الأخبار
مع بدء ترحيل السكان.. تصاعد التحذيرات الدولية من اجتياح رفحمجلس الحرب الإسرائيلي يُقرر المضي في عملية رفحطالع: تفاصيل مقترح وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه حماسحماس تُبلغ قطر ومصر موافقتها على مقترحهم لوقف إطلاق النارممثل عشائر المحافظات الجنوبية يحذر من خطورة اجتياح الاحتلال الإسرائيلي لمدينة رفححماس: انتهاء جولة المفاوضات الحالية ووفدنا يغادر القاهرة للتشاور مع قيادة الحركةهنية يكشف أهم شروط حركة حماس للتواصل لاتفاق مع إسرائيلمقتل أربعة جنود إسرائيليين بقصف المقاومة الفلسطينية لمعبر (كرم أبو سالم) العسكريالحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة تحت ذريعة أنها "قناة تحريضية"الخزانة الأمريكية : بيانات الاقتصاد تؤكد وجود تباطؤ بالتضخممسؤولون أمريكيون: التوصل إلى اتفاق نهائي بغزة قد يستغرق عدة أيام من المفاوضاتالمستشفى الأوروبي بغزة يجري عملية إنقاذ حياة لطبيب أردنيتحذيرات أممية من "حمام دم" في رفحالمقاومة الفلسطينية تكثف من قصفها لمحور (نتساريم)غارات إسرائيلية مكثفة على عدة مناطق في قطاع غزة
2024/5/10
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

هكذا هندس أبو جهاد الانتفاضة العفوية بقلم:د. محمد عبد الجواد البطة

تاريخ النشر : 2016-12-10
هكذا هندس أبو جهاد الانتفاضة العفوية بقلم:د. محمد عبد الجواد البطة
هكذا هندس أبو جهاد  الانتفاضة العفوية 

تمر علينا الذكرى التاسعة والعشرون لانتفاضة الشعب الفلسطيني، التي جاءت في التاسع من ديسمبر/كانون أول عام 1987م هبة شعبية عفويه لم يخطط لها من أي جهة كانت، وكان أبطال هذه الانتفاضة هم أطفال وشباب الحجارة، الذين سطروا أروع أنواع البطولة والبسالة، وكانوا نموذجا حقيقيا وحيا رائعا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، حيث جاءت في ظل ظروف ومناخات سياسية بالغة التعقيد. واعتبر بعض الباحثين والسياسيين أنها جاءت لعدة اسباب منها ما هو بعيد ومتراكم ومنها ما هو مباشر ادى إلي تفجر الاوضاع. 

ومرت أحداثها بعدة مراحل منذ انطلاقتها أواخر عام 1987 وحتى أواخر عام 1993 حيث شهدت نمواً وتطوراً في أحداثها اليومية النضالية والكفاحية والتنظيمية، وأبدعت كل يوم أسلوبا جديدا يضاف إلي سابقه، فبعد أن كانت عبارة عن مظاهرات واحتجاجات تصاعدت إلى إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على سيارات اليهود وإقامة الحواجز في الطرقات وإشعال الإطارات إلى اغتيال العملاء وملاحقة جباة الضرائب وقتلهم

وفي هذا المقام سنتحدث عن دور خليل الوزير"أبوجهاد" مسؤول القطاع الغربي ودائرة شؤون الوطن المحتل في منظمة التحرير، الذي يحسب له تاريخيا العمل علي هندسة الانتفاضة، وقيادتها والإشراف علي تشكيل القيادة الوطنية الموحدة في الداخل الفلسطيني، ومتابعة عملها وقد أصدر في العشرين من كانون أول/ديسمبر1987 برنامجا محددا من عشر نقاط يحدد فيه مهام وواجبات الانتفاضة علي الصعيدين التنظيمي والسياسي كما طالب بالعمل الفوري علي تشكيل اللجان الشعبية في كل مخيم ومدينة وحي وقرية لدعم الانتفاضة وتنفيذ برامجها. وقد بث بيانه للأرض المحتلة عبر صوت الثورة من بغداد، وعبر الصحف ووكالات الأنباء وأجهزة الفاكس ميلي. وقد سعي لتحويل الانتفاضة إلى استراتيجية حرب الاستنزاف الطويلة، وليس حصرها في اطارها التكتيكي للضغط أو المساومة  

وفي هذا الخصوص نذكر أن "القيادة الموحدة" نفذت خطة عمل وضعها خليل الوزير (أبو جهاد)، قبل استشهاده يوم 16 نيسان/إبريل1988، عرفت باسم ورقة ابو جهاد، تضمنت :

أولا: مد عمر الانتفاضة وعدم تحديد وقت انتهاء العمل بالورقة حتي لا يتم تقييد عملها.

ثانيا: أن تظل الانتفاضة علي امتداد العام (1988)، محتفظة بطابعها المتميز بالمقاومة الجماهيرية وأسلحتها غير العسكرية من الحجارة والزجاجات الحارقة وغيرها مما تبتدعه الحركة الشعبية في مواجهتها اليومية لقوات الاحتلال.

ثالثا: استخدام السلاح العسكري لتأديب وردع قوات الاحتلال والمستوطنين معا مع تزايد القمع الاسرائيلي وتدابيره الانتقامية ضد المواطنين إلي درجة كسر عظام الصبية، ودفن الأحياء وإجهاض الحوامل وفرض حصار التجويع علي الأهالي في الاراضي المحتلة، فضلا عن اتباع سياسة الاغتيال. وحلا لهذه الإشكالية، توصلت ورقة أبو جهاد إلي ضرورة أن تجمع الثورة في حركتها الراهنة بين العنف المسلح وبين العنف المدني الجماهيري وهذا الجمع، لا يعني الخلط بين الميدانين، فيظل لكل ميدان أسلوبه المميز، وإذا كان العنف المدني الجماهيري هو الأسلوب المميز في ميدان الأرض المحتلة عام 1967، فإن الأراضي المحتلة عام 1948، هي ميدان العنف المسلح الذي تمارسه فصائل وكوادر الثورة العسكرية وذلك بكم ونوعية، يؤثران علي فاعلية وحسابات آلة القمع الإسرائيلية ككل

رابعا: العمل علي الانفصام شبه الكلي عن نظام الاحتلال وذلك بإفقاد سلطة الاحتلال قدرتها علي تنفيذ أوامرها وقراراتها، علي نحو تراكمي حتي تنضج الظروف لقيام العصيان المدني الشامل، وهذه ما أسماه أبو جهاد، بالارتقاء النوعي بالانتفاضة.

وفي هذا المجال طرحت الورقة خطة متكاملة للتغلب علي ما تعتبره نقطة ضعف في حركة الانتفاضة ونقطة قوة نسبية للعدو تقوم علي أساسين: الأول حركة تنمية وطنية من خلال المقاومة؛ والثاني: بناء اقتصاد بيتي منتج. حتى يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية من الانتفاضة في ظل تصعيد عمليات البطش والقمع الصهيوني الرسمي ضد جماهير الانتفاضة.

        وعمل أيضا علي استكمال الدور الشعبي للجماهير في المواجهات مع قوات الاحتلال وعلي عدم "عسكرتها" مع إسنادها بعمل مسلح من خارج فلسطين وفي غير ميدان الانتفاضة أي في الأراضي المحتلة 1948(إسرائيل ).

وجاءت أهم هذه الأعمال المسلحة في أذار/مارس1988، في عملية فدائية في ديمونة، لدعم معنويات الاهالي في الوطن المحتل

     وفي السابع والعشرين من أذار/ مارس 1988 اصدر أبوجهاد ما عرف بدستور الانتفاضة ممثل في بيان "لنستمر بالهجوم" الذي حدد لها الخط السياسي الثابت والتكتيكات التي أسهمت في تحرك الانتفاضة من حرب الحجارة إلى حرب الحرائق، وعلى الانتفاضة أن تحتفظ بشكل دائم بروحية الهجوم وبزمام المبادرة والمبادءة ، حتى يبقى العدو مكبلاً في مواقع الدفاع والتخبط في دوائر ردود الفعل

وقد حدث التطور الكبير عندما تم تكوين اللجان الشعبية ونقل فعالية الانتفاضة من العفوية الجماهيرية إلى العمل المنظم بصدور بيانات القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، وشهدت هذه المرحلة أساليب راقية في العمل الانتفاضى، حيث ظهر ما عرف بالإضرابات التجارية الواسعة والشاملة، والمقاطعة للإدارة المدنية والعصيان المدني ضد سلطات الاحتلال واستقالة أفراد الشرطة العرب العاملين في الشرطة الإسرائيلية وباقي الموظفين باستثناء التعليم والصحة.

وكان المقصود بهذه الإجراءات التطويرية، التصعيدية الإفراغ التدريجي لكيان الاحتلال من مضمونه وكوادره، من بناء أجهزة أمنية بديلة تمثل السلطة الوطنية

كما كان لخليل الوزير دورا كبيرا في قيادة الانتفاضة وربطها بالتعليمات العسكرية والنصائح، وتعزيز الأطر وترتيب وضع الشباب، ومدهم بمقومات العمل النضالي 

        ومن ناحية اخري قد كان اتصال القيادة الوطنية الموحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية، يتم عبر لجنة طوارئ تمثل غرفة العمليات المشتركة لربط القيادة المركزية للمنظمة  في تونس، بالقيادة الوطنية الموحدة في الداخل، جهاز شؤون الوطن المحتل، لمباشرة الانتفاضة.

            ولتسهيل عملية الاتصال عمل أبو جهاد علي تطوير العديد من الطرق والوسائل منها القديم ومنها الحديث، والقديم هو الاستمرار في ذهاب ومجيء الرسل وحاملى الرسائل والتعليمات منها الشفوية ومنها المشفرة، وفي الانتفاضة استحدثت قاعدة خطوط مواصلات في الأردن "عمان" لتسهيل عملية مجيء وذهاب الرسل. ثم أنشأ أبو جهاد سبع محطات اتصال منها ما هو في قبرص واليونان  ويوغوسلافيا ، وهذه المراكز كانت تتابع أحداث الانتفاضة يوم بيوم ولحظة بلحظة. ولما كانت الاتصالات الدولية من الدول العربية تليفونيا للمناطق الفلسطينية وخاصة قطاع غزة متعذر وغير متاحة، ولهذا فقد أنشأت هذه المحطات بدالات اتصال وخطوط هاتف دولي ليتم الاتصال التليفوني بالأراضي المحتلة وخاصة قطاع غزة.

          وكان أبو جهاد يمدهم أيضا بالنصح والتوجيه وإرسال المال من خلال الصيارفة في القدس وسواح أجانب وبعض التجار والمسافرين. وعمل علي توفير دعم خارجي للانتفاضة وفي هذا الخصوص قام بزيارة لعدد من الدول ومنها ليبيا التي زارها يوم23 كانون أول/ ديسمبر1987، حيث أقنع القذافي بصدق توجهاته، وحثه علي التعامل معه والوثوق به والوقوف إلى جانب الانتفاضة وقد نجح في إقناعه بالتعاون معاً في هذا المجال، وفي السادس من نيسان ابريل1988 كانت الزيارة الاخيرة لليبيا حيث استشهد بعدها بعشرة أيام.

وبعد اغتيال أبوجهاد في16/نيسان/إبريل1988،  تولى ياسر عرفات الاشراف المباشر علي الانتفاضة ، وقام بتشكيل فريق جديد وأصبح عباس زكي أمين سر اللجنة، ثم دخلت الانتفاضة مرحلة جديدة شهدت تنامي العمليات المسلحة ضد الصهاينة مع تراجع الأنشطة الجماهيرية الواسعة وظهور ما يعرف بالمطاردين في أواخر عام 1991 وهم الذين رفضوا تسليم أنفسهم للاحتلال بسبب أعمالهم النضالية الجهادية 

هكذا يظهر بوضح دور ابو جهاد في هندسة الانتفاضة العفوية التي استمرت لسنوات سبع حققت خلالها نجاحات كبيرة على المحتل وخصوصا في عامها الاول،  حيث أظهرت الانتفاضة الوجه الفاشي والعنصري لإسرائيل ، وحققت تضامنا واسعا ،علي المستوي الدولي مع الشعب الأعزل ، الذي يدافع عن أرضه ونفسه ووطنه  بالحجر، وأظهرت  القضية الفلسطينية إلي الأجندة العالمية من جديد وبشكل جديد بعد سنوات من الإهمال السياسي، وضربت صور عديدة ساعدت في تغيير صورة  الفلسطيني.

ومن أهم هذه الصور ان اصبحت قضيتهم بالفعل علي رأس القضايا السياسية والأخلاقية، وأعادت تركيب المفاهيم حول المقاومة الفلسطينية، وضربت شكلا جديدا من أشكال الوعي الإنساني، حيث كانت المقاومة الفلسطينية في خمسينات وستينات وسبعينات  القرن العشرين، مرتبطة بالخطف والتفجيرات والعمليات المسلحة وكلها مشروعة، حيث إن ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، فجاءت الانتفاضة من الداخل المحتل يقودها أطفال المدارس والشباب، متسلحين بالحجارة في أيديهم والإيمان بالله في قلوبهم وعدالة قضيتهم في عقولهم.

د. محمد عبد الجواد البطة

الباحث في التاريخ الحديث والمعاصر
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف