
لماذا يكرهُني سائق التكسي ؟!
بقلم : كريم الزغيّر
" غيّر ظروف الناس .. تتغيّر أخلاقهم "
مقولة لأحد عُلماء الإجتماع كان يتحدث في كتابٍ لهُ عن أنَّ أخلاق الناس تتغير بتغيُّر الظروف التي يعيشون بها سواء الظروف الإقتصادية أو الإجتماعية ، مُنتقداً " الوعظ الزائد " الذي يقوم به رجال الدّين بهدف تصويب سلوك العامة وتحسين ممارستهم الأخلاقية .
عندما أُريد الذهاب إلى مكانٍ ما سواء بقصد الترفيه أو الزيارات الإجتماعية أو العملية فأن أول ما يقتحمُ تفكيري هو :
" هل سأجد تكسي ؟! " ، وعندما أقفُ على جانب الطريق لإنتظار " تكسي " فارغ من الرّكاب تأتي التساؤلات اللاإرادية
هل سيوافق على المكان الذي أُريد الذهاب إليه ؟!
هل سيتأفأف من المكان الذي أنتوي الذهاب إليه ؟!
هل سيقف للفتاة التي بجانبي ويُجبر عيناه على أن لا ترى سوى الفتاة القريبة مني ؟!
يقترُب التكسي الذي يرصُدني من بعيد ، وربما يقول في نفسه هل أقف له أم للفتاة ؟! ، أخافُ أن أقف له يتعبني مشواره ويعاندُني بأيّ طريقٍ يُريدُ أن يذهب ، وأخاف أن أقف للفتاة تُرهِقُني بكثرة حديثها على الهاتف وتململهُا من زحمة الطريق
يقفُ التكسي بعد دراسة سريعة ، يقفُ لي أنا الشاب .. يا لهذا الشرف الرفيع !
أصعدُ بجانبه غيرُ مصدقاً أنهُ تجاهل الفتاة ورائحة عِطرها التي تغزو المكان وصوتها الناعم الذي لا يخففُ عنه رتابة طول المسافة و أزمة الطريق ، أصعدُ وأنا أمتدحُ السائقَ وأشرح له عناء إنتظار التكاسي وعن التكاسي الذين يتجاهلون الشُبّان من أجل الظفر بفتاة ، يُجيب السائق بكُل برود ولامبالاة بحرارة مشاعري بأنه تفضّل علي وأصعدني ليس إلا تهرُّباً من " نق " الفتيات ، وأحاديثهنَّ الهاتفية الطويلة سواء العاطفيّة أو الكليشيهات الأنثوية .
وبعد حديثٍ سريع يبدأ سائق التكسيّ بالمعايرة غير المباشرة لي كيف أنهُ عطف علي وأصعدني ولو علم أنَّ طريقي ستكون بهذا " التعقيد " لأصعد الفتاة ولكن شاءت الأقدار ، ومن ثم يبدأ بتوزيع الشتائم على من يزعجهُ بصوتِ " زمّور " سيارته وطبعاً هذه الشتائم تكون موّجهة للعبد الفقير ولكن وكما يقول المثل الشعبيّ الشهير : " الحكي إلك يا جارة .. وأسمعي يا كنة " . وبعد المعايرة والإهانة غير المباشرة يبدأ السائق بشرح معاناته الحياتية وقد يُشعرك بأن ما تدفعه له أنت في مشوارك قد يؤدي إلى حل كافة مشكلاته الحياتية والشخصية ، هو طلب لزيادة الأجرة كرماً منكَ ولكن بأسلوبٍ يحفظ ماء وجه السائق الذي كان قبيل لحظات متعجرفاً عليك ومعايراً لك .
أصلُ إلى المكان الذي ناضلتُ في الوصول إليه ، ومن ثمُ أدفع الأجرة المطلوبة حسب العداد ذاك الجهاز الصغير المكروه المنبوذ لدى سائقو التكاسي لبُطئه الشديد ، إذا دفعتُ الأجرة وبزيادة فأنكَ ستشاهد إبتسامة السائق التي حُرمت منها منذ صعودكَ إلى المركبة ، أمّا إذا دفعتَ " على القد " فسترى وجهٌ عبوسٌ قمطرير .
إنَّ المقولة التي ذكرتها في أول المقال هي تفسير واضح لما ذًكرته أعلاه ، فسائقُ التكسي العموميّ قد يُصبح أفضل تعاملاً ، وأوسم شكلاً ، وأرقى أخلاقاً من سائق أوبر ، وكريم ولكن الفقر ، والضغط الشديد من قبل مالكو التكاسي على السائق بهدف دفع الضمان المطلوب يومياً والذي يبلغ خمسةً وعشرون ديناراً ، ناهيك عن سلوكيات بعض الرُّكاب تؤدي بالتأكيد إلى هذا الإنحدار الأخلاقيّ والمهني .
بقلم : كريم الزغيّر
" غيّر ظروف الناس .. تتغيّر أخلاقهم "
مقولة لأحد عُلماء الإجتماع كان يتحدث في كتابٍ لهُ عن أنَّ أخلاق الناس تتغير بتغيُّر الظروف التي يعيشون بها سواء الظروف الإقتصادية أو الإجتماعية ، مُنتقداً " الوعظ الزائد " الذي يقوم به رجال الدّين بهدف تصويب سلوك العامة وتحسين ممارستهم الأخلاقية .
عندما أُريد الذهاب إلى مكانٍ ما سواء بقصد الترفيه أو الزيارات الإجتماعية أو العملية فأن أول ما يقتحمُ تفكيري هو :
" هل سأجد تكسي ؟! " ، وعندما أقفُ على جانب الطريق لإنتظار " تكسي " فارغ من الرّكاب تأتي التساؤلات اللاإرادية
هل سيوافق على المكان الذي أُريد الذهاب إليه ؟!
هل سيتأفأف من المكان الذي أنتوي الذهاب إليه ؟!
هل سيقف للفتاة التي بجانبي ويُجبر عيناه على أن لا ترى سوى الفتاة القريبة مني ؟!
يقترُب التكسي الذي يرصُدني من بعيد ، وربما يقول في نفسه هل أقف له أم للفتاة ؟! ، أخافُ أن أقف له يتعبني مشواره ويعاندُني بأيّ طريقٍ يُريدُ أن يذهب ، وأخاف أن أقف للفتاة تُرهِقُني بكثرة حديثها على الهاتف وتململهُا من زحمة الطريق
يقفُ التكسي بعد دراسة سريعة ، يقفُ لي أنا الشاب .. يا لهذا الشرف الرفيع !
أصعدُ بجانبه غيرُ مصدقاً أنهُ تجاهل الفتاة ورائحة عِطرها التي تغزو المكان وصوتها الناعم الذي لا يخففُ عنه رتابة طول المسافة و أزمة الطريق ، أصعدُ وأنا أمتدحُ السائقَ وأشرح له عناء إنتظار التكاسي وعن التكاسي الذين يتجاهلون الشُبّان من أجل الظفر بفتاة ، يُجيب السائق بكُل برود ولامبالاة بحرارة مشاعري بأنه تفضّل علي وأصعدني ليس إلا تهرُّباً من " نق " الفتيات ، وأحاديثهنَّ الهاتفية الطويلة سواء العاطفيّة أو الكليشيهات الأنثوية .
وبعد حديثٍ سريع يبدأ سائق التكسيّ بالمعايرة غير المباشرة لي كيف أنهُ عطف علي وأصعدني ولو علم أنَّ طريقي ستكون بهذا " التعقيد " لأصعد الفتاة ولكن شاءت الأقدار ، ومن ثم يبدأ بتوزيع الشتائم على من يزعجهُ بصوتِ " زمّور " سيارته وطبعاً هذه الشتائم تكون موّجهة للعبد الفقير ولكن وكما يقول المثل الشعبيّ الشهير : " الحكي إلك يا جارة .. وأسمعي يا كنة " . وبعد المعايرة والإهانة غير المباشرة يبدأ السائق بشرح معاناته الحياتية وقد يُشعرك بأن ما تدفعه له أنت في مشوارك قد يؤدي إلى حل كافة مشكلاته الحياتية والشخصية ، هو طلب لزيادة الأجرة كرماً منكَ ولكن بأسلوبٍ يحفظ ماء وجه السائق الذي كان قبيل لحظات متعجرفاً عليك ومعايراً لك .
أصلُ إلى المكان الذي ناضلتُ في الوصول إليه ، ومن ثمُ أدفع الأجرة المطلوبة حسب العداد ذاك الجهاز الصغير المكروه المنبوذ لدى سائقو التكاسي لبُطئه الشديد ، إذا دفعتُ الأجرة وبزيادة فأنكَ ستشاهد إبتسامة السائق التي حُرمت منها منذ صعودكَ إلى المركبة ، أمّا إذا دفعتَ " على القد " فسترى وجهٌ عبوسٌ قمطرير .
إنَّ المقولة التي ذكرتها في أول المقال هي تفسير واضح لما ذًكرته أعلاه ، فسائقُ التكسي العموميّ قد يُصبح أفضل تعاملاً ، وأوسم شكلاً ، وأرقى أخلاقاً من سائق أوبر ، وكريم ولكن الفقر ، والضغط الشديد من قبل مالكو التكاسي على السائق بهدف دفع الضمان المطلوب يومياً والذي يبلغ خمسةً وعشرون ديناراً ، ناهيك عن سلوكيات بعض الرُّكاب تؤدي بالتأكيد إلى هذا الإنحدار الأخلاقيّ والمهني .