الفساد الانتخابي والوعود الكاذبة
بقلم : عمر دغوغي صحفي وفاعل جمعوي
[email protected]
تعتبر الانتخابات بالنسبة إلى الشعوب أشبه باتخاذ القرارات المصيرية التي تعني تغييرا جذريا في حياة الفرد، و هي بالتالي قد تؤثر على مستقبل الأجيال القادمة وهي بذلك تعتبر عنصرا جوهريا في الديمقراطية و هي لها بمثابة الروح للجسد و يتطلع المغاربة إلى الانتخابات التشريعية المقبلة المقرر إجراؤها في 7 أكتوبر 2016 وفي حوزتهم كما هائلا من الأسئلة.
ولقد تعرضت الانتخابات المغربية – التشريعية والجماعية- منذ بداية انطلاقتها مثلها مثل بقية الانتخابات في العالم العربي إلى سقطات ونكسات كثيرة ، حيث اتسمت بمفاسد انتخابية كبيرة، مثل شراء الأصوات ، وتدخل وزارة الداخلية بشكل سافر في مسار الانتخابات عبر تسهيل الخدمات الحكومية لبعض المرشحين وغيرها من مفاسد بالإضافة إلى الحياد السلبي اللادارة والتي لا تقوم بزجر و ردع رواد الفساد و الرشوة و تتكرر مشاهد الفضائح السياسية في المغرب مع كل عملية انتخابية جديدة، وتنتشر الخروق التي تمس عمق التحول الديمقراطي الذي يراهن عليه المغرب، يغطيها غياب قضاء مستقل، وضعف التنشئة السياسية التي تلقتها فئات قليلة من المجتمع، بينما تغيب عند فئات عريضة، لتتحول كل عملية انتخابية إلى مجازر ترتكب في حق الديمقراطية والمصداقية آخرها وقائع انتخابات شتنبر 2007و وكذا ما عرفته الانتخابات الجزئية (شتنبر 2008) و ما صاحبها من خروقات غطت معظم جهات المملكة، لم يعطيها القضاء ما تستحقه من متابعة، و قد أدى ويؤدي تكرار مثل هذه المشاهد إلى:
تراجع الوعي السياسي : من المسلمات التي أصبحت راسخة في الشارع المغربي كون شريحة كبيرة من المغاربة قد فقدوا ثقتهم في الشأن السياسي والسياسيين، وفي ما تفرزه الانتخابات، وما يصاحبها من خطابات تتغذى على قضايا هامشية، وتستغل معاناة المواطن لتوظيفها لأغراض انتخابية، لكن الخطير في الأمر هو اتجاه المثقف المغربي إلى نفس النتيجة، ليصبح أكبر الغائبين عن تعزيز مبادئ بناء دولة قوية في ظل العولمة الشرسة، والاستهداف الذي يطال من الداخل والخارج.
تراجع المشاركة السياسية: وهو ما دفع بهيئات مدنية وسياسة إلى تعبئة واسعة للتسجيل في الانتخابات، لكن هذه التعبئة تبقى ضعيفة لكونها لا تستجيب لتغيير جذري يتطلبه المشهد السياسي.
وفي ظل هذه الأوضاع التي تتسم بهذه الاختلالات الفادحة، بدأت في الآونة الأخيرة تظهر في المسرح السياسي بعض أعراض حمّـى الانتخابات التشريعية ، المقرر إجراؤها في 7 أكتوبر 2016 ، حيث تحولت العديد من الأحياء والشوارع الكبرى في بعض المدن المغربية إلى أوراش يعلوها الغبار، وضجيج الآلات، كما تحولت عدة مساحات، كانت قاحلة ومهملة إلى حدائق غناء في وقت قياسي، بيد أن المواطنين لم يستغربوا هذه الإصلاحات الموسمية التي اعتادوا عليها كلما هبت نسائم الانتخابات.
ورغم نفي بعض المسئولين المحليين علاقة إصلاحاتهم بالانتخابات المقبلة، إلا أن تصريحاتهم لم تقنع الرأي العام خصوصا أن بعض الإصلاحات ظل ينادي بها السكان منذ سنوات طويلة، ولم تجد مكانها في أجندة هؤلاء المسئولين إلا قبل أقل من ثلاثة أشهر عن موعد الاستحقاقات الانتخابات المقبلة.
ويعرف المغاربة هذا " العرف الانتخابي " منذ عقود، إذ تنشط عمليات ترصيف الشوارع، وتبليط الأزقة، ومد قنوات التطهير، وتحريك كل المشاريع التي كانت مجمدة، لتذكير الناخبين بمنتخبيهم الذين كان من النادر مصادفتهم في الدوائر التي صوتت عليهم قبل اقتراب موعد الانتخابات.
ولا يقتصر هذا "العرف الانتخابي " على الأزقة والشوارع، وبعض الحدائق التي كانت إلى عهد قريب عبارة عن مزابل تزعج السكان، بل تمتد إلى المساجد، حيث تشهد بعض الأحياء ببعض المدن تجهيز مساجدها ومدها بالزرابي، والساعات الحائطية، والمروحيات الهوائية من طرف بعض "المحسنين" الذين سبق لهم أن ترشحوا في الانتخابات الماضية، ويبدو أن أغلب المكونات السياسية المغربية لا تعترض على هذه السلوكيات التي تصنف في خانة "الحملة الانتخابية السابقة لأوانها"، بقدر ما يقلقها ما تعرفه الساحة الوطنية من تسخير للوسائل والأدوات المملوكة للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وشبه العامة في حملة انتخابية سابقة لأوانها" لأن ذلك بمثابة "تحضير لإفساد العمليات الانتخابية."
وفي انتظار السابع من أكتوبرالمقبل، على المواطنين أن يتحملوا المزيد من الضجيج والغبار الذي تحدثه آلات الجماعات المحلية (البلديات) من أجل ترصيف، وتشجير، وترميم الطرقات،
وأمام هذا الوضع ، وحتى لا تتكرر سيناريوهات الفساد الانتخابي التي عرفتها الانتخابات التشريعية (شتنبر 2007) وكذا الانتخابات الجزئية (شتنبر 2008) ، فإن الحكومة اليوم تجد نفسها أمام محك لإثبات مدى مصداقيتها وقدرتها على بسط النظام، ومدى جديتها في إعادة هيبة القانون والدفاع عنه من خلال مواجهة الفساد الانتخابي. وللتأكيد على حسن نيتها، فعلى الحكومة بالإضافة إلى كل مكونات المجتمع المدني أن تقوم باستخدام كل الوسائل من اجل محاربة الفساد الانتخابي، وعليها التصدي لمفسدي الانتخابات، مهما علا شأنهم، وعلى وزارة العدل مثلا أن تستعين بجميع الطرق التي يكفلها القانون، بما في ذلك التصنت الهاتفي لملاحقة كل من اشتبه فيه انه مفسد للانتخابات، من خلال شراء ذمة الناخبين، أو تبييض أمواله في المجال السياسي، ذلك لآن القانون الانتخابي يعتبر «إفساد الانتخابات جريمة تستوجب العقاب». كما يجب متابعة ورصد تحركات المرشحين وفضح الخروقات الانتخابية المتعلقة باستعمال المال العام في الحملات الانتخابية تحصينا لها من الشوائب والفساد الانتخابي ، ومن أجل احترام الإرادة الشعبية ، ومن اجل تشكيل مجالس وهيئات محلية نزيهة ومستقلة وقوية وقادرة على وضع استراتيجيات تنموية واقعية وعملية. وعلى الحكومة، في ذات السياق، أن تصدر دليلا انتخابيا يوضح بما لا يدع مجالا للشك لكل الأحزاب السياسية كيفية خوض حملة انتخابية نظيفة وكذا حثها على تفادي كل الخروقات الممكنة، وعلى هذه الوزارة و بتنسيق مع وزارة الداخلية، أن تحكم الطوق على مفسدي ا لانتخابات وذلك من أجل ضمان منافسة ديمقراطية حرة ونزيهة وشفافة بعيدة عن استغلال النفوذ وبعيدة عن استغلال المواقع، ومن أجل حماية المال العام في خضم الاستحقاقات المقبلة ، و ذلك في أفق المساهمة في تخليق الحياة العامة ونشر ثقافة القدوة والامتثال للقانون ومحاربة ناهبي المال العام.
بقلم : عمر دغوغي صحفي وفاعل جمعوي
[email protected]
تعتبر الانتخابات بالنسبة إلى الشعوب أشبه باتخاذ القرارات المصيرية التي تعني تغييرا جذريا في حياة الفرد، و هي بالتالي قد تؤثر على مستقبل الأجيال القادمة وهي بذلك تعتبر عنصرا جوهريا في الديمقراطية و هي لها بمثابة الروح للجسد و يتطلع المغاربة إلى الانتخابات التشريعية المقبلة المقرر إجراؤها في 7 أكتوبر 2016 وفي حوزتهم كما هائلا من الأسئلة.
ولقد تعرضت الانتخابات المغربية – التشريعية والجماعية- منذ بداية انطلاقتها مثلها مثل بقية الانتخابات في العالم العربي إلى سقطات ونكسات كثيرة ، حيث اتسمت بمفاسد انتخابية كبيرة، مثل شراء الأصوات ، وتدخل وزارة الداخلية بشكل سافر في مسار الانتخابات عبر تسهيل الخدمات الحكومية لبعض المرشحين وغيرها من مفاسد بالإضافة إلى الحياد السلبي اللادارة والتي لا تقوم بزجر و ردع رواد الفساد و الرشوة و تتكرر مشاهد الفضائح السياسية في المغرب مع كل عملية انتخابية جديدة، وتنتشر الخروق التي تمس عمق التحول الديمقراطي الذي يراهن عليه المغرب، يغطيها غياب قضاء مستقل، وضعف التنشئة السياسية التي تلقتها فئات قليلة من المجتمع، بينما تغيب عند فئات عريضة، لتتحول كل عملية انتخابية إلى مجازر ترتكب في حق الديمقراطية والمصداقية آخرها وقائع انتخابات شتنبر 2007و وكذا ما عرفته الانتخابات الجزئية (شتنبر 2008) و ما صاحبها من خروقات غطت معظم جهات المملكة، لم يعطيها القضاء ما تستحقه من متابعة، و قد أدى ويؤدي تكرار مثل هذه المشاهد إلى:
تراجع الوعي السياسي : من المسلمات التي أصبحت راسخة في الشارع المغربي كون شريحة كبيرة من المغاربة قد فقدوا ثقتهم في الشأن السياسي والسياسيين، وفي ما تفرزه الانتخابات، وما يصاحبها من خطابات تتغذى على قضايا هامشية، وتستغل معاناة المواطن لتوظيفها لأغراض انتخابية، لكن الخطير في الأمر هو اتجاه المثقف المغربي إلى نفس النتيجة، ليصبح أكبر الغائبين عن تعزيز مبادئ بناء دولة قوية في ظل العولمة الشرسة، والاستهداف الذي يطال من الداخل والخارج.
تراجع المشاركة السياسية: وهو ما دفع بهيئات مدنية وسياسة إلى تعبئة واسعة للتسجيل في الانتخابات، لكن هذه التعبئة تبقى ضعيفة لكونها لا تستجيب لتغيير جذري يتطلبه المشهد السياسي.
وفي ظل هذه الأوضاع التي تتسم بهذه الاختلالات الفادحة، بدأت في الآونة الأخيرة تظهر في المسرح السياسي بعض أعراض حمّـى الانتخابات التشريعية ، المقرر إجراؤها في 7 أكتوبر 2016 ، حيث تحولت العديد من الأحياء والشوارع الكبرى في بعض المدن المغربية إلى أوراش يعلوها الغبار، وضجيج الآلات، كما تحولت عدة مساحات، كانت قاحلة ومهملة إلى حدائق غناء في وقت قياسي، بيد أن المواطنين لم يستغربوا هذه الإصلاحات الموسمية التي اعتادوا عليها كلما هبت نسائم الانتخابات.
ورغم نفي بعض المسئولين المحليين علاقة إصلاحاتهم بالانتخابات المقبلة، إلا أن تصريحاتهم لم تقنع الرأي العام خصوصا أن بعض الإصلاحات ظل ينادي بها السكان منذ سنوات طويلة، ولم تجد مكانها في أجندة هؤلاء المسئولين إلا قبل أقل من ثلاثة أشهر عن موعد الاستحقاقات الانتخابات المقبلة.
ويعرف المغاربة هذا " العرف الانتخابي " منذ عقود، إذ تنشط عمليات ترصيف الشوارع، وتبليط الأزقة، ومد قنوات التطهير، وتحريك كل المشاريع التي كانت مجمدة، لتذكير الناخبين بمنتخبيهم الذين كان من النادر مصادفتهم في الدوائر التي صوتت عليهم قبل اقتراب موعد الانتخابات.
ولا يقتصر هذا "العرف الانتخابي " على الأزقة والشوارع، وبعض الحدائق التي كانت إلى عهد قريب عبارة عن مزابل تزعج السكان، بل تمتد إلى المساجد، حيث تشهد بعض الأحياء ببعض المدن تجهيز مساجدها ومدها بالزرابي، والساعات الحائطية، والمروحيات الهوائية من طرف بعض "المحسنين" الذين سبق لهم أن ترشحوا في الانتخابات الماضية، ويبدو أن أغلب المكونات السياسية المغربية لا تعترض على هذه السلوكيات التي تصنف في خانة "الحملة الانتخابية السابقة لأوانها"، بقدر ما يقلقها ما تعرفه الساحة الوطنية من تسخير للوسائل والأدوات المملوكة للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وشبه العامة في حملة انتخابية سابقة لأوانها" لأن