الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحلقة الرابعة من كتاب"ذاكرة الترف النرجسي" للدكتورة حنان عواد

تاريخ النشر : 2017-01-10
الحلقة الرابعة من كتاب"ذاكرة الترف النرجسي" للدكتورة حنان عواد
الرجل الأول-والدي.

الوالد ،الوطن، الروح الانسانية والفكرة الخالدة الحضور.

كان والدي رجل أعمال كبير،مربيا فاضلا،ومفكرا عميقا ورائدا يستشرف المستقبل السياسي.

وكان يتمتع بثقافة عالية متميزة تختص به.قدره الجميع وأحبة الجميع،وامتلك صفات يعتز بها،الكرم،الرجولة المطعمة بالشهامة،الكبرياء المتسامي،استصغار المادة،رغم توفرها بين يديه،وتقديس المثل واحترام الكلمة والانسان.وظل كبرياؤه عاليا لم يمس يوما،وكان أيضا وسيما ملفتا للنظر.

كان مهندسا في مجال الكهرباء،أشرف على تخريج نخبة متميزة من قسم الكهرباء في الكلية الصناعية في قلنديا،حيث ترأس قسم الكهرباء.كان الجميع يحسبون حضوره المميز وكبرياؤه الشامخ،وخاصة الأجانب الذين كانوا يشرفون على البرنامج،فلم يسمح لهم يوما بالتجاوز..كانت شخصينه قوية جدا وقراره كان صارما مستجابا،وكرامته كرامة فلسطين، قاعدة راسخة في حياته.كان نشطا جدا ،كرجل أعمال،تاجر،مثقف وسياسي،وكان حضوره المرهف يترك بصماته في كل المواقع،فكان الموزع الوحيد في فلسطين للأدوات الكهربائية،

بادر في عدد من المشاريع لاضاءة القرى والمدن الفلسطينية،واشتعلت أنوارها بفعل تخطيطاته وهندسته المتميزة.كما ازدان شارع صلاح الدين بمحلاته الكهربائية(كردية وعواد)،والتي حازت على احترام المقدسيين،وكانت دعايتها تعرض في السينما قبل عرض الفيلم.وازدان الشارع بمحلات عواد التي صارت مركزا تجاريا لجميع أنحاء فلسطين.

وقد حمل والدي أفكارا كثيرة متقدمة،سابقة لزمانه،آمن بتعليم المرأة،ومنحها الفرصة للتقدم،والحرية المبرمجة التي تتيح لها التواصل مع العالم.آمن أيضا بتثقيفها الى أبعد الحدود،لان المعرفة هي الوقاية الحتمية للمرأة.

كان الكتاب حليفا استراتيجيا له،يضيف الى علمه آفاق الرؤيا السياسية والثقافية،وكان أيضا ذواقة للفن والابداع،أضفى ذوقه الى كلماتي ورؤاي ملامح خاصة.

انتصر للموقف،للانسان،للكرامة،للمعرفة،وانتقى أصحابه من الذين حملوا الفكر والثقافة الواسعة حتى لو خالفوه  فكريا.

كان بيتنا ملتقى لكبار الشخصيات السياسية والثقافية،وكانوا يعجبون بجلساته ويحملون أفكاره ورؤاه.كان مدى الثقافة لديه واسعا،عابرا قارات العالم،قارئا بالانجليزية أمهات الكتب..

هذا الرجل الأول،الذي حلق في روحي وترك بصمات لها دلالاتها النوعية،مما جعل خطواتي قفزا نحو الهدف الأسمى في العلم والمعرفة والنضال.

أغدق علي والدي دون احتساب،وملأ روحي بكبريات المثل،وحملني الأمانة.

وعلى الصعيد الانساني كان حنانه فياضا وعطاؤه لا يتوقف،له حضور ورهبة ليس علينا فقظ،بل على سكان الحي بأكمله.

أذكر أننا في موعد وصوله،كنا نجتمع حول أمي وهي تعد الطعام للغداء،وعندما نسمع هدير المحركات يقترب من مدخل البيت، معلنا عن وصوله،يختلط الفرح بالخوف،ولا نشعر بأنفسنا الا نتطاير كالشظايا،كل يفر الى غرفته،ثم يعود الينا السكون تدريجيا، فيلملم أشلاءنا،ونصطف بأدب منقطع النظير،رؤوسنا مطأطئة الى الأرض لاستقباله بالشكل اللائق.وكان دائما يصل الينا محملا بالكثير من الخيرات، كان ينادي كلا باسم الدلع الخاص به.

أكثر ما كان يزعجه الغباء،تجده منشرحا حينما يشعر بذكائي وذكاء اخوتي،وأنا أطير فرحا بهذا التقدير،أما اذا وردت مني  ملاحظة تحمل شيئا من الغباء،تنهال علي الشتائم،وكأنني لست ذاك الشخص الذي غمره الاطراء..وكأنه مطلوب مني دائما أن لا أخطيء،وأن لا أكون الا حادة الذكاء،لان الوصول الى قلبه،لم يكن الا بالارتقاء الى مستوى الابداع والمسئولية.

وكان ضعفي يبدو دائما اذا "كشر"بي،فقد كان جادا ونادرا ما يضحك،وانجاز مهمة اضحاكه يشكل حدثا تاريخيا غير عادي..ولشدة حبي له،كنت دائما أحرص على التخفيف عنه..فأبدأ بسرد الذكريات وأحداث حصلت معي،وطرائف قد تفرج أساريره.وعادة أسرد القصة من بدايتها الى نهايتها،أرقب عينيه متلهفة لرؤية تأثيرها عليه،فأراه لا زال جادا،ثم تتدخل أمي متوسلة اليه أن يضحك ويبدي اعجابا بما قيل،أو على الأقل يبتسم،قائلة:"اذا غيبت الابتسام،فان ابنتك ستتخذ زاوية وتبدأ بالبكاء ولن تتوقف".وما تكاد أمي تنهي الجملة،فاذا بأنهار دموعي و"شغنفات"تجري،وهي المسلسل الذي يسبق البكاء المر.

.بعدها تنفرج أساريره ويأخذني في أحضانه.

ورغم حبنا الشديد له،الا أننا كنا تقع فريسة لمواهبه واختراعاته،فقد كان متعدد المواهب،متخصصا بالاكترونيات،التلفاز،المذياع..يجلس ساعات طويلة لاختراع جهازا الكترونيا،أو آلة جديدة..وهذا يستلزم ضحية منا تجلس الى جانبه، تسلمه ما يحتاج من الأدوات..

كنا في البداية نستجيب بفرح،ونستمتع بالدقائق الأولى لهذه المهمة،بعدها يصيبنا الملل..تبدأ المهمة بالمذياع،يليها التلفاز وأجهزة أخرى معقدة..كل هذه المهام تسبق الغداء في يوم الاجازة..وعندما يقترب موعد الغداء،تحضر أمي الوجبات المناسبة،ونجلس على مائدة الطعام بهدوء تام..وعلينا التزام الصمت التام بعدها،لان والدي كان يقرأ بعد الغداء وينام ساعتين،ولشدة حرصنا على السكون،كانت الأبواب تطرق،لأن أيدينا ترتجف،وكان الضحك الدفين يخرج غصبا عنا،فيبدأ مسلسل الرعب،واذا بالباب يفتح، ولعنات مخففة تعبر الينا..

والدي كان كتلة حنان وعطاء..أغدق علينا ومنحنا الكثير،وكان شديد الحرص علينا،زرع فينا الطموح والكبرياء واحترام القيم العليا..

وكان يريدنا دائما على صورته...

أحببت والدي فوق كل الحب،منذ استيقظت رؤياي في أثواب الطفولة..كنت الازمه،أرقب أناقته،وأتفرس في وجهه قبيل ساعات توجهه للعمل.كان يداعبني بمحبة شديدة،ويناديني باسم الدلع الذي أحببته(مشمش)،وأختال فرحا..أجلس قرب أمي وهي تعد ملابسه للخروج،أقفز الى الخزانة لأختار القميص الذي يناسبه،والبذلة،ثم الحذاء..وحينما ينتهي من ارتداء ملابسه،أنظر اليه طويلا وأقول:"محظوظة أمي بوسامة أبي،ومحظوظة أيضا كل امرأة تقابله."

كنت أهتم أيضا بالوجبات التي تقدم الى والدي،وأظل أطعمه بيدي حتى أضايقه أحيانا..

كنت أنتظره في الحديقة حتى أسمع هدير السيارة،ثم أطير بسرعة لملاقاته،أسقط أرضا أحيانا لأعانق أبي وأتناول منه كل الخيرات التي يحضرها.

ولتعلقي الكبير بوالدي،تعلقت أيضا باخوتي الذكور الذين حملوا من صفات والدي الكثير.

أخي رياض ،أيقونة العائلة،كان موهوبا منذ نعومة أظفاره،أتقن الكهرباء والالكترونيات مبكرا،وقدم اختراعات علمية على جانب من الأهمية،خاض تجربة قيادة السيارات وهو في الثامنة من عمره،وأنتج أفلاما سينمائية،كان يجلسنا في صالة البيت لمشاهدة ابداعاته،وكان عازفا موسيقيا مبدعا،ومنتجا لأجهزة الصوت المطلوبة..وظل يتابع الابداع في مختلف مراحل  حياته..وكان أيضا سياسيا ملتزما وكاتبا مميزا،كتب للقدس ،لفلسطين والثورة قصائد خالدة،واغاني ثورية محفزة على النضال،أرخ من خلال القصائد والأغاني الثائرة لمرحلة الانتفاضة الأولى،وكان علما من أعلامها.لاحقته القوات الأسرائيلية،وصادرت تسجيلاته من الأسواق.ثم داهمت بيتنا واعتقلته،وذاق من التعذيب ما تعجز الأقلام عن وصفه..كانت روحه روح فنان ملتزم،وكان رقيقا هادئا واسع الثقافة،خفيف الروح،يضفي بجلساته حضورا خاصا.كان مقربا من الرئيس الراحل ياسرعرفات طيب الله ثراه،والذي ثمن عاليا ابداعاته والتزامه،وقدر حضوره الابداعي والسياسي في أكثر من موقف وفي أكثر من لقاء،وظل أخي على العهد بكل مراحل حياته. 

أخي زياد،كان رجلا ذا بأس،وسيما لأبعد الدرجات،أنيقا لأبعد الحدود،انه رجل موقف وكبرياء

ورؤيا في معنى الرجولة والمسئولية،وكان أيضا حنونا كريما الى أبعد الحدود،وكانت القدس 

تفتخر به وبتميزه الذي ترك أثرا كبيرا بين أصحابه.وعلى الصعيد الوطني كان ملتزما منذ الصغر،لم تغادره فلسطين،بل عاشت بروحه عروسا دائمة الصبا،ولم يتأخر  يوما عن حمايتها والنضال لأجلها بما يملك من مال وقوة.

أخي الصغير فؤاد،كان الساعد اليمنى لوالدي في التجارة،اعتقلته السلطات الاسرائيلية لمدة حمس سنوات بتهمة محاولة تنفيذ عملية عسكرية ضد المحتل،ذاق خلال الاعتقال أبشع صور التعذيب،ثم خرج في عملية تبادل الأسرى عام 1985.استرسل في النضال السياسي وظل ملاحقا من الاحتلال.

ما أجمل الأيام التي جمعتنا في بيت العز والمحبة..

لم أتخيل يوما أن أفقد والدي أو  أخي...

جدي الحبيب أبو والدي،كان شخصيةمميزة الشجاعة والكبرياء،يمتلك مساحات شاسعة من الأراضي،كان تاجر أخشاب،وموزعا للمحاصيل الزراعية،كان له حضور خاص بشجاعته النادرة،هذا الرجل الذي كنت أتمنى أن أعرفه،ولكن الاحتلال والنكبات التي خلفها فرقت العائلات،وحينما احتلت فلسطين،فقد جدي كل ما يملك من أراضي في سواحل طولكرم والمجدل وحمامة،وانقطعت سبل التواصل،وحرم والدي من من رؤية والده ورعايته..كان والدي ووالدتي يحدثاني دائما عنه،فتشكلت في ذهني صورة رائعة،وظل في ذهني الحلم بأن القاه يوما،هذا الحلم الذي لم يتحقق.

حاول والدي الذهاب الى غزة لزيارة أهله،ولم يكن سهلا آنذاك،فكان يتعين العبور عن طريق مصر،ويمكن أن نتخيل الصعوبات التي يواجهها الانسان لتحقيق الفكرة.نجح والدي في العبور الى هناك مرة واحدة، وبعد محاولات شاقة،ومع الأسف، كان جدي قد فارق الحياة. حمل والدي ألما شديدا عاش به طول عمره، وحملنا هذا الألم معه،و الذي يصعب تصويره ،ألم يمزق الفؤاد،وحزن لا يمكن أن ينتهي،بل يسير في شرايين الروح، ويطرق على باب الذاكرة الجريحة،لا تكفي الدموع ولا الوجوم الصامت،بل تصيب المرء حالة من الاشتباك الروحي مع الماضي الجميل في  روحانية الحياة، ورفاهها في ظل حنان الأبوة الألهي،والرعاية المخصصة والتي تليق بأبي واخوته.. وحينما عاد من هناك،أحضر جدتي..وكان لقاؤنا في مدينة القدس بعد طول الغياب والعذاب.ذهلت حينما التقيت جدتي من جمالها الأخاذ،رغم كبر السن...سيدة قديرة صاحبة قرار لا يناقش،ممتشقة القوام،زرقاء العينين،وشعرها الأشقر ينسدل على كتفيها. كم سعدت وسعدنا بلقاء جدتي...ظلت جدتي تحدثني عن جدي ومواقفه وقيمته الاعتبارية.جدتي كانت معطاءة جدا،تشعر مع الآخرين،كانت تقتطع من أموال والدي وتوزعه على الناس الذين تشعر بأنهم بحاجة لمساعدة.كانت سيدة الأرض ،تنظم سير العمل والقطاف مع جدي،وهي الآمرة الناهية،ولا يستطيع أحد أن لا يستمع اليها، أوينفذ قرارها.تعلقت بها كثيرا،كنت الازمها وهي تروي لي حكايات أمجاد الماضي،وكنت أهتم بها كثيرا، وألبي جميع طلباتها..كانت عاشقة للنظافة ووضاءة الروح،تراها ترتدي الثوب الأبيض كأنها ملاك..عاشت بيننا سنوات جميلة رائعة،وحينما كانت تزورنا جدتي أم والدتي،يكبر فيض الروح..كنت أجلس بينهما بدلال لا يوصف.

وحينما أزف موعد سفري متوجهة الى كندا لاتمام دراستي،غمرتني جدتي بالحب الشديد،وظلت تصرخ وتبكي بحرقة شديدة،ودعتها ولم أكن أدري بأنه سيكون الوداع الأخير..وما أصعبها من لحظات حينما عدت ولم أجد جدتي.

تعرفنا على عائلتنا بعد حرب الأيام الستة،عمي محمد شقيق والدي كان شخصية حنونة جدا،واسع الثقافة ، ومحدثا لبقا،وكان دائما يوجهني بحكمه التي رسخت في ذاكرتي.ما أجمل طلته علينا في مدينة القدس هو وأولاد عمي،كنا نشعر بعودة الروح بعد فقد جدي الغالي الذي لم نعرفه عن قرب تعرفنا على عائلته، وضمنا حنان عمي ووالدي جميعا .عمتي جميلة،سيدة مناضلة،كان زوجها فدائيا منذ بداية النضال الوطني الفلسطيني،وقد تحملت الكثير في الأشراف على أبنائها في غياب الزوج..جمعتنا القدس جميعا في التئام عائلي بعد طول غياب...

ما أجمل البيت الذي جمعنا أنا واخوتي مع والدي،والذي ضم  أقرباءنا من جميع أنحاء فلسطين  كانوا يزورننا فتزهر قلوبنا. عشنا في بيتنا في القدس سحرا ودفئا،وكلما غادرنا بعيدا ،يشدنا الى كل ركن فيه،الحديقة الخلابة بارتدائها الثوب الأخضر،وزقزقات عصافيرها،الصالة المرسومة بمستوى عال من الفن،وحضور الأمان المزروع في أشجارها وألوان ورودها وانحناء القمر بتواصله معنا، وخاصة ،حينما يهل بدرا،ويضيء أركانها لتغدو سفرا تكونيا للحضور الانساني والتاريخ ،وخطوات جدي وهو يزرع دالية في الحديقة ترفرف ظلالهاعلينا،وتتجمع عليها وبها طيور الحب وبلابل الشوق وعذوبة الجدول، يسير في أحضانها ملقيا أمواج الروح في سرمدية العلاقة مع الأرض.

وما أجمل أمي حينما تطل في الصباح بفيض حبها،ووالدي بجمالية عطائه...طقوس نعيش بها هوية لا يمكن تمزيق شذورها،ولا ابعاد حلولها الدائم بنا..".بيت العز "،بيت التشكل النوراني من وضاءة الروح الى بنيوية العلاقة الخالدة في الرحم الأول،الأم وفلسطين.

كانت القدس أفقا رحبا لا يغفو،وفضاءات جميلة لا تسدل عليها ستائر الظلمة..وكانت خطواتي اليومية اليها،برنامجا يوميا لا يمكن توقيفه ولا اقتطاعه.تنفرج روحي عندما أنزل ساحة باب العامود،أتأمل أسوارها وأسرارها،تحركات الباعة وصفير العربات..

باب العامود لم يكن مدرجا كما هو الآن،بل كان ساحة مائلة،موقفا للسيارات الناقلة لأماكن عديدة،وترى المنتظرين يقفون، وسويعات الزمن تتراقص أمام عيونهم.

في كل مكان في مدينتي تعيش معي صورة والدي،منقوشة في الروح،ترفرف على حضوري

واغترابي،تسير معي كلما حلقت بأجنحتي بعيدا،تقرب المسافات وتنشر حولي أنوار الطريق،

تستعير الأمان من أنياب البراكين،وتعبر الزلازل طلعا واعدا في أفق وردي،وحنان مخملي..

تخبئني من عيون المجهول،وتشد يدي الى الأعلى  باتجاه الحياة..
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف