أحْمَدُ الغَرْبَاوى يَكْتِبُ:
فَاروق شُوشَة وَالسَّفَرُ الطَوِيلُ
حَبِيبى.. فِيكَ لَنْ أتَقْبَّلَ عَزَاءْ وَلا رَثْاءْ..!
حَبِيبى.. غَصْب عَنّك
اليَوْمُ تخْلفُ مَوْعِدك وَرِقُىَ الإبْدَاعِ وَخُضْرة الوَرق وَرَطْبِ ظِلّ اللغة وَعَذْب الوْجَد وَسِحْر الكَلِمْ وأسْرِ الحَرْفِ فِى جَمَالِ النَغْمِ..
غَصْب عَنّكَ حَبِيبى..
لاتَنْزِل المَحَطة وَيَأخُذَك القِطَارُ عَبْرَ المَدَى.. وَتَتْرُكنا فِى ذُهُول وَدَهْشة فُجَاءَةِ عَدْمِ اللُقُا..
بَعْد اليَومِ لنْ يَقُلَ لكَ أحَدٌ فِى القَاهِرة..( قِفّ..؟).. قِفّ أيّها القَادِم (يَدُقّ البّابَ وَيحلم..!)
وَبَعْد اليَومِ لنْ تُصَلّى (الجُمْعَةَ فِى أزْهّرْهّا..؟)
وَبَعْد اليَومِ لنْ تَمْشِ فِى (المُوسْكِى وَالعَتْبة/ وَتَعْبُر نَحْوَ القلعَة..؟)
وَتَبْقَى فِينا المُعَلّم.. يَتَهاْدى حَيْاءَاً فِى حُمْرة أوْرِدَتنا.. يَرْعَى نَشْوَة خَلْقِ فَنّى.. حَدّاء الوَرْى.. وَعَصَا النَّاى تَتْكَأ عَلى تَرْنِيمَات الرَّبّ حُضْن ضَنَى..
يَتْرَدَّد صَداَها عِشْق جُمَل.. وَبَيْن الشَفَايْفِ تَأبَى خَدْر نُقَط تَسّاقط لَذّ لَعْقٍ.. وَمَصّ رَضْبٍ.. وَ
وَاشْتَهْاء قُبَل..!
حَبِيبى..
ذُو الحِسّ الأنِيق.. أنَا اللغَةُ العَرْبَيّةُ..
فِيكَ لَنْ أتَقَبّلَ العَزَاءْ..؟
فِيكَ لنْ ألمْلم المَعَانى رَثاءْ..!
،،،،،
حَبِيبى.. غَصْب عَنّك
اليَوْمُ تخْلفُ مَوْعِدك وَرِقُىَ الإبْدَاعِ وَخُضْرة الوَرق وَرَطْبِ ظِلّ اللغة وَعَذْب الوْجَد وَسِحْر الكَلِمْ وأسْرِ الحَرْفِ فِى جَمَالِ النَغْمِ..
وَتَبْقَى أسْوَار مَدْرَسَتِكَ الشَّامِخَة.. وَإبَاء جَامِعَتَكَ.. تَفِيض مَنَاهِجْهَا شَاعِرْيّة اللحن.. وَمِنْ شَوائبِ اللغة مُنْتَقاة دُرْرِ..
وَتَنْطق بِحَالِ وَاقِعنا المَصْرى وَالعَرْبِى.. وَمُعَفّرة بِطِين الدِّلِتا وَنَوّات يُوود اليَّمِ.. وَصَلْدِ وَجَلَد الرَّمْلِ الأصْفَرِ.. أوّل مَنْ يُعْمى العَدْوّ عَنْ سَتْرِ وَهَتْكِ كِبْرِيْاءِ الجَسْدِ المَصْرِى..
وَتَبْقَى حَبِيبى قَامة وَمَقام إعْلَامِى كَبِير.. فِى ظِلّها تَتَرْيّض أنْتَ وَرفِيق دِرْبَك الشَّاعِر الكبير محمد ابراهيم أبوسنّة.. أطَال الله فى عُمْره.. وَتَبُوحُ رَوْحُكَ فِى آخر حِوْارٍ بَيْنَكمُا:
ـ النَّاسُ تَتَصوّرُ أنّنى سَعِيد..!
وَلكِنّى أحِسُّ أنَّ دَبِيبَ المَوتِ فِى نَفْسِى..
المَوْتُ كَامِنٌ فِى نَفْسِى وَقَلْبِى..
حَبِيبى هَلّ رَحَبْتُ بَالمَوت..؟
أمّ ـ عَنْ عَمدٍ ـ فِى سِرّ إلْتَقَاكَ..
قُبَيْل أنْ يَحْمَل جُثْمَانَك الرَّقِيق فِى عَلَنٍ.. ولنَا جَلْدِ عَلنْ
وَيَحْرِمْنَا مِنْكَ القَضا ضَنَنْ..؟
مُتْرَفّقا الرّبُّ بِهَوْلِ قَطْفِ إحْدَى ثَمْرَات الحُبّ..!
،،،،،
حَبِيبى.. غَصْب عَنّك
اليَوْمُ تخْلفُ مَوْعِدك وَرِقُىَ الإبْدَاعِ وَخُضْرة الوَرق وَرَطْبِ ظِلّ اللغة وَعَذْب الوْجَد وَسِحْر الكَلِمْ وأسْرِ الحَرْفِ فِى جَمَالِ النَغْمِ..
وَيْبَقَى لَنَا الكَلِمة السَّحْر.. التِى تعُلّمْنَا كَيْف يَرْتَقِى الإبْدَاع بِالإنْسَان قَوْلاً وَفِعْلا..
فلَايَنْبض إلا بُكِلّ مَاهو جَمِيل.. عَفّ اللسان.. يُرَفْرِفُ عَلى أجْنَحِة شَجَنٍ بَسْم.. يَنْضَحُ مِنْ طِيِب وِدّ.. وَسَكِينة روح.. تُحَلّق دَوْمَا فِى السّحَر.. بَعْيِداً عَنْ الأرْضِ.. أبْعَد مِنْ أمْكَنَة وَأزْمِنَة عَادِيّات البَشَر..
وَعَلى ضِفَاف أوْرِدَتَه وَشَرْايينه.. يَسْرِى وَحُمْرَة دَمّه بُلْبل لايَتْوَقّف عَنْ النّغْمِ..
يَصّاعَدُ صَوْتَه.. وَيـَـ.. تـ.ْ. قـَ.. طـْ.. رُ فِى نَزْفِ جَرْحَهِ مِنْ أعَذْبِ وَأْجْمَل وَأرْخَم وَأْنْدَر وَأفْرَد الأصَوّات الآلهيّة.. التى تَتْرَنّم اللغة العَرْبيّة فِى العَصْرِ الحَدِيث..
هُوَ فَاروق شُوشُة وَالدّكْتور المُبْدع طه حسين.. وَالشّيخ محَمّد رِفْعت.. فَلَيْرَحَمْهم الله وَيَرْحَمْنَا فى غِيَابِهم..
،،،،،
حَبِيبى.. غَصْب عَنّك
اليَوْمُ تخْلفُ مَوْعِدك وَرِقُىَ الإبْدَاعِ وَخُضْرة الوَرق وَرَطْبِ ظِلّ اللغة وَعَذْب الوْجَد وَسِحْر الكَلِمْ وأسْرِ الحَرْفِ فِى جَمَالِ النَغْمِ..
وَيَبْقَى لنَا رِقّ الصّدِقِ فِى أرِيج الوَرْدِ..
خَلوقٌ فِى هَمْسِ القَوْلِ.. وَنَاعِمٌ فِى هَسّ اللمْسِ.. مُهَذّبٌ الحُضور.. كَنْزٌ فَيّاض فِى مَلْكِ كُلّ مِقَوّمَات الالْتِفَافِ حَوْله.. وَالنّهْلِ مِنْ ثَراءِ دُوح رَوْضَهُ.. وَعَذْب مَىّ نَضْحَه..
وَتَصْرُخ فِى وَجْهِنَا مِنْ شِدّة الألم.. وَيَثور الشِّعْرُ:
ـ خَدْمٌ.. خَدْمٌ..!
وَصَعّرْوا الخدود كُلّمَا مَشوا..
وَغَلظوا الصّوت..
فَزْلَزلوا الأرْضَ..
وَطرْقَعوا القَدم..!
وَتَترك لنَا الحِكْمَة.. دَرْسَاً لِكُلّ المُثِقفين.. مِنْ وَراء الجَوائز يَخْدِمون الحُكّام..
وَيُسبِّحون بِحَمْدِ المَنَاصِب وَمِنْحَ السُّلْطَان فِى كُلّ خَان..!
وَفِى المَرْعَى لايَعْرِفُون الفَرْق..
الفَرْقُ بَيْن رِفْقة الذِئَابِ.. وَرُعَاة الغَنْمِ..!
وَتَقول حَبِيبى:
ـ الجَوْائز لاتَصْنَع شَاعِراً..
بَلّ هِى تَكْرِيمَات لإبْدَاع الشّاعر وَنِتَاج المُبْدع..؟
تُرى هَلْ عَرفوا الفَرق..؟
أم وَراء الشَاليهات.. وَشُقق التّمليك.. وَالسّيْارات.. وَدَعايات الزَيّف.. وَمَصالح الشِلليّة.. وَقَبْض ثَمَنْ الآهَات شِعْراً وَنَثْراً.. وَ
يَرْتَعون عَلى حِسَاب حَصَادِ أهْلِ الجَهْلِ وَالفَقْرِ وَالأمْيّة..
وَيَحْشِون عِقُولَهم بِطقوس جَاهِليّة..!
وَيُسْمّمِون أرْوَاحَهم بَأنْ تِرْيَاق الحَيْاة مُتَعٌ
إشْبَاع غَرْائِز جَسَدِيّة..!
وَأنْتَ حَبِيبى المُسَافِر أبْدَ.. القَائِلُ:
ـ لَنْ يَزْدَهِر الشِّعْرُ فِعْلياً إلا إذَا تَحقّقت.. وَتَوفّرت أشْيَاء عِدّة.. أوّلها القَضاء عَلى الأمْيّة.. وَتَعْلِيم النَّشء اللغة السّليمة.. لأنّ الشَّعر فَنٌّ لَغْوِىٌّ صَعْب..
فَلايُمكن قِرَاءة قَصِيدة أوْ تَذوِّقها مِنْ شَخْصٍ لايَحِسّ اللغة العَرْبَيّة..!
وَتَضع لنَا روشتة الخُروج مِنْ إحْبَاطات المُثَقّفِين.. وَتَكْسُّر دروب المُبْدعين.. فَتْرَاهُم:
ـ لَيْسَوا جَّادين.. وَليْسَوا صُرْحَاء.. وَلايُعْبّرَون عَنْ أنْفُسَهُم بِصدْقٍ.. وَيَمْشِون فِى المَسِيرة دُون أنْ يَكونَ لَهُم رَأىّ حُرّ.. وَلا قِوّة لَهْمُ وَلاصَوت مَسْمُوع.. وَدَوْمَاً فِى ذَيْلِ القَائِمَة..!
فِى مَدِينْتَنا الجِميلة سَيّدِى..
لازِلْنَا نَبْحثُ عَنْ الخَلاص.. وَنَتْعَلّقُ بِالحلم مِن فرْار اليَأسِ عّنّا.. مَهْمَا أثْقَلنا مَرَارَ بؤسٍ.. وَالتْحَفَتْنَا جِلودٌ بِلا حِسّ..!
وَلا يَزال فِى أرْوَاحَنا نَزْفِ.. نَقْتَفِى أثْرَ ( عَرّاف يَكْتُب الأدْعِيّة / وَيِلمُّ الجَرْحَ.. ويَشْفِيه/ وَيُدَاوى النّاسَ إذا تَعِبُوا..)
وَتَرْحَلُ حَبِيبى.. مُثْقَلةٌ مِخْلاتك فِى عَامِك الثّمَانِين..
ثَمَانُون عَاماً.. وَتَتْرُكَ لنَا ( فَراغ السَّنِين)
ذِكْرَى ( مُوجَةُ حُبّ دَفِين/ تُدَاعِبُ أحْلامُنَا كُلّ حِين..)
،،،،،
حَبِيبى.. غَصْب عَنّك
اليَوْمُ تخْلفُ مَوْعِدك وَرِقُىَ الإبْدَاعِ وَخُضْرة الوَرق وَرَطْبِ ظِلّ اللغة وَعَذْب الوْجَد وَسِحْر الكَلِمْ وأسْرِ الحَرْفِ فِى جَمَالِ النَغْمِ..
وَيْبَقَى لَنَا بُسْتَانَك الإعْلامِى الغَنّاء مِنْ خِلالِ بِرْنَامِجَكَ الإذْاعِى الأشْهَر(لُغَتَنا الجَمِيلة) بِالإذْاعَة.. وَتَتْجَوّل بِنَا حَيْاة الإبْدِاع وَدُنْيَا المُبْدَعين فى (أمْسِيّة ثَقَافِيّة) بِالتِليفزيون..
وَتُرَفْرف أحْلام النَّوارس الشَّابة.. وَتُحَلّق الأفْرَاخُ الصَّغِيرة وَرْحِيق الاسْتَاذيّة لنَا فِى كُليّة الإعْلام بِجَامِعة القَاهِرة.. وَالجَامِعة الأمْرِيكية.. وَرِئَاسة جَمْعيّة المؤلفين وَعِضْويّة لجنة الشّعر بِالمجلس الأعْلى للثقافة.. وَغيْرها
وَمَا المَناصِب أمَام خِلود إبْدَاعك فِى أكْثَرِ مِنْ مُؤلفٍ أدَبىٍّ.. مِنْهَا (15) دِيوان شِعرى.. مَنّ الله عَليْكَ بِخَلْقِه الفَنّى.. بِدَايْة مِنْ (إلى مُسْافرةعَام 1966).. وَمروراً بـ (العِيون المُحْتَرقة 1972) وَ(لؤلؤة فِى القلب 1973) و (انتظار ما لايجىء 1979).. حَتى (الجِميلة تَنزل إلى النهر) عام 2002..
وماذا حَبِيبى يَفِيد الرَّصد واَلتَسْجِيل وَالتَوْثيق.. وَنَحْنُ مَانَزِل نَروح وَنَجيء فِى بَسَاتين رِيْاضِك.. نَتْرَوّح وَنُرِيح مِنْ عَذَابات الرّوح بِشَجن الحِسّ وَنَقَاء وِارْتَقاء الفِكْرِ فِى مَسَارات رِيْاضَك.. وَنَزِيد مِنْ خَيْرِ مَعِين فَارِس لُغَة الضّاد وَمَنْهَجه الإعْلَامِى الثّقَافى الأصَحّ دَائِماً أبَدَاً..
وَتُسّافر حَبِيبى..
وَتَبْقَى..
تَبْقَى بَيْنَنَا ( ظِلّ القَلبِ فِى بَلْدِى..؟)
مَهْمَا تَخْدَعُنَا الدّنْيَا..
وَيَمرُّ العُمْرُ بِلا جَفّ دَمْعٍ وَلا قِصْر حُزْنٍ ( كَيْفَ القلب يَسْكُنَنى/ وَكَيْفَ للروح أنْ تَمْضِى عَنْ الجَسْدِ..!)
،،،،،
حَبِيبى.. غَصْب عَنّى.. أنَا اللُّغَة العَرْبَيّة..
فِيكَ.. لا أقْبَل رَثَاء وَلا عَزَاء..؟
فمَا جَدْوَى..
مَاجَدْوَى يَتْبَقّى مِنّكَ
وَلنَا وبَيْنَنَا.. لاتَبْقَى..!
مَادُمَتَ فِينا..؟
لما تَرْحَلُ..؟
مَاجَدْوَى..؟
وحَوْارِيّو دِرْبِكَ لانَظِلّ.. وَ
وَلا نَبْقَى..!
وَلا تَحْمِلنى أنِيق حِسّكَ
وَهَسْهَسَات حَرْفِى إنْثيْال خَرْيرِ صَوْتَكَ..؟
حَبِيبى الجَمِيلُ المُسَافِرُ أبَدْ
إنّى..
وَالله إنّى أفْتَقِدَك..!
إنّى وَالله أنْقِصُ
أنْقِصُ بِفَقْدك..؟
حَبِيبى..
أنَا المِوْقَّعُ أعْلاه اللغة العَرْبيّة
فِيكَ لَنْ أتَقَبّل عَزَاءْ
فِيكَ لَنْ أتَقَبّل رَثَاءْ
أنَا عَجْزٌ
عَجْزُ إمْضَاءْ..!
******
بقلم: أحمد الغرباوى
* ملحوظة: مَابَيْن الأقْوْاسِ مِنْ إبْدَاعات شِعْرِ الرَّاحِل الكَبير فِى قَصْائد (الليل)؛ و(هل تذكرين)؛ و(وطنى لايسمع أحزانى)؛ و(حنين)؛ و(لؤلؤة فى القلب)؛ و(الدائرة المحمكة)..
فَاروق شُوشَة وَالسَّفَرُ الطَوِيلُ
حَبِيبى.. فِيكَ لَنْ أتَقْبَّلَ عَزَاءْ وَلا رَثْاءْ..!
حَبِيبى.. غَصْب عَنّك
اليَوْمُ تخْلفُ مَوْعِدك وَرِقُىَ الإبْدَاعِ وَخُضْرة الوَرق وَرَطْبِ ظِلّ اللغة وَعَذْب الوْجَد وَسِحْر الكَلِمْ وأسْرِ الحَرْفِ فِى جَمَالِ النَغْمِ..
غَصْب عَنّكَ حَبِيبى..
لاتَنْزِل المَحَطة وَيَأخُذَك القِطَارُ عَبْرَ المَدَى.. وَتَتْرُكنا فِى ذُهُول وَدَهْشة فُجَاءَةِ عَدْمِ اللُقُا..
بَعْد اليَومِ لنْ يَقُلَ لكَ أحَدٌ فِى القَاهِرة..( قِفّ..؟).. قِفّ أيّها القَادِم (يَدُقّ البّابَ وَيحلم..!)
وَبَعْد اليَومِ لنْ تُصَلّى (الجُمْعَةَ فِى أزْهّرْهّا..؟)
وَبَعْد اليَومِ لنْ تَمْشِ فِى (المُوسْكِى وَالعَتْبة/ وَتَعْبُر نَحْوَ القلعَة..؟)
وَتَبْقَى فِينا المُعَلّم.. يَتَهاْدى حَيْاءَاً فِى حُمْرة أوْرِدَتنا.. يَرْعَى نَشْوَة خَلْقِ فَنّى.. حَدّاء الوَرْى.. وَعَصَا النَّاى تَتْكَأ عَلى تَرْنِيمَات الرَّبّ حُضْن ضَنَى..
يَتْرَدَّد صَداَها عِشْق جُمَل.. وَبَيْن الشَفَايْفِ تَأبَى خَدْر نُقَط تَسّاقط لَذّ لَعْقٍ.. وَمَصّ رَضْبٍ.. وَ
وَاشْتَهْاء قُبَل..!
حَبِيبى..
ذُو الحِسّ الأنِيق.. أنَا اللغَةُ العَرْبَيّةُ..
فِيكَ لَنْ أتَقَبّلَ العَزَاءْ..؟
فِيكَ لنْ ألمْلم المَعَانى رَثاءْ..!
،،،،،
حَبِيبى.. غَصْب عَنّك
اليَوْمُ تخْلفُ مَوْعِدك وَرِقُىَ الإبْدَاعِ وَخُضْرة الوَرق وَرَطْبِ ظِلّ اللغة وَعَذْب الوْجَد وَسِحْر الكَلِمْ وأسْرِ الحَرْفِ فِى جَمَالِ النَغْمِ..
وَتَبْقَى أسْوَار مَدْرَسَتِكَ الشَّامِخَة.. وَإبَاء جَامِعَتَكَ.. تَفِيض مَنَاهِجْهَا شَاعِرْيّة اللحن.. وَمِنْ شَوائبِ اللغة مُنْتَقاة دُرْرِ..
وَتَنْطق بِحَالِ وَاقِعنا المَصْرى وَالعَرْبِى.. وَمُعَفّرة بِطِين الدِّلِتا وَنَوّات يُوود اليَّمِ.. وَصَلْدِ وَجَلَد الرَّمْلِ الأصْفَرِ.. أوّل مَنْ يُعْمى العَدْوّ عَنْ سَتْرِ وَهَتْكِ كِبْرِيْاءِ الجَسْدِ المَصْرِى..
وَتَبْقَى حَبِيبى قَامة وَمَقام إعْلَامِى كَبِير.. فِى ظِلّها تَتَرْيّض أنْتَ وَرفِيق دِرْبَك الشَّاعِر الكبير محمد ابراهيم أبوسنّة.. أطَال الله فى عُمْره.. وَتَبُوحُ رَوْحُكَ فِى آخر حِوْارٍ بَيْنَكمُا:
ـ النَّاسُ تَتَصوّرُ أنّنى سَعِيد..!
وَلكِنّى أحِسُّ أنَّ دَبِيبَ المَوتِ فِى نَفْسِى..
المَوْتُ كَامِنٌ فِى نَفْسِى وَقَلْبِى..
حَبِيبى هَلّ رَحَبْتُ بَالمَوت..؟
أمّ ـ عَنْ عَمدٍ ـ فِى سِرّ إلْتَقَاكَ..
قُبَيْل أنْ يَحْمَل جُثْمَانَك الرَّقِيق فِى عَلَنٍ.. ولنَا جَلْدِ عَلنْ
وَيَحْرِمْنَا مِنْكَ القَضا ضَنَنْ..؟
مُتْرَفّقا الرّبُّ بِهَوْلِ قَطْفِ إحْدَى ثَمْرَات الحُبّ..!
،،،،،
حَبِيبى.. غَصْب عَنّك
اليَوْمُ تخْلفُ مَوْعِدك وَرِقُىَ الإبْدَاعِ وَخُضْرة الوَرق وَرَطْبِ ظِلّ اللغة وَعَذْب الوْجَد وَسِحْر الكَلِمْ وأسْرِ الحَرْفِ فِى جَمَالِ النَغْمِ..
وَيْبَقَى لَنَا الكَلِمة السَّحْر.. التِى تعُلّمْنَا كَيْف يَرْتَقِى الإبْدَاع بِالإنْسَان قَوْلاً وَفِعْلا..
فلَايَنْبض إلا بُكِلّ مَاهو جَمِيل.. عَفّ اللسان.. يُرَفْرِفُ عَلى أجْنَحِة شَجَنٍ بَسْم.. يَنْضَحُ مِنْ طِيِب وِدّ.. وَسَكِينة روح.. تُحَلّق دَوْمَا فِى السّحَر.. بَعْيِداً عَنْ الأرْضِ.. أبْعَد مِنْ أمْكَنَة وَأزْمِنَة عَادِيّات البَشَر..
وَعَلى ضِفَاف أوْرِدَتَه وَشَرْايينه.. يَسْرِى وَحُمْرَة دَمّه بُلْبل لايَتْوَقّف عَنْ النّغْمِ..
يَصّاعَدُ صَوْتَه.. وَيـَـ.. تـ.ْ. قـَ.. طـْ.. رُ فِى نَزْفِ جَرْحَهِ مِنْ أعَذْبِ وَأْجْمَل وَأرْخَم وَأْنْدَر وَأفْرَد الأصَوّات الآلهيّة.. التى تَتْرَنّم اللغة العَرْبيّة فِى العَصْرِ الحَدِيث..
هُوَ فَاروق شُوشُة وَالدّكْتور المُبْدع طه حسين.. وَالشّيخ محَمّد رِفْعت.. فَلَيْرَحَمْهم الله وَيَرْحَمْنَا فى غِيَابِهم..
،،،،،
حَبِيبى.. غَصْب عَنّك
اليَوْمُ تخْلفُ مَوْعِدك وَرِقُىَ الإبْدَاعِ وَخُضْرة الوَرق وَرَطْبِ ظِلّ اللغة وَعَذْب الوْجَد وَسِحْر الكَلِمْ وأسْرِ الحَرْفِ فِى جَمَالِ النَغْمِ..
وَيَبْقَى لنَا رِقّ الصّدِقِ فِى أرِيج الوَرْدِ..
خَلوقٌ فِى هَمْسِ القَوْلِ.. وَنَاعِمٌ فِى هَسّ اللمْسِ.. مُهَذّبٌ الحُضور.. كَنْزٌ فَيّاض فِى مَلْكِ كُلّ مِقَوّمَات الالْتِفَافِ حَوْله.. وَالنّهْلِ مِنْ ثَراءِ دُوح رَوْضَهُ.. وَعَذْب مَىّ نَضْحَه..
وَتَصْرُخ فِى وَجْهِنَا مِنْ شِدّة الألم.. وَيَثور الشِّعْرُ:
ـ خَدْمٌ.. خَدْمٌ..!
وَصَعّرْوا الخدود كُلّمَا مَشوا..
وَغَلظوا الصّوت..
فَزْلَزلوا الأرْضَ..
وَطرْقَعوا القَدم..!
وَتَترك لنَا الحِكْمَة.. دَرْسَاً لِكُلّ المُثِقفين.. مِنْ وَراء الجَوائز يَخْدِمون الحُكّام..
وَيُسبِّحون بِحَمْدِ المَنَاصِب وَمِنْحَ السُّلْطَان فِى كُلّ خَان..!
وَفِى المَرْعَى لايَعْرِفُون الفَرْق..
الفَرْقُ بَيْن رِفْقة الذِئَابِ.. وَرُعَاة الغَنْمِ..!
وَتَقول حَبِيبى:
ـ الجَوْائز لاتَصْنَع شَاعِراً..
بَلّ هِى تَكْرِيمَات لإبْدَاع الشّاعر وَنِتَاج المُبْدع..؟
تُرى هَلْ عَرفوا الفَرق..؟
أم وَراء الشَاليهات.. وَشُقق التّمليك.. وَالسّيْارات.. وَدَعايات الزَيّف.. وَمَصالح الشِلليّة.. وَقَبْض ثَمَنْ الآهَات شِعْراً وَنَثْراً.. وَ
يَرْتَعون عَلى حِسَاب حَصَادِ أهْلِ الجَهْلِ وَالفَقْرِ وَالأمْيّة..
وَيَحْشِون عِقُولَهم بِطقوس جَاهِليّة..!
وَيُسْمّمِون أرْوَاحَهم بَأنْ تِرْيَاق الحَيْاة مُتَعٌ
إشْبَاع غَرْائِز جَسَدِيّة..!
وَأنْتَ حَبِيبى المُسَافِر أبْدَ.. القَائِلُ:
ـ لَنْ يَزْدَهِر الشِّعْرُ فِعْلياً إلا إذَا تَحقّقت.. وَتَوفّرت أشْيَاء عِدّة.. أوّلها القَضاء عَلى الأمْيّة.. وَتَعْلِيم النَّشء اللغة السّليمة.. لأنّ الشَّعر فَنٌّ لَغْوِىٌّ صَعْب..
فَلايُمكن قِرَاءة قَصِيدة أوْ تَذوِّقها مِنْ شَخْصٍ لايَحِسّ اللغة العَرْبَيّة..!
وَتَضع لنَا روشتة الخُروج مِنْ إحْبَاطات المُثَقّفِين.. وَتَكْسُّر دروب المُبْدعين.. فَتْرَاهُم:
ـ لَيْسَوا جَّادين.. وَليْسَوا صُرْحَاء.. وَلايُعْبّرَون عَنْ أنْفُسَهُم بِصدْقٍ.. وَيَمْشِون فِى المَسِيرة دُون أنْ يَكونَ لَهُم رَأىّ حُرّ.. وَلا قِوّة لَهْمُ وَلاصَوت مَسْمُوع.. وَدَوْمَاً فِى ذَيْلِ القَائِمَة..!
فِى مَدِينْتَنا الجِميلة سَيّدِى..
لازِلْنَا نَبْحثُ عَنْ الخَلاص.. وَنَتْعَلّقُ بِالحلم مِن فرْار اليَأسِ عّنّا.. مَهْمَا أثْقَلنا مَرَارَ بؤسٍ.. وَالتْحَفَتْنَا جِلودٌ بِلا حِسّ..!
وَلا يَزال فِى أرْوَاحَنا نَزْفِ.. نَقْتَفِى أثْرَ ( عَرّاف يَكْتُب الأدْعِيّة / وَيِلمُّ الجَرْحَ.. ويَشْفِيه/ وَيُدَاوى النّاسَ إذا تَعِبُوا..)
وَتَرْحَلُ حَبِيبى.. مُثْقَلةٌ مِخْلاتك فِى عَامِك الثّمَانِين..
ثَمَانُون عَاماً.. وَتَتْرُكَ لنَا ( فَراغ السَّنِين)
ذِكْرَى ( مُوجَةُ حُبّ دَفِين/ تُدَاعِبُ أحْلامُنَا كُلّ حِين..)
،،،،،
حَبِيبى.. غَصْب عَنّك
اليَوْمُ تخْلفُ مَوْعِدك وَرِقُىَ الإبْدَاعِ وَخُضْرة الوَرق وَرَطْبِ ظِلّ اللغة وَعَذْب الوْجَد وَسِحْر الكَلِمْ وأسْرِ الحَرْفِ فِى جَمَالِ النَغْمِ..
