درسان مغايران من معركة بدرٍ الكبرى
بقلم : عصام أبو فرحة
سأخرج عن المنهاج قليلاً رغم أننا لم نعتد الخروج عن المناهج , فلقد انتهيت للتو من قراءة بحثٍ مطولٍ تحدث صاحبه عن معركة بدرٍ الكبرى التي وقعت في السنة الثانية للهجرة , وقد تناولها الكاتب بالتفصيل والشرح والتحليل واستخلاص النتائج والعبر , ولا أنكر أن العبر كانت كثيرة , وكانت الدروس عظيمة , غير أن الكاتب - وكما اعتدنا – لم يخرج عن المنهاج , فلقد ساق لنا الكثير من المواقف البطولية للصحابة رضوان الله عليهم , واستخلص الكثير من الدروس التي تتحدث عن الإيمان والتضحية والبطولة .
أما أنا فقد اسوقفتني عبارتان خرجتا من معسكر العدو الكافر ، وقد مر عليهما الكاتب مرور الكرام , ربما لأننا لم نعتد الاستفادة من عدو , وليس من طبعنا الخروج عن مناهجنا التي علمتنا ألا نشيد بموقفٍ يخرج من الآخر أو من الضد .
العبارة الأولى , أو ربما هو الموقف البطولي الأول :
عبارة قالها أبو سفيان حين جاءه رسول قريش يخبره أن يلتحق بالجيش الزاحف إلى آبار بدر , وكان أبو سفيان على رأس قافلة تجارية تحمل بضاعة فيها جُل أموال قريش , فرفض الرجلُ أن يلتحق بهم ، وقرر الابتعاد بالقافلة إلى طريق آخر ، ليبتعد بالبضاعة والأموال عن محيط المعركة , فقال له البعض : أتهرب يا أبا سفيان متناسياً مكانتك في قومك ؟
فأجابهم بعبارة لا تصدر إلا من رجل شجاع يعي كل معاني الشجاعة الحقيقية ويمتلك كل مقومات القيادة ، بغض النظر أكان كافراً أو مؤمناً , حيث قال :
( إن مكانتي في قومي لهذا اليوم رهنٌ بسلامة هذه الإبل ) .
قرارٌ شجاع وحكيم ، اتخذه رغم درايتة بما سيقال عنه , وقد قيل , قيل : جَبُن , هرب ، نجا بنفسه .... إلخ , لم يكترث بما سيقال , وكان همه الابتعاد بالقافلة عن الخطر , والوصول إلى مكة بأموال تعهد بحمايتها ، عرف أن مكانته الحقيقية في قومه تكمن في الحفاظ على أموالهم , حتى وإن لم يدرك القوم قيمة عمله ، ولم يكن منتظراً الشكر أو الثناء , فلقد كان على علمٍ أن هروبه عن المعركة سيلغي فضله في سلامة القافلة , لم يكترث بما سيأتي , وقال عبارته واتخذ القرار .
العبارة الثانية ، أو كما أسلفت ، ربما هو الموقف البطولي الثاني :
عبارة قالها عتبة ابن ربيعة , فقد أدرك عتبة أنهم قادمون على قتال الأهل للأهل , فنصف جيش المسلمين من المهاجرين , ومن هم الهاجرون ؟ هم الأبناء والأخوة والأقارب والجيران , وكان في صفوف المسلمين ولدٌ لعتبة , وحين علم عتبة أن أبا سفيان ابتعد بالقافلة , قدّرَ له صنيعه , وارتاح لقراره - وكأن القادة الحقيقيين أقدر من غيرهم في الحكم على الأمور – فما كان من عتبة إلا أن اجتمع بأشرف القوم وقال :
- إن سلمت القافلة فلنرجع عن قتال الأهل .
قالوا : ويحك , أنهرب كما هرب أبو سفيان ؟
حينها قال عبارته – والتي أراها خالدة – قال :
- تعلمون أني لست بأجبنكم , ومع هذا ، ( اعصبوها برأسي وقولوا : جَبُنَ عُتبه ) .
أية شجاعة هذه وأية حكمة ؟ يرتضي عتبة أن يرتدي ثوب الجبن وهو البعيد عنه كل البعد , يرتضي أن يرتديه نيابة عن كل القوم , مقابل أن يرجع عن قتال الولد والأخ والقريب .
تلك مواقف خالدة يجب التوقف عندها والتفكر بمعانيها حتى وإن صدرت عن عدوٍ كافر , تلك هي الشجاعة الحقيقية , الشجاعة هي الابتعاد عن الأمجاد الشخصية الزائفة , والنظر إلى الأهداف السامية , القيادة هي ترك ( الأنا ) وتمكين ( نحن ) , الريادة هي أن أن أكون قادراً على اتخاذ القرار في ظل المعارضة والرفض وعدم التأييد , وألا أنتظر التصفيق والتهليل والمؤازرة ، العظمة هي أن أرتضي ظلم الحاضر وأنا أعيش فيه , آملاً أن ينصفني التاريخ في زمنٍ ربما سأكون غائباً عنه , وأختتم قولي بأن للشجاعة وجوهاً أخرى لا يمارسها إلا العظماء , ولا يدرك قيمتها إلا الحكماء .
بقلم : عصام أبو فرحة
سأخرج عن المنهاج قليلاً رغم أننا لم نعتد الخروج عن المناهج , فلقد انتهيت للتو من قراءة بحثٍ مطولٍ تحدث صاحبه عن معركة بدرٍ الكبرى التي وقعت في السنة الثانية للهجرة , وقد تناولها الكاتب بالتفصيل والشرح والتحليل واستخلاص النتائج والعبر , ولا أنكر أن العبر كانت كثيرة , وكانت الدروس عظيمة , غير أن الكاتب - وكما اعتدنا – لم يخرج عن المنهاج , فلقد ساق لنا الكثير من المواقف البطولية للصحابة رضوان الله عليهم , واستخلص الكثير من الدروس التي تتحدث عن الإيمان والتضحية والبطولة .
أما أنا فقد اسوقفتني عبارتان خرجتا من معسكر العدو الكافر ، وقد مر عليهما الكاتب مرور الكرام , ربما لأننا لم نعتد الاستفادة من عدو , وليس من طبعنا الخروج عن مناهجنا التي علمتنا ألا نشيد بموقفٍ يخرج من الآخر أو من الضد .
العبارة الأولى , أو ربما هو الموقف البطولي الأول :
عبارة قالها أبو سفيان حين جاءه رسول قريش يخبره أن يلتحق بالجيش الزاحف إلى آبار بدر , وكان أبو سفيان على رأس قافلة تجارية تحمل بضاعة فيها جُل أموال قريش , فرفض الرجلُ أن يلتحق بهم ، وقرر الابتعاد بالقافلة إلى طريق آخر ، ليبتعد بالبضاعة والأموال عن محيط المعركة , فقال له البعض : أتهرب يا أبا سفيان متناسياً مكانتك في قومك ؟
فأجابهم بعبارة لا تصدر إلا من رجل شجاع يعي كل معاني الشجاعة الحقيقية ويمتلك كل مقومات القيادة ، بغض النظر أكان كافراً أو مؤمناً , حيث قال :
( إن مكانتي في قومي لهذا اليوم رهنٌ بسلامة هذه الإبل ) .
قرارٌ شجاع وحكيم ، اتخذه رغم درايتة بما سيقال عنه , وقد قيل , قيل : جَبُن , هرب ، نجا بنفسه .... إلخ , لم يكترث بما سيقال , وكان همه الابتعاد بالقافلة عن الخطر , والوصول إلى مكة بأموال تعهد بحمايتها ، عرف أن مكانته الحقيقية في قومه تكمن في الحفاظ على أموالهم , حتى وإن لم يدرك القوم قيمة عمله ، ولم يكن منتظراً الشكر أو الثناء , فلقد كان على علمٍ أن هروبه عن المعركة سيلغي فضله في سلامة القافلة , لم يكترث بما سيأتي , وقال عبارته واتخذ القرار .
العبارة الثانية ، أو كما أسلفت ، ربما هو الموقف البطولي الثاني :
عبارة قالها عتبة ابن ربيعة , فقد أدرك عتبة أنهم قادمون على قتال الأهل للأهل , فنصف جيش المسلمين من المهاجرين , ومن هم الهاجرون ؟ هم الأبناء والأخوة والأقارب والجيران , وكان في صفوف المسلمين ولدٌ لعتبة , وحين علم عتبة أن أبا سفيان ابتعد بالقافلة , قدّرَ له صنيعه , وارتاح لقراره - وكأن القادة الحقيقيين أقدر من غيرهم في الحكم على الأمور – فما كان من عتبة إلا أن اجتمع بأشرف القوم وقال :
- إن سلمت القافلة فلنرجع عن قتال الأهل .
قالوا : ويحك , أنهرب كما هرب أبو سفيان ؟
حينها قال عبارته – والتي أراها خالدة – قال :
- تعلمون أني لست بأجبنكم , ومع هذا ، ( اعصبوها برأسي وقولوا : جَبُنَ عُتبه ) .
أية شجاعة هذه وأية حكمة ؟ يرتضي عتبة أن يرتدي ثوب الجبن وهو البعيد عنه كل البعد , يرتضي أن يرتديه نيابة عن كل القوم , مقابل أن يرجع عن قتال الولد والأخ والقريب .
تلك مواقف خالدة يجب التوقف عندها والتفكر بمعانيها حتى وإن صدرت عن عدوٍ كافر , تلك هي الشجاعة الحقيقية , الشجاعة هي الابتعاد عن الأمجاد الشخصية الزائفة , والنظر إلى الأهداف السامية , القيادة هي ترك ( الأنا ) وتمكين ( نحن ) , الريادة هي أن أن أكون قادراً على اتخاذ القرار في ظل المعارضة والرفض وعدم التأييد , وألا أنتظر التصفيق والتهليل والمؤازرة ، العظمة هي أن أرتضي ظلم الحاضر وأنا أعيش فيه , آملاً أن ينصفني التاريخ في زمنٍ ربما سأكون غائباً عنه , وأختتم قولي بأن للشجاعة وجوهاً أخرى لا يمارسها إلا العظماء , ولا يدرك قيمتها إلا الحكماء .