الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المذاهب الشمولية ومصادرة الفكر بقلم:نزار بدران

تاريخ النشر : 2016-10-01
المذاهب الشمولية ومصادرة الفكر

نزار بدران

  يشمل تعبير الشمولي كل فكر يقصي الآخر، ولا يترك له أي مكان في أي مكان، بل هو يحمل في ثناياه نفي هذا الآخر. مثل هذه الإيديولوجيات قديمها وحديثها تقع في مطب المُطلق، وتتصور أنها وصلت إلى الحقيقة التامة، ووصلت إلى جوهر الأشياء، فهم كأبي الكيمياء جابر بن حيان في القرن الثامن الميلادي، الذي كان يبحث عن الحجر الفلسفي الذي يحول كل شيء إلى ذهب.

  ظن بعض الفلاسفة القدامى، أن كل شيء يحوي في داخله ألجوهر, وإذا وصلنا إليه حصلنا على المعرفة النهائية. بينما الحقيقة الأبدية والنهائية لم تعد موجودة، لا بالفكر ولا بالفلسفة، ولا حتى بالعلوم البحتة، كالفيزياء، فأينشتاين وضع أسس النظرية النسبية، وأثبت هو وثُلة كبيرة من علماء الفيزياء، عدم وجود أي تمركز للحقيقة أو جوهر الأشياء، وأن الأشياء أصلاً بما فيها الذرة والالكترون ليس لهما جوهر خاص، وإن كان لهم حالات نسبية، متغيرة ومتقلبة. هذه الفيزياء الحديثة، والتي أصابت حتى مفهوم الزمن والمكان، هي أساس العلوم المعرفية، وبدونها لما وُجد الحاسوب، الذي تقرأ عليه عزيزي القارئ هذه الكلمات، ولا "الجي بي أس"، الذي يوصلك بسهولة إلى أي عنوان، بأعقد المدن.

كوارث الاستبداد

  الفكر الشمولي، لم يقبل ذلك، وكان النظام الشيوعي يتبنى مفهوم السببية، أي بمعنى أن لكل شيء مسار يسير باتجاهه، لا يمكن تحويله، مستنتجاً طبعاً، نظرية تطور الشعوب والمجتمعات، وحتمية دخولها النظام الشيوعي، والذي هو برأيهم، النهاية لمآل كل التناقضات.

  هذا الفكر بدل أن يوصلنا إلى الجنة الموعودة، بروسيا أو الصين، أوصلنا طبعاً، إلى كوارث الاستبداد وحكم القلة، وما صاحبها في الدول الشيوعية من قتل وتشريد الملايين. كذلك الفكر النازي حمل في طياته أشياء مشابهة شمولية، ولم يصل هتلر، إلى مملكة الألف عام التي كان يعمل لإقامتها، بل إلى دمار ألمانيا وأوروبا.

  الحروب الدينية التي عمت أوروبا خلال القرون الوسطى، بين الكاثوليك والبروتستانت، وتيارات دينية أخرى، تُذكرنا بآفة الحروب، التي دارت وما تزال تدور، في عالمنا الإسلامي، في حضن الفكر الشمولي الديني، ومنذ البدء. فكل مذهب يتصور امتلاكه للحجر الفلسفي والحقيقة الإلهية القادمة من الغيب, وليس في مخيلته مجال لفكره نفسه ، فكيف سيقبل بفكر الآخر؟.

  النموذج الساطع، هو التيارات السلفية المتشددة، والتي لا تقبل إلا التقيد والخضوع للنص، كما حُدد قبل عشرة قرون، عندما حددت الخلافة العباسية ببغداد، المذهب السني، وأغلقت باب الاجتهاد وأنهت كل ما دار قبلها، في بدايات الإسلام، من حيوية فكرية, مثل فكر المعتزلة، ونقل وترجمة الفلسفة اليونانية في القرن الثامن والتاسع الميلادي.. وهذا بهدف تثبيت دعائم الحكم العباسي، وإنهاء كل التيارات المعارضة له، بتهمة الخروج عن الدين.. كتكفير الشيعة ومذاهب أخرى الخ..

  أدى هذا الإعلان إلى إنهاء الفكر، والذي كان مصدر التطور الحضاري، خلال القرون الأولى للإسلام. استبدل هؤلاء العلماء والمفكرون، بالفقهاء وعلماء الدين،  الذين حددوا بشكل نهائي، مصادر المعرفة بما كان قيل وعُمل زمن السلف الصالح، ورفض كل ما لا يتطابق معه. إنهاء الاجتهاد هو الانتقال من حق الفكر المستقل، بموازاة الدين، إلى مرحلة إنهاء كل الاتجاهات الفكرية، والاكتفاء بالدين وحده. ولم نجد في المراحل اللاحقة، إلا القلة ممن خرجوا عن هذا الخط، أمثال ابن رشد، من الأندلس الأموية، والذي مات بمنفاه المراكشي، بالقرن الثاني عشر، أو ابن خلدون بالقرن الرابع عشر، والذي وضع أول تاريخ موضوعي، لا ديني، يصف الإمبراطوريات والدول، بما فيها الدولة الإسلامية، ويُعتبر لحد الآن مصدر فكر بعلم التاريخ والاجتماع.

الطوائف وأحزابها القديمة

  عشرة قرون من الانغلاق الفكري، واعتماد الفقه والفقهاء كمرجعية علمية، أبعدتنا عن العلم والمعرفة، وأغرقتنا في التخلف والابتعاد عن الحضارة، بينما القرون القليلة، التي تلت ظهور الإسلام، كانت مليئة بالعطاء والعلم والمعرفة والفلسفة واستقبال الفكر المستقل، والتي ربطت العرب، كقوة عصبية حاكمة، كما يقول ابن خلدون، مع الحضارة الفارسية العريقة، وحضارة الإغريق، وسمحت بذلك بتفجر ما يسمى بالحضارة الإسلامية.

  طوال أمد فترة الجمود، والتي شملت إنغلاق الفكر، بقرار سياسي من الخلافة العباسية، وبدعم من الأغلبية الشعبية المحافظة، وربط أي نشاط فكري بمرجعية دينية محددة، لا يجب أن يكون سبباً لاستمرار هذا الجمود، خصوصاً في هذا الزمن المنفتح على العالم، وتطور طبقة وسطى متعلمة، لم تعد تقبل بمسلمات الماضي، بل ترغب باللحاق بركب الحضارة العالمية، وبناء أمة منفتحة، تتخلص من قيود التحجر الفكري الديني الغيبي.

  المذهب الحنبلي بالقرن التاسع، وما تبعه بالقرن الثالث عشر، من ظهور الفكر الأصولي المتطرف لإبن تيمية، والذي جُدد بقوة مع ظهور المذهب الوهابي، بالقرن الثامن عشر، هو للأسف الصيغة الطاغية على الوضع الحضاري والفكري بالعالم الإسلامي. بينما فكر المعتزلة المنفتح، ووصولهم للسلطة زمن الخليفة المأمون، لم يدم إلا بضعة عشرات من السنين.

  كل الأسماء اللامعة للفكر الخلاق مثل ابن سيناء، والخوارزمي، والفارابي، وسيبويه، وهم في جلهم من شعوب غير عربية ذات انتماء للحضارة الفارسية لم تكن لتستطيع العطاء، لو عاشت في زمن إغلاق الاجتهاد، والاكتفاء بالنصوص الدينية، بالعلم والسياسة والمجتمع.

أسس التخلف الاجتماعي

  منع التعددية الفكرية في المجتمع, ومنع حرية تشكيل الأحزاب، هي التي أسست للتخلف الاجتماعي والحضاري، الفكر الأحادي في هذا الزمن، هو ما يسمى حكم الحزب الواحد، كما هو الحال في دول حزب البعث العربي ألاشتراكي كسوريا، أو الحزب الوطني بمصر زمن  الرئيس حسني مبارك.

 في الأزمان القديمة، كانت الاتجاهات ألفكرية, تأخذ دائماً غطاءاً مذهبياً، فالمذاهب الدينية، تعكس بالحقيقة التنوع السياسي للمجتمع، في زمن لم يكن هناك شيء يخرج عن إطار الدين.

  وحدها الأنظمة الديمقراطية، هي التي تحمي التعدد الفكري، وحق تشكيل الأحزاب، وهو أساس قوة هذا النظام وسبب استمراريته، كما نرى حالياً بالغرب واليابان والبرازيل والهند وجنوب افريقيا وغيرها من الدول في كل أنحاء العالم.

  أن تنتمي لطائفة محددة، في بلاد العرب حالياً، هو بالأساس انتماء لفكر سياسي اجتماعي، كان موجوداً في فترة معينة، قبل عدة قرون، وبظروف سياسية محددة، ويعكس صراعات سياسية معينة، لا يمكن الاعتماد عليها في زمننا هذا، لحل تناقضات مجتمعاتنا الحديثة، الطوائف يجب أن تبقى جزء من تاريخنا وليس جزء من حاضرنا، هي فقط أحزاب الماضي.

  بالعكس فإن تشكيل الأحزاب السياسية، وتطوير مؤسسات المجتمع المدني، على أسس فكرية صرفة، محترمة توازنات القوى الاجتماعية، هي الكفيلة بإقامة دولة المواطنة، بدل دولة الطوائف.

لا يُتِصور حالياً، في دولة ديمقراطية، أن ينتمي أحد إلى اتجاه فكري، كان موجوداً قبل قرنين أو ثلاثة، مثل أحزاب الثورة أو الملكية الفرنسية، أو برامج أحزاب الحرب الأهلية الأمريكية، فكيف نقبل نحن، أن نبقى تابعين لأحزاب وُجدت قبل عشرة قرون؟. أن ندافع عن الحسن والحسين أو عن عمر وعثمان، لا يمكن أن يكون فكراً معاصراً مقبولاً، هؤلاء هم فقط جزء من التاريخ العربي الإسلامي لا أكثر ولا أقل.

  الشمولية، هي وباء القرن العشرين، وقد ُبدئ التخلص منها في نهايات ذلك القرن، عندما انهارت الشيوعية، وتحررت دول أوروبا الشرقية، وكذلك تحررت دول أمريكا اللاتينية، وعديد من الدول الإفريقية والآسيوية. التغيرات السياسة بدول العالم، تبتعد دائما، عن فكر وسياسة الحزب الواحد، والقائد المُلهم، وتتجه نحو الديمقراطية والتعددية.

 الأمة العربية لا يمكن أن تكون استثناء عن هذه القاعدة، وهي تعمل جاهدة للخروج من الاستبداد والفكر الشمولي، والذهاب نحو الديمقراطية والتعددية كغيرها، وسلاحها بذلك لن يكون إلا فكرياً حراً متجددا ، ولا مكان للفكر الديني الغيبي أو القومي الشمولي, أو العلماني الانتقائي، في هذه المعادلة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف