هنيئًا لكم بسُباتكم يا مسلمين..
بينما كان الغروبُ يجمع آخرَ ضفائرِ الذّهب، والشّمسُ تطبِق رموشَها الطّويلة، وضوء النّهار يسري إلى أعماق الظّلام.. السّماء تتثاءب، واللّيل يظلّ بوجهه الحزين، والأرض ترقد في صمت، قد خيّم اللّيل على إحدى أحشاء الغابة، أحشاءٌ كان فيها أمّ بألف رجل.. أمٌّ زوجة شهيدٍ، عانت وعايشت شتّى أنواع العذاب منذ نعومة أظفارها.وطفلاها، قلبان بريئان حلمهما أكبر من عمريهما بكثير..هم أحمد وعبدالرحمن، أحمد ذو السبع سنين، وعبد الرّحمن ذو التسعة أشهر ..
في تلك اللّحظات الصّامتة،وبينما كان عبد الرحمن نائمًا،تعالى صوت أحمد قائلاً:
-أمّاه! هل قدماك تؤلماك؟
أجابت الأمّ-بألمٍ تحاول إخفاءه-: لا يا حبيبي، قليلاً فقط..وأنت يا صغيري؟بخير؟
أجاب الصغير بصوت تغلب عليه الثقة: أمّي! لا تقلقي عليّ، أنا كبرت.. وأصبحت رجلاً.
وضعت أمّه على خدّه الورديّ قبلة. ما هي إلا لحظات، حتى تعالى صوته مجددًا قائلاً: أمي، كم عدد المسلمين؟
-أكثر من مليار!
قفز فرِحاً
-أقلتِ مليار مسلم؟!قليلاً منهم يكفينا يا أمي! لم القلق؟!أظنّهم في الطريق الآن!
-لا وقت لديهم يا صغيري.
-نعم يا أمي فلا بد أنهم يجهزون العدّة والجيش لا تقلقي، فهكذا فعل صلاح الدين من قبل يا أمي، هكذا علّمتني مس ماريّا..
قالت الأمّ ضاحكة: عدّة ماذا وجيش ماذا يا صغيري.. نحن آخر همهم، همهم من سيشتري دعوات لحفلة راقصة الباليه، ومَن سيفوز في المباراة بل وحتى يتشجارون على ذلك،وكلّي عجبٌ كيف تجمعم يد الله وتفرقهم يد الفيفا!! يروننا نُغتصب ونُشرّد ونقتل.يرون أطفالنا تبكي بصمت، تبحث عمّن يحتويها..في ظلمة الليل، لا يوجد من يأويها..تتمنى أماً بالحنان ترويها أو أخاً من ذاك الظالم يحميها،يرون كل ذلك وقلبوهم القاسية مطمئنة أن حالنا لن يلحق بهم..
-إلى هذا الحد هم قساة ؟! ... وذهب في خياله بعيداً؛فسقطت دمعة من عينه اللوزيّة..أحسّت الأم أن خيط يأس تسلل إلى قلب طفلها فحاولت قطع الخيط بكلمات:
يا طفلي البطل، ارفع رأسك والجبين لا تخضع ولا تخنع لحكمهم المهين،فلم يُخلق بعد فلسطينياً يستكين..وهناك الله لن ينسانا، طالما قلوبنا ثابتة على دينه..ولا تنسَ يا حبيبي، أن حبّ الوطن والشّهادة لدينا وراثة ونعدّها نعمة، كما كانت تقول جدتك –رحمها الله- دوماً، وجدّتك يا بنيّ امرأة لا تكذب، فكما ترى، أبوك وعمّيْك ومن قبلهما جدّك كان لهما نصيباً في الشهادة.
في هذه الأثناء..كان جيب إسرائيلي يتجوّل في المنطقة. وقف، ونزل منه جنديّان، تجولّا في المنطقة، اقتربا.. فكان قلب الأم الدّليل، ونطق بإيمان ورجاء"ربّاه سلّم"
قال أحد الجنديّان: يبدو أنّ هناك إرهابيّون يا هذا.
قال الآخر: هه! أأنت أحمق؟ ولو كان، فسيموتون هنا، الطقس غاية في البرودة ولا طعام يقتاتون منه.
قال: هؤلاء مسلمون يا أبله! من الخطر بقاؤهم.. وقد قطعتُ على نفسي وعداً أن أقتل أي مسلم ألمحه.
وتقدم.. رآهما..
وقف الصغير بشجاعة بريئة: انصرف من هنا! لطمه الجنديّ.قالت الأم:اجلس.
في هذه الأجواء كان عبدالرحمن-الرّضيع- قد استيقظ، فوعى الجنديّان وجود طفلٍ آخر.
قال مخاطباً الأمّ:إما أن تمشي معي أو أقتل طفليكِ أمامك.
-أفضلّهم عصافيرًا في الجنّة.
رصاصتان كانتا كفيلتان في تمزيق قلب الأم بلا رحمة....وصبرت
قال لها: ها ؟ والآن؟ لم يبقَ لك شيء. لا زوج ولا أولاد ولا أهل ولا حتى منزل، نصيحتي امشي معي. سيكون القصر بانتظارك ولك الخيار.
وبدأ بمحاولات إغراء عقيمة باءت بالفشل.. وكان ردّها:
شُلّت يمينك. فالكتاب يميني، وأهلاً بالشهادة.
فار الجنديّ غضباً. ثوانٍ معدودة، وامتلأ الغابة برائحة المسك وصوت رصاصٍ قضى على والديْن صبرا وذاقا، وطفلان حرمان الحياة..
"هنيئاً لكم بسباتكم يا مسلمين" كانت آخر كلمات الأمّ قبل ارتقائها شهيدةً إلى السماء.
بينما كان الغروبُ يجمع آخرَ ضفائرِ الذّهب، والشّمسُ تطبِق رموشَها الطّويلة، وضوء النّهار يسري إلى أعماق الظّلام.. السّماء تتثاءب، واللّيل يظلّ بوجهه الحزين، والأرض ترقد في صمت، قد خيّم اللّيل على إحدى أحشاء الغابة، أحشاءٌ كان فيها أمّ بألف رجل.. أمٌّ زوجة شهيدٍ، عانت وعايشت شتّى أنواع العذاب منذ نعومة أظفارها.وطفلاها، قلبان بريئان حلمهما أكبر من عمريهما بكثير..هم أحمد وعبدالرحمن، أحمد ذو السبع سنين، وعبد الرّحمن ذو التسعة أشهر ..
في تلك اللّحظات الصّامتة،وبينما كان عبد الرحمن نائمًا،تعالى صوت أحمد قائلاً:
-أمّاه! هل قدماك تؤلماك؟
أجابت الأمّ-بألمٍ تحاول إخفاءه-: لا يا حبيبي، قليلاً فقط..وأنت يا صغيري؟بخير؟
أجاب الصغير بصوت تغلب عليه الثقة: أمّي! لا تقلقي عليّ، أنا كبرت.. وأصبحت رجلاً.
وضعت أمّه على خدّه الورديّ قبلة. ما هي إلا لحظات، حتى تعالى صوته مجددًا قائلاً: أمي، كم عدد المسلمين؟
-أكثر من مليار!
قفز فرِحاً
-أقلتِ مليار مسلم؟!قليلاً منهم يكفينا يا أمي! لم القلق؟!أظنّهم في الطريق الآن!
-لا وقت لديهم يا صغيري.
-نعم يا أمي فلا بد أنهم يجهزون العدّة والجيش لا تقلقي، فهكذا فعل صلاح الدين من قبل يا أمي، هكذا علّمتني مس ماريّا..
قالت الأمّ ضاحكة: عدّة ماذا وجيش ماذا يا صغيري.. نحن آخر همهم، همهم من سيشتري دعوات لحفلة راقصة الباليه، ومَن سيفوز في المباراة بل وحتى يتشجارون على ذلك،وكلّي عجبٌ كيف تجمعم يد الله وتفرقهم يد الفيفا!! يروننا نُغتصب ونُشرّد ونقتل.يرون أطفالنا تبكي بصمت، تبحث عمّن يحتويها..في ظلمة الليل، لا يوجد من يأويها..تتمنى أماً بالحنان ترويها أو أخاً من ذاك الظالم يحميها،يرون كل ذلك وقلبوهم القاسية مطمئنة أن حالنا لن يلحق بهم..
-إلى هذا الحد هم قساة ؟! ... وذهب في خياله بعيداً؛فسقطت دمعة من عينه اللوزيّة..أحسّت الأم أن خيط يأس تسلل إلى قلب طفلها فحاولت قطع الخيط بكلمات:
يا طفلي البطل، ارفع رأسك والجبين لا تخضع ولا تخنع لحكمهم المهين،فلم يُخلق بعد فلسطينياً يستكين..وهناك الله لن ينسانا، طالما قلوبنا ثابتة على دينه..ولا تنسَ يا حبيبي، أن حبّ الوطن والشّهادة لدينا وراثة ونعدّها نعمة، كما كانت تقول جدتك –رحمها الله- دوماً، وجدّتك يا بنيّ امرأة لا تكذب، فكما ترى، أبوك وعمّيْك ومن قبلهما جدّك كان لهما نصيباً في الشهادة.
في هذه الأثناء..كان جيب إسرائيلي يتجوّل في المنطقة. وقف، ونزل منه جنديّان، تجولّا في المنطقة، اقتربا.. فكان قلب الأم الدّليل، ونطق بإيمان ورجاء"ربّاه سلّم"
قال أحد الجنديّان: يبدو أنّ هناك إرهابيّون يا هذا.
قال الآخر: هه! أأنت أحمق؟ ولو كان، فسيموتون هنا، الطقس غاية في البرودة ولا طعام يقتاتون منه.
قال: هؤلاء مسلمون يا أبله! من الخطر بقاؤهم.. وقد قطعتُ على نفسي وعداً أن أقتل أي مسلم ألمحه.
وتقدم.. رآهما..
وقف الصغير بشجاعة بريئة: انصرف من هنا! لطمه الجنديّ.قالت الأم:اجلس.
في هذه الأجواء كان عبدالرحمن-الرّضيع- قد استيقظ، فوعى الجنديّان وجود طفلٍ آخر.
قال مخاطباً الأمّ:إما أن تمشي معي أو أقتل طفليكِ أمامك.
-أفضلّهم عصافيرًا في الجنّة.
رصاصتان كانتا كفيلتان في تمزيق قلب الأم بلا رحمة....وصبرت
قال لها: ها ؟ والآن؟ لم يبقَ لك شيء. لا زوج ولا أولاد ولا أهل ولا حتى منزل، نصيحتي امشي معي. سيكون القصر بانتظارك ولك الخيار.
وبدأ بمحاولات إغراء عقيمة باءت بالفشل.. وكان ردّها:
شُلّت يمينك. فالكتاب يميني، وأهلاً بالشهادة.
فار الجنديّ غضباً. ثوانٍ معدودة، وامتلأ الغابة برائحة المسك وصوت رصاصٍ قضى على والديْن صبرا وذاقا، وطفلان حرمان الحياة..
"هنيئاً لكم بسباتكم يا مسلمين" كانت آخر كلمات الأمّ قبل ارتقائها شهيدةً إلى السماء.