تنفيذ الموظف للأوامر غير المشروعة
تتعد أساليب إدارة المؤسسات العامة بين المركزية واللامركزية, فالمركزية تقوم على عدة عناصر, أهمها السلطة الرئاسية التي يمارسها الرئيس على مرؤوسيه. وهذا العنصر هو أهم ما يميز أسلوب المركزية الإدارية عن غيرها. وعند ممارسة الإدارة لهذه الأساليب فإنها تعتمد على أهم أداة في ممارسة أعمالها الإدارية وهي الموظف العام فهو العنصر الأكثر فاعلية ومرونة في نفس الوقت, ولأن الوظيفة العامة يترتب عليها مجموعة من الحقوق والواجبات فقد فرض القانون العديد من الحقوق للموظف العام واوجب عليه عدد آخر من الواجبات الوظيفية والتي من أهمها واجب الطاعة للمرؤوسين الذين يعلوه في التدرج الوظيفي .
فجات المادة (66) من قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998م لتبين واجبات الموظف العام فنصت في الفقرة (5 ) من المادة سابقة الذكر علي (احترام التسلسل الإداري في اتصالاته الوظيفية وتنفيذ ما يصدر إليه من أوامر وتعليمات في حدود القوانين واللوائح النافذة ).إذن فطاعة الموظف لرئيسه هي واجب علي الموظف, فعليه أن ينفذ ما يصدر إليه من أوامر وتعليمات.
فالرئيس الإداري يتمتع بسلطة إصدار الأوامر و التوجيهات لمرؤوسيه ويجب علي هؤلاء تنفيذها إلا أن تنفيذ هذه الأوامر يطرح إشكالا قانونيا في غاية العمق يتمثل في السؤال التالي:
هل يلزم المرؤوس في جميع الحالات بالطاعة وتنفيذ الأوامر الصادرة إليه من رئيسه؟ حتى وان كانت في متنها و موضوعها مخالفة للقانون ؟آو فقط يلزم بتنفيذ الأوامر المشروعة دون غيرها؟
وللإجابة عل هذا السؤال فيجب التمييز بين الأوامر المشروعة والغير مشروعة فان كانت الأوامر الصادرة للموظف مشروعة و متماشية مع القانون في موضوعها ومتنها فلا خلاف ان الطاعة من المرؤوس هنا هي واجبة حفاظا على الاستقرار الوظيفي وتنفيذا لمقتضيات الوظيفة العامة.
ولكن ما أثار الإشكاليات في الفقه هي تنفيذ الأوامر الغير مشروعة فثار الجدل الفقهي حول هذه المسالة فاتسعوا الى ثلاثة اراء وهي:
الرأي الأول: وهو الرأي الذي تبناه الفقيه (ديجيه) الذي رأي انه إذا صدر عن الرئيس أمر غير مشروع قانونا أو منافيا في مضمونه للقانون فلا يلزم المرؤوس تنفيذه لأنه إن خالف الرئيس القانون فانه لا يجوز للمرؤوس إتباعه في المخالفة للقانون أيضا. ولكنه استثني من ذلك طائفة الجنود بحق فرأى انه من واجبهم تنفيذ الأوامر الصادرة إليهم من جانب قادتهم دون أن يكون لهم الحق في مناقشتها لان الجندي هو آلة للإكراه محروم من التفكير كما يقول( ديجيه).
و نرى أن هذا الرأي متماشي مع مبدأ المحافظة على المشروعية و إعمالا للحفاظ على القانون و التقيد به. إلا انه يعاب عليه انه سوف يؤدي إلي تعطيل العمل الإداري لان المرؤوس سوف يتوقف عن تنفيذ أي أمر صادر إليه ليتأكد أولا هل هذا الأمر مشروع آو غير مشروع مما يؤدي إلي تعطل العمل الإداري. هذا من جانب, ومن جانب آخر فان الأخذ بهذا الرأي يجعل من الموظف قاضي مشروعية يجب عليه فحص المشروعية قبل التنفيذ.
الرأي الثاني: تزعم هذا الرأي الفقيه (موريس هوريو) الذي أعطي أولوية لعنصر الطاعة علي مبدأ المشروعية فاعتبر أن المرؤوس مسؤول عن تنفيذ أوامر رئيسه مباشرة دون فحصها.
الرأي الثالث: هو رأي وسط بين الرأيين السابقين ,مقتضاه محاولة التوفيق بينهما فقال اصحاب هذا الرأي انه يجب علي الموظف تنفيذ الأوامر الغير مشروعة في حدود معينة كأن تكون مكتوبة ,وواضحة ,و صادرة عن سلطة مختصة .وانه في هذه الحالة علي الموظف تنفيذ الأمر الغير مشروع و يتحمل المسؤولية عن ذلك الإدارة وليس الموظف وهذا الرأي تبناه الفقيه الفرنسي.
وحتى يتم إزالة الحيرة بين الآراء السابقة جاء قانون العقوبات الفلسطيني رقم ( 74) لسنة 1936ليخفف من الصراع الفقهي فقد نص في الفقرة 19 تخت عنوان حالات انتفاء المسؤولية الجزائية على :
(لا يعتبر الإنسان مسؤولاً جزائياً عن أي فعل أو ترك إذا كان قد أتى ذلك الفعل أو الترك في أي حال من الأحوال التالية:
(أ) تنفيذاً للقانون.
(ب) إطاعة لأمر صدر له من مرجع ذي اختصاص يوجب عليه القانون إطاعته إلا إذا كان الأمر غير مشروع بصورة ظاهرة.
أما كون الأمر مشروعاً أو غير مشروع بصورة ظاهرة فهو مسألة من المسائل القانونية).
ففي الفقرة (ب) جعل الموظف مسؤولا جزائيا إن كان الأمر الغير مشروع يمثل جريمة ظاهرة . أما إن كان الفعل يشكل جريمة غير ظاهرة فلا مسؤولية ولا عقاب على الموظف.
ورأينا أن المشرع الفلسطيني انسجم مع مقتضيات وطبيعة الوظيفة العامة فجعل الموظف مسؤولا أو غير مسؤول جزائيا عن تنفيذ الأوامر الغير مشروعة بحسب الظاهر من الفعل. ومعلوم قانونا أن العلم المأخوذ به قانونا هو العلم المعتاد.
خلاصة القول انه من مقتضيات الوظيفة العامة واجب الطاعة المفروض على الموظف العام.وعند تنفيذ الأوامر يجب على الموظف التفكير ,فان كان العمل مشروع فانه يجب عليه تنفيذه مباشرة ودون تراخي. وان كان غير مشروع فانه يجب أن ينظر هل الفعل يشكل جريمة ظاهرة مثل الأمر بالقتل أو السرقة ,ففي هذه الحالة لا ينفذ الأمر لأنه إن نفذه فانه يكون مسؤولا جزائيا. اما لو كان الفعل لا يمثل جريمة ظاهرة فعليه التنفيذ ولا مسؤولية ولا عقاب عليه.
بقلم / نضال جهاد الحايك
تتعد أساليب إدارة المؤسسات العامة بين المركزية واللامركزية, فالمركزية تقوم على عدة عناصر, أهمها السلطة الرئاسية التي يمارسها الرئيس على مرؤوسيه. وهذا العنصر هو أهم ما يميز أسلوب المركزية الإدارية عن غيرها. وعند ممارسة الإدارة لهذه الأساليب فإنها تعتمد على أهم أداة في ممارسة أعمالها الإدارية وهي الموظف العام فهو العنصر الأكثر فاعلية ومرونة في نفس الوقت, ولأن الوظيفة العامة يترتب عليها مجموعة من الحقوق والواجبات فقد فرض القانون العديد من الحقوق للموظف العام واوجب عليه عدد آخر من الواجبات الوظيفية والتي من أهمها واجب الطاعة للمرؤوسين الذين يعلوه في التدرج الوظيفي .
فجات المادة (66) من قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998م لتبين واجبات الموظف العام فنصت في الفقرة (5 ) من المادة سابقة الذكر علي (احترام التسلسل الإداري في اتصالاته الوظيفية وتنفيذ ما يصدر إليه من أوامر وتعليمات في حدود القوانين واللوائح النافذة ).إذن فطاعة الموظف لرئيسه هي واجب علي الموظف, فعليه أن ينفذ ما يصدر إليه من أوامر وتعليمات.
فالرئيس الإداري يتمتع بسلطة إصدار الأوامر و التوجيهات لمرؤوسيه ويجب علي هؤلاء تنفيذها إلا أن تنفيذ هذه الأوامر يطرح إشكالا قانونيا في غاية العمق يتمثل في السؤال التالي:
هل يلزم المرؤوس في جميع الحالات بالطاعة وتنفيذ الأوامر الصادرة إليه من رئيسه؟ حتى وان كانت في متنها و موضوعها مخالفة للقانون ؟آو فقط يلزم بتنفيذ الأوامر المشروعة دون غيرها؟
وللإجابة عل هذا السؤال فيجب التمييز بين الأوامر المشروعة والغير مشروعة فان كانت الأوامر الصادرة للموظف مشروعة و متماشية مع القانون في موضوعها ومتنها فلا خلاف ان الطاعة من المرؤوس هنا هي واجبة حفاظا على الاستقرار الوظيفي وتنفيذا لمقتضيات الوظيفة العامة.
ولكن ما أثار الإشكاليات في الفقه هي تنفيذ الأوامر الغير مشروعة فثار الجدل الفقهي حول هذه المسالة فاتسعوا الى ثلاثة اراء وهي:
الرأي الأول: وهو الرأي الذي تبناه الفقيه (ديجيه) الذي رأي انه إذا صدر عن الرئيس أمر غير مشروع قانونا أو منافيا في مضمونه للقانون فلا يلزم المرؤوس تنفيذه لأنه إن خالف الرئيس القانون فانه لا يجوز للمرؤوس إتباعه في المخالفة للقانون أيضا. ولكنه استثني من ذلك طائفة الجنود بحق فرأى انه من واجبهم تنفيذ الأوامر الصادرة إليهم من جانب قادتهم دون أن يكون لهم الحق في مناقشتها لان الجندي هو آلة للإكراه محروم من التفكير كما يقول( ديجيه).
و نرى أن هذا الرأي متماشي مع مبدأ المحافظة على المشروعية و إعمالا للحفاظ على القانون و التقيد به. إلا انه يعاب عليه انه سوف يؤدي إلي تعطيل العمل الإداري لان المرؤوس سوف يتوقف عن تنفيذ أي أمر صادر إليه ليتأكد أولا هل هذا الأمر مشروع آو غير مشروع مما يؤدي إلي تعطل العمل الإداري. هذا من جانب, ومن جانب آخر فان الأخذ بهذا الرأي يجعل من الموظف قاضي مشروعية يجب عليه فحص المشروعية قبل التنفيذ.
الرأي الثاني: تزعم هذا الرأي الفقيه (موريس هوريو) الذي أعطي أولوية لعنصر الطاعة علي مبدأ المشروعية فاعتبر أن المرؤوس مسؤول عن تنفيذ أوامر رئيسه مباشرة دون فحصها.
الرأي الثالث: هو رأي وسط بين الرأيين السابقين ,مقتضاه محاولة التوفيق بينهما فقال اصحاب هذا الرأي انه يجب علي الموظف تنفيذ الأوامر الغير مشروعة في حدود معينة كأن تكون مكتوبة ,وواضحة ,و صادرة عن سلطة مختصة .وانه في هذه الحالة علي الموظف تنفيذ الأمر الغير مشروع و يتحمل المسؤولية عن ذلك الإدارة وليس الموظف وهذا الرأي تبناه الفقيه الفرنسي.
وحتى يتم إزالة الحيرة بين الآراء السابقة جاء قانون العقوبات الفلسطيني رقم ( 74) لسنة 1936ليخفف من الصراع الفقهي فقد نص في الفقرة 19 تخت عنوان حالات انتفاء المسؤولية الجزائية على :
(لا يعتبر الإنسان مسؤولاً جزائياً عن أي فعل أو ترك إذا كان قد أتى ذلك الفعل أو الترك في أي حال من الأحوال التالية:
(أ) تنفيذاً للقانون.
(ب) إطاعة لأمر صدر له من مرجع ذي اختصاص يوجب عليه القانون إطاعته إلا إذا كان الأمر غير مشروع بصورة ظاهرة.
أما كون الأمر مشروعاً أو غير مشروع بصورة ظاهرة فهو مسألة من المسائل القانونية).
ففي الفقرة (ب) جعل الموظف مسؤولا جزائيا إن كان الأمر الغير مشروع يمثل جريمة ظاهرة . أما إن كان الفعل يشكل جريمة غير ظاهرة فلا مسؤولية ولا عقاب على الموظف.
ورأينا أن المشرع الفلسطيني انسجم مع مقتضيات وطبيعة الوظيفة العامة فجعل الموظف مسؤولا أو غير مسؤول جزائيا عن تنفيذ الأوامر الغير مشروعة بحسب الظاهر من الفعل. ومعلوم قانونا أن العلم المأخوذ به قانونا هو العلم المعتاد.
خلاصة القول انه من مقتضيات الوظيفة العامة واجب الطاعة المفروض على الموظف العام.وعند تنفيذ الأوامر يجب على الموظف التفكير ,فان كان العمل مشروع فانه يجب عليه تنفيذه مباشرة ودون تراخي. وان كان غير مشروع فانه يجب أن ينظر هل الفعل يشكل جريمة ظاهرة مثل الأمر بالقتل أو السرقة ,ففي هذه الحالة لا ينفذ الأمر لأنه إن نفذه فانه يكون مسؤولا جزائيا. اما لو كان الفعل لا يمثل جريمة ظاهرة فعليه التنفيذ ولا مسؤولية ولا عقاب عليه.
بقلم / نضال جهاد الحايك