الأخبار
علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)الصحة: حصيلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 32 ألفا و490 شهيداًبن غافير يهاجم بايدن ويتهمه بـ"الاصطفاف مع أعداء إسرائيل"الصحة: خمسة شهداء بمدن الضفة الغربيةخالد مشعل: ندير معركة شرسة في الميدان وفي المفاوضاتمفوض عام (أونروا): أموالنا تكفي لشهرين فقطأبو ردينة: الدعم العسكري والسياسي الأمريكي لإسرائيل لا يقودان لوقف الحرب على غزة
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

انتقام !!بقلم: د. عبد القادر فارس

تاريخ النشر : 2016-12-06
قصة : " انتقام " !!
د. عبد القادر فارس
كانت الفتاة الجميلة الحالمة " ساهرة " , ابنة الطائفة المسيحية التي تنحدر من المدينة المقدسة , عاصمة فلسطين " القدس " , تقيم مع أهلها في مدينة رام الله , نشأت وترعرعت مثل أبناء طائفتها في جو من الحرية , متمتعة بعلاقات طيبة مع جميع الأهل والجيران , بمن في ذلك جيرانهم المسلمين , وهم الأكثرية في مدينة رام الله .
نضجت الفتاة ساهرة كغيرها من بنات جيلها من الفتيات , وأحبت الشاب " حكيم " ابن جيرانهم من أبناء نفس طائفتها , وبنت أحلامها أن يكون هذا الشاب هو زوج المستقبل , غير أن الأهل رفضوا هذا الزواج , بسبب عدم انسجامهم وخلافهم مع أسرة الشاب , لتنتهي قصة الحب بين ساهرة وحكيم دون تحقيق أحلامهما.
وحتى تنسى صدمتها العاطفية , وموقف الأهل السلبي برفض الموافقة على زواجها من الحبيب ابن الجيران , قررت الفتاة استكمال دراستها الجامعية في جامعة بير زيت , وليس في رام الله , وهناك التقت بزملاء وأصدقاء جدد قدموا من جميع أنحاء فلسطين , من الضفة الغربية والقدس , وقطاع غزة , والأراضي المحتلة عام 1948 , ومع الأيام شعرت أن عيون أحد زملائها في الدراسة تلاحقها , إلى أن تطور الاعجاب بالنظر , إلى اعجاب بالحديث , وكان الشاب " أحمد " قادما من غزة للدراسة في نفس تخصصها , وقد كان متفوقا في دراسته , فأعجبت به .. صدمتها العاطفية السابقة جعلتها تتعلق به في ردة فعل , قد تكون مبررة , لكن هناك عدة عوائق أمام هذه العلاقة , فهو مسلم وهي مسيحية , وهي ابنة القدس التي تقطن مدينة رام الله , وهو من قطاع غزة ويقطن إحدى المخيمات الفقيرة هناك , الفروق تبدو كبيرة بينهما , لكنها أصرت على الاقتران به , عندما عرض عليها الزواج بعد انتهاء العام الأخير من دراستهما , وهو كان متسامحا ومتفهما لوضعها , فلم يشترط عليها ترك دينها , وعندما عرضت الأمر على أهلها , قوبل هذا الطلب باستغراب كبير , ورفض مطلق , وهم الذين رفضوا في السابق ابن الطائفة , وابن الجيران , وابن المدينة التي يسكنونها , لكنها أصرت رغم تهديد أهلها بأنهم سيتخلون عنها , ولن تكون ابنتهم بعد اليوم , لكن من جانبها وفي قرارة نفسها , قررت الانتقام من أهلها , بهذا الزواج الغير متكافئ , ولم تكن تدري أنها تنتقم من نفسها , ولم تقدر كيف ستكون عواقب هذا الزواج فيما بعد .
عقدت قرانها في رام الله دون عرس وفرح , ودون حضور من الأهل والأصدقاء , وعادت مع زوجها إلى غزة , وقبلت أن تسكن في غرفة بالمخيم مع أهل زوجها , رغم أنها كانت تقرأ في عيون أهل زوجها عدم موافقتهم على هذه الزيجة من فتاة " مسيحية " , رغم أنها بعد ذلك اعتنقت الدين الاسلامي عن قناعة , فكانت تصلها الأخبار على لسان الأهل أنها كاذبة ولم تُسلم , رغم أنها تحجبت وتمارس كل طقوس الاسلام من صلاة وصيام واحتشام .
سكن ساهرة مع أهل زوجها في المخيم بدأ يعتريه الخلاف , حيث أن الود لم يكن بينهم قائما , كانوا يطلبون منها كل أنواع العمل في المنزل , من الغسيل والنظافة وإعداد الطعام , وبدأت الخلافات تزداد بينهم , وكان أحمد ينحاز بشكل دائم لكل ما تقوله والدته , التي غالبا ما تحرضه وتوغر قلبه على كنتها .. زادت المشاكل داخل الأسرة عندما أنجبت طفلتها الأولى , فقد ازدادت مصاريف البيت , ولم تعد ساهرة قادرة على الخدمة في البيت , فأحمد لا يملك وظيفة دائمة ومستقرة توفر له دخلا لكي يصرف على عائلته الكبيرة , واسرته الصغيرة , وعندها ألحت عليه بالاستقلال عن أهله , واستئجار بيت خاص بهم , لكن من أين ودخله لا يكفي لفتح بيت جديد , وعندها قررت الخروج للعمل , وكان لها أن قبلت العمل في إحدى الجمعيات الأهلية بأجر لا بأس به , إلا أن المشاكل لم تنته مع أهل زوجها , بعد أن طلبت منهم ابقاء طفلتها لديهم خلال فترة عملها , ثم ازدادت المشاكل بعد أن أنجبت طفلها الثاني , وحاجة الطفلين لرعاية ومصاريف أكثر , خاصة بعد دخولهما الروضة والحضانة , بعد أن رفضت أسرة زوجها رعايتهما , فكان هذا الانتقام منها لاستقلالها عنهم , ولحقدهم عليها للخروج للعمل , وأخذ أبنهم بعيدا عنهم , رغم زياراته الدائمة لهم , ووده لهم .
ومع كثرة المشاكل فتر الحب بين الزوجين , فلم يعد أحمد يهتم بزوجته وبيته , في ظل الوضع المادي السيئ , وفي ظل خلاف الأهل مع زوجته والتحريض الدائم عليها .. معاملته السيئة لها دفعتها ذات يوم , وفي ساعة غضب , لتقول له إنها لا تحبه , ولم تحبه يوما من الأيام , بل تزوجته انتقاما من أهلها ... في هذه الأوقات العصيبة أصيبت ساهرة بالمرض الخبيث " سرطان الثدي" , وبدأت رحلتها الطويلة مع المرض والعلاج بالتنقل من غزة إلى مستشفيات القدس ورام الله , وعلى الرغم من وجودها في مسقط راسها , وعلى بعد خطوات من بيت أهلها , لم يزرها أحد من أهلها , وفي هذه الظروف العصيبة توفي والدها ثم والدتها, فاتهمها أهلها بأنها السبب في وفاتهما .
ومع تدهور صحتها, لم تعد تعرف النوم من شدة الألم , وتظل "ساهرة" ساهرةً طوال الليل.. كان همها الأول أولادها ظلت ترعاهم بكل ما تستطيع , ادخلتهم المدارس الخاصة , وخصتهم بأجمل الملابس, وأحسن الطعام , وكل ما يطلبون من المصاريف , وظلت " ساهرة " ساهرةً عليهم , تسهر الليالي بعد عودتها من عملها مساء , تراجع لهم الدروس , دون أن تكون لوالدهم أدنى مسؤولية عنهم , فقد انصرف فكره بما صدمته من قول سابق بأنها لا تحبه , وأنه فقط كان لها فقط وسيلة للانتقام , وعندها قرر أن ينتقم منها هو الآخر ويتركها والأولاد , ويهجر البلاد بحجة أنه مسافر لإكمال دراساته العليا , سافر بعيدا هاربا مما هو فيه من وضع اجتماعي واقتصادي ونفسي سيئ .
في ظل هذه الظروف القاسية والصعبة , ظلت ساهرة وفية لزوجها ولبيتها , فخلال زيارتها لإحدى العيادات خلال مراجعاتها الدائمة للعلاج , فوجئت أن الطبيب المعالج هو الحبيب السابق " حكيم " , عرفته على الفور , لكنها لم تظهر معرفتها به , بينما هو لم يتعرف عليها بعد أن غير المرض ملامحها وأذهب جمالها السابق الذي عرفها به , ولم يعد الاسم المدون على أوراقها الطبية نفس الاسم بعد أن حملت لقب زوجها رغم أن اسمها الأول مشابه لاسم حبيبته السابقة ... خاطبها قائلا بأنه ربما التقى بها أو أنه يعرفها , بينما هي نفت معرفتها به .
