
سريالية تشكيل الحكومة !
ذكرتني العملية التفاوضية على تشكيل الحكومة ، التي استمرت فصولها على مدى أزيد من ثلاثة أشهر ، والتي ربما ستطول بعض فصولها ، كما ذكرت الكثير ممن لعبوا في صباهم كرة القدم في دروب الأحياء الشعبية وأزقتها ، بما كنا نقوم به ونحن صغار في حينا الشعبي فاس الجديد ، قبيل انطلاق أي مباراة ، من تشكيل للفرق الرياضية ، من تحالفات صبية الحومات والدروب ، وترتيبها في مجموعات ، يتم توزيع الأدوار عليها ، بطرق لا يَحْتَكِمُ فيها المكلف بالتشكيل - الذي لا يكون ، في الغالب الأعم، إلا مالك الكرة - إلى الأخلاقيات اللعبة وأعراف مبارياتها ، ويتعمد فيها على العقلية التحكمية ، ومناورة الضم التعسفي للمعارف والمقربين ، وإقصاء غير الموالين والمنافسين والخصوم من الصبية ، انطلاقا من موقع قوة ملكيته الكرة -الأداة الأساسية في هذه الرياضة التي يعوض بها الأطفال حرمانهم من كل مقومات الطفولة ، تماما كما حال الكبار مع لعبتهم السياسية خلال مفاوضاتهم على تشكيل الحكومة ، التي لم يحيدوا فيها هم أيضا عن مسلكيات الأطفال الحومات الشعبية ، في تشكيل فرقهم الكروية ، التي كانوا ينطلقون فيها من قناعات شبه متفق عليها بين الراغبين في المشاركة في المباريات ، والتي من ضمنها على سبيل المثال لا الحصر مقولة : "لاعبين ولا كاشين" و" لاعبين ولا تيبيخا" و"حنا ولا ما كاينش" ، التي كانت تخلق بينهم ، الفرقة والشقاق ، وتؤجج الصراعات ، وتقوض مسار مفاوضات اللعبة الطفولية ، وتؤزم أوضاعها ، حيث أنه رغم جسامة التكليف وخطورة المهمة ، لم يتعلم الكبار من أخطاء الصغار، وساروا على نفس نهج الجدال الطفولي العقيم –مع الفارق طبعا- الذي تنعدم فيه الموضوعية والحجج المنطقية، وتعم فيه الفوضى الفكرية ولا يتحقق بسببه إلا المزيد من التنافر وسيطرة الروح العدائية، والذي اختزله المتعطشون منهم للنُفوذ والسلطة والجاه على حساب المواطن المقهور، بمقولات -قريبة من مقولات الأطفال - لا تليق بخطورة المهمة ، ولا تلتزم بإحترام إرادة وقناعات الفرقاء السياسيين ،وتغلق أبواب الأمل والتفاؤل ، ، وتشرعها على جميع أنواع "البلوكاج" ، الذي يوفّر بيئة حاضنة للخسران المبين ، كقولهم :"نحن جميعا في الحكومة أو لا أحد منا في الحكومة "و: "جميعا هنا أو جميعا هناك" ، كان الله في عون المواطن المغربي الذي عانى على مدى أكثر من 100 يوم من سريالية وبشاعة اللوحة السياسية المعروضة عليه ، بكل سعتها وطولها وعرضها ومفارقاتها وعجائبها.