الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

لا تقبروه ..اتركوه في حضني بقلم عيسى قراقع

تاريخ النشر : 2016-10-01
لا تقبروه ..اتركوه في حضني بقلم عيسى قراقع
لا تقبروه ... اتركوه في حضني
بقلم عيسى قراقع

رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين

شاهدنا العالم بأسره ونحن نستقبل جثمان الشهيد الاسير ياسر حمدونة من على حاجز الجلمة العسكري، عاد الينا جثة هامدة من سجون الاحتلال بعد قضاء 14 عاما من مؤبده المفتوح على الظلام ، سقط قتيلا بعد ان صرعه المرض والاهمال الطبي الذي يرتقي في السجون الى مستوى جريمة الحرب والجريمة ضد الانسانية.

لم يسأل العالم الحر عن هذا الشعب الذي يستقبل اسراه في توابيت وداخل اكياس سوداء، وعن هذه الجثة التي حملت في دمها وقلبها حسرات وعذابات ومعانيات الآلاف من الاسرى والاسيرات، يموتون هناك، تتكسر احلامهم، وتذوب اجسادهم ولا يكتملون الا صامتين محمولين على الاكتاف الى قبورهم، ليشتعل التراب مرة اخرى بما حملوا من امنيات وذكريات.

ليس قدرنا هذا الموت وهذا الاحتلال، ارضنا دمنا، وهذا عصرنا، ابواب ونوافذ تتسارق النظر، تتعانق في الفضاء، وفي الجنازة كانت شوارع يعبد جنين تدر غزيرة، الحليب دم، الوقت دم، العلو سيد على اعضائنا واجسادنا ، لا نستيطع ان نكتب اسماءنا الا بابجدية الحرية، هتف نشيد الناس المفجوعين الحائرين المصدومين.

دخل الشهيد ياسر حمدونة بيته، لم يكن وداعا عاديا، احتضنته امه طويلا، صرخت في الجميع: لا تقبروه...اتركوه في حضني، غاب عني، الموت كسر مؤبده الآن ودخل البيت اخيرا، دعوه يجلس ، دعوه يمشي، دعوه يعانق اطفاله الصغار، دعوه يشرب الشاي معي في الصباح، دعوه يصافح الاصدقاء ، دعوه ينام على وسادته قربي، يرى الفجر ويأكل خبز الطابون بالزعتر من يدي.

هذه الام تتشظى في اعضاء ولدها... تلده مرة اخرى، فالجنازة في جنين هي امراة تجمع المسافات كلها ، تغمرنا بالحب وبالورد وبالغضب، تتدلى معنا الى قبرنا الجماعي، تلملم عظامنا، توقظ الاموات في مخاضها، تلد الانبياء على فراشها ، يداها تهز الجسد الميت والجسد الحي، تهز جذوع النخيل من حولنا، كبرنا وتنهدنا على صدر حقول الرعاة والمبشرين.

لا تقبروه ... اتركوه في حضني، يُمطر التاريخ في احشائه، يُمطر في كلماته وبين قدميه، يمطر دما يرفعه راية للسماء، أرض الأم اوسع من مخططات وجرافات الاحتلال والمستوطنات، وابعد مما تقول النبواءات، ارض الأم تعشق الاحرار، هذا ابني، ولد شمسا وعاد شمسا، خلع قفله ورد غطائي عليّ.

القلب يدق بسرعة، هناك المئات من الاسرى المرضى الواقفين على بوابات الآخرة، المصابين بالسرطان والاورام والجرحى والمعاقين والمشلولين والمكتملين في توابيتهم، سكن الموت في اعماقهم، يخشون ان ينفجر فجاة قبل ان تسأل الضحية جلادها ويتأخر الحنين الى الغد ويتعثر الحلم في الخطى، ولا يأتي زورق النجاة.

لا تقبروه ... اتركوه في حضني، لا ادفن ابني الذي اتى، هم كانوا يعرفون انه مريض بالقلب، ظل ملفه الطبي عالقا هناك، تفاقم المرض في جسمه دون علاج، نخر شرايينه ، واطبق الموت على انفاسه في ذلك الصباح، حاول القلب ان يضخ ويدق على بوابات العالم والامم، ان يقول لهم انقذونا ، امنعوا الموت ان يفتك بنا، لا مكان للسلام في السجون وقد غطته رائحة المذبحة.

بأي لغة هذه الام تواجهنا، تحمل التابوت على رأسها، جسدها ينتفض ويفيض ويفيض يغمرنا، يغمر الدنيا هزات وهزات، والآن رعد في جنين القسام، والآن صرخة في الوضوح وفي الغموض، لا حراك، تجمدنا، الجنازة طويلة، والجنازة لا تنته، نهض الشهيد واطل علينا، عانق امه ، قبل يديها، رأى بحرا، وراى قمرا، ورأى ارضا ترفع عن صخرها غيمة غارقة في الماء.

هنا في يعبد القسام، وجدت ان لكل نبتة ولكل حجر ولكل صوت نبع لشهيد او اسير ، خطوات تطبع ظلالها على الحاضر والمستقبل والتاريخ، للتراب بصر يحفر عميقا عميقا ويضيء على وجوده النساء، امهات يذهبن الى زيارة ابنائهن في المقابر او السجون، لكي يزين قبور الراحلين بالاكاليل ، وليل الغائبين بنور الامل والدعاء.

هؤلاء الذين يظنون ان الارض وعد لهم ، وانها اصبحت ملكهم، لم يضعوا في طريقها الا حواجز لاقتناص الاطفال، وعلى شفتيها وضعوا الاغلال والسلاسل، وفي هوائها نصبوا شباكا لاصطياد الفراشات، توغلوا حديدا وبارودا وقضبانا في السجون والزنازين ، توغلوا وتضخموا، صار خوفهم من الحياة والحضارة موت، ومن بابل الى القدس لم يزرعوا وردة او سلاما، دخلوا فوق الدبابة الغاصبة، تعتصرهم العنصرية والكراهية.

هؤلاء الذين لا يربون اولادهم الا على التطرف القومي ، لم يعطوا للعالم والديمقراطية سوى السجانين والجلادين، غاب رجال القانون والمفكرين عندهم، تحولوا الى عصابة في دولة دكتاتورية فاشية لا ترى الآخرين الا من فوهة بندقية.

لا تقبروه...اتركوه في حضني، سمعت ام ياسر توصي ولدها الشهيد وهي تقول: سلم على عمر القاسم وعلي الجعفري وراسم حلاوة، سلم على فادي الدربي وميسرة ابو حمدية وزهير لبادة، سلم على قاسم ابو عكر وابراهيم الراعي وعرفات جردات، سلم على خليل ابو خديجة وعبد القادر ابو الفحم ونعيم شوامرة واسحق مراغة، سلم على الشهداء وعلى اشلائهم الثائرة.

لا تقبروه ... اتركوه في حضني، اليوم الاحد، دق جرس الكنيسة الساعة السادسة من يوم 25/9/2016، هناك بشارة وخبر وحيّ يعود، فلسطين نهضت واسلمت صوتها ايها الشهيد اليك، مشت في غضبها الى ذروات جراحك ، فأعطنا الان يديك.

 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف