
منذ قيام الكيان الصهيوني عام 48 كانت السمة الأساسية له تتمحور حول مسالة هامة شكلت جوهر المشروع الصهيوني العنصري هي مسألة الأستيطان لأن الكيان الذي أعلن بن جوريون عن قيامه رسميا في 15 مايو من ذلك العام هو مجرد بؤرة استيطانية كبيرة اخذت في التمدد بعد حرب حزيران لتصبح بحجم الوطن كله ...النشاط الاستيطاني لم يتوقف وظلت السياسة الإسرائيلية متمسكة في نهجها الاستراتيجي بالاهتمام بهذه المسألة وتحقيقها على ارض الواقع رغم إبرام اتفاقية اوسلو مع الجانب الفلسطيني وقبل ذلك اتفاقيتي السلام مع كلتا الدولتين الجارتين مصر والأردن وهي السياسة التي تتناقض تماما مع أهداف المشروع الوطني الفلسطيني وايضا مع عملية الاستقرار والأمن في المنطقة برمتها لأن الاستيطان عدا عن كونه يعمل على تغيير الواقع الديموغرافي في الأرض الفلسطينية المحتله لعرقلة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي عام 67 عدا عن ذلك فإنه يحفز النزعة التوسعية عند الجنرالات الصهاينة القائمين على قيادة المؤسسة العسكرية الاسرائيلية ويعزز من اتجاهات النخبة السياسية اليمينية العنصرية في المؤسسة الحزبية الصهيونية على العدوان والتوسع لضم اراض عربية جديدة لدولة الكيان تحقيقا للرؤية اليهودية في اقامة الدولة اليهودية بحدودها التي رسمتها الحركة الصهيونية من النيل إلى الفرات وهي العبارة التي ما زالت مكتوبة فوق باب الكنيست الإسرائيلي الذي عبر منه السادات لإلقاء خطابة بعد زيارته المفاجئة إلى القدس المحتلة ...هكذا فإن خطورة سياسة الاستيطان لا تهدد عملية السلام فقط ولكنها تهدد على المدى الاستراتيجي الاستقرار في المنطقة بما يمكن أن يتولد عنها نزاعات مستقبلية على الأرض خاصة على جانبي الحدود بين الكيان الصهيوني العنصري العدواني وبين جيرانه من الدول العربية. .. ..اما الموقف الأمريكي من سياسة الاستيطان فهو يقوم على أساس اللا مبالاة وعدم الاهتمام الجدي بهذه المسالة العدوانية التوسعية الخطيرة على مشروع التسوية السياسية التي ترعاها الدبلوماسية الأمريكية نفسها فعلى الرغم من كون الولايات المتحدة تعارض هذه السباسة على المستوى النظري فانها على مستوى التطبيق الفعلي لهذه المعارضة السياسية اللفظية لا تمارس اي موقف ضاغط سياسي او اقتصادي وان عدم اتخاذ واشنطن حق الفيتو مؤخرا لصالح الكيان بخصوص الاستيطان الذي ادانه مجلس الأمن في قراره الأخير واعتبره عملا غير مشروع يهدد عملية السلام فإن هذا الامتناع جاء متأخرا بعد أن تكثفت حملة الاستيطان المسعورة في الضفة الغربية ومعها ازدادت جرائم قطعان المستوطنين بشكل متسارع وكان هذا التسارع المحموم في نهب الأرض هو محاولة واضحة من حكومة نتنياهو اليمينية العنصرية المتطرفة باستغلال الوضع الحالي التي تمر به القضية الفلسطينية حيث لم تعد على المستوى السياسي في الشرق الأوسط القضية الأكثر إلحاحا للمجتمع الدولي بسبب الصراع في بعض دول المنطقة خاصة استمرار الأزمة السورية و الاستقطاب الاقليمي والدولي حولها وبروز خطر الارهاب وكذلك جاء هذا الموقف الأمريكي في مجلس الأمن في نهاية فترة حكم الرئيس أوباما غير أن سرعان هذا الموقف الدبلوماسي الجديد للسياسة الأمريكية ما عارضه الكونجرس الأمريكي الذي يسيطر على مقاعده أغلبية جمهورية ... في السياسة الإسرائيلية الاستراتيجية ترتبط مسألة الاستيطان دائما بالنشاط الأمني والمقصود بالنشاط الأمني هنا هو الحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي في مواجهة القدرات العسكرية العربية وكذلك إيران فتحقيق السلام مع بعض الدول العربية لم يقلص من الاهتمام الإسرائيلي بمسألة الأمن لأن الهواجس الصهيونية بالخطر العربي والاسلامي على وجود الدولة العبرية يبقى قائما في الحسابات الإسرائيلية والنخبة السياسية الصهيونية لا تتوقع وجود سلام حقيقي مع الشعوب العربية لذلك ستظل المخاوف من زوال الكيان الصهيوني موجودا في الوعي السياسي الإسرائيلي لأنه كيان غاصب لا تربطه بالمحيط العربي أي عناصر متجانسة في اللغة و التاريخ وغيرهما من الروابط الحضارية ...كذلك فإن الوظيفة العدوانية للكيان الصهيوني في القيام بدور المحافظة على المصالح الحيوية للنظام الرأسمالي الامبريالي العالمي تتطلب امتلاكه لقدرة عسكرية رادعة تفوق قدرات دول المنطقة كلها وهذا ما تتكفل بتوفيره الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء سيطر عليها الحزب الديمقراطي أو الجمهوري باعتبارها سياسات ثابته تتلاقي فيها المصالح الإسرائيلية مع الاستراتيجية الأمريكية في موضوع الهيمنة الكونية .. تمسك الكيان الصهيوني بتفعيل سياسة النشاط الاستيطاني والنشاط الأمني واعتبارهما أهم من عملية السلام هو الذي كان وراء سياسة التعنت الإسرائيلي وفشل جولات مفاوضات السلام المتعددة مع الجانب الفلسطيني وفي عهد الرئيس الأمريكي الجديد ترامب سوف يزداد التعنت والصلف الإسرائيلي أكثر بسبب تصريحاته المنحازة وفي مقدمتها تصريحه المثير للغضب العربي والإسلامي وحتى الدولي بعزم إدارته على نقل السفارة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس المحتلة وكذلك ايضا تعيينه لشخصيات سياسية تنتمي لتيار الأصولية الدينية المسيحية التي تتوافق في معتقدها الإيماني مع الرؤية اليهودية للصراع وياتي التوقع في الفترة القادمة بانحياز أمريكي أكثر لدولة الكيان هو بسبب أن نتنياهو أو أي رئيس وزراء إسرائيلي آخر يأتي بعده من الأئتلاف اليميني الحاكم وترامب يستقيان سياستهما اليمينية الشوفينية من نظرية سياسية واحدة عنوانها الأبرز الوطنية العنصرية وهذا ما يجعل مشروع حل الدولتين يواجه صعوبات اكبر وربما يصل إلى طريق مسدود بشكل نهائي في الوصول به إلى حيز التطبيق وذلك على الرغم من أنه المشروع الوحيد للتسوية السياسية الذي ما زال يحظى بإجماع دولي .....