صفحات من ثورة الفينيق
بقلم محمد أمين المكشاح
الحصار، وكسر الحصار... هي جدلية ضاربة بجذورها في التراب والصلصال والحمأ المسنون وثنائية تثير في تمخضاتها عدة قضايا وجودية. فهي لا تموت مهما توالت المحن ومهما بلغ الخضوع مبلغه أو طغى الجنون.
نظام الفوضى وفوضى النظام، كنت أشبه بالذي به جنة أو مس حين حاولت منذ سنوات خلت أن أبني هرطقاتي على هذا الأساس وهذا التجلي... اذ كيف يكون للفوضى نظام وكيف يكون النظام فوضويا؟ فهمت لاحقا أنه ما كان علي أن أستغرب ولا أن أغضب أو حتى أتذمر لأني كنت قد تعلمت -متأخرا ربما- أن استخلاص السنن وتجريد القواعد يستدعي العمل على ايجاد توازن أكبر في تفاعل العقل بالفؤاد والحس بالمنطق والتفكر.
هكذا اذن تبدو الصورة، لا شيئ في مكانه ما دامت الأشياء حملت الأمكنة تحت السياط-الرياح… و تلاشى الأمس و اليوم و الغد- في حلم، في رقصة الضد مع الضد…
أكثر من سبع سنوات مرت، و الحلم لا يزال يكبر، و هذا ما كتبت...
أشتاق الى اعتلاء خشبة المسرح و قراءة نصوصي على جمهور عريض يضم أشخاصا من ألوان و أطياف متعددة.
تبدئ قراءتي عادة هادئة ثم تأخذ نبرتي في الهيجان و القوة، ولعل ذلك يعود الى الشعور بالرهبة قبل السيطرة عليها وتفريغها لاحقا...
أتذكر سنة 2009 حين دعاني القيم العام لمكتبه، حسبت أنه سيحيلني على "مجلس التأديب" لأني قبل ساعة خضت عراكا لسانيا مع قيم آخر... جلست على كرسي قبالته و قال "أخبروني أنك شاعر و لديك القاء ممتاز" أجبته "ممكن" و واصل حديثه قائلا "ستعاقب لما قلته للقيم منذ قليل، لكن اذا قمت باعداد أبيات تلقيها في الحفلة التي ستقام بمناسبة الانتخابات سأعفو عنك"، ابتسمت في هدوء و أجبته بالموافقة و أكد انه يجب علي أن أريه النص المطلوب قبل الحفل فوافقت مضمرا شيئا آخر... سألتني أستاذة الانجليزية حين عدت الى الفصل "لماذا قاموا باستدعاءك؟" و أجبتها بالدارجة "يحبوني نهز القفة" قلتها بمرارة، أطرقت برأسي ثم عدت الى مقعدي...
اليوم و البارحة، الحاضر يتقاطع مع الماضي في حلم و مبدئ، الرسالة التي تنضح حرية و كرامة و عدلا هي النفس الذي نتنفس و هي السبيل من و الى العقدة الكبرى "فكر عن الحياة والكون والإنسان، وعن علاقتها جميعها بما قبل الحياة الدنيا وما بعدها"...
كنت قبل ذلك بأيام قد أنهيت نصا شعريا طويلا عن فكر الثورة و عن حالة الوعي المجتمعي الكارثية، قررت أن أعتلي خشبة المسرح و هكذا توجهت في الغد على الساعة الثالثة تقريبا الى "دار الثقافة" متجاهلا المرور على القيم العام ليفحص ما كتبت...
في خطوات ثابتة و تحت وقع نبضات متسارعة صعدت الى المسرح، أخذت في القراءة بهدوء، كان الجمهور في حالة من عدم الانتباه الى أن قرأت "مرحبا بك في عصر الآهات في وطن اللعنات هات صحنك اليوم سنقتات من جثث الأموات الأجساد الممدودة هنا و هناك" علا صوتي في محاولة لجذب انتباه الحاضرين، كنت أتمادى حقا هناك وكان صوتي آخذا في الارتفاع أكثر فأكثر، انفجرت حماسة أمام غلمان النمط، و ختمت نصي "مت و لا تنم، هاهنا مكمن الألم، هاهنا هاهنا ميلاد الفينيق المشتعل"... انتهى النص أغمضت عيني انحنيت انحناءة خفيفة، ثم خيم صمت مطبق و فجأة عصفت بالقاعة الفسيحة زوبعة من التصفيق...
سررت لمرأى وجوه الطفيليات مصفرة و ما ان نزلت من المسرح حتى عدت الى منزلي و لم أنظر وراءي، مؤكدا أني قد فتحت صدري للرصاص والرصيف والحصار- أغنية... "سأرحل لأبقى"
بقلم محمد أمين المكشاح
الحصار، وكسر الحصار... هي جدلية ضاربة بجذورها في التراب والصلصال والحمأ المسنون وثنائية تثير في تمخضاتها عدة قضايا وجودية. فهي لا تموت مهما توالت المحن ومهما بلغ الخضوع مبلغه أو طغى الجنون.
نظام الفوضى وفوضى النظام، كنت أشبه بالذي به جنة أو مس حين حاولت منذ سنوات خلت أن أبني هرطقاتي على هذا الأساس وهذا التجلي... اذ كيف يكون للفوضى نظام وكيف يكون النظام فوضويا؟ فهمت لاحقا أنه ما كان علي أن أستغرب ولا أن أغضب أو حتى أتذمر لأني كنت قد تعلمت -متأخرا ربما- أن استخلاص السنن وتجريد القواعد يستدعي العمل على ايجاد توازن أكبر في تفاعل العقل بالفؤاد والحس بالمنطق والتفكر.
هكذا اذن تبدو الصورة، لا شيئ في مكانه ما دامت الأشياء حملت الأمكنة تحت السياط-الرياح… و تلاشى الأمس و اليوم و الغد- في حلم، في رقصة الضد مع الضد…
أكثر من سبع سنوات مرت، و الحلم لا يزال يكبر، و هذا ما كتبت...
أشتاق الى اعتلاء خشبة المسرح و قراءة نصوصي على جمهور عريض يضم أشخاصا من ألوان و أطياف متعددة.
تبدئ قراءتي عادة هادئة ثم تأخذ نبرتي في الهيجان و القوة، ولعل ذلك يعود الى الشعور بالرهبة قبل السيطرة عليها وتفريغها لاحقا...
أتذكر سنة 2009 حين دعاني القيم العام لمكتبه، حسبت أنه سيحيلني على "مجلس التأديب" لأني قبل ساعة خضت عراكا لسانيا مع قيم آخر... جلست على كرسي قبالته و قال "أخبروني أنك شاعر و لديك القاء ممتاز" أجبته "ممكن" و واصل حديثه قائلا "ستعاقب لما قلته للقيم منذ قليل، لكن اذا قمت باعداد أبيات تلقيها في الحفلة التي ستقام بمناسبة الانتخابات سأعفو عنك"، ابتسمت في هدوء و أجبته بالموافقة و أكد انه يجب علي أن أريه النص المطلوب قبل الحفل فوافقت مضمرا شيئا آخر... سألتني أستاذة الانجليزية حين عدت الى الفصل "لماذا قاموا باستدعاءك؟" و أجبتها بالدارجة "يحبوني نهز القفة" قلتها بمرارة، أطرقت برأسي ثم عدت الى مقعدي...
اليوم و البارحة، الحاضر يتقاطع مع الماضي في حلم و مبدئ، الرسالة التي تنضح حرية و كرامة و عدلا هي النفس الذي نتنفس و هي السبيل من و الى العقدة الكبرى "فكر عن الحياة والكون والإنسان، وعن علاقتها جميعها بما قبل الحياة الدنيا وما بعدها"...
كنت قبل ذلك بأيام قد أنهيت نصا شعريا طويلا عن فكر الثورة و عن حالة الوعي المجتمعي الكارثية، قررت أن أعتلي خشبة المسرح و هكذا توجهت في الغد على الساعة الثالثة تقريبا الى "دار الثقافة" متجاهلا المرور على القيم العام ليفحص ما كتبت...
في خطوات ثابتة و تحت وقع نبضات متسارعة صعدت الى المسرح، أخذت في القراءة بهدوء، كان الجمهور في حالة من عدم الانتباه الى أن قرأت "مرحبا بك في عصر الآهات في وطن اللعنات هات صحنك اليوم سنقتات من جثث الأموات الأجساد الممدودة هنا و هناك" علا صوتي في محاولة لجذب انتباه الحاضرين، كنت أتمادى حقا هناك وكان صوتي آخذا في الارتفاع أكثر فأكثر، انفجرت حماسة أمام غلمان النمط، و ختمت نصي "مت و لا تنم، هاهنا مكمن الألم، هاهنا هاهنا ميلاد الفينيق المشتعل"... انتهى النص أغمضت عيني انحنيت انحناءة خفيفة، ثم خيم صمت مطبق و فجأة عصفت بالقاعة الفسيحة زوبعة من التصفيق...
سررت لمرأى وجوه الطفيليات مصفرة و ما ان نزلت من المسرح حتى عدت الى منزلي و لم أنظر وراءي، مؤكدا أني قد فتحت صدري للرصاص والرصيف والحصار- أغنية... "سأرحل لأبقى"