في الزيارة التالية تأكد أنها هي , فلم تنكر ذلك , وحدثها بأنه ظل وفيا لها ولحبهما , ولم يتزوج طوال تلك السنين إلا من فترة قصيرة جدا , لا تتعدى الأشهر القليلة , ودعاها لتناول العشاء معه في أحد المطاعم , إلا أنها اعتذرت ورفضت بشدة , وقالت له إنها سيدة متزوجة ولديها أطفال , وهو كذلك الأن متزوج , ولا داعي لفتح جروح الماضي , وقررت بعد ذلك عدم التوجه لتلك العيادة , والتوجه لمستشفى آخر للعلاج.
اشتد المرض على ساهرة , ونظرا لعدم مقدرتها على متاعب السفر واتعابه المالية , وفي التنقل بين غزة والضفة الغربية ، نقلتها المؤسسة التي تعمل بها إلى مقرها برام الله , وهناك استأجرت منزلا متواضعا من غرفة نوم واحدة وصالون صغير , لدى سيدة مسيحية أشفقت على حالها , كانت تخدمها وترعى ولديها , عندما تغيب لأيام في المستشفى , على الرغم من أنها علمت قيما بعد أن ساهرة كانت مسيحية وتزوجت من مسلم , لكن تغلبت انسانيتها على أي مذهبية وطائفية .
ومع اشتداد مرضها وقلة حيلتها , لم يكن زوجها المشغول بهجرته يسأل عنها وعن أبنائه , وكذلك لم يسأل عنها الأهل في رام الله , إلا بعد أن تدخلت إحدى السيدات من رفاق المرض , والتي تعمل مديرة لاحدي المؤسسات الانمائية الخيرية , وهي سيدة مسيحية مناضلة , لم تكن تعلم مسبقا أن ساهرة هي من طائفتها سابقا , وأنها أسلمت بعدما تزوجت مسلما , غير أنها لم تتعصب مثل أهل ساهرة , فكان تعاملها معها وطنيا وانسانيا , وتدخلت لدى أهل ساهرة , واقنعتهم بضرورة زيارتها والتواصل معها في آخر أيامها , فهي في حالة تدهور دائم , بعد أن تفاقم المرض لديها , وأخذ المرض الخبيث ينتشر وينهش الجسم العليل , فذوى الجمال , وذهب الشباب وهي لا زالت في الثلاثينات من عمرها .. وبالفعل اقتنع اخوتها بزيارتها , وكان اللقاء مفعما بالكثير من الصور الدرامية الشائكة , هي فرحت واستعادت نشاطها , أما من الجهة الأخرى فلم يكن اللقاء حميميا , بل صورة باهته حاول الأهل فيها استعادة الماضي , لكن يبدو أنهم فشلوا , وكما يقول المثل " البعيد عن العين , بعيد عن القلب " , لدرجة أن شقيقتها الصغرى لم تعرفها , وكذلك ساهرة لم تتعرف لشقيقتها , فقد كانت طفلة في الابتدائي عندما تزوجت وتركتها , وها هي قد أكملت دراستها الجامعية وخرجت للعمل دون أن تلتقيا أو تعرف صورتها , والشقيقة الصغرى تقول في نفسها , كما يذكر لها الأهل , أن ساهرة كانت السبب في مقاطعة للأهل من الطائفة والجيران بعد زواجها من مسلم , وأن ذلك أيضا كان السبب في عدم زواجها حتى الآن.
انتهى اللقاء على وعد أن يزورها الأشقاء كل يوم ( أحد ) من كل أسبوع , وكانت الزيارة اللاحقة فعلا , ولكن لم يحضر سوى شقيقها الأكبر , وبعد يومين على تلك الزيارة تدهورت حالتها الصحية بشكل كبير , وأدخلت العناية المركزة , لكن الموت كان أسرع , وصعدت الروح إلى بارئها .. تم ابلاغ الأهل بالوفاة , وكان السؤال لدى صديقاتها , هل سيتم الصلاة عليها وفق الطقوس الاسلامية أم المسيحية , وهل سيتم دفنها في مقبرة اسلامية أم مسيحية .. لكن حسم الأمر , حضر الاخوة واستلموا الجثمان , وذهبوا بها إلى الكنيسة حيث تمت الصلاة عليها , ودفنت بحسب وصيتها إلى جانب والدها ووالدتها , اللذين توفيا دون أن تراهما أو تحضر جنازتيهما , في مقابر العائلة برام الله .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف