
مـصـــر وتــــرامـــب
قد لا يعنينا الرئيس الأمريكي من يكون ، إلا بالقدر الذي يخصنا ، ويتوافق أو يتعارض مع مصالحنا ، والمصالح المرتبطة بمصالحنا . ولا يصح أن نتخذ منه أو معه موقفاً في أمر لا يخصنا ، ولا يتعلق بأحد لنا معه مصالح تخصنا . تلك هي علاقات الدول في الوقت الراهن ، حيث يتم تنحية العواطف جانباً ، ويتم التعامل علي أساس المصالح المشتركة بين الدول . والمصالح عند اعتبارها معياراً للتعامل ، يجري احتسابها بلغة الأرقام ، والرسوم البيانية ، والمكاسب والخسائر المادية والمعنوية . فإن لم تكن تلك اللغة هي اللغة التي كانت سائدة فيما مضي مع الإدارات السابقة ، فستعتمد لغة في الأيام القادمة ، مع انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب . فمجيئة كان بمثابة الصدمة للداخل الأمريكي وخارجه ، لأنه جاء خارج أطر اللعبة التقليدية . حيث أن مجيئه قد كان في عكس الإتجاه ، الذي ذهبت إليه ، استطلاعات الرأي العام المعتبرة ، أو مواقع الرهان السياسي ، أو تنبؤات النخبة السياسية في أمريكا ، وحول العالم . بل إن الأمر قد امتد ، إلي داخل الحزب الجمهوري ، الذي ينتمي إليه ، علي اعتبار أن الحزب بترشيحه له ، شعر بأنه يسير في اتجاه كارثة محققة ، بقيادة شخص غير مهذب ، ومبتذل ، وسليط اللسان ، استطاع أن يخدع قاعدته الحزبية .
لقد استطاع ترامب التخلص من الفضائح التي لاحقته طوال حملته الإنتخابية ، وكانت كفيلة بالإطاحة بغيره بلا شك . لقد نجح ببراعة في الإفلات من أسرها ، مما يدل علي مرونة غير عادية في التعاطي مع الأمور .
كما أنه نجح في الوصول إلي ناخبيه في الشوارع والحواري والأزقة والمزارع الأمريكية ، متجاوزًا البني الحزبية التقليدية القائمة علي القواعد الجماهيرية المسيسة أو المؤدلجة ، والمعتاد سياسياً الإستناد إليها ، والبناء علي أساسها . ليس ذلك بالتواجد علي أرض الواقع في مواقع الإقتراع ، كما كان سائداً ، وإنما بالتواجد الفعلي علي مواقع التواصل الإجتماعي ، وقد قام بقصف عقول ناخبيه من خلال تغريداته التي أطلق حممها علي الجمهور ، فمس بها شغاف قلوبهم ، البعيدة عن الإهتمامات السياسية ، المنشغلة بحاجياته اليومية ، والسعي إلي إشباعها . فرأي فيه ذلك الرئيس الذي يتجاوب ايجابياً مع نبضات تطلعاته ، ودقات طموحاته . ورغم أن النخبة السياسية الأمريكية ، وحول العالم ، كانت تري في تغريداته ، أنها متكررة ، وغير منضبطة ـ أي منفلتة ـ إلا أنه استطاع كتابة قواعد جديدة للحملات الإنتخابية الأمريكية .
وماذا يعنينا في مصر بكل هذا ؟ . يعنينا في التعرف علي الكيفية التي يفكر بها ترامب ، وبالتالي التعرف علي الطريقة التي ستدار بها الأمور في البيت الأبيض . فلا أحد يعرف كيف سيحكم ترامب ؟ . ولا ترامب نفسه ؟ ! . ولكن هناك مجموعة من المؤشرات التي يمكن من خلال الإنعام فيها التنبؤ بالطريقة التي سيكون عليها الحكم في الولايات المتحدة ، علي الأقل خلال الأربع سنوات القادمة ، من هذه المؤشرات :
ـ أن ترامب ليس سياسياً ولا دبلوماسياً ، أي أنه لم يمارس أياً من العملين . والسياسي والدبلوماسي محكومين بقواعد للسلوك والحركة والكلام لا يتعين تجاوزها . لكلامهما تبعيات وتداعيات ، لذا يتعين عليهما اختيار مفرداتهما ، والنطق بها بطريقة معينة ، دون الأخري ، وبنغمة محسوبة بكل دقة ، حتي لا يجري تفسيرها علي غير المراد منها ، أو يساء فهمها . أما رجل الأعمال فإنه يعتبر كلامه ومناقشاته قبل توقيع العقد نوع من المناورة التكتية ، وأدواته في ذلك ، الخداع ، والتحريف ، وعدم الإتساق ، والإنفعال ، والتهديد ، والوعيد ، والإستفزاز ، وتقديم المقترحات غير النهائية . لأن هذا الكلام في النهاية لا قيمة له سياسياً . وترامب في النهاية رجل أعمال ، وبكل هذه المواصفات ، وبالتالي يتعين ألا يؤخذ كلامه بحرفيته . فأنصاره يأخذون كلامه بجدية لا بحرفية ، وخصومه يأخذون كلامه بحرفية لا بجدية . فترامب قال في حملته الإنتخابية كلاماً يطيح بأي مرشح تقليدي ، إلا أنه تخلص من كلامه ببراعة فائقة حينما كان يثبت له عدم ملائمتها . وهي مرونة فائقة حيرت السياسيين والدبلوماسيين علي السواء ، في حين أنها كانت تمثل أمراً عادياً بالنسبة لترامب . ومن هنا فإن ترامب لن يكون رئيساً تقليدياً ، وإنما رئيساً يهمل ويزدري التقاليد والأعراف الدبلوماسية .
ـ أنه نتيجة كونه لا سياسياً ولا دبلوماسياً ، فمن المتوقع اهماله وازدراءه للأعراف والتقاليد السياسية الأمريكية المتوارثة عبر الإدارات المختلفة . ومن خلال تربية الأجيال سياسياً في حضانات الأحزاب . ومن بين هذه السياسات الإلتزام بالتجارة الحرة ، والإلتزام بحقوق الإنسان حول العالم ، والإعتماد علي التحالفات والحلفاء في المسائل الأمنية . فهو قد جاء من خارج المؤسسة السياسية من ناحية ، ومنتخبوه سئموا النخبة الحاكمة من ناحية أخري ، ومن هنا كان تحافهما علي إسقاط هذه النخبة . وبذا يكون ترامب غير مدين بالولاء أو الإذعان لهذه الأطر . ولابد أن يكون لذلك تداعياته علي سياسات ترامب تجاه العالم . وقد تبدي ذلك في الشكوك التي أثارها ترامب حول حلف شمال الأطلنطي ، وكذا قدرة الحكومة علي محاربة الإرهاب دون تجفيف المستنقع بمنع المجرمين من دخول أمريكا عن طريق المكسيك ، أو كشف الإرهابيين المحتملين في صفوف اللاجئين .
ـ ولم يتبن ترامب برنامجاً لسياسته الخارجية ، إذا أن الطابع المحلي قد استحوذ علي برنامجه الإنتخابي . مما يستلزم التعرف علي سياسته الخارجية انطلاقاً من نظرته المحلية الداخلية للمصالح الأمريكية . ومع شعور الأمريكيين بأن بلادهم تقوم بأكثر مما ينبغي في الخارج ، فإنهم يريدونها قوية قادرة علي مواجهة أعدائها . ولذا يكون من المتوقع التخلي عن النهج التصالحي مع إيران وداعش وجماعة الإخوان وغيرها .
ـ هذا ما يجب أن تتعامل به مصر ، وعلي أساسه ، مع الإدارة الأمريكية الجديدة من وجهة نظري .
حــســــن زايـــــــــد
قد لا يعنينا الرئيس الأمريكي من يكون ، إلا بالقدر الذي يخصنا ، ويتوافق أو يتعارض مع مصالحنا ، والمصالح المرتبطة بمصالحنا . ولا يصح أن نتخذ منه أو معه موقفاً في أمر لا يخصنا ، ولا يتعلق بأحد لنا معه مصالح تخصنا . تلك هي علاقات الدول في الوقت الراهن ، حيث يتم تنحية العواطف جانباً ، ويتم التعامل علي أساس المصالح المشتركة بين الدول . والمصالح عند اعتبارها معياراً للتعامل ، يجري احتسابها بلغة الأرقام ، والرسوم البيانية ، والمكاسب والخسائر المادية والمعنوية . فإن لم تكن تلك اللغة هي اللغة التي كانت سائدة فيما مضي مع الإدارات السابقة ، فستعتمد لغة في الأيام القادمة ، مع انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب . فمجيئة كان بمثابة الصدمة للداخل الأمريكي وخارجه ، لأنه جاء خارج أطر اللعبة التقليدية . حيث أن مجيئه قد كان في عكس الإتجاه ، الذي ذهبت إليه ، استطلاعات الرأي العام المعتبرة ، أو مواقع الرهان السياسي ، أو تنبؤات النخبة السياسية في أمريكا ، وحول العالم . بل إن الأمر قد امتد ، إلي داخل الحزب الجمهوري ، الذي ينتمي إليه ، علي اعتبار أن الحزب بترشيحه له ، شعر بأنه يسير في اتجاه كارثة محققة ، بقيادة شخص غير مهذب ، ومبتذل ، وسليط اللسان ، استطاع أن يخدع قاعدته الحزبية .
لقد استطاع ترامب التخلص من الفضائح التي لاحقته طوال حملته الإنتخابية ، وكانت كفيلة بالإطاحة بغيره بلا شك . لقد نجح ببراعة في الإفلات من أسرها ، مما يدل علي مرونة غير عادية في التعاطي مع الأمور .
كما أنه نجح في الوصول إلي ناخبيه في الشوارع والحواري والأزقة والمزارع الأمريكية ، متجاوزًا البني الحزبية التقليدية القائمة علي القواعد الجماهيرية المسيسة أو المؤدلجة ، والمعتاد سياسياً الإستناد إليها ، والبناء علي أساسها . ليس ذلك بالتواجد علي أرض الواقع في مواقع الإقتراع ، كما كان سائداً ، وإنما بالتواجد الفعلي علي مواقع التواصل الإجتماعي ، وقد قام بقصف عقول ناخبيه من خلال تغريداته التي أطلق حممها علي الجمهور ، فمس بها شغاف قلوبهم ، البعيدة عن الإهتمامات السياسية ، المنشغلة بحاجياته اليومية ، والسعي إلي إشباعها . فرأي فيه ذلك الرئيس الذي يتجاوب ايجابياً مع نبضات تطلعاته ، ودقات طموحاته . ورغم أن النخبة السياسية الأمريكية ، وحول العالم ، كانت تري في تغريداته ، أنها متكررة ، وغير منضبطة ـ أي منفلتة ـ إلا أنه استطاع كتابة قواعد جديدة للحملات الإنتخابية الأمريكية .
وماذا يعنينا في مصر بكل هذا ؟ . يعنينا في التعرف علي الكيفية التي يفكر بها ترامب ، وبالتالي التعرف علي الطريقة التي ستدار بها الأمور في البيت الأبيض . فلا أحد يعرف كيف سيحكم ترامب ؟ . ولا ترامب نفسه ؟ ! . ولكن هناك مجموعة من المؤشرات التي يمكن من خلال الإنعام فيها التنبؤ بالطريقة التي سيكون عليها الحكم في الولايات المتحدة ، علي الأقل خلال الأربع سنوات القادمة ، من هذه المؤشرات :
ـ أن ترامب ليس سياسياً ولا دبلوماسياً ، أي أنه لم يمارس أياً من العملين . والسياسي والدبلوماسي محكومين بقواعد للسلوك والحركة والكلام لا يتعين تجاوزها . لكلامهما تبعيات وتداعيات ، لذا يتعين عليهما اختيار مفرداتهما ، والنطق بها بطريقة معينة ، دون الأخري ، وبنغمة محسوبة بكل دقة ، حتي لا يجري تفسيرها علي غير المراد منها ، أو يساء فهمها . أما رجل الأعمال فإنه يعتبر كلامه ومناقشاته قبل توقيع العقد نوع من المناورة التكتية ، وأدواته في ذلك ، الخداع ، والتحريف ، وعدم الإتساق ، والإنفعال ، والتهديد ، والوعيد ، والإستفزاز ، وتقديم المقترحات غير النهائية . لأن هذا الكلام في النهاية لا قيمة له سياسياً . وترامب في النهاية رجل أعمال ، وبكل هذه المواصفات ، وبالتالي يتعين ألا يؤخذ كلامه بحرفيته . فأنصاره يأخذون كلامه بجدية لا بحرفية ، وخصومه يأخذون كلامه بحرفية لا بجدية . فترامب قال في حملته الإنتخابية كلاماً يطيح بأي مرشح تقليدي ، إلا أنه تخلص من كلامه ببراعة فائقة حينما كان يثبت له عدم ملائمتها . وهي مرونة فائقة حيرت السياسيين والدبلوماسيين علي السواء ، في حين أنها كانت تمثل أمراً عادياً بالنسبة لترامب . ومن هنا فإن ترامب لن يكون رئيساً تقليدياً ، وإنما رئيساً يهمل ويزدري التقاليد والأعراف الدبلوماسية .
ـ أنه نتيجة كونه لا سياسياً ولا دبلوماسياً ، فمن المتوقع اهماله وازدراءه للأعراف والتقاليد السياسية الأمريكية المتوارثة عبر الإدارات المختلفة . ومن خلال تربية الأجيال سياسياً في حضانات الأحزاب . ومن بين هذه السياسات الإلتزام بالتجارة الحرة ، والإلتزام بحقوق الإنسان حول العالم ، والإعتماد علي التحالفات والحلفاء في المسائل الأمنية . فهو قد جاء من خارج المؤسسة السياسية من ناحية ، ومنتخبوه سئموا النخبة الحاكمة من ناحية أخري ، ومن هنا كان تحافهما علي إسقاط هذه النخبة . وبذا يكون ترامب غير مدين بالولاء أو الإذعان لهذه الأطر . ولابد أن يكون لذلك تداعياته علي سياسات ترامب تجاه العالم . وقد تبدي ذلك في الشكوك التي أثارها ترامب حول حلف شمال الأطلنطي ، وكذا قدرة الحكومة علي محاربة الإرهاب دون تجفيف المستنقع بمنع المجرمين من دخول أمريكا عن طريق المكسيك ، أو كشف الإرهابيين المحتملين في صفوف اللاجئين .
ـ ولم يتبن ترامب برنامجاً لسياسته الخارجية ، إذا أن الطابع المحلي قد استحوذ علي برنامجه الإنتخابي . مما يستلزم التعرف علي سياسته الخارجية انطلاقاً من نظرته المحلية الداخلية للمصالح الأمريكية . ومع شعور الأمريكيين بأن بلادهم تقوم بأكثر مما ينبغي في الخارج ، فإنهم يريدونها قوية قادرة علي مواجهة أعدائها . ولذا يكون من المتوقع التخلي عن النهج التصالحي مع إيران وداعش وجماعة الإخوان وغيرها .
ـ هذا ما يجب أن تتعامل به مصر ، وعلي أساسه ، مع الإدارة الأمريكية الجديدة من وجهة نظري .
حــســــن زايـــــــــد