جائزة نوبل للآداب: الخروج على المألوف
د. محمد عبدالله القواسمة
أعلنت الأكاديمية السويدية يوم الخميس 13/10/2016منحها جائزة نوبل في الآداب للمغني والملحن والفنان التشكيلي وكاتب الأغاني الأميركي بوب ديلان Bob Dylan المولود عام 1941 في بلدة دولوث من ولاية مينوسوتا، واسمه الأصلي روبرت ألن زيمرمان. وتسمى ديلان تيمنًا بالشاعر ديلان توماسDylan Thomas (1914- 1953) وهو شاعر من ويلز، عرف بشعره العاطفي الرقيق.
من أشهر أغاني بوب ديلان أغنية" في مهب الريح" Blowing In The Wind التي ينتقد فيها لامبالاة الإنسان إزاء من حوله من المضطهدين، والمظلومين، والباكين، والموتى. والمعروف أن بوب متقلب الفكر والمعتقد، إذ بدأ يهوديّا متدينًا، ثم غدا ملحدًا، وتنكر ليهوديته التي تعود أصولها إلى أجداده المهاجرين من أوكرانيا، ، ثم اعتنق الديانة المسيحية، ثم عاد بعد مدة إلى اعتناق اليهودية الأرثوذكسية. وفي خضم هذه التقلبات أظهر عاطفة نحو الغلابى والمشردين والمضطهدين، فوقف في وجه الأنظمة الطاغية في العالم مدافعًا عن الحقوق المدنية، وعرف عنه مساندته للثورة الفيتنامية، والقضية الفلسطينية، فغنى للمقاومة، وخاطب أطفال الحجارة في أغنيته Like a Rolling stone، ولبس العقال الفلسطيني. ثم تحول الرجل إلى مساندة الطغاة، فغنى عام 1983 بعد اجتياح القوات الإسرائيلية لبنان عام 1982أغنيته "فتوة الحي" Neighborhood Bully، التي مجد فيها الكيان الصهيوني ودافع عن إسرائيل، التي زارها وأقام حفلا في تل أبيب عام 2014. وذكر في أغنيته أن العرب الذين هم أكثر من إسرائيل عددًا يتهمونها كذبًا وزورًا باحتلال أرضهم، وهي بمفردها مسكينة لا تستطيع الهروب أو الركض إلى أي مكان، ولكن في التاريخ أن كل من استعبدها زال كمصر وروما وبابل. إنه يرى إسرائيل جنة وسط الصحراء، ومَن حولها يتربصون بها الشر، ويهددونها بالدمار والخراب. نسي أو تناسى أنها هي التي احتلت الأرض، وأحرقت الشجر، وعذبت البشر، ودمرت البيوت على أصحابها. ومازالت تعيث في الأرض فسادًا.
لقد صرحت سارة دانيوس الأمينة العامة لأكاديمية نوبل بأن الأكاديمية منحت جائزة نوبل في الآداب لبوب ديلان؛ لأنه ذو تأثير عميق في الموسيقى المعاصرة والشعر الأمريكي، وحملت أغانيه كثيرًا من الدلالات السياسية والفلسفية والأدبية، وقد"خلق تعبيرات شعرية جديدة ضمن التراث الغنائي الأميركي العظيم".
لا شك أن منح هذه الجائزة العالمية المهمة لبوب ديلان فيه خروج على المألوف؛ فهي المرة الأولى التي تلجأ فيها الأكاديمية النوبلية منذ إنشاء الجائزة في مطلع القرن الماضي إلى منحها لمؤلف موسيقي ومغن محدود الرؤية مثل ديلان. لا شك أن هذا سيوسع دائرة الطامحين والطامعين في نيلها من مطربين، وشعراء عامية، وراقصين وراقصات، ومغنيين شعبيين. لقد صدمت مؤسسة نوبل كثيرًا من المبدعين الذين توقعوا أن تمنح إلى روائي أو شاعر أو مسرحي أو حتى كاتب مقالات وخواطر لا إلى مغن وملحن. فالأدب وإن كان له إيقاعه الخاص وموسيقاه، فهو ليس على كل حال قطعة موسيقية أو أغنية أو لوحة، بل هو في الأساس بناء لغوي يتمثل في أجناس معروفة من الشعر والنثر.
نخشى أن تتهاوى قيمة جائزة نوبل المعنوية في السنوات القادمة فيحصل عليها لا المغنون والملحنون فحسب بل أيضًا الراقصون والراقصات؛ فلا شك أن لهم تأثيرًا في مجتمعاتهم يقترب كثيرًا من التأثير الذي تركه بوب ديلان في الحياة الأميركية حسب المقاييس التي ارتأتها أخيرًا أكاديمية جائزة نوبل.
لقد دبت الفوضى في هذه المؤسسة العالمية، وسيطرت الأهواء على أعضاء أكاديميتها. ربما تأثرت بما يجري في عالمنا من فوضى، فأصبحت تمنح جوائزها في السلام إلى القتلة، وجوائزها في الأدب إلى مغنين وملحنين. فلا غرابة، في المستقبل، من أن تتحول جائزة نوبل للآداب إلى جائزة في أي فن من الفنون: الموسيقى، أو الرقص، أو الغناء. وربما الطبخ؛ ففوضى الحياة يقابلها فوضى الجوائز.
[email protected]
د. محمد عبدالله القواسمة
أعلنت الأكاديمية السويدية يوم الخميس 13/10/2016منحها جائزة نوبل في الآداب للمغني والملحن والفنان التشكيلي وكاتب الأغاني الأميركي بوب ديلان Bob Dylan المولود عام 1941 في بلدة دولوث من ولاية مينوسوتا، واسمه الأصلي روبرت ألن زيمرمان. وتسمى ديلان تيمنًا بالشاعر ديلان توماسDylan Thomas (1914- 1953) وهو شاعر من ويلز، عرف بشعره العاطفي الرقيق.
من أشهر أغاني بوب ديلان أغنية" في مهب الريح" Blowing In The Wind التي ينتقد فيها لامبالاة الإنسان إزاء من حوله من المضطهدين، والمظلومين، والباكين، والموتى. والمعروف أن بوب متقلب الفكر والمعتقد، إذ بدأ يهوديّا متدينًا، ثم غدا ملحدًا، وتنكر ليهوديته التي تعود أصولها إلى أجداده المهاجرين من أوكرانيا، ، ثم اعتنق الديانة المسيحية، ثم عاد بعد مدة إلى اعتناق اليهودية الأرثوذكسية. وفي خضم هذه التقلبات أظهر عاطفة نحو الغلابى والمشردين والمضطهدين، فوقف في وجه الأنظمة الطاغية في العالم مدافعًا عن الحقوق المدنية، وعرف عنه مساندته للثورة الفيتنامية، والقضية الفلسطينية، فغنى للمقاومة، وخاطب أطفال الحجارة في أغنيته Like a Rolling stone، ولبس العقال الفلسطيني. ثم تحول الرجل إلى مساندة الطغاة، فغنى عام 1983 بعد اجتياح القوات الإسرائيلية لبنان عام 1982أغنيته "فتوة الحي" Neighborhood Bully، التي مجد فيها الكيان الصهيوني ودافع عن إسرائيل، التي زارها وأقام حفلا في تل أبيب عام 2014. وذكر في أغنيته أن العرب الذين هم أكثر من إسرائيل عددًا يتهمونها كذبًا وزورًا باحتلال أرضهم، وهي بمفردها مسكينة لا تستطيع الهروب أو الركض إلى أي مكان، ولكن في التاريخ أن كل من استعبدها زال كمصر وروما وبابل. إنه يرى إسرائيل جنة وسط الصحراء، ومَن حولها يتربصون بها الشر، ويهددونها بالدمار والخراب. نسي أو تناسى أنها هي التي احتلت الأرض، وأحرقت الشجر، وعذبت البشر، ودمرت البيوت على أصحابها. ومازالت تعيث في الأرض فسادًا.
لقد صرحت سارة دانيوس الأمينة العامة لأكاديمية نوبل بأن الأكاديمية منحت جائزة نوبل في الآداب لبوب ديلان؛ لأنه ذو تأثير عميق في الموسيقى المعاصرة والشعر الأمريكي، وحملت أغانيه كثيرًا من الدلالات السياسية والفلسفية والأدبية، وقد"خلق تعبيرات شعرية جديدة ضمن التراث الغنائي الأميركي العظيم".
لا شك أن منح هذه الجائزة العالمية المهمة لبوب ديلان فيه خروج على المألوف؛ فهي المرة الأولى التي تلجأ فيها الأكاديمية النوبلية منذ إنشاء الجائزة في مطلع القرن الماضي إلى منحها لمؤلف موسيقي ومغن محدود الرؤية مثل ديلان. لا شك أن هذا سيوسع دائرة الطامحين والطامعين في نيلها من مطربين، وشعراء عامية، وراقصين وراقصات، ومغنيين شعبيين. لقد صدمت مؤسسة نوبل كثيرًا من المبدعين الذين توقعوا أن تمنح إلى روائي أو شاعر أو مسرحي أو حتى كاتب مقالات وخواطر لا إلى مغن وملحن. فالأدب وإن كان له إيقاعه الخاص وموسيقاه، فهو ليس على كل حال قطعة موسيقية أو أغنية أو لوحة، بل هو في الأساس بناء لغوي يتمثل في أجناس معروفة من الشعر والنثر.
نخشى أن تتهاوى قيمة جائزة نوبل المعنوية في السنوات القادمة فيحصل عليها لا المغنون والملحنون فحسب بل أيضًا الراقصون والراقصات؛ فلا شك أن لهم تأثيرًا في مجتمعاتهم يقترب كثيرًا من التأثير الذي تركه بوب ديلان في الحياة الأميركية حسب المقاييس التي ارتأتها أخيرًا أكاديمية جائزة نوبل.
لقد دبت الفوضى في هذه المؤسسة العالمية، وسيطرت الأهواء على أعضاء أكاديميتها. ربما تأثرت بما يجري في عالمنا من فوضى، فأصبحت تمنح جوائزها في السلام إلى القتلة، وجوائزها في الأدب إلى مغنين وملحنين. فلا غرابة، في المستقبل، من أن تتحول جائزة نوبل للآداب إلى جائزة في أي فن من الفنون: الموسيقى، أو الرقص، أو الغناء. وربما الطبخ؛ ففوضى الحياة يقابلها فوضى الجوائز.
[email protected]