اعترافات قاتل اقتصادي
بقلم : د. سمير مسلم الددا
[email protected]
ما دفعني لكتابة المقال تحت هذا العنوان هو ما سمعته خلال مقطع فيديو صغير لا تتجاوز مدته الثلاث دقائق تقريبا وصلني مؤخرا من صديق عبر احدى قنوات التواصل الاجتماعي عبارة عن مقابلة تلفزيونية مع جون بيركنز وهو عالم اقتصاد وكاتب وناشط سياسي وعالم بيئة أمريكي, وهو صاحب كتاب "اعترافات قاتل اقتصادي" وعنوانه بالانجليزية " Confessions of an Economic Hit Man" والذي ذاع صيته عالميا وعلى نطاق واسع بعد تأليفه هذا الكتاب.
ما سمعته من الرجل اثار فضولي فبحثت عنه وعن كتابه, وما وجدته كان مفاجئا في درجة خطورته, فرأيت نشره لما له من اهمية استثنائية.
ظل جون بيركنز القاتل الاقتصادي (كما أطلق هو على نفسه) صامتا قرابة عشرين عاما وهو لا يجرؤ على نشر مذكراته خوفا من التهديدات التي كان يتلقاها باستمرار من جهات امريكية نافذة وقد قبل رشوة ضخمة في مطلع الثمانينات لقاء صمته كما قال, لكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر اتخذ قرارا حاسما بكشف الحقيقة مهما كانت العواقب, فانكب بشغف على تأليف كتابه المشار اليه دون أن يطلع عليه أحد, حتى اقرب المقربين اليه على حد قوله, حتى فرغ من كتابته كاملا, فأخذه الى العديد من دور النشر والتي لم تتجرأ على نشره إلا واحدة وهي دار نشر تسمى بيريت كويهلر (Berret-Koehler Publishers), فخرج الكتاب في طبعته الاولى الى النور عام 2004 ليتربع على عرش الكتب الأكثر مبيعاً في العالم وترجم إلى ثلاثين لغة أجنبية منها اللغة العربية تحت عنوان "الإغتيال الإقتصادي للأمم".
اعترف جون بيركنز بتجنيده من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية وتحدث عن كيفية تدريبه ليصبح قاتلا اقتصاديا تحت غطاء شركة استشارات هندسية أمريكية ضخمة أدخل فيها كخبير اقتصادي, وذكر ان مهمته الأولى كانت في إندونيسيا بمثابة التعميد الميداني له في العالم الإسلامي ومهدت لمهماته القادمة في دول اسلامية اخرى وخصوصا في منطقة الخليج العربي والعراق.
اصبح جون بيركنز ذا شهرة عالمية واسعة بعد ان اعترف بأنه كان قاتلا من نوع خاص شارك بفاعلية في الاغتيال الاقتصادي لدول وامم بأكملها, وبواسطة الرشوة والابتزاز كان يرغم زعماء الدول النامية على أخذ قروض من مؤسسات مالية مشبوهة, عالمية تنموية في ظاهرها ولكنها تنضح بسياسات امريكية استعمارية تهدف لاخضاع الدول المستهدفة بالقوة الاقتصادية وادخال تلك الدول (الضحايا) في دوامة الديون وبالتالي مستنقع التبعية الاقتصادية القسرية للولايات المتحدة, ومن ثم يصبح من البديهي منح الشركات والبنوك الأمريكية كافة الإمتيازات في جميع المناقصات والعقود في هذه الدول، أي ان القروض تعود في النهاية لاقتصاد الولايات المتحدة الامريكية ولكن تبقى الدولة الضحية مكبلة بقيود اقتصادية امريكية محكمة ودائمة من المستحيل التخلص منها وبالتالي استرقاق الدولة الضحية وابقائها في بيت الطاعة الامريكي الى ان يشاء الله.
اما إذا حاول أحد الزعماء السياسيين عدم الإذعان والتجاوب مع الشروط الأمريكية فإن الاجهزة الخاصة الامريكية تقوم بارسال عناصر خاصة, سماها بيركنز "الجاكلز", لتصفية هذا السياسي (المتمرد) من وجهة نظرهم، وأورد بيركنز في كتابه أسماء القادة والبلدان (منها دول عربية) الذين كانوا من ضحاياه, فذكر على سبيل المثال ما حدث لعدة رؤساء وملوك في عدة دول بدأً بالإطاحة برئيس وزراء إيران السابق الدكتور محمد مصدق على يد عميل وكالة المخابرات المركزية كيرميت روزفلت ، نسيب تيدي روزفلت في بداية الخمسينات من القرن الماضي عندما لم يستجيب مصدق حينها لابتزاز شركات البترول الامريكية, وكذلك اغتيال عمر توريخوس رئيس بنما واغتيال زعيم الاكوادور خايمي دولدوز قبل عدة سنوات وكذلك غزو العراق واعدام صدام حسين والاطاحة نظامه وغيره من القادة العرب, لمحاولتهم الافلات من براثن الاطماع الامبريالية الامريكية
الاخطر من كل ما سبق, ان جون بيركنز يعترف بكل صراحة وعلى رؤوس الاشهاد, بأن ثمة الكثير من أمثاله، وأن الاغتيال الاقتصادي للأمم أضحى عملا روتينيا بالنسبة للولايات المتحدة ومستمرا على الدوام ولم يتوقف لحظة, وبهذا يقرع جرسا مدويا للإنذار...فماذا نحن فاعلون...؟...سؤال اجابته تساوي طنا من الذهب.
جون بيركنز (العميل السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكية) لم يكن الوحيد الذي يثبت تورط أمريكا في ابتزاز قادة دول العالم الثالث اقتصاديا، ثم سعيها لتصفية كل من يتمرد منهم، بل هناك اخرون منهم أوزوالدو دي ريفيرو في كتابه “خرافة التنمية الاقتصادية” والذي اثبت كذلك بالادلة القاطعة حرص الولايات المتحدة على عرقلة جهود أي دولة نامية تسعى للحاق بركب التنمية الحقيقية وقد يكون ذلك موضعا لمقال اخر قادم ان شاء الله.
إذا كان هذان المؤلفان (بيركنز و دي ريفيرو) وغيرهما يثبتان جرائم امريكا البشعة يحق شعوب العالم الثالث والعرب على وجه الخصوص وذلك من منظور مادي اقتصادي، الا اننا يمكننا التحدث بأريحية عن البعد العقائدي عندما يتعلق الأمر بالمسلمين ونظرة الغرب عموما لهم والامريكان خصوصا ومن يهمين على مفاصل حياتهم من اليهود واللوبي المرعب المؤيد لهم والذي نجح بتفوق بتصوير الدين الإسلامي "عدو" لأمريكا وللأمريكان, عندها ندرك الخلفية الصهيونية لصناعة القرار في الولايات المتحدة الامريكية.
في سياق متصل, ولتوضيح حجم وخطورة هذه الكارثة تجدر الاشارة الى ان حجم الديون في العالم تعدى هذه السنة حاجز المائة واثنين وخمسين تريليون دولار أي 225% من الناتج الاقتصادي العالمي (بعد ان كان 200% فقط من الناتج الاقتصادي العالمي سنة 2002) منها 100 مليار دولار مستحقة وواجبة السداد, ورغم هذه الارقام المرعبة دعت كرستين لاجارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي سيئ الذكر والعدو اللدود للدول النامية, دعت هذه الدول لمزيد من الاقتراض ومزيدا من الانفاق بهدف تعزيز النمو في هذه الدول على حد زعمها, ولكن الهدف الغير ظاهر برأيي هو تشديد قبضة الدول الغنية (امريكا تحديدا) على الدول المستهدفة وتعزيز تبعية اقتصاديات هذه الدول الهشة للاقتصاد الامريكي العملاق.
بقلم : د. سمير مسلم الددا
[email protected]
ما دفعني لكتابة المقال تحت هذا العنوان هو ما سمعته خلال مقطع فيديو صغير لا تتجاوز مدته الثلاث دقائق تقريبا وصلني مؤخرا من صديق عبر احدى قنوات التواصل الاجتماعي عبارة عن مقابلة تلفزيونية مع جون بيركنز وهو عالم اقتصاد وكاتب وناشط سياسي وعالم بيئة أمريكي, وهو صاحب كتاب "اعترافات قاتل اقتصادي" وعنوانه بالانجليزية " Confessions of an Economic Hit Man" والذي ذاع صيته عالميا وعلى نطاق واسع بعد تأليفه هذا الكتاب.
ما سمعته من الرجل اثار فضولي فبحثت عنه وعن كتابه, وما وجدته كان مفاجئا في درجة خطورته, فرأيت نشره لما له من اهمية استثنائية.
ظل جون بيركنز القاتل الاقتصادي (كما أطلق هو على نفسه) صامتا قرابة عشرين عاما وهو لا يجرؤ على نشر مذكراته خوفا من التهديدات التي كان يتلقاها باستمرار من جهات امريكية نافذة وقد قبل رشوة ضخمة في مطلع الثمانينات لقاء صمته كما قال, لكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر اتخذ قرارا حاسما بكشف الحقيقة مهما كانت العواقب, فانكب بشغف على تأليف كتابه المشار اليه دون أن يطلع عليه أحد, حتى اقرب المقربين اليه على حد قوله, حتى فرغ من كتابته كاملا, فأخذه الى العديد من دور النشر والتي لم تتجرأ على نشره إلا واحدة وهي دار نشر تسمى بيريت كويهلر (Berret-Koehler Publishers), فخرج الكتاب في طبعته الاولى الى النور عام 2004 ليتربع على عرش الكتب الأكثر مبيعاً في العالم وترجم إلى ثلاثين لغة أجنبية منها اللغة العربية تحت عنوان "الإغتيال الإقتصادي للأمم".
اعترف جون بيركنز بتجنيده من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية وتحدث عن كيفية تدريبه ليصبح قاتلا اقتصاديا تحت غطاء شركة استشارات هندسية أمريكية ضخمة أدخل فيها كخبير اقتصادي, وذكر ان مهمته الأولى كانت في إندونيسيا بمثابة التعميد الميداني له في العالم الإسلامي ومهدت لمهماته القادمة في دول اسلامية اخرى وخصوصا في منطقة الخليج العربي والعراق.
اصبح جون بيركنز ذا شهرة عالمية واسعة بعد ان اعترف بأنه كان قاتلا من نوع خاص شارك بفاعلية في الاغتيال الاقتصادي لدول وامم بأكملها, وبواسطة الرشوة والابتزاز كان يرغم زعماء الدول النامية على أخذ قروض من مؤسسات مالية مشبوهة, عالمية تنموية في ظاهرها ولكنها تنضح بسياسات امريكية استعمارية تهدف لاخضاع الدول المستهدفة بالقوة الاقتصادية وادخال تلك الدول (الضحايا) في دوامة الديون وبالتالي مستنقع التبعية الاقتصادية القسرية للولايات المتحدة, ومن ثم يصبح من البديهي منح الشركات والبنوك الأمريكية كافة الإمتيازات في جميع المناقصات والعقود في هذه الدول، أي ان القروض تعود في النهاية لاقتصاد الولايات المتحدة الامريكية ولكن تبقى الدولة الضحية مكبلة بقيود اقتصادية امريكية محكمة ودائمة من المستحيل التخلص منها وبالتالي استرقاق الدولة الضحية وابقائها في بيت الطاعة الامريكي الى ان يشاء الله.
اما إذا حاول أحد الزعماء السياسيين عدم الإذعان والتجاوب مع الشروط الأمريكية فإن الاجهزة الخاصة الامريكية تقوم بارسال عناصر خاصة, سماها بيركنز "الجاكلز", لتصفية هذا السياسي (المتمرد) من وجهة نظرهم، وأورد بيركنز في كتابه أسماء القادة والبلدان (منها دول عربية) الذين كانوا من ضحاياه, فذكر على سبيل المثال ما حدث لعدة رؤساء وملوك في عدة دول بدأً بالإطاحة برئيس وزراء إيران السابق الدكتور محمد مصدق على يد عميل وكالة المخابرات المركزية كيرميت روزفلت ، نسيب تيدي روزفلت في بداية الخمسينات من القرن الماضي عندما لم يستجيب مصدق حينها لابتزاز شركات البترول الامريكية, وكذلك اغتيال عمر توريخوس رئيس بنما واغتيال زعيم الاكوادور خايمي دولدوز قبل عدة سنوات وكذلك غزو العراق واعدام صدام حسين والاطاحة نظامه وغيره من القادة العرب, لمحاولتهم الافلات من براثن الاطماع الامبريالية الامريكية
الاخطر من كل ما سبق, ان جون بيركنز يعترف بكل صراحة وعلى رؤوس الاشهاد, بأن ثمة الكثير من أمثاله، وأن الاغتيال الاقتصادي للأمم أضحى عملا روتينيا بالنسبة للولايات المتحدة ومستمرا على الدوام ولم يتوقف لحظة, وبهذا يقرع جرسا مدويا للإنذار...فماذا نحن فاعلون...؟...سؤال اجابته تساوي طنا من الذهب.
جون بيركنز (العميل السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكية) لم يكن الوحيد الذي يثبت تورط أمريكا في ابتزاز قادة دول العالم الثالث اقتصاديا، ثم سعيها لتصفية كل من يتمرد منهم، بل هناك اخرون منهم أوزوالدو دي ريفيرو في كتابه “خرافة التنمية الاقتصادية” والذي اثبت كذلك بالادلة القاطعة حرص الولايات المتحدة على عرقلة جهود أي دولة نامية تسعى للحاق بركب التنمية الحقيقية وقد يكون ذلك موضعا لمقال اخر قادم ان شاء الله.
إذا كان هذان المؤلفان (بيركنز و دي ريفيرو) وغيرهما يثبتان جرائم امريكا البشعة يحق شعوب العالم الثالث والعرب على وجه الخصوص وذلك من منظور مادي اقتصادي، الا اننا يمكننا التحدث بأريحية عن البعد العقائدي عندما يتعلق الأمر بالمسلمين ونظرة الغرب عموما لهم والامريكان خصوصا ومن يهمين على مفاصل حياتهم من اليهود واللوبي المرعب المؤيد لهم والذي نجح بتفوق بتصوير الدين الإسلامي "عدو" لأمريكا وللأمريكان, عندها ندرك الخلفية الصهيونية لصناعة القرار في الولايات المتحدة الامريكية.
في سياق متصل, ولتوضيح حجم وخطورة هذه الكارثة تجدر الاشارة الى ان حجم الديون في العالم تعدى هذه السنة حاجز المائة واثنين وخمسين تريليون دولار أي 225% من الناتج الاقتصادي العالمي (بعد ان كان 200% فقط من الناتج الاقتصادي العالمي سنة 2002) منها 100 مليار دولار مستحقة وواجبة السداد, ورغم هذه الارقام المرعبة دعت كرستين لاجارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي سيئ الذكر والعدو اللدود للدول النامية, دعت هذه الدول لمزيد من الاقتراض ومزيدا من الانفاق بهدف تعزيز النمو في هذه الدول على حد زعمها, ولكن الهدف الغير ظاهر برأيي هو تشديد قبضة الدول الغنية (امريكا تحديدا) على الدول المستهدفة وتعزيز تبعية اقتصاديات هذه الدول الهشة للاقتصاد الامريكي العملاق.