الأخبار
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مـصـــر وتــــرامـــب بقلم:حسن زايد

تاريخ النشر : 2017-02-04
مـصـــر وتــــرامـــب بقلم:حسن زايد
مـصـــر وتــــرامـــب

قد لا يعنينا الرئيس الأمريكي من يكون ، إلا بالقدر الذي يخصنا ، ويتوافق أو يتعارض مع مصالحنا ، والمصالح المرتبطة بمصالحنا . ولا يصح أن نتخذ منه أو معه موقفاً في أمر لا يخصنا ، ولا يتعلق بأحد لنا معه مصالح تخصنا . تلك هي علاقات الدول في الوقت الراهن ، حيث يتم تنحية العواطف جانباً ، ويتم التعامل علي أساس المصالح المشتركة بين الدول . والمصالح عند اعتبارها معياراً للتعامل ، يجري احتسابها بلغة الأرقام ، والرسوم البيانية ، والمكاسب والخسائر المادية والمعنوية . فإن لم تكن تلك اللغة هي اللغة التي كانت سائدة فيما مضي مع الإدارات السابقة ، فستعتمد لغة في الأيام القادمة ، مع انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب . فمجيئة كان بمثابة الصدمة للداخل الأمريكي وخارجه ، لأنه جاء خارج أطر اللعبة التقليدية . حيث أن مجيئه قد كان في عكس الإتجاه ، الذي ذهبت إليه ، استطلاعات الرأي العام المعتبرة ، أو مواقع الرهان السياسي ، أو تنبؤات النخبة السياسية في أمريكا ، وحول العالم . بل إن الأمر قد امتد ، إلي داخل الحزب الجمهوري ، الذي ينتمي إليه ، علي اعتبار أن الحزب بترشيحه له ، شعر بأنه يسير في اتجاه كارثة محققة ، بقيادة شخص غير مهذب ، ومبتذل ، وسليط اللسان ، استطاع أن يخدع قاعدته الحزبية .
لقد استطاع ترامب التخلص من الفضائح التي لاحقته طوال حملته الإنتخابية ، وكانت كفيلة بالإطاحة بغيره بلا شك . لقد نجح ببراعة في الإفلات من أسرها ، مما يدل علي مرونة غير عادية في التعاطي مع الأمور .
كما أنه نجح في الوصول إلي ناخبيه في الشوارع والحواري والأزقة والمزارع الأمريكية ، متجاوزًا البني الحزبية التقليدية القائمة علي القواعد الجماهيرية المسيسة أو المؤدلجة ، والمعتاد سياسياً الإستناد إليها ، والبناء علي أساسها . ليس ذلك بالتواجد علي أرض الواقع في مواقع الإقتراع ، كما كان سائداً ، وإنما بالتواجد الفعلي علي مواقع التواصل الإجتماعي ، وقد قام بقصف عقول ناخبيه من خلال تغريداته التي أطلق حممها علي الجمهور ، فمس بها شغاف قلوبهم ، البعيدة عن الإهتمامات السياسية ، المنشغلة بحاجياته اليومية ، والسعي إلي إشباعها . فرأي فيه ذلك الرئيس الذي يتجاوب ايجابياً مع نبضات تطلعاته ، ودقات طموحاته . ورغم أن النخبة السياسية الأمريكية ، وحول العالم ، كانت تري في تغريداته ، أنها متكررة ، وغير منضبطة ـ أي منفلتة ـ إلا أنه استطاع كتابة قواعد جديدة للحملات الإنتخابية الأمريكية .
وماذا يعنينا في مصر بكل هذا ؟ . يعنينا في التعرف علي الكيفية التي يفكر بها ترامب ، وبالتالي التعرف علي الطريقة التي ستدار بها الأمور في البيت الأبيض . فلا أحد يعرف كيف سيحكم ترامب ؟ . ولا ترامب نفسه ؟ ! . ولكن هناك مجموعة من المؤشرات التي يمكن من خلال الإنعام فيها التنبؤ بالطريقة التي سيكون عليها الحكم في الولايات المتحدة ، علي الأقل خلال الأربع سنوات القادمة ، من هذه المؤشرات :
ـ أن ترامب ليس سياسياً ولا دبلوماسياً ، أي أنه لم يمارس أياً من العملين . والسياسي والدبلوماسي محكومين بقواعد للسلوك والحركة والكلام لا يتعين تجاوزها . لكلامهما تبعيات وتداعيات ، لذا يتعين عليهما اختيار مفرداتهما ، والنطق بها بطريقة معينة ، دون الأخري ، وبنغمة محسوبة بكل دقة ، حتي لا يجري تفسيرها علي غير المراد منها ، أو يساء فهمها . أما رجل الأعمال فإنه يعتبر كلامه ومناقشاته قبل توقيع العقد نوع من المناورة التكتية ، وأدواته في ذلك ، الخداع ، والتحريف ، وعدم الإتساق ، والإنفعال ، والتهديد ، والوعيد ، والإستفزاز ، وتقديم المقترحات غير النهائية . لأن هذا الكلام في النهاية لا قيمة له سياسياً . وترامب في النهاية رجل أعمال ، وبكل هذه المواصفات ، وبالتالي يتعين ألا يؤخذ كلامه بحرفيته . فأنصاره يأخذون كلامه بجدية لا بحرفية ، وخصومه يأخذون كلامه بحرفية لا بجدية . فترامب قال في حملته الإنتخابية كلاماً يطيح بأي مرشح تقليدي ، إلا أنه تخلص من كلامه ببراعة فائقة حينما كان يثبت له عدم ملائمتها . وهي مرونة فائقة حيرت السياسيين والدبلوماسيين علي السواء ، في حين أنها كانت تمثل أمراً عادياً بالنسبة لترامب . ومن هنا فإن ترامب لن يكون رئيساً تقليدياً ، وإنما رئيساً يهمل ويزدري التقاليد والأعراف الدبلوماسية .
ـ أنه نتيجة كونه لا سياسياً ولا دبلوماسياً ، فمن المتوقع اهماله وازدراءه للأعراف والتقاليد السياسية الأمريكية المتوارثة عبر الإدارات المختلفة . ومن خلال تربية الأجيال سياسياً في حضانات الأحزاب . ومن بين هذه السياسات الإلتزام بالتجارة الحرة ، والإلتزام بحقوق الإنسان حول العالم ، والإعتماد علي التحالفات والحلفاء في المسائل الأمنية . فهو قد جاء من خارج المؤسسة السياسية من ناحية ، ومنتخبوه سئموا النخبة الحاكمة من ناحية أخري ، ومن هنا كان تحافهما علي إسقاط هذه النخبة . وبذا يكون ترامب غير مدين بالولاء أو الإذعان لهذه الأطر . ولابد أن يكون لذلك تداعياته علي سياسات ترامب تجاه العالم . وقد تبدي ذلك في الشكوك التي أثارها ترامب حول حلف شمال الأطلنطي ، وكذا قدرة الحكومة علي محاربة الإرهاب دون تجفيف المستنقع بمنع المجرمين من دخول أمريكا عن طريق المكسيك ، أو كشف الإرهابيين المحتملين في صفوف اللاجئين .
ـ ولم يتبن ترامب برنامجاً لسياسته الخارجية ، إذا أن الطابع المحلي قد استحوذ علي برنامجه الإنتخابي . مما يستلزم التعرف علي سياسته الخارجية انطلاقاً من نظرته المحلية الداخلية للمصالح الأمريكية . ومع شعور الأمريكيين بأن بلادهم تقوم بأكثر مما ينبغي في الخارج ، فإنهم يريدونها قوية قادرة علي مواجهة أعدائها . ولذا يكون من المتوقع التخلي عن النهج التصالحي مع إيران وداعش وجماعة الإخوان وغيرها .
ـ هذا ما يجب أن تتعامل به مصر ، وعلي أساسه ، مع الإدارة الأمريكية الجديدة من وجهة نظري .
حــســــن زايـــــــــد
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف