جماليات التّناص عند سليمان الفليّح
تعد تقنية التناص من التقنيات التي يستعين بها المبدع ليظهر مدى اتساع مخزونه الثقافي والمعرفي،وقدرته الفريدة في توظيف هذا النص الجديد، واندماجه مع نصوص آخرى منصهرة في النص لتفتح آفاقاً،واسعة ومتعددة أمام المتذوق ليخرج طاقته الذهنية في الكشف عن الدلالات المختلفة والمتحدة في النص الجديد، الذي يقوم على أنقاض النص الغائب فالأديب عندما يلجأ إلى الحوار مع النصوص الأخرى، ليس فقط ليعيد كتابتها بل يستعرض النصوص ليلقي عليها مزيداً من الحس الوجداني الفريد الذي يجعل النص منفتحاً لاستقبال إيحاءات جديدة تعيد للنص حيويته من جديد، وبالتالي تتضح دلالة متولدة للنص الحاضر .
وقد وظّف الشاعر سليمان الفليّح تقنية النتاص في خدمة المعنى الشعري من خلال إحياء تراثه الحضاري من جديد، وإثراء نصه الأدبي بشتى ألوان المعرفة والتي تحدث في نفس المتذوق، وبالتالي فإن روعة الكتابة التي يستدعيها الفليّح في تناصّه الشعري حيث تتيح انبثاق المعاني وانفتاحها إلى آفاق واسعة تخدم دلالات نصه الجديد وسنحاول الكشف عن مدى إسهام تقنية التّناص وتأثيرها في البناء الفني لقصائد سليمان الفليّح
يقول:
سلاماً إليك
سلاماً عليك
سلاماً إلى عتمة القبر إذ يحتويك
سلاماً على أحرفك الجافلة
تناصّت أبيات الفليّح مع سورة مريم آيه (١٥) على لسان عيسى بن مريم
يقول تعال:(والسلام عليّ يوم ولدتُ ويوم أموت ويوم أُبعث حيا)حيث إن السلام موجهُ لهذه الروح وهي رحمة من الله تعالى وأمانه الذي يتغشى عباده الصالحين وهذه الرحمة وهذا الأمان يطلبه جميع من في الكون من الأحياء فمابالك بالأموات وهم أشد حاجة لها وقد نقطعت عنهم السُبل إلاّ سبيل الدعاء.
ويقول :
سنلحقك الآن
أو هو غداً
أو ربما بعده ..
إننا غافلون
بهذي الحياة
بل هي أيا أجمل الراحلين
بنا غافلون
تناصّت هذه المقطوعة مع سورة الروم آيه (٧)في قوله تعالى(يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة عم غافلون )حيث يوضح الشاعر حقيقة الغفلة التي تحيط بنا وتمنعنامن تدبر الآخرة والاستعداد بالزاد ليوم الرحيل.
ويقول:
فيارب هذه الخليقة،
أيُّ هذا العليّ المتعالي الصمد
أنقذ الأمة من هذا (الكمْد)
فليس سواك أحدْ
وليس سواك أحدْ
أحد،أحد،أحدْ
وقد تناصّت هذه المقطوعة الشعرية مع مقولة الصحابي الجليل بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أعلن إسلامه فوقع عليه التعذيب من سيده وقال قولته المشهورة :(أحد ٌ،أحدْ)في تصوير من الشاعر على مدى وقع هذا الكمد وهذا الظلم الذي تعانيه الأُمة من الأعداء ، ف الّجوء إلى الدعاء هو الطريق الصحيح للتّخلص من هذا التسلط الظالم ،والتناص في المقطوعات السابقة أعطى نصوص الفليّح نكهةً ،وجمالية عند المتذوق حيث يربطها بجذور راسخة وثابته.
ويقول الفليّح أيضاً :
(أُقسّمُ جسمي ، وأحسو القراح
وأطوي الحوايا على الخمص)
وأنثر خبزي للجوعى بأقسى السنين المريرة
وقد تناصت هذه المقطوعة مع بيت لعروة بن الورد الذي يقول فيه :
أُقسّمُ جسمي في جسوم ٍ كثيرةٍ
وأحسو قراح الماء والماءُ باردُ
فهذا التّناص أعطى البيت قوة وثباتاً لدلالته على رمز جميل يحمل قيمة الإيثار،والبذل ،والعطاء وخير من يمثّل هذه القيم هو عروة بن الورد .
ويقول في موضع آخر:
أبكي إذا سقط الغبار عليها
أبكي إذا سقط الغبار على حمص
عطر الخليفة
وأنفاس الجبال
ومأوى الأشجار
وقد تناصّت هذه المقطوعة مع بيت لديك الجن حيث يقول:
وماكان قتليها لأني لم أكن
أبكي إذا سقط الغبار عليها
ونجد الفليّح قد أجاد في توظيف التناص من خلال توضيح مدى إيمانه بروح القومية العربية ،وانتمائه للدم العربي الواحد.
ويقول أيضا:
حصاني القمر المضيء
ونجومه المتلألئات قوافلي
تمشي كما تمشي النياق البًُزّلِ
أحدو على إيقاعها
(ياأيها الليل الطويل ألا نجلي
حيث تناصّت هذه المقطوعة مع بيت امرؤ القيس الذي يقول:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثلِ
ربما أراد الشاعر (بالليل )هنا ليل الانتظار والذل والخوف
فكان لابد أن يقابله شروق فجر القوة والانتصار ،ونلاحظ أن التناص الذي وظّفه الفليّح زاد قوة النص إلى قوته وجمالاً إلى جماله ،حيث يحكي فجراً مشرقاً طال انتظاره ،وقد برزت قدرة الفليّح الإبداعية منخلال توظيفه الصحيح لتقنية التّناص توظيفاً ينم عن اطلاع الشاعر وثقافته بموروثه الشعري القديم مما يجعل المتذوق يبحث عن مصدر لذلك الصدى في موروثنا أو مخزوننا المعرفي ،والأدبي القديم .
بقلم /فيحاء المرزوقي
تعد تقنية التناص من التقنيات التي يستعين بها المبدع ليظهر مدى اتساع مخزونه الثقافي والمعرفي،وقدرته الفريدة في توظيف هذا النص الجديد، واندماجه مع نصوص آخرى منصهرة في النص لتفتح آفاقاً،واسعة ومتعددة أمام المتذوق ليخرج طاقته الذهنية في الكشف عن الدلالات المختلفة والمتحدة في النص الجديد، الذي يقوم على أنقاض النص الغائب فالأديب عندما يلجأ إلى الحوار مع النصوص الأخرى، ليس فقط ليعيد كتابتها بل يستعرض النصوص ليلقي عليها مزيداً من الحس الوجداني الفريد الذي يجعل النص منفتحاً لاستقبال إيحاءات جديدة تعيد للنص حيويته من جديد، وبالتالي تتضح دلالة متولدة للنص الحاضر .
وقد وظّف الشاعر سليمان الفليّح تقنية النتاص في خدمة المعنى الشعري من خلال إحياء تراثه الحضاري من جديد، وإثراء نصه الأدبي بشتى ألوان المعرفة والتي تحدث في نفس المتذوق، وبالتالي فإن روعة الكتابة التي يستدعيها الفليّح في تناصّه الشعري حيث تتيح انبثاق المعاني وانفتاحها إلى آفاق واسعة تخدم دلالات نصه الجديد وسنحاول الكشف عن مدى إسهام تقنية التّناص وتأثيرها في البناء الفني لقصائد سليمان الفليّح
يقول:
سلاماً إليك
سلاماً عليك
سلاماً إلى عتمة القبر إذ يحتويك
سلاماً على أحرفك الجافلة
تناصّت أبيات الفليّح مع سورة مريم آيه (١٥) على لسان عيسى بن مريم
يقول تعال:(والسلام عليّ يوم ولدتُ ويوم أموت ويوم أُبعث حيا)حيث إن السلام موجهُ لهذه الروح وهي رحمة من الله تعالى وأمانه الذي يتغشى عباده الصالحين وهذه الرحمة وهذا الأمان يطلبه جميع من في الكون من الأحياء فمابالك بالأموات وهم أشد حاجة لها وقد نقطعت عنهم السُبل إلاّ سبيل الدعاء.
ويقول :
سنلحقك الآن
أو هو غداً
أو ربما بعده ..
إننا غافلون
بهذي الحياة
بل هي أيا أجمل الراحلين
بنا غافلون
تناصّت هذه المقطوعة مع سورة الروم آيه (٧)في قوله تعالى(يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة عم غافلون )حيث يوضح الشاعر حقيقة الغفلة التي تحيط بنا وتمنعنامن تدبر الآخرة والاستعداد بالزاد ليوم الرحيل.
ويقول:
فيارب هذه الخليقة،
أيُّ هذا العليّ المتعالي الصمد
أنقذ الأمة من هذا (الكمْد)
فليس سواك أحدْ
وليس سواك أحدْ
أحد،أحد،أحدْ
وقد تناصّت هذه المقطوعة الشعرية مع مقولة الصحابي الجليل بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أعلن إسلامه فوقع عليه التعذيب من سيده وقال قولته المشهورة :(أحد ٌ،أحدْ)في تصوير من الشاعر على مدى وقع هذا الكمد وهذا الظلم الذي تعانيه الأُمة من الأعداء ، ف الّجوء إلى الدعاء هو الطريق الصحيح للتّخلص من هذا التسلط الظالم ،والتناص في المقطوعات السابقة أعطى نصوص الفليّح نكهةً ،وجمالية عند المتذوق حيث يربطها بجذور راسخة وثابته.
ويقول الفليّح أيضاً :
(أُقسّمُ جسمي ، وأحسو القراح
وأطوي الحوايا على الخمص)
وأنثر خبزي للجوعى بأقسى السنين المريرة
وقد تناصت هذه المقطوعة مع بيت لعروة بن الورد الذي يقول فيه :
أُقسّمُ جسمي في جسوم ٍ كثيرةٍ
وأحسو قراح الماء والماءُ باردُ
فهذا التّناص أعطى البيت قوة وثباتاً لدلالته على رمز جميل يحمل قيمة الإيثار،والبذل ،والعطاء وخير من يمثّل هذه القيم هو عروة بن الورد .
ويقول في موضع آخر:
أبكي إذا سقط الغبار عليها
أبكي إذا سقط الغبار على حمص
عطر الخليفة
وأنفاس الجبال
ومأوى الأشجار
وقد تناصّت هذه المقطوعة مع بيت لديك الجن حيث يقول:
وماكان قتليها لأني لم أكن
أبكي إذا سقط الغبار عليها
ونجد الفليّح قد أجاد في توظيف التناص من خلال توضيح مدى إيمانه بروح القومية العربية ،وانتمائه للدم العربي الواحد.
ويقول أيضا:
حصاني القمر المضيء
ونجومه المتلألئات قوافلي
تمشي كما تمشي النياق البًُزّلِ
أحدو على إيقاعها
(ياأيها الليل الطويل ألا نجلي
حيث تناصّت هذه المقطوعة مع بيت امرؤ القيس الذي يقول:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثلِ
ربما أراد الشاعر (بالليل )هنا ليل الانتظار والذل والخوف
فكان لابد أن يقابله شروق فجر القوة والانتصار ،ونلاحظ أن التناص الذي وظّفه الفليّح زاد قوة النص إلى قوته وجمالاً إلى جماله ،حيث يحكي فجراً مشرقاً طال انتظاره ،وقد برزت قدرة الفليّح الإبداعية منخلال توظيفه الصحيح لتقنية التّناص توظيفاً ينم عن اطلاع الشاعر وثقافته بموروثه الشعري القديم مما يجعل المتذوق يبحث عن مصدر لذلك الصدى في موروثنا أو مخزوننا المعرفي ،والأدبي القديم .
بقلم /فيحاء المرزوقي