الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

على شفير الهاوية بقلم: سعدي صباح

تاريخ النشر : 2016-10-26
على شفير الهاوية بقلم: سعدي صباح
     على شفير الهاوية

دقّت نواقيس الرّحيل تنعي زمن الدّرس والمذاكرة،شابت سنابل القمح والشّعير  ..انحنت مواكب النّعمان إجلالا لموت الرّبيع ،..الجوناءمالت عن فتورها.. تزرع خيوط الحرّعلى مدينة الجوابروتنذر بالرّحيل ..رحيلنا نحن كطلبة أرضعتنا المدينة جرعات الحنظل وتجرّعنابالإعدادية الحرة مرارة البرد والصّقيع ! ، وقد مرّ الزمن رتيبا ثقيلا، حتىّ أخر ليلةعايشت فيها أجواء الرّحيل ، .. ، ونهضت على صيّاح الدّيكة ..لويت الى الغرفة المتأكلة ،..جمعت دفاتري التي إرتوت من الرّطوبة! ولوازمي التي أتيت بها من الدّشرة حين هبّت نسمات الخريف ..ودّعت ما تبقى من الرّفاق ..ودّعت أستاذي.. قبّلته على الجبين قبلة تليق به ! واغرورق الدّمع في مقلتاي، وانحدرت مع البكور الى محطّة الحافلة ،تهزّني الأشواق إلى مرابع طفولتي ...امتطيتها  ككل الرّائحين الى حنّاشة ، زأر محرّكها عنوة في البكور ، فانطلقت مخلّفة مدينة الرّتابة تخترق عرائس الحقول !،وأطلت شمس مشرقة على حافلةمعجّة تدب صوب الشمال ،  جمّت غبطتي فرحت أتصيّد أسراب الشّحارير والزّرازير التي توشّح مناكب المروج ....عصافير الزّرع تتعانق في الفضاء الّرحب نشوانةبالرّحيل !..وهناك يقابلني من وراء البلور" سد بن يحي" يتهاوى في لجّة السّراب بشموخ النّخيل !الحبيل بشساعته يدنو وئيدا..وقد غصّ بقبيلة "أولاد أمبارك"   ، ورحت في النّجوى هناك من داخل الحافلة أحلم بذكر الحصّادين ..ونكهة البيادر حين تأوي أجمل العصافير ! ..إلى أن طلقت الحافلة صرختها الفاترة في أخر محطّة لي وكنت في دشرتي ببساطتها ...بأفراحها واحزانهايسبقني الحنين ! ، هرعوا أترابي تسبقهم فرحتهم بقدومي بأخر ليلة في الرّبيع ..ومشيت منتشيا بما يفضي الفراش إلى الزّهور .،  ينعشني ما تبقى من شذى ، يؤلمني في نفس الحال موت الخبيز والنّواوير البريّة على شفير الترعة ! ..رحب بي كلبنا من وراء الزّريبة أجمل ترحيب ! خرجت أمي ودمع الفرح يخضّل هدبيها..  واكتمل في الحال عرس الرّحيل  ! ..عانقتني بشوق ..ينبوع الحنان ...وراحت تماشيني الى دار النّوالة وكانت بها امرأة غريبة عنّا.. نزلت من زمن الأساطير..حيزية عادت من دار الخلود...أجزم أنّني لم أرها من قبل ..فاتنة الجمال ..جلستها بكبرياء على زربية مزركشة بألوان الربيع ! وكانت الى جانبها فتاة في عمر الزّهور..يمكن أن تكون زهرتها البكر ..لا أدري لماذا تذكرت السّاعة ماري الياس وولادة بنت المستكفي؟ ..ابتسمت الفاتنة في وجهي فتناثرت حبّات البرد !...شالها الأخضر ملحفتها الورديةالمطرزةمن نجيع الورود ،  أمي بادرت بقتل الأسئلة بداخلي : هذه لالة زليخة (المرابطة )جاءت من الشّرق.. حمامة بيضاء شرقية مهاجرة لها أجمل قصة وحكاية ..وسترى ما سيصدر من زليخة عندما يتهادى الظّلام يا ولدي ..أومأتلي بتقبيل يد زليخة المخضّبة بالحناء  والتبرّك بعطرها الأسطوري الذي أسكر دشرة بكاملها ! جلست الى جانبها أتأمل الشّامة الجاثمة على وجنتها كسنونوة على تلة من الثلج !... الشّامة التي كانت وراء تخدير أهل الدّشرة ! ناولتني أمي قهوة الشيح وعادت أسطوانتها لسرد الحكاية من جديد :إنها زليخة المرابطة تعرّفت على الشّيخ في القبّة الخضراء يوم أن سافر مع الركب أواخر أيّار.. تصيّدته أوتصيّدهامن بين الزوّار ! ..وهاهي لالة زليخة أصبحت من أهل الدّار، وقبل أن تعرّج على الفتاة أمرها الشّيخ حالا بأن تعدّ المخلاة للفرس ..وتحضر المعالف وتوقد الفوانيس بأرجاء البيت ، هرعت أمي لتنفيذ المرام وجلس هو الى جانب زليخة حد التّلاحم..يقتنص أريجهاليتلاشى ثلج الهيام الجاثم على صدره حد الوباء .. شاطرها الوسادةولا جناح عليه..دون خجل من ضرة غافلة..لا تعرف للغيرة معنى !...برقّته المفرطة راح يغالي في مجاملتها ويثني على وداعة الفتاة ! ..وزليخة تعرف كيف تتفاعل مع ما يصدر من الرّجالة بفطنة وذكاء ! ..كانت الجلسة حميمية يعيشان لحظاتها الشيخ ولالة زليخة !، أسراب الرذاذ بقوة وشّحت المكان ! السّخال تعزف مأمأتها.. والشّويهات الوديعة تمن بعطر الشّيح !..أمّي راحت لإعداد الثريد والجبن الغنمي ،وانفلق في حينه ذاك القمربغلالته الفضية التي ترسل النّور من خلف الربوة ! واستحالت الدّشرة لوحة لبيكاسو ! وقابلته لالة زليخة بطلعتها البهية التي لا تضاهيها الا طلعة القمر ! وفي الحال غصت البيت بأهل الدشرة.. نساء ..رجال ..وأطفال !كلهم أسارى محيّاها الجميل ، القهوة دارت الروائح الله ..الله !و بصوت رخيم همست لي همس السّنابل بعد زخات المطر ! ناولتني بأنامل غضة كأس الشّاي.. والشّاي خلفه حكاية ! وكانت الرّغبة في سرق البهجة من جبين اللجين !، وجاءت لحظات المتعة بفعل القمر ! زليخة الأن تحاول ،أن تجلسني جنبها لكنني أتوارى  خلف الجموع،خشيةأن أكون على حافة حجرها وأقع في الشّراك... ! كنت مسبلا بالزي العسكري أطلق الّرصاص على سحرها وسحر طفلتها، رغم أنّ الضّحايا على وشك التيه في مرافئ بحيرة الشمال،والتّحليق بسماء لالة زليخة التي لا تغضبها لغة العيون، ولايزعجها حديث الهوى  ...بل تشجّع بطريقةما مداعبةالفتيات الجميلات والاحتفاء بصوّر الابتذال ..السّوء والفحشاء ،رائدة من الرّائدات في الغزل.. والغراميات عندهالا تفسد في الود قضية.. ! وأنا على حافة التيه بأمواجها المتلاطمة إنتشلني رجل من أهل الدّشرة.. وقد أخرج زرنة وأخر يرتدي شملة ببندير دفددق..دف ددق وبصوته البدوي :(هاني جيت هاني جيت جابتني غا النية    والعيطة لهل الخير السعدية  النايلية ) ! لحظتها أيقنت أن بيتنا الجميل كاد أن يتحوّل إلى وكر لممارسة طقوس الرذيلة ! ..وجلجل أحدهم : جابري..جابري..أه.أه ، وقامت زليخة صاحبة القد والقوام تمارس عادة الجنون ..وبشموخ النّخيل يسبقها عطرها ! و تضوّع يسكر الجموع،  وتعالت الزّغاريد مولولة من وراء الستار عربون وفاء للالة زليخة وابنتها لؤلؤة التي تسرق منها البريق ! وفي خاطر زليخة دوت رنّات البارود : دف ..دف ! ودون عار تسلل صاحب الدار ببرنسه يغشّيه دخان المباخر .. دنا منها واختفت يا للفضيحة تحت جناح البرنوس... !، كعصفورة بللها المطرأوقد راعتها طلقات البارود ! ،وكنت بالاكراه أتابع معنى الرّذيلة تنطلق من بيتنا ! والمرأة الماجنة التي تدعى مجازا مرابطة تمارس كفرها وجنونها و....ببيت أقدس من كل بيوت الدّشرة ! و تسمح لنفسها الأمارة أن تلج بجناحي غريب عنها، يختال بهذه الصورة المبتذلة أمام المئات من المقل ! ...  يوجهها الى الحضرة تسقط في الحال ..تخرج من محراب الخطيئة ..تناولها إحدهن قارورة عطر ..ترتشفها بأكملها ! ..يقدّمون لها شعلة النّار المتأججة تلتهمها دون أذى ! ..تهوى على التراب وبراز الشّياه تلوي أناملها على الحصى.. تفتك منه حلوىتركية والرّمان في غير أوانه ! وهي تتخبّط وترتعش كالقطاة المذبوحة !..وكلّما تعبت ترمي بكتلتها الغضة على الحسير..فيدثّرها صاحب البرنس ويزمّلها !  فانبهرت ككل الحضور ورحت أبحث عن والدتي بين الحرائر، وحين لم أجدها.. جلست بهيكلي المتعب تحت العريشة.. وإزاء القربة أعلنت كفري ببيتنا التي هجرته ملائكة رب الورى ! وانتويت في النّجوى بداية الثّورة ، من أجل تحرير دشرتنا من ملامح الفسق و الشعوذة، ومحاربة الخرافات البالية حتى النّصر ! في لحظة من التأمل كنت أحدق إلى الفتاة التي ربما قد قرأت كبريائي إتجاه النّساء، بدءا من التعامل معها ببرودة ،وبدأت تحاول التقرّب مني و أنا أفتعل التواري الى أن صاح رجل بأعلى صوته :  لازم يا لخوان المرابطة الصغيرة تعطينا رقصة ...تمهسيسة ! خلتها تهرب الى دار النّوالة ، لكنها لم تمانع ودخلت تتمايل في الرّحبة كغصن البان ! كم تعذّبني وهي تبرز مفاتنها ..تختال في رقصتها برشاقة ورثتها من أمّها السّاحرة.. المحرّضة على الفسق ! تأملتها مذهولاوهي تدنو على مهل وحين غافلتني الشّاردة  ، أمسكتني من يدي  !يا للعار  بدعة لم  أتصوّرها  حتى في المنام أن تمسكني من يدي لؤلؤة  !غريب فعل السّباحةفي يمّها المتلاطم الأمواج ! أسكرني عطرها فرحت دون إرادة أعربد حولها ! ولؤلؤة تعلّمني الرّقص ...الحرفة التي كنت أمقتهاوانتويت قبل حين قلعها من الجذور،لكن بعساكرمفاتنها أفلحت الرّشيقة وزرعت بداخلي عادة الحضور الى الحضرة وعشق المباخر والحلوى المعفرة بالتراب.. ولعبة الخنجر وأكل الناروالجاوي ! ..رمت أعراف القبيلة من أجلها ، وبجنبها شعرت بزمن الطّهور..زمن سنين خلت   ! وسجّلت بتلافيف دماغي كواليس هذه الليلة المقمرة التي إستطاع فيها الشّيطان أن يرميني و بكل جوارحي على شفير الهاوية  .

    سعدي صبّاح

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف