الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عز الدين ذو الفقار ونجم السينما بقلم:وجيه ندى

تاريخ النشر : 2016-10-25
عز الدين ذو الفقار ونجم السينما بقلم:وجيه ندى
عز الدين ذو الفقار ونجم السينما
وجيـــه نــــدى بحث وتحرير فنى والمخرج عز الدين ذو الفقار ونجم السينما والذى اقترن بزوجته بعد انجاب ابنته الوحيده من زواجه لفاتن الحمامه الطائرة وعلى رغم الصدق العائلى طيلة اقترانه بالفنانه فاتن حمامه قبل أن يختار "عز الدين ذوالفقار" الفن، كان الفن قد اختاره. هذا الطفل الذي كان يمارس رياضة المصارعة في صباه المبكر و الذي قاد أكثر من مظاهرة ضد الاحتلال الإنجليزي و شارك في أكثر من معركة بالأيدي ضد جنود الاحتلال. ولد عز الدين ذوالفقار عام 1919 بالتحديد في 28 أكتوبر مواكبا لثورة 19 التي فجرها سعد زغلول ، ولد معه إحساس فياض بالوطنية.. و بعد أن تجاوز مرحلة الصبا المبكر و المراهقة قرر أن يصارع المستعمر الأجنبي بالأيدي و شارك في أكثر من خناقة، دفاعا عن أبناء بلده. كان ذلك في الثلاثينيات، و كان "عز" لا يزال طالبا، و رغم قلة ساعات المذاكرة إلا انه كان طالبا متفوقا، و بسبب تفوقه حصل على مجانية التعليم (كان نظاما معمولا به قبل الثورة) و كافأه والده بأن أعطاه ما كان سيدفعه لو لم يكن عز متفوقا، فكان"عز" ينفق هذه الأموال على شراء الكتب و مشاهدة الأفلام السينمائية. أحب (من خلال تلك الكتب) علوم الفلك و الروحانيات، كان يجد متعة كبيرة في العلوم الإنسانية التي تحاول كشف المجهول في النفس البشرية و سير أغوارها، لم يكن "الفنان عز الدين ذوالفقار" يدرك حتى هذه اللحظة أن هذا النهم في قراءة علوم الفلك و الروحانيات مع الشعر و القصة سوف يمنحه عمقا في مراحل تكوينه الأولى يظل بعدها قادرا على الإشعاع ألفني ، كان يقرأ لأنه فقط يعشق القراءة. الروح الوطنية تدفعه للالتحاق بالجيش فيتخرج في الكلية الحربية ضابطا مشهودا له بالكفاءة و الانضباط.. و يصل إلى رتبة نقيب و تختاره الأقدار للسينما ليغير مصير حياته و يضيف الكثير إلى حياتنا. العبقرية الفنية تولد و هي تحمل قدرها و مصيرها.. و رسالة يودعها الله في بعض عباده من البشر لتوصيلها للبشر أجمعين. و لهذا فان رحيل "عز الدين ذوالفقار" قبل أن يكمل الرابعة و الأربعين من عمره لا تعنى أن المخرج لم يقل كلمته و لم يكمل رسالته التي أراد توصيلها للناس. إن رسالة تلك الانسان اكتملت بعد أن قدم 33 فيلما روائيا منحها إحساسه و عمره القصير، و منحته هذه الأفلام سنوات عديدة تعيش بعده.. و بعدنا.. هذه الأفلام ليست مثل باقات الورود نضعها على قبره في ذكرى رحيله أو بمناسبة تكريمه.. ليست زهورا لها من العمر يوما أو بعض يوم و تذبل بعده لنستبدلها في الذكرى التالية بزهور أخرى، لكنها مصابيح مضيئة دوما.. تستمد طاقتها من شمس الصباح التي أحبها و شمس الغروب التي عشقها و شمس الإبداع التي لا تعرف مغيب.. ارتبط عز الدين ذوالفقار بالمخرج كمال سليم رائد الواقعية المصرية و كانت بينهما حوارات في الفكر و الأدب، و قال له كمال سليم إن تكوينك الأدبي و الفكري هو تكوين مخرج سينمائي و لكن لم يتحمس لدعوة كمال سليم له بان يبدأ بالتعرف عن قرب على مفردات السينما، و ظلت علاقته بالسينما علاقة هاو يشاهد بعض الأفلام لكنه لا زال يفضل القراءة في علوم الفلك و القصة و يحب السينما ، لكن من بعيد لبعيد.. وعندما رحل كمال سليم عام 1945 ايضا رحل أيضا والد عزالدين في نفس العام. كان كمال سليم هو الصديق الأقرب له، و جاء رحيل الوالد بمثابة رحيل الصديق الأكبر.. فقد الاثنين معا، صديقا قريبا من قلبه (والده) و صديقا قريبا من عقله (كمال سليم) كانت دموع "عز الدين ذوالفقار" طوال مرحلة مرض والده سجينة.. كان يخفيها عنه.. لكنه ما أن ينفرد بنفسه حتى تنهمر دموعه، و عندما ودع جثمان والده لم تعرف دموعه التوقف.. و لم تعرف أحزانه نهاية، و اكتأب و اعتزل الناس و الحياة. و كانت نصيحة الطبيب النفسى هى أن يغير مجرى حياته. و لكن السؤال هو كيف لرجل دخل الجيش و أصبح ضابطا و رهن نفسه للدفاع عن الوطن أن يغير مسار حياته، و جاءت دعوة أخرى من المخرج "محمد عبد الجواد" مساعد الراحل كمال سليم، و الذى كان هو الآخر عضوا فى جلسات "عز" و "كمال"، و جدد الدعوة الى "عز" لأن يعمل بالسينما، و بدأ بالفعل العمل كمساعد مخرج مع "محمد عبد الجواد" و الغريب أن الاخير أصبح بعد ذلك مساعد لعز فى العديد من الأفلام. لم تكن السينما بعيدة عن عائلة "ذوالفقار" و ذلك لأن شقيقه الأكبر "محمود" كان قد سبقه للسينما ككاتب سيناريو منذ مطلع الأربعينيات، و الغريب أن الشقيقين بدءا في نفس العام 1947 مشوار الإخراج حيث أخرج "عز" فيلم "أسير الظلام" بينما أخرج "محمود" فيلم "هدية"، و اشتركا أيضا في هواية التمثيل و لم يحققا نجاحا يذكر في هذا المجال حيث كان النجاح من نصيب الشقيق الثالث الأصغر "صلاح ذوالفقار". و بدأ الإخراج في نفس الوقت مع "عز" كل من "صلاح أبو سيف" في عام 1946 و "حسن الإمام" 1947، و بعد ذلك ببضع سنوات انضم لهم "فطين عبد الوهاب" و "يوسف شاهين" و "عاطف سالم" و "كمال الشيح".. و كان هؤلاء هم اللامعين في سينما الخمسينيات و الذين أطلق عليهم اسم "شباب السينما" الذين قدموا للسينما أفلاما نافست الجيل الأسبق مثل "أحمد بدرخان" "محمد كريم" "نيازى مصطفى" و "هنري بركات". و بالطبع فان هؤلاء المخرجين واكبوا ثورة يوليو و لعبت الثورة دورها في توجههم الفكري و الفني و السياسي، و في عمار التنافس الشديد بين مخرجي شباب الخمسينيات أجرت إحدى المجلات استفتاء في نهاية الخمسينيات عن أفضل المخرجين و من بين 2000 صوتا حصل "عز الدين ذوالفقار" على 1140 صوت بنسبة 57% ، و تتابعت الأسماء معد ذلك بفروق شاسعة، و بالطبع فأنا لا أعتبر أن هذا النوع من الاستفتاءات العشوائية على بعض القراء يمنح رؤيا قاطعة على تفرد هذا الفنان لكنها تعطى ملمحا إذا أضفنا له ملامح أخرى تكتمل الصورة. و من هذه الملامح أن أفلام "عز الدين ذوالفقار" حطمت عدد أسابيع العرض حيث أن فيلما مثل "رد قلبي" 1957، بطولة مريم فخر الدين و شكرى سرحان وزهرة العلا وحسين رياض واستمر عرضه ستة أسابيع في القاهرة بدار سينما كايرو بالاس و خمسة في سينما كوزمو بالإسكندرية، و كان الحد الأقصى لعروض الأفلام في تلك السنوات ، و أعنى بالطبع الحد الأقصى للأفلام الناجحة، أربعة أسابيع في القاهرة و ثلاثة في الإسكندرية. وصل أجر "عز الدين ذوالفقار" إلى "خمسة آلاف جنيه" فى الوقت الذى كان أعلى أجر لمخرج لا يتجاوز ثلاثة آلاف ، مع ملاحظة أن فنانة بحجم "فاتن حمامة" و التى كانت تحصل على أعلى أجر بين النجوم و النجمات لم يتجاوز أجرها فى ذلك الوقت رقم الخمسة آلاف جنيه. هذه الأرقام بالإضافة الى الاستفتاء الذى أجرته احدى المجلات ، كل ذلك يؤكد على أن "عز الدين ذوالفقار" كان يحقق بأفلامه أعلى درجة تواصل مع الجمهور و أن شركات الانتاج عندما تمنحه أعلى أجر بين زملائه فانها تضمن مسبقا الأرباح و تضمن انها تضع ميزانية فيلمها في يد خبير يستطيع أن يمنح المنتج ضعف ما يسدده و لهذا كانت بعض شركات الإنتاج تستغل اسمه و تعلن أنها اتفقت معه على إخراج أفلام لحسابها و ذلك حتى يتم الاتفاق على توزيعها.. كان "عز" يدرك أن المنتجين تعنيهم بالدرجة الأولى إيرادات الشباك و لهذا يقول "أشاهد العرض الأول لفيلمي مع الناس و عندما أطمئن بعد مشاهدة نصف الفيلم أن الجمهور قد تجاوب معه، أسارع بتهنئة المنتج على الفرحة التي سوف تبيض له ذهبا"!! هذه الجماهيرية الضخمة التي حققتها أفلام "عز" لا تعنى انه يقدم أفلاما تراعى تقديم مواصفات تجارية، و لكن الواقع أن أفلام "عز" لا تعنى انه يقدم أفلاما تراعى تقديم مواصفات تجارية، و لكن الواقع أن أفلام "عز الدين ذوالفقار" هي أفكار و أحاسيس و نبضات و إيقاع "عز الدين ذوالفقار" إنها مثل نغمة موسيقية يرددها مع نفسه أولا و عندما يقولها في فيلم سينمائي بصوت عال يشعر الناس انه يقدم نغمتهم و إحساسهم و نبضاتهم فيرددوها معه!! هو و الجمهور على موجة واحدة.. و هذا أقصى ما يطمح إليه فنان. كان لدى "عز" مثل كبار الفنانين اعتزاز بالنفس لكنه لم يصل أبدا إلى درجة الغرور - فى فيلمه الأول "أسير الظلام" بطولة مديحه يسرى و محمود المليجى وزوزو شكيب و سراج منير و نجمه ابراهيم وثريا فخرى وكان اول عرض بدار سينما رويال بالاسكندريه فى 3 فبراير 1947 وصفته الصحافة الفنية بالمخرج العبقري، و أضره ذلك كثيرا لأنه تصور أن أي شئ يقدمه طالما هوعبقري سوف ينجح، و لهذا أخرج فيلمه الثاني "الكل يغنى" مع نجاة على و غرام شيبا والطفله نجاة الصغيره وهو فيلم فاشل جدا إلا إنه عاد مرة أخرى إلى نفسه و أخرج ومثل فيلم "خلود"بطولة فاتن حمامه و كمال الشناوى و اسماعيل يس و بشاره واكيم وكان العرض بدار سينما ريالتو بالاسكندريه 3 مايو 1948 و نسي موضوع العبقرية,"!! ارتبط "عز الدين ذوالفقار" بثورة يوليو و رجال الثورة، لم يكن "عز" من بين رجال الثورة حيث انه استقال من الجيش في منتصف الأربعينيات لكنه كان قريبا منهم يعرفهم بحكم رفقة السلاح الأولى..و رصيد "عز الدين" رغم ذلك من الأعمال الوطنية (لم يتجاوز فيلمين هما "بور سعيد" و "رد قلبي" أخرجهما عام 1957 و نشيد "وطني الأكبر" الذي أخرجه عام 1960 مع بداية إرسال التليفزيون المصري. بعد حرب 1956 أراد الرئيس "جمال عبد الناصر" أن يتم تخليد المعركة في فيلم سينمائي، و رشح "فريد شوقي" للبطولة و "عز الدين" للإخراج، و لكن النبرة الدعائية المباشرة كانت عالية في هذا الفيلم فأفقدته تلك الحميمية و العفوية التي ارتبطت بها سينما "عز الدين ذوالفقار".. و جاء فيلم "رد قلبي" في نفس العام ، كتب قصة الفيلم "يوسف السباعي" توأم "عز الدين ذوالفقار" ليصبح هو فيلم ثورة يوليو الجماهيري.. و "عز" لم يتعمد ذلك أيضا ، تلك الروح الوطنية التي انسابت في الفيلم، لكنها حالة إنسانية امتزجت بالوطن و خلدت الثورة و عرض التليفزيون المصري هذا الفيلم بعد أسابيع قليلة من بداية إرساله، و جاء نشيد "وطني الأكبر" في نفس العام 1960 حيث تم طبع نسخة الشريط السينمائي في أحد معامل لندن.. و نشيد "وطني الأكبر" الذي كتبه "أحمد شفيق كامل" و لحنه "محمد عبد الوهاب" و قام الزعيم جمال عبد الناصر وتحدث مع المخرج ان يدعو محمد عبد الوهاب المطربه الجديده والجزائريه ورده ان تشارك فى نشيد الوطن الاكبر وهو من أصدق النغما ت الجماعية والتى تتغنى بالوحدة العربية، واستطاع "عز" برغم كونه مخرج سينمائي يقدم شريطا سينمائيا في الأساس أن يتعامل مع جهاز التليفزيون فقد وضع في اعتباره أن المتفرج يطل على اللقطات في مساحة شاشة التليفزيون التي لا تتجاوز عشرين بوصة، أقل و أكثر قليلا، و لهذا فان اللقطات البعيدة تحتاج إلى مجهود أكبر في التلقى و أيضا فترة زمنية أطول ليستوعب المشاهد مفرداتها و لأنه لا يمكن الاستغناء عن اللقطات البعيدة في النشيد الجماعي الذي يحوى استعراضات للجنود و الشباب في الخلفية فلقد حرص "عز الدين ذوالفقار" على أن يضبط إيقاع الانتقال في تلك اللقطات في مدة زمنية أطول مما لو قدمها مباشرة للسينما، و بالطبع فان الأداء الجماعي للمذهب الغنائي في هذا النشيد كان يساعد "عز الدين ذوالفقار" على أن تستمر فترات اللقطات البعيدة لمدة أطول و أن يحقق أيضا هدفه في عدم إجهاد مشاهد التليفزيون و إمتاعه أكثر بهذا النشيد الوطني. هذا عن الأفلام الوطنية المباشرة ، و لكنى أرى أن "عز الدين ذوالفقار" كان لديه حس وطني بينه في كل أفلامه حتى تلك المغرقة في رومانسيتها لأن السلطة الوطنية بعد الثورة قد انحازت لطبقة البسطاء من العمال و الفلاحين ، و كان هدف "عز" الأسمى هو أن يحافظ على تماسك المجتمع بكل طبقاته و أن يعقد صلحا عن طريق الفيلم السينمائي بين الطبقات. و أنا أعتبر أن فيلم "موعد مع الحياة" 1954 هو أحد أهم الأقلام المبكرة جدا التي قدمت الصلح بين الطبقتين، فهو لا يدين تماما الطبقة الأرستقراطية رغم انحيازه للبسطاء. و لهذا فانه ليس من قبيل المصادفة في السيناريو أن لغة التخاطب بين "حسين رياض" الطبيب الكبير و صاحب الأراضي الزراعية و بين "عبد الوارث عسر" الرجل البسيط ناظر الزراعة الأجير في أرض "حسين رياض" الذي لم يأخذ قسطا من التعليم، لغة التخاطب بينهما تتجاوز أي تكليف ، حسين رياض يقول له "يا حمزة" و عبد الوارث عسر يقول له "يا على" حاف كده!!
إنها المساواة بين الطبقات التي أرادها "عز الدين" لتواكب ما تنادى به الثورة و هو أيضا مؤمن بها، و دائما الزواج بين الطبقتين هو المعبر عن التصالح بين الطبقتين.. فى "شارع الحب" هذا الفيلم الغنائي لا يخلو من رؤية سياسية تعبر عن مبادئ الثورة، مشهد السلم الشهير الذي جمع بين "صباح" و "عبد الحليم حافظ" في قصر صباح عندما تقف في أعلى السلم و تطلب منه أن يصعد إليها يرفض لكنها هي التي تهبط السلم إليه.. فعلى الطبقة الأرستقراطية طالما أنها تريد أن تعيش في المجتمع الجديد أن تخضع هي لقانونه.. لا يبرئ "عز" ساحة هذه الطبقة تماما بل انه حريص دائما على أن يذكرنا بأن منها بالفعل من أساء إلى البسطاء مثل والد حسين رياض في "موعد مع الحياة " الذي ضرب "شكري سرحان" بالكرباج على وجهه، و الندبة التي لم تمحها الأيام هي المعادل الموضوعي لهذا الخطأ التاريخي، لكن التسامح قائم، زواج أبطاله الأثرياء من البسطاء في أغلب أفلامه هو أيضا يحمل تلك الرؤية السياسية ، كزواج "عماد حمدي" من" فاتن حمامة" في "موعد مع السعادة".. انه الإثبات العملي على التسامح..
يؤمن "عز الدين ذوالفقار" بالفريق الواحد" و قد قال ذلك نظريا و طبقه عمليا، فيقول مثلا إن "فاتن حمامة" هي رقم واحد بين كل نجمات السينما المصرية و انه لا توجد في الترتيب من تحتل المركز الثاني أو الثالث، و لكن "فاتن" تحتل المركز الأول و نبدأ العد من المركز إلحادي عشر!!
رأى المخرج عز الدين به شئ من التطرف في الحب و الاقتناع الفني المفرط الذي ربما يظلم مواهب أخرى، إلا أننا في الفن نمنح المخرج حقه المشروع في تلك القناعة، حيث أن "فاتن" هي التي تعبر عن أفكاره التي يطرحها على الورق. و أنا أشعر أن "عز الدين" في تعامله مع "فاتن" يشبه تعامل الأخوين رحبانى مع صوت "فيروز". إن أغنيات الرحبانية كانت تكتب من أجلها و تستوحى أيضا صوت و ملامح و إحساس فيروز و كأنها المنبع و المصب. كذلك "فاتن" بالنسبة لعز الدين ذوالفقار فهو يكتب أو يختار القصة السينمائية و تبدو فيها "فاتن" هي الملهمة الفنية التي ينفعل فنيا من أجلها . و هي أيضا المنبع و المصب لأفكاره و إحساسه و لهذا كان لها تسعة أفلام أي حوالي 30% من أفلامه. و فاتن على الجانب الآخر كانت ترى أيضا نفسها في سينما "عز الدين ذوالفقار" و لهذا فان الطلاق بينهما لم يؤد إلى أن ينطلق كل منهما بعيدا عن الآخر، حيث يعاودان اللقاء بعد ثلاث سنوات من الانفصال في فيلم "طريق الأمل" عام 1957 ثم "بين الأطلال " 1959 ، "نهر الحب" 1960. كانت "فاتن حمامة" بالنسبة له مثل عازف الكمان السوليست في فرقة أوركسترالية، العازف ماهر، الموسيقى موحية، و المايسترو يحتاج إلى العازف المنفرد، السوليست، المبدع، و أيضا العازف لا يبدع إلا مع مايسترو يجيد فن قيادة الفريق و يعرف بالضبط الجمل الموسيقية التي يحلق بها إبداعا هذا العازف، و لهذا كانت بينهما علاقة تبادلية صنعا من خلالها أفلاما أدخلتهما معا التاريخ. وشاعرية "عز الدين ذوالفقار" تراها في العديد من التكوينات الفنية في اللقطة و هو لا يشعرك بأنه يضع هذا التكوين الدرامي الموحى بقصد إحداث التأثير النفسي ، و لكن يبدو التلقائية فى تلك الرؤية و كأنها عفوية غير مقصودة. و اضرب مثلا واحدا بفيلم "نهر الحب" عندا أراد "عز الدين" أن يؤكد على السجن الذي تعيش فيه "فاتن حمامة" داخل قصر "زكى رستم" قدم لنا لقطة لصورتها مع زكى رستم في عمق الكادر بها السلم و الدرابزين و كأن هذه الدرابزين هي القضبان، حمال هذا التعبير انك لا تشعر أن كاميرا المخرج تقصده رغم انه في حقيقة الأمر يقصده و مع سبق الإصرار.
أرجأت الحديث عن المرأة في حياة "عز الدين ذوالفقار" إلى قرب نهاية كلمتي عن هذا الفنان الكبير حيث لاحظت عند قرائتى لأرشيفه و عند لقائى مع معاصريه أن العلاقات الآنسانية كانت تأخذ اهتمام الصحافة و حكايته مع المطربة الشهيرة أو الممثلة الشهيرة أو الراقصة الشهيرة هي المساحة التي تطغى عند الحديث عن "عز الدين ذوالفقار" و لا يتبقى إلا القليل فقط للحديث عن أفلامه و إبداعه . و "عز الدين ذوالفقار" كما قالت عنه "مديحه يسرى" كان يعيش اللحظة الفنية بصدق و لهذا قد يقطع الحد الفاصل بين الوهم و الحقيقة، كما أن بداخله ممثلا لم ينجح فى التعبير عن نفسه أمام الكاميرا بالحركة و الاحساس. و أعتقد أن "عز الدين ذوالفقار" من فرط حالة الصدق التي يعيشها ربما كان يدخل أيضا في قصة حب و يعيش دور البطل و يقع في غرام البطلة، و بعد أن يقول المخرج "عز الدين ذوالفقار" : ستوب، لا يتوقف الممثل "عز الدين ذوالفقار" عن الإمعان في تقمص الدور و لكنه بعد أن ينتهي تصوير الفيلم و يبدا في معايشة فيلم جديد يتقمص دورا آخر و يعيش قصة حب أخرى مع بطلة جديدة. الفنان الاستثنائي في أي مجال هو الذي لديه عالم هاص و مفردات نابعة من إحساسه تشعر و كأن العمل الفني كتبه و أخرجه، و ليس هو الذى يكتب و يخرج عمله الفنى. هكذا كان "عز الدين ذوالفقار" .. فنانا استثنائيا من هذا الطراز النادر الذي لديه سينما خاصة به و ليس بها صدى لمن سبقوه، و ليست هي تنويعات على رؤية جاهزة قدمها آخرون.. انها سينما "عز الدين ذوالفقار" التى قدمها على مدى 15 عاما هى عمره الفنى خيث رحل فى أول يوليو عام 1963. تبدو أفىمه السينمائية من فرط صدقها اهها كتبت و أخرجا عز الدين قبل أن يكتبها أو يخرجها هو. كانت لديه مشروعات حلم بها و لم يستطع تنفيذها مثل "الناصر صلاح الدين" و هو الذى رشح يوسف شاهين لاخراجه، و كان لديه أيضا حلم احراج فيلم "الخيط الرفيع" الذى أخرجه بعد ذلك "هنرى بركات" الا أن أحلامه الفنية التى حققها فى الواقع من خلال أفىمه و حملت اسمه و توقيعه و نبضه تكفيه لكى يدخل التاريح كواحد من الكبار الذين قرروا بافلامهم أن يحرروا المجتمع من التابوهات (المحرمات) التى استسلم لها وغادر عالمنا 5 مايو 1964 رحمه الله واسكنه فسيح جناته بحث وتحرير فنى وجيــه نــدى [email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف