الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحلقة الخامسة من كتاب"ذاكرة الترف النرجسي" للدكتورة حنان عواد

تاريخ النشر : 2017-01-17
الحلقة الخامسة من كتاب"ذاكرة الترف النرجسي" للدكتورة حنان عواد
ذاكرة الطفولة..

بدأت أكبر وتزداد شقاوتي،أحاول دائما أن أكتشف جماليات الكون،عشقت القمر،وارتبطت بالأرض حقولها وأشجارها ونباتاتها المتعددة.كان والدي يتضمن لنا كل عام في الاجازة الصيفية حقلا كاملا لنقضي العطلة باللعب واكتشاف آفاق أخرى.تعلمنا أن نحتضن الكون بصباحه ومسائه..أذكر مرة أنني أخذت اخوتي الى البراري،وبينما أنا أسير وهم حولي،وأختي الأصغر سوزان،أمينة سر شقاوتي،تحمل أخي زياد،وأنا أمسك بيد أخي رياض ونسير بابتسامات طفولية بهيجة،واذا بعدد من الشبان يمر أمامنا فجأة،يركضون بسرعة فائقة، يتبعون ماعزا قد فر من بيتهم،وقد راقت لي فكرة الانضمام اليهم،فأشرت الى أختي سوزان بالعودة الى البيت مع اخوتي، وتابعت الجري،وظللت أجري وأبتعد عن الموقع،أجري وأنظر حولي، وهم يركضون..أجري، وتقفز خطواتي أكثر..الى أن سرت باتجاه مغاير وأنا لا أدري،وتيقظت ،فاذا أنا على رأس جبل في منطقة أبو ديس..نظرت حولي فلم أجد أحدا،أخذت بالبكاء،ثم تمالكت نفسي، جلست على صخرة بهدوء.وفجأة سمعت صوت" همهمات مخيف وقرط عظام"،فارتعبت،نظرت الى الأسفل،فاذا هي مغارة صغيرة تخرج منها تلك الأصوات،ولم أدر ما بداخلها..قد يكون كلب،وقد يكون ضبع يأكل فريسته .

في أسفل الجبل لمحت مزارعين،فخلعت حذائي وسرت على رؤوس أصابعي من شدة الخوف

الى أن وصلت أسفل الجبل،فأشفق علي المزارعون، وسألوني عن اسمي،وعبروا معي الشارع العام الى أن وصلت شاطيء الأمان..تابعت السير الى البيت،وكانت أمي على وشك الانفجار..أخذتني جانبا،وبعصا صغيرة ضربتني علني أتعظ،وأكف عن رحلات الاكتشاف،وأظنني لم أتعظ بعد.

كان والداي يعشقان العلم فوجهاني اليه..بدأت المرحلة التعليمية في روضة أطفال قريبة،كنت أذهب اليها يوميا برفقة ابن جيراننا الذي كان ينتظرني يوميا واسمه "نادر"،كنا نقتسم الساندويشات،والضحكات،كان يحنو علي بشدة،وكنت أنتظر حضوره اليومي،واذا لم يحضر أتابع النوم بهدوء تام.

وفجأة!توقف نادر عن انتظاري وقرع جرس بابي الصباحي..لم يصبني القلق في الأيام الأولى،بل ظللت بالانتظار..وحين افتقدته أمي،ذهبت لزيارة والدته للاطمئنان عليه،وكان أن غادر نادر الكون،فقد لدغته أفعى سامة وهو في طريقه الى البيت...

صمت في داخلي الحنين،واشتعل الألم الذي احتوته الذاكرة..

وضاع "نادر"في لحظة صمت صغيرة..

لم أدرك حينها معنى أن يغادرنا "نادر"،وفي اليوم التالي، ذهبت الى الروضة،في جيبي تلك القرنفلة التي قدمها لي قبل أيام..شعرت بأنها تنظر الي ساخرة..تقطر دموع الحزن،تحمل لي ذكريات،وأحمل اليها تساؤلات..

واجابات الأسئلة الحائرة تخفي حياءها وتتوارى قليلا قليلا،ثم تبدومحمرة الوجنتين في قراءة تراتيل اللحظة،وظلت صورة "نادر"ببراءة وجهه تسير معي حيث أسير.

وابتدأت المرحلة الابتدائية،كنت شديدة النشاط،أشارك بجميع النشاطات التي تنظمها المدرسة،علاقتي بالمدرسة ممزوجة الشعور،كنت أحب الدراسة جدا،ولكن كان يقلقني اليقظة في أيام الشتاء ..كبرت وكبرت تطلعاتي،وامتدت مغامراتي الكونية في تسلق الأشجار واللعب عند البرك،والخروج الى البراري لاقتطاف الزنابق وما تنتجه الأرض..وحيثما أمشي،تقف القدس الحبيبة قربي بعظمتها وكبريائها، لتشكل في حياتي ملامحها.

بدأنا ندرك ماهية الرجولة والاحساس بالآخر منذ الطفولة،كنت بعد أن أعود من مشاهدة فيلم

عربي بالسينما،أفكر بمعنى الحب،وأظل أتساءل،وتتبلور في أحلامي التصورات،وكأنني أتأبط ذراع عبد الحليم حافظ،وكأنه يختارني من بين ملايين المشاهدين،وغيره من الشخصيات الفنية الرائعة.

أرى نفسي أحلق عاليا،أرتدي فستانا بديعا،وينطق صوتي بأغنية عذبة لألفت نظر شاب وسيم.

أذكر أنه كان لنا جار وسيم،كان دائما يتابعني بنظرات عينيه،كان السور المشترك فاصلا بيننا وبينهم،حافزا على ايصال الرسائل الدفينة في أرواحنا.

في احدى أيام الربيع،والشمس مشرقة تطل علينا،وريح الصبا يعبر خصلات شعري ويدغدغ مشاعري بحنان جياش..وقف في الحديقة، وكأنه لم يلتفت الي،كنت واقفة على الشرفة أنظر اليه باستحياء،القي نظرة وأتوارى،كانت تستلقي بقربي كلبة شقراء...بدأ الغضب يحتويني

لأنه لم يوجه اهتمامه الي كعادته..ذهبت الى الحديقة،وقطفت وردة تسمى "عطرة"،زهرية اللون،زينت بها رأس الكلبة،ووضعتها داخل أذنها،فارتجفت الكلبة ونهضت بتشنج،فالتفت الينا،وأخذ يضحك من أعماقه حينما رأى الكلبة تتوج بالزهور.

استمر تعرفي على الوجه الآخر،كنت دائما ألعب مع الأولاد،فلم يكن هنالك مشكلة" مفهوم"،وكذلك كنت أحضر تجمعاتهم،وأحيانا أشتري أدواتهم كالعصا وكريات الزجاج وأشياء أخرى.بدأت تنمو معي نظرة صغيرة للحياة..كنت أشاهد الأفلام كثيرا لأدرك ملامح كونية أخرى،معنى الحب،الزواج،الزفاف،الانتماء والهوية.

ولفلسطين في تاريخ وجودنا وكينونتنا حياة خالدة مخلدة.كنا ندرس عن الجزء المقتطع المحتل من فلسطين،وكانت أمي تحدثني عن ذكرياتها هناك،وأبي وجدتي..عرفت معنى ضياع أراضيهم الشاسعة المسافات،وبيوتهم التي حملت استقرار الحياة وجمالية الذكريات..

وأظل أتساءل:"كيف هي فلسطين؟! أهي عروس حسناء فرشت ضفائرها على المتوسط،ونافست كل عرائس الكون بجمالها الأخاذ-أم هي امرأة مسنة أثقلها الدهر من الضياع؟!،وما الكون وما القيامة وما البعث؟..علامات استفهام كبرى في الكون والحياة.

أخذت المدرسة تفك بعض رموزها،ولكن الضبابية الفكرية ظلت تغطي الذهن.

وما بين وقائع السياسة وجاذبية الحياة سرت بوعي وغير وعي..في سن العاشرة خرجت من بيتنا القائم في وادي الجوز في مدينة القدس،ينسدل شعري الطويل على كتفي وأحركه افتخارا،لأتوجه الى صديقتي وأحضر منها كتابا..في الطريق شاهدني شاب من مدرسة قريبة من بيتنا"دار الأولاد"،كان دائما يلاحقني بنظراته،تبعني بهدوء،ومشيت عائدة الى البيت،فمر من تحت الشرفة وألقى الي بوردة حمراء،أول علامات اعجاب أتلقاها في سلم الوعي..احتفظت بالوردة..وفي اليوم التالي خرجت ثانية الى صديقتي لأعيد اليها الكتاب،تبعني الشاب واسمه عبد الغني،كان يدرس في دار الأولاد،وكان معه صديقه،فقال لي:"أريد أن أتحدث معك"،التفت اليه باستهجان قائلة:"لو كنت رجلا لما حدثتني ومعك صاحبك"،أذكر علامات الحزن القاتم على وجهه..استدار وذهب،ومر في اليوم التالي من تحت النافذة وهو يشكو ألم الدهر،مرددا:"غدار غدار"،وأنا أضحك من أعماقي، وأظل أرقب الشرفة.

هذه ملامح شبابية قد تعطي بعضا من ملامح شخصيتي التي تشكلت في المستقبل.

أمام بيتنا الجميل في القدس،كان هنالك شجرة سرو،تتجمع فيها العصافير،وكان شاب يأتي يوميا ليصطاد العصافير ويقدمها لي،فأتناولها بفرح،وأنا لا أدري ما معنى أن يعطيني شاب شيئا.وكانت جارتنا تراقب،تقترب مني بعد أن يغادر الشاب،وتأخذ العصافير،محذرة بأنها قد تسممني،أصدق، وأعطيها اياها.

وبعد مرور سنوات طويلة،حينما بلغت العشرين،كنت أسير في شارع صلاح الدين،أتفقد الجديد في المحال التجارية،واذا بشاب وسيم يتوجه الي بفرح شديد،ويناديني بصوت عال:"رندة رندة"،التفت اليه،وكأنني أعرف ذاك الوجه،وقال لي:"ألا تذكرين"،انني أنا الذي كان ينتظرك كل يوم،ويصطاد اليك العصافير"..ابتسمت،وطأطأت رأسي خجلا،وأصابني الذهول،ثم تمالكت نفسي ورحبت به،وتحدثنا قليلا،ثم ودعته بأمان ولم أره حتى هذه اللحظة..وفي تلك الأثناء،حاولت أن أستعيد بذهني"اللحظات الهاربة"،والصور الطفولية ببراءتها وبراعتها،وكأنها غادرتني،فلم يكن تفاعلي مع الموقف بمستوى الموقف.

كان لي اسمان،الاسم الرسمي في المدرسة حنان،واسم تناديني به العائلة رندة وهو الأكثر شيوعا- والذي صار اسمي الحركي فيم بعد-اواسم الدلع الذي ظل والدي يناديني به"مشمش"،وندائي باسمي العائلي واسم الدلع كان يطربني ويشدني الى لحظات لا تنسى.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف