
المغرب العربي مستقبلنا المشترك...
د.طارق ليساوي
في الوقت الذي لازال فيه النظام المغربي منتشيا بالفتح الذي حققه بالانضمام إلى المنتدى الإفريقي، بفضل الجولات المكوكية لدبلوماسية القصر و السخاء المنقطع النظير تجاه الأفارقة، شهدت مدينة الحسيمة ( شمال المغرب) ليلة الأمس الأحد 5 فبراير احتجاجات سلمية إحياءا لذكرى وفاة المناضل المغربي و العربي "عبد الكريم الخطابي" و استمرارا في التضامن مع "شهيد الحكرة" بائع السمك الذي تم طحنه في شاحنة أزبال قبل حوالي 3 أشهر، غير أن الاحتجاجات انحرفت عن مسارها و أسفرت عن انفلات أمني خلف إصابات طفيفة في صفوف بعض المحتجين ورجال الأمن.
الواقع أن لا أحد حتى المحتجين يريد الإضرار باستقرار البلاد وأمن العباد، و الدليل على ذلك أن شمال المملكة شهد العديد من الاحتجاجات السلمية منذ مظاهرات الشموع في طنجة ضد شركة "أمانديس" مرورا بالاحتجاجات التي أعقبت استشهاد بائع السمك ، فالاحتجاجات كانت تتم في هدوء ودون إصابات تذكر.
غير أن ما يؤسف له هو حرص بعض الجهات و المنابر الإعلامية التي تدعي الوطنية على إذاعة خطابات شوفينية ضد إخواننا في الريف عموما، و هي خطابات تفرق أكثر مما توحد ، فسكان الريف كانوا و لازالوا جزءا لا يتجزأ من المملكة المغربية و أهل الريف من أشد الأنصار لقضايا الأمة العربية والإسلامية ، فلماذا الإصرار على اتهامهم بالخيانة وخدمة أجندات خارجية؟؟، فهذا الخطاب المتجاوز و العنصري لم يعد صالحا في ظل الظروف الحالية ، فالجميع يدرك خطورة الفتنة الطائفية والإثنية ، لماذا الأنظمة العربية وأبواقها الإعلامية تكرر نفس الأخطاء و تحرص على السير في نفس الاتجاه ؟ ألم تدمر العديد من البلدان العربية بفعل هذا الخطاب الشوفيني ؟ أليس الكل ينتمي إلى نفس الرباط الجامع و هو الإسلام و العروبة و وحدة التاريخ و المصير المشترك ؟.
فخطاب الخيانة والتخوين ينبغي الابتعاد عنه، فمثلا "عبد الكريم الخطابي" هو علم من أعلام المغرب و العالم الإسلامي، فهذا الزعيم وإستراتيجيته في مقاومة المحتل الاسباني دفعت بالزعيم الصيني "ماوتسي تونغ" إلى اقتباس ذات الأسلوب في مواجهة الاحتلال الياباني لبلاده في مطلع ثلاثينات القرن الماضي. حربنا اليوم ليس مع مواطنينا على اختلاف انتماءاتهم وعقائدهم، فالتنوع العرقي و الإثني مصدر قوة و إبداع، وسياسة الاسترزاق و التخوين تضر بالوطن في الداخل و الخارج...
فالتحدي الحقيقي الذي يواجه المغرب هو أقامة نظام حكم صالح ورشيد و إقامة دولة الحق و القانون ، و إشاعة العدل بين جميع المواطنين شمالا و جنوبا، و الحد من نهب ثروات البلاد و العباد و تصريفها في غير مواضيعها، فاحتجاجات الحسيمة هي بالأساس ضد الظلم والحكرة التي تعرض لها مواطن مغربي فكل المغاربة تضامنوا معه، فسياسات التسويق الإعلامي لم تعد تجدي فحجم التحديات كبير و الظرفية الدولية ليست في صالح السياسات الاستبدادية ...
لماذا لا نريد الاستفادة من غيرنا ؟ فهذه أمريكا يخرج جزء من شعبها للاحتجاج على رئيس منتخب بل إن القضاء الأمريكي يوقف بعض قرارات الرئيس، فهل سمعنا من خون هذا القاضي أو سفك دماء المحتجين، بل إن رجال الأمن و المحتجين يحتضن بعضهم بعضا عند نهاية المظاهرة، بينما في العالم العربي لا نعرف سوى التعزيزات الأمنية و التدخل الأمني العنيف، فالاحتجاج السلمي حق مشروع شريطة ألا يضر بالغير و بالممتلكات العامة والخاصة
إن مأساة المغرب و معه باقي العالم العربي هو الفرعونية السياسية، واحتكار السلطة و الثروة، وهذا التوجه لن يقود إلا لمزيد من التدهور و التفكك، فمن غير المعقول أن نبحث ونسعى جادين للحصول على تأييد الشعوب الإفريقية و اللاتينية و الأوروبية لقضايانا بينما نهمل شعوبنا و نقصيهم من صياغة القرار، و نكبلهم بقيود الاستبداد و الفقر و التهميش. فأي غاية ترجى من تقديم المساعدات الإنسانية وغيرها لشعوب أخرى بينما نهمل احتياجات أبناءنا في القرى و المداشر؟ ما الغاية من بناء المستشفيات في الخارج بينما مرضانا لا يجدون أسرة للعلاج؟
إن المدافع الحقيقي عن امن و استقرار الوطن هم أبناءه بالدرجة الأولى، ولعل في تجربة "القدافي" و هروبه إلى الارتماء في أحضان القارة الإفريقية و إهمال احتياجات شعبه لدرس بليغ لأي دبلوماسية أو توجه سياسي يركز على الخارج ويهمل الداخل...
و كلامنا هذا لا يعني أننا ضد التعاون مع باقي شعوب العالم، بل على العكس من ذلك، لابد من تعزيز التعاون جنوب- جنوب و جنوب - شمال أيضا، لكن ينبغي أن يكون هذا التعاون في مصلحة كلا الشعوب، نعم من الايجابي الانضمام للاتحاد الإفريقي، لكن أيضا من باب أولى الاهتمام بالجار القريب استجابة لوصية الرسول الكريم صل الله عليه و سلم و لتحقيق المصالح الظاهرة و المباشرة فكما يقال أن أقرب المسافات بين نقطتين هو الخط المستقيم...
فإهمال تكتل المغرب العربي فيه مجانبة للصواب و ابتعاد عن أقصر الطرق و أقلها تكلفة و أكثرها نفعا، فمصلحة الشعب المغربي و باقي الشعوب المغاربية تقتضي تفعيل هذا التكتل على اعتبار أن مثل هذه المبادرة السياسية فيها مصلحة ظاهرة لكل شعوب الإقليم نظرا لتقارب المستوى التنموي بين أطراف و أيضا في ذلك تأثير مباشر على استقرار المنطقة و تنميتها ..نتمنى أن نشهد في القريب العاجل إحياء هذا المنتدى و تفعيل العمل المغاربي المشترك وتجاوز الخلافات البينية، و دعوتي هذه موجهة إلى كل الحكام المغاربة بدون استثناء فرغبة الشعوب في الوحدة لا زالت قائمة و القواسم المشترك أكثر من نقاط الخلاف، لكن ما ينقص هو الإرادة و الجرأة السياسية لإزالة جدران الخلاف و الشقاق و تغليب منطق التعاون و التضامن، فذلك بحق هو مستقبلنا المشترك الذي ينبغي أن يكون جدول أعمالنا اليوم قبل الغد...و إلى ذلك الحين فلاداعي لتخوين بعضنا بعضا فالأوطان تبنى بأكتاف الجميع...
*إعلامي و أكاديمي مغربي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي .
د.طارق ليساوي
في الوقت الذي لازال فيه النظام المغربي منتشيا بالفتح الذي حققه بالانضمام إلى المنتدى الإفريقي، بفضل الجولات المكوكية لدبلوماسية القصر و السخاء المنقطع النظير تجاه الأفارقة، شهدت مدينة الحسيمة ( شمال المغرب) ليلة الأمس الأحد 5 فبراير احتجاجات سلمية إحياءا لذكرى وفاة المناضل المغربي و العربي "عبد الكريم الخطابي" و استمرارا في التضامن مع "شهيد الحكرة" بائع السمك الذي تم طحنه في شاحنة أزبال قبل حوالي 3 أشهر، غير أن الاحتجاجات انحرفت عن مسارها و أسفرت عن انفلات أمني خلف إصابات طفيفة في صفوف بعض المحتجين ورجال الأمن.
الواقع أن لا أحد حتى المحتجين يريد الإضرار باستقرار البلاد وأمن العباد، و الدليل على ذلك أن شمال المملكة شهد العديد من الاحتجاجات السلمية منذ مظاهرات الشموع في طنجة ضد شركة "أمانديس" مرورا بالاحتجاجات التي أعقبت استشهاد بائع السمك ، فالاحتجاجات كانت تتم في هدوء ودون إصابات تذكر.
غير أن ما يؤسف له هو حرص بعض الجهات و المنابر الإعلامية التي تدعي الوطنية على إذاعة خطابات شوفينية ضد إخواننا في الريف عموما، و هي خطابات تفرق أكثر مما توحد ، فسكان الريف كانوا و لازالوا جزءا لا يتجزأ من المملكة المغربية و أهل الريف من أشد الأنصار لقضايا الأمة العربية والإسلامية ، فلماذا الإصرار على اتهامهم بالخيانة وخدمة أجندات خارجية؟؟، فهذا الخطاب المتجاوز و العنصري لم يعد صالحا في ظل الظروف الحالية ، فالجميع يدرك خطورة الفتنة الطائفية والإثنية ، لماذا الأنظمة العربية وأبواقها الإعلامية تكرر نفس الأخطاء و تحرص على السير في نفس الاتجاه ؟ ألم تدمر العديد من البلدان العربية بفعل هذا الخطاب الشوفيني ؟ أليس الكل ينتمي إلى نفس الرباط الجامع و هو الإسلام و العروبة و وحدة التاريخ و المصير المشترك ؟.
فخطاب الخيانة والتخوين ينبغي الابتعاد عنه، فمثلا "عبد الكريم الخطابي" هو علم من أعلام المغرب و العالم الإسلامي، فهذا الزعيم وإستراتيجيته في مقاومة المحتل الاسباني دفعت بالزعيم الصيني "ماوتسي تونغ" إلى اقتباس ذات الأسلوب في مواجهة الاحتلال الياباني لبلاده في مطلع ثلاثينات القرن الماضي. حربنا اليوم ليس مع مواطنينا على اختلاف انتماءاتهم وعقائدهم، فالتنوع العرقي و الإثني مصدر قوة و إبداع، وسياسة الاسترزاق و التخوين تضر بالوطن في الداخل و الخارج...
فالتحدي الحقيقي الذي يواجه المغرب هو أقامة نظام حكم صالح ورشيد و إقامة دولة الحق و القانون ، و إشاعة العدل بين جميع المواطنين شمالا و جنوبا، و الحد من نهب ثروات البلاد و العباد و تصريفها في غير مواضيعها، فاحتجاجات الحسيمة هي بالأساس ضد الظلم والحكرة التي تعرض لها مواطن مغربي فكل المغاربة تضامنوا معه، فسياسات التسويق الإعلامي لم تعد تجدي فحجم التحديات كبير و الظرفية الدولية ليست في صالح السياسات الاستبدادية ...
لماذا لا نريد الاستفادة من غيرنا ؟ فهذه أمريكا يخرج جزء من شعبها للاحتجاج على رئيس منتخب بل إن القضاء الأمريكي يوقف بعض قرارات الرئيس، فهل سمعنا من خون هذا القاضي أو سفك دماء المحتجين، بل إن رجال الأمن و المحتجين يحتضن بعضهم بعضا عند نهاية المظاهرة، بينما في العالم العربي لا نعرف سوى التعزيزات الأمنية و التدخل الأمني العنيف، فالاحتجاج السلمي حق مشروع شريطة ألا يضر بالغير و بالممتلكات العامة والخاصة
إن مأساة المغرب و معه باقي العالم العربي هو الفرعونية السياسية، واحتكار السلطة و الثروة، وهذا التوجه لن يقود إلا لمزيد من التدهور و التفكك، فمن غير المعقول أن نبحث ونسعى جادين للحصول على تأييد الشعوب الإفريقية و اللاتينية و الأوروبية لقضايانا بينما نهمل شعوبنا و نقصيهم من صياغة القرار، و نكبلهم بقيود الاستبداد و الفقر و التهميش. فأي غاية ترجى من تقديم المساعدات الإنسانية وغيرها لشعوب أخرى بينما نهمل احتياجات أبناءنا في القرى و المداشر؟ ما الغاية من بناء المستشفيات في الخارج بينما مرضانا لا يجدون أسرة للعلاج؟
إن المدافع الحقيقي عن امن و استقرار الوطن هم أبناءه بالدرجة الأولى، ولعل في تجربة "القدافي" و هروبه إلى الارتماء في أحضان القارة الإفريقية و إهمال احتياجات شعبه لدرس بليغ لأي دبلوماسية أو توجه سياسي يركز على الخارج ويهمل الداخل...
و كلامنا هذا لا يعني أننا ضد التعاون مع باقي شعوب العالم، بل على العكس من ذلك، لابد من تعزيز التعاون جنوب- جنوب و جنوب - شمال أيضا، لكن ينبغي أن يكون هذا التعاون في مصلحة كلا الشعوب، نعم من الايجابي الانضمام للاتحاد الإفريقي، لكن أيضا من باب أولى الاهتمام بالجار القريب استجابة لوصية الرسول الكريم صل الله عليه و سلم و لتحقيق المصالح الظاهرة و المباشرة فكما يقال أن أقرب المسافات بين نقطتين هو الخط المستقيم...
فإهمال تكتل المغرب العربي فيه مجانبة للصواب و ابتعاد عن أقصر الطرق و أقلها تكلفة و أكثرها نفعا، فمصلحة الشعب المغربي و باقي الشعوب المغاربية تقتضي تفعيل هذا التكتل على اعتبار أن مثل هذه المبادرة السياسية فيها مصلحة ظاهرة لكل شعوب الإقليم نظرا لتقارب المستوى التنموي بين أطراف و أيضا في ذلك تأثير مباشر على استقرار المنطقة و تنميتها ..نتمنى أن نشهد في القريب العاجل إحياء هذا المنتدى و تفعيل العمل المغاربي المشترك وتجاوز الخلافات البينية، و دعوتي هذه موجهة إلى كل الحكام المغاربة بدون استثناء فرغبة الشعوب في الوحدة لا زالت قائمة و القواسم المشترك أكثر من نقاط الخلاف، لكن ما ينقص هو الإرادة و الجرأة السياسية لإزالة جدران الخلاف و الشقاق و تغليب منطق التعاون و التضامن، فذلك بحق هو مستقبلنا المشترك الذي ينبغي أن يكون جدول أعمالنا اليوم قبل الغد...و إلى ذلك الحين فلاداعي لتخوين بعضنا بعضا فالأوطان تبنى بأكتاف الجميع...
*إعلامي و أكاديمي مغربي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي .