهزيمة،وعايش آلامها وفواجعها،وشعرت كما شعر غيري بالقوة،ورفض الذل،وعشنا على انتظار لحظة الحزم والعبور والتحرير.

وما كاد الفرح يدغدغ مشاعرنا،والأمل يتحصن بنا،واذا بالحرب تتوقف،واذا بالمجد يمضي بجرة قلم،واذا بنا نتوقف ثانية على مشارف الضياع،بعد الصعود،

لتأخذ الدموع طريقها الينا،ونعبر أنفاق الصمت والموت، والاسترسال في أفق الهزيمة..كان موقفا صعبا دفعنا ثمنه غاليا،ونحن نعيش في ظل احتلال جثم على قلوبنا،وأحرق الحلم،وساربنا في طريق الفقد،الاعتقال وضياع الأرض.لنعبر في أحداث استباقية لم نتوقعها.ونعيش كأننا ما كنا.

حاولت بوعيي أن أحلل حقائق ما يجري،ولعبة الأمم،وقوتنا،وكيفية استخدامها،لأطل على زعماء الأمة صامتين في زمن القهر،يطرحون التهديدات دون فعل ولا حتى ردة فعل...لتتوقف الحرب،ويستقيل القادة الذين رسموا خطة العبور،وكأنما المطلوب أن نتوقف هناك فقط،ولا نتجاوز الحد المطلوب.وكأنما مطلوب أن نمضي في طريق مرسوم المعالم بما تخطه لنا الولايات المتحدة علينا وعلى حريتنا وكبريائنا..ويظل السؤال الحائر:" أين سلاح النفط وقوة الضغط،أين نحن مما يجري ويمرر علينا،أين الوطن وأين العروبة وأين الفكر القومي والعالم الأسلامي وأين أحرار العالم"؟؟.الزمن يضيق بنا لنستفيق على ضياع وطن،لنعيش في فردوس مفقود،بل فردوس مأخوذا بالقوة،ويظل الشعار منتظرا على قارعة طريق.".ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة."
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف