
لماذا عدنا إلى عصر ما قبل الإسلام؟..
قبائل متناحرة يقتل بعضنا بعضا
بقلم: خالد الطيماوي.. فلسطين
إن أي قارئ جيد للتاريخ لن يجد صعوبة في التوصل لحقيقة واحدة مرة، وهي أنه وبعد أكثر من 1400 عام على نزول الوحي والرسالة على رسولنا الكريم عدنا إلى البوتقة التي خرجنا منها.
عدنا قبائل متناحرة يقتل بعضنا بعضا لأجل ناقة أو حصان وما دونهما. عدنا لعصر الجاهلية الأولى بأفكاره البالية، بعد أن نشرنا أخلاق الإسلام السمحة والعدل والعلم في كل مكان.
وصولنا لهذه الحال من وجهة نظري لم يكن بسبب حملة عسكرية صليبية أو مغولية أو غيرها، وإنما تمت على مرحلتين فصل بينها قرون من الزمن، وإن كان لهما تأثير كبير على أمتنا الإسلامية ووحدتها.
الأولى: كانت في بداية الدعوة ودخول الرسول للمدينة وتأسيسه أول مجتمع إسلامي، وبإرساله رسائل الإسلام إلى أقوى أباطرة ذلك العصر، أدرك اليهود والفرس والروم الخطر القادم، فالعنفوان والقوة والجرأة التي ميزت الدعوة والدعاة أثارت المخاوف، وبعد الاحتكاك المباشر معها بات واضحا أن هذا الدين ودعاته سيسودون العالم، ويدكون عروشهم، إن لم يسارعوا بوأده.
مع الوقت أدرك الجميع أنهم لا يواجهون نفس القبائل التي لم يقيموا لها وزنا يوما، وإنما بشر من نوع خاص لا يقيمون وزنا لحياتهم في سبيل دينهم وأرضهم، وقد أدت أولى المواجهات لجلاء اليهود من المدينة وخوض أولى معارك الإسلام مع الروم معركة مؤتة التي أذاقت الروم الأمرين.
هذه المواجهات أدرك اليهود معها أن القضاء على هذا الدين عسكريا أمر أصبح مستحيلا ولابد على الأقل أن يتم إضعافه.
لم يبتكروا خطة جديدة وإنما أسلوبا اتبعوه سابقا لإفراغ الدين المسيحي من محتواه، فعند فشلهم في إيقاف المد المسيحي وتشويه صورة نبي الله عيسى، عمل اليهود على المبالغة في صفات عيسى عليه السلام، وجعلوا منه إلها وابنا لله، ما أدى إلى انقسام المسيحيين وظهور عدة أناجيل.
بوفاة رسولنا الكريم وقع اختيار اليهود على علي كرم الله وجهه، فهو ابن عم رسول الله وزوج ابنته وأحد ركائز الإسلام وقادته، وبتولي أبي بكر للخلافة عمل اليهود على بث الإشاعات والفتن عن حق علي وأولاده بالخلافة، ما أدى بالنهاية لحدوث الانقسام الأول في الأمة، وظهور الشيعة بأفكارهم ومذهبهم.
ورغم أن هذا الانقسام لم يكن وقتها بالخطورة الكبيرة بسبب قلتهم ونبذ المسلمين لأفكارهم، إلا أنه تسبب بالكثير من المشاكل، وبشرخ لم يندمل حتى الآن.
الحقيقة المرة الثانية التي يثبتها التاريخ تقول أن أقوى الأخطار التي واجهتها الأمة كانت داخلية، وكانت خسائرها وتبعاتها أكبر بكثير مما شكله خطر الحملات الصليبية على أرضنا، فحروب الردة التي حدثت بعد وفاة الرسول بين المسلمين والمرتدين من العرب هددت المدينة والخلافة والإسلام، وكان عدد الشهداء كبيرا من الصحابة والمسلمين، أما معركتي الجمل وصفين بين علي ومعاوية فكانت من أقسى المعارك وأشرسها.
والدول الإسلامية التي ظهرت بعد ذلك كالأموية والعباسية لم يسقطها أو يهددها غزو خارجي. فالأموية أسقطتها العباسية، والعباسية انقسمت وضعفت ولم يعد لها من وجود قبل أن يقتل هولاكو آخر خلفاءها في بغداد، والفاطمية انتهت على يد صلاح الدين وهكذا.
أما غزو الصليبيين والمغول وغيرهم فقد وحد الأمة وأبرز قادة أمثال صلاح الدين وبيبرس وقطز وغيرهم.
وهذا ما أدركه أعداؤنا واستعملوه في القضاء على الإمبراطورية الإسلامية العثمانية التي استلمت زمام الأمور بعد المماليك، فوحدت الأمة وأصبحت الأقوى والأكثر امتدادا على سطح الأرض لقرون، ولم يتمكن الغرب من القضاء عليها وتدميرها إلا بتفكيكها بأسلوب خبيث، وهي المرحلة الثانية التي أوصلت أمتنا إلى هذا الحال.
إذ أدركت بريطانيا بعد فشلها في المعارك المباشرة أن القضاء على الإمبراطورية العثمانية لن يتم إلا من الداخل، فعملت على بث الشعور القومي بين أبناء الشعوب المختلفة عرقيا والمتحدة بالدين، فنشرت جواسيسها الذين عملوا على نشر روح الانفصال والفرقة بين أبناء الأمة الواحدة، وقد نجح ضابطهم لورانس في فصل العرب وضمهم لصف بريطانيا تحت وعود الاستقلال والحرية فدمرت الإمبراطورية وانفصلت لعشرات الدويلات الضعيفة، خسرنا قوتنا وتماسكنا وذهبت فلسطين وأجزاء أخرى من أرضنا.
الفكر القومي الذي حاربه الإسلام ورسولنا محمد منذ بداية الدعوة كان السبب في أكبر انقسام وضعف وصلنا إليه، وأعادنا -كما قلت- في بداية مقالي إلى ما قبل الإسلام، وحقق ما لم يحققه الغرب بجيوشه وأسلحته وقوته.
أدرك جيدا أن لا أمل في التقاء الفكر السني والشيعي، وأن الحرب بين المذهبين مستمرة، وأن الأعمى فقط من ينكر وجود حرب طائفية كبرى يغذيها أعداء الأمة، والمتصفح لمواقع التواصل الاجتماعي يدرك جيدا مدى الحقد والكراهية المنتشر بين أبناء المذهبين.
وأعلم جيدا أن فكرة الوحدة الإسلامية حلم بعيد المنال في ظل واقع مرير تسعى فيه كل دولة للحفاظ على استقلالها ووحدة أراضيها وافتقارنا لقائد يوحد جهودنا ويجمع شملنا ويعيد للأمة كرامتها وعزتها.
قبائل متناحرة يقتل بعضنا بعضا
بقلم: خالد الطيماوي.. فلسطين
إن أي قارئ جيد للتاريخ لن يجد صعوبة في التوصل لحقيقة واحدة مرة، وهي أنه وبعد أكثر من 1400 عام على نزول الوحي والرسالة على رسولنا الكريم عدنا إلى البوتقة التي خرجنا منها.
عدنا قبائل متناحرة يقتل بعضنا بعضا لأجل ناقة أو حصان وما دونهما. عدنا لعصر الجاهلية الأولى بأفكاره البالية، بعد أن نشرنا أخلاق الإسلام السمحة والعدل والعلم في كل مكان.
وصولنا لهذه الحال من وجهة نظري لم يكن بسبب حملة عسكرية صليبية أو مغولية أو غيرها، وإنما تمت على مرحلتين فصل بينها قرون من الزمن، وإن كان لهما تأثير كبير على أمتنا الإسلامية ووحدتها.
الأولى: كانت في بداية الدعوة ودخول الرسول للمدينة وتأسيسه أول مجتمع إسلامي، وبإرساله رسائل الإسلام إلى أقوى أباطرة ذلك العصر، أدرك اليهود والفرس والروم الخطر القادم، فالعنفوان والقوة والجرأة التي ميزت الدعوة والدعاة أثارت المخاوف، وبعد الاحتكاك المباشر معها بات واضحا أن هذا الدين ودعاته سيسودون العالم، ويدكون عروشهم، إن لم يسارعوا بوأده.
مع الوقت أدرك الجميع أنهم لا يواجهون نفس القبائل التي لم يقيموا لها وزنا يوما، وإنما بشر من نوع خاص لا يقيمون وزنا لحياتهم في سبيل دينهم وأرضهم، وقد أدت أولى المواجهات لجلاء اليهود من المدينة وخوض أولى معارك الإسلام مع الروم معركة مؤتة التي أذاقت الروم الأمرين.
هذه المواجهات أدرك اليهود معها أن القضاء على هذا الدين عسكريا أمر أصبح مستحيلا ولابد على الأقل أن يتم إضعافه.
لم يبتكروا خطة جديدة وإنما أسلوبا اتبعوه سابقا لإفراغ الدين المسيحي من محتواه، فعند فشلهم في إيقاف المد المسيحي وتشويه صورة نبي الله عيسى، عمل اليهود على المبالغة في صفات عيسى عليه السلام، وجعلوا منه إلها وابنا لله، ما أدى إلى انقسام المسيحيين وظهور عدة أناجيل.
بوفاة رسولنا الكريم وقع اختيار اليهود على علي كرم الله وجهه، فهو ابن عم رسول الله وزوج ابنته وأحد ركائز الإسلام وقادته، وبتولي أبي بكر للخلافة عمل اليهود على بث الإشاعات والفتن عن حق علي وأولاده بالخلافة، ما أدى بالنهاية لحدوث الانقسام الأول في الأمة، وظهور الشيعة بأفكارهم ومذهبهم.
ورغم أن هذا الانقسام لم يكن وقتها بالخطورة الكبيرة بسبب قلتهم ونبذ المسلمين لأفكارهم، إلا أنه تسبب بالكثير من المشاكل، وبشرخ لم يندمل حتى الآن.
الحقيقة المرة الثانية التي يثبتها التاريخ تقول أن أقوى الأخطار التي واجهتها الأمة كانت داخلية، وكانت خسائرها وتبعاتها أكبر بكثير مما شكله خطر الحملات الصليبية على أرضنا، فحروب الردة التي حدثت بعد وفاة الرسول بين المسلمين والمرتدين من العرب هددت المدينة والخلافة والإسلام، وكان عدد الشهداء كبيرا من الصحابة والمسلمين، أما معركتي الجمل وصفين بين علي ومعاوية فكانت من أقسى المعارك وأشرسها.
والدول الإسلامية التي ظهرت بعد ذلك كالأموية والعباسية لم يسقطها أو يهددها غزو خارجي. فالأموية أسقطتها العباسية، والعباسية انقسمت وضعفت ولم يعد لها من وجود قبل أن يقتل هولاكو آخر خلفاءها في بغداد، والفاطمية انتهت على يد صلاح الدين وهكذا.
أما غزو الصليبيين والمغول وغيرهم فقد وحد الأمة وأبرز قادة أمثال صلاح الدين وبيبرس وقطز وغيرهم.
وهذا ما أدركه أعداؤنا واستعملوه في القضاء على الإمبراطورية الإسلامية العثمانية التي استلمت زمام الأمور بعد المماليك، فوحدت الأمة وأصبحت الأقوى والأكثر امتدادا على سطح الأرض لقرون، ولم يتمكن الغرب من القضاء عليها وتدميرها إلا بتفكيكها بأسلوب خبيث، وهي المرحلة الثانية التي أوصلت أمتنا إلى هذا الحال.
إذ أدركت بريطانيا بعد فشلها في المعارك المباشرة أن القضاء على الإمبراطورية العثمانية لن يتم إلا من الداخل، فعملت على بث الشعور القومي بين أبناء الشعوب المختلفة عرقيا والمتحدة بالدين، فنشرت جواسيسها الذين عملوا على نشر روح الانفصال والفرقة بين أبناء الأمة الواحدة، وقد نجح ضابطهم لورانس في فصل العرب وضمهم لصف بريطانيا تحت وعود الاستقلال والحرية فدمرت الإمبراطورية وانفصلت لعشرات الدويلات الضعيفة، خسرنا قوتنا وتماسكنا وذهبت فلسطين وأجزاء أخرى من أرضنا.
الفكر القومي الذي حاربه الإسلام ورسولنا محمد منذ بداية الدعوة كان السبب في أكبر انقسام وضعف وصلنا إليه، وأعادنا -كما قلت- في بداية مقالي إلى ما قبل الإسلام، وحقق ما لم يحققه الغرب بجيوشه وأسلحته وقوته.
أدرك جيدا أن لا أمل في التقاء الفكر السني والشيعي، وأن الحرب بين المذهبين مستمرة، وأن الأعمى فقط من ينكر وجود حرب طائفية كبرى يغذيها أعداء الأمة، والمتصفح لمواقع التواصل الاجتماعي يدرك جيدا مدى الحقد والكراهية المنتشر بين أبناء المذهبين.
وأعلم جيدا أن فكرة الوحدة الإسلامية حلم بعيد المنال في ظل واقع مرير تسعى فيه كل دولة للحفاظ على استقلالها ووحدة أراضيها وافتقارنا لقائد يوحد جهودنا ويجمع شملنا ويعيد للأمة كرامتها وعزتها.