وَيْبَقَى لَنَا بُسْتَانَك الإعْلامِى الغَنّاء مِنْ خِلالِ بِرْنَامِجَكَ الإذْاعِى الأشْهَر(لُغَتَنا الجَمِيلة) بِالإذْاعَة.. وَتَتْجَوّل بِنَا حَيْاة الإبْدِاع وَدُنْيَا المُبْدَعين فى (أمْسِيّة ثَقَافِيّة) بِالتِليفزيون..
وَتُرَفْرف أحْلام النَّوارس الشَّابة.. وَتُحَلّق الأفْرَاخُ الصَّغِيرة وَرْحِيق الاسْتَاذيّة لنَا فِى كُليّة الإعْلام بِجَامِعة القَاهِرة.. وَالجَامِعة الأمْرِيكية.. وَرِئَاسة جَمْعيّة المؤلفين وَعِضْويّة لجنة الشّعر بِالمجلس الأعْلى للثقافة.. وَغيْرها
وَمَا المَناصِب أمَام خِلود إبْدَاعك فِى أكْثَرِ مِنْ مُؤلفٍ أدَبىٍّ.. مِنْهَا (15) دِيوان شِعرى.. مَنّ الله عَليْكَ بِخَلْقِه الفَنّى.. بِدَايْة مِنْ (إلى مُسْافرةعَام 1966).. وَمروراً بـ (العِيون المُحْتَرقة 1972) وَ(لؤلؤة فِى القلب 1973) و (انتظار ما لايجىء 1979).. حَتى (الجِميلة تَنزل إلى النهر) عام 2002..
وماذا حَبِيبى يَفِيد الرَّصد واَلتَسْجِيل وَالتَوْثيق.. وَنَحْنُ مَانَزِل نَروح وَنَجيء فِى بَسَاتين رِيْاضِك.. نَتْرَوّح وَنُرِيح مِنْ عَذَابات الرّوح بِشَجن الحِسّ وَنَقَاء وِارْتَقاء الفِكْرِ فِى مَسَارات رِيْاضَك.. وَنَزِيد مِنْ خَيْرِ مَعِين فَارِس لُغَة الضّاد وَمَنْهَجه الإعْلَامِى الثّقَافى الأصَحّ دَائِماً أبَدَاً..
وَتُسّافر حَبِيبى..
وَتَبْقَى..
تَبْقَى بَيْنَنَا ( ظِلّ القَلبِ فِى بَلْدِى..؟)
مَهْمَا تَخْدَعُنَا الدّنْيَا..
وَيَمرُّ العُمْرُ بِلا جَفّ دَمْعٍ وَلا قِصْر حُزْنٍ ( كَيْفَ القلب يَسْكُنَنى/ وَكَيْفَ للروح أنْ تَمْضِى عَنْ الجَسْدِ..!)
،،،،،
حَبِيبى.. غَصْب عَنّى.. أنَا اللُّغَة العَرْبَيّة..
فِيكَ.. لا أقْبَل رَثَاء وَلا عَزَاء..؟
فمَا جَدْوَى..
مَاجَدْوَى يَتْبَقّى مِنّكَ
وَلنَا وبَيْنَنَا.. لاتَبْقَى..!
مَادُمَتَ فِينا..؟
لما تَرْحَلُ..؟
مَاجَدْوَى..؟
وحَوْارِيّو دِرْبِكَ لانَظِلّ.. وَ
وَلا نَبْقَى..!
وَلا تَحْمِلنى أنِيق حِسّكَ
وَهَسْهَسَات حَرْفِى إنْثيْال خَرْيرِ صَوْتَكَ..؟
حَبِيبى الجَمِيلُ المُسَافِرُ أبَدْ
إنّى..
وَالله إنّى أفْتَقِدَك..!
إنّى وَالله أنْقِصُ
أنْقِصُ بِفَقْدك..؟
حَبِيبى..
أنَا المِوْقَّعُ أعْلاه اللغة العَرْبيّة
فِيكَ لَنْ أتَقَبّل عَزَاءْ
فِيكَ لَنْ أتَقَبّل رَثَاءْ
أنَا عَجْزٌ
عَجْزُ إمْضَاءْ..!
******
بقلم: أحمد الغرباوى
* ملحوظة: مَابَيْن الأقْوْاسِ مِنْ إبْدَاعات شِعْرِ الرَّاحِل الكَبير فِى قَصْائد (الليل)؛ و(هل تذكرين)؛ و(وطنى لايسمع أحزانى)؛ و(حنين)؛ و(لؤلؤة فى القلب)؛ و(الدائرة المحمكة)..