الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بَاهتٌ كلون الإدمَان بقلم: إدريس الواغيش

تاريخ النشر : 2016-10-23
قصة قصيرة : بَاهتٌ كلون الإدمَان
ذ/ ادريس الواغيش

لست أدرى ما السرّ الذي دفعني للبحث عما ضاع من عمري دفعة واحدة، فبدأت أنبش في الأرشيفات والكراسات وبعض مقتنياتي من الكتب القديمة، فتحتُ أجندات ودفاتر ذكريات كدت أنسى ما دونته فيها بفعل التقادم، اختليت بنفسي حتى أتفحّص أوراق كراسة على مهل في غفلة من الزّوجة والأولاد، وإذا بي أمام صورة بدأت تفقد ملامحها، ووردةً تنام هادئة في غياهب أوراق فقدت نصاعة بياضها.
خَجِلتُ من نفسي، قبل أن تزور عينيّ ما يشبه دمعة!.
في البداية لم أفهم و لم أتذكر عنهما شيئا، بدا وجهي في المرآة باهتٌ كلون الإدمان، لا يختلف في شيء عن ضوء المصباح المعلق فوق رأسي، استرجعت كل ما خزنته ذاكرتي من الماضي القريب والبعيد، فلم أتذكر مناسبة ترجعني إلى تاريخهما أو مكانهما، فلمتُ ذاكرة بدأت تنهشها الشيخوخة، وانزويتُ.
كل ما أذكره حتى الآن، هو أن ”خربشات” مكتوبة بخط غير واضح فوق ظهرها، مع وريقات من الوردة نالت منهما الأرَضَة، تذكرتُ بعد إلحاح شديد مني على ذاكرتي، أنها تعود لصديقة قديمة كنت قد عشقتها غصباً عني وعشت معها حبًّا جارفاً، بدأ سريعا وانتهى في غياهب الذاكرة نسيا منسيًّا. كانت هي قد تزوجت، فيما أتذكر، من شاب يشتغل بوظيفة تناسب طموح أسرتها، و كنتُ أنا أيضا قد تزوَّجتُ من فتاة تناسب بعض أفكاري اليسارية القديمة!.
وكان يؤلمني أحيانا ما يصلني من أخبارها المتقطعة:
- هاهي قد نضجت، نجَحَت، تزوجت، ثم أخيرا، وهذا ما آلمني أكثر، أنجب منه أطفالا يشبهونها‼.
أقصى طموح كان يراودني ويعشش في دواخلي ونحن معا، هو أن أنجب منها، أنا وليس هو، أطفالا يشبهونها. كنت ألتقي بصُوَيحباتها في مناسبات متقطعة، فيذكرنني بماضينا المشترك، هو الذي سعيتُ مرارًا لأن أتخلص منه، وأقطع الصلة بيني وبينه أو أعمق الهوة عن قصد، لأن طريقنا كان قد رسم منذ البداية بشكل مختلف!.
كل ما كنت أتمناه في تلك الصبحيّة الصيفية ونحن على انفراد، وقد خرجت لتوديعي بلباس نومها الأبيض الناعم الشفاف، وشعرها الكستنائي المترامي على كتفيها بشكل فوضوي، هو أن ألمس بشرة يديها الناعمتين للمرة الأخيرة، أصافحها مُصافحة مُختلفة عمّا ألفناه في السّابق وأنا أغادر مدينتها، كنت أخاف أن لا أراها ثانية؟!.
أسترجع بعض الجزئيات الصغيرة من لقاءاتنا، لأتذكر مثلا، أنني سلمت عليها من خلال يديها البضتين، ولامست لأول مرة، وعن قصد، نهديها النافرتين من صدرها كرصاصتين ولم تمانع، وكدتُ أقارب شفيتها وأقبلها في الزُّقاق الصغير المغطي بأغصان ”الكاليبتوس” المتدلية عليه، لولا هَمْهمَة كيْديّة من أحد جيرانهم العائد لتوِّه من صلاة الفجر، فانسحبتُ حينها مرتبكا أجرّ خيبتي، فيما ارتمت هي، في خفة هِرّة، إلى ما وراء باب العمارة.
كانت معركتي الأخيرة، معركة مختلفة تمامًا عن باقي معاركي السابقة، و كان عليَّ أن أربَحَها، حتى وإن بدت بشائر خسارتي فيها واضحة. توقفت طويلا أمام المنزل علي أفوز منها بنظرة أخيرة، ترددت، ثم قلت:
- قد تعود وتطل عليّ ثانية و ثالثة ورابعة...، حتى الإشباع!.
لم يتملكني اليأس، فبقيت أنتظر حتى أمام الشرفة، لأحييها على الأقل تحيّة الوداع، لكنها لم تفعل‼. انصرفت وقد لبسني اليأس، أصبح الأمر قاسيًا وأكثر تعقيدًا، لم يعد بإمكاني أن أرسم لها وداعي الأخير بعد اليوم، أن أصيح بكلمة أو أشير لها بتلويحَة بويهميّ، قد نجد لها تفسيرًا مشتركاً فيما بعد، وهذا ما آلمني، كنت قد خسرت دون إرادة مني، معركة من معاركي الأولى في الغرام‼.
تذكرت في غفلة مني وعجلة من أمري، يوم رتبنا ميعادنا الأول على عجل، قالت لي في آخر جلسة سريعة جمعتنا معًا:
- خلي هذه الذكرى معك، وأعطتني صورة ووردَة، مادامت هذه الصورة معك، لا يمكنك أن تنساني أبدًا!
أودَعتُ ذكراها في قلبي وكتمتها إلى الأبد، و كتبتها في كرّاسة كسطر انتهى بنقطة، ولم تكتمل الأحداث الباقية إلا بمداد أكثر قتامَة، فانتهى المشوار سريعا، لكن نسينا معا أننا لم ننتهي منه، و ظلت الخاتمة مُعلقة!.
أكاد أنساها، فتراودني صورتها المرسومة في ذهني، وفجأة تُفجِّر في داخلي ما يشبه البكاء أو براكين تهزني، فكيف لي أن أنساها؟ حتى وإن حصل من حين لآخر، فغصبًا عني!.
أتذكره الآن جيدا، كان قد هَزمَنا منذ البداية وهو يُدخلنا إلى غرفته المُظلمة، التي يسميها ”استوديو” وبيده آلة تصوير، يبحث عن شيء كنا لا نعرفه، حتى يطول بنا الانتظار أحيانا.
- لا تتكلما...!
بقي نظري مشدوداً إلى صُوَر لأشجار وطيور استوائية مُعلقة على الحيطان، وعندما عاد أمرنا من جديد بصوته الجهوري المبحوح، خرج من شفتين غليظتين داكنتي اللون كقطعة كبد، يحملهما وجه أكثر صرامة:
- لا تحركا رأسيكما وانظرا في صمت إلى الضوء، لا تبتسما قبل أن أبدأ في العَدّ...!.
هل كنا على خطأ وتسرعنا منذ البداية، حين استبقنا الأمور وسارعنا إلى رسم ابتسامة عريضة، وأظهرنا عن رضَا بدت من خلاله سعادتنا أكثر وضوحا؟.
لم تكن المرة الأولى التي أخذنا فيها صورًا في ”أستوديو أبو شنب” منذ أن التقينا بعد أن عزّ اللقاء، لأنه كان الأقرب إلى الجامعة أولا، ولأنه الأرخص في حي”الليدو” الشعبي ثانيا، بعيدا عن بهرجَة المدينة.
في إحدى المرات كاد يصفعني، لولا دخول زبون إلى المحل، انتبه خلسة إلى أنني حاولت استغفاله من خلال رسم قبلة على خدها الأيمن، الأمر الذي أزعجه أكثر من أي شيء آخر.
قال لي في نرفزَة:
- أنا فنان هنا ماشي قوّاد، وهَادَا راه أستوديو ماشي...!!
كان هناك بيتٌ صغيرٌ آخر ملحق ب”الأستوديو”، يعلق فيه صاحبنا صور من لم يدفع ثمنها، فيدقُّ المسامير في أعين الجميلات من الطالبات!
”أبو شنب” هو اللقب الذي كان يحمله الرجل الخمسيني الأعزب، إضافة إلى ألقاب أقل حدة، كأن ينادونه: ”السوايعي” ، ”العسكري” وأخرى أكثر جرحاً وإيلامًا. كل طلبة الحي الجامعي بفاس والأحياء الشعبية المجاورة يعرفونه، خريج قاعدة عسكرية من دون رتبة، لم يلتزم بقواعدها فسرحوه إلى حال سبيله.
بدأ يصلح أعطاب الساعات السويسرية القديمة في محل صغير مجاور للجامعة، ولما ظهرت الساعات الإلكترونية الحديثة بارت مهنته، فكان عليه أن يجد بديلا، فحَوّل المحل الصغير إلى أستوديو لتصوير الطلبة في فضاءات الجامعية، مع تقديم تسهيلات في الأداء!.
التقط ”السوايعي” الصورة بخفة المحترفين، بعد أن تسامح معي في كثير من الحركات الإيحائية، وأعطاني مهلة أكثر من اللازم في البيت المظلم كي أستعد للتصوير، لم أستغلها ولم أعلم بأسرارها إلا وقد فات الأوان!.
بعد ذلك بيومين كانت الصور جاهزة كما اتفقنا، لكنه أصرّ على أن أدفع له ثمن صورتين معًا بدل واحدة كما اتفقنا، مقابل تغافله على ما قمت به من حركات ”فيما ذهبت إليه”، وهدّدني بدق المَسامير في عينيّ حبيبتي، إن أنا لم أفعل، مشيرا إلى نماذج من صور معلقة على الحيطان، والمسامير مدقوقة في العيون بشكل يتصدع له القلب!!.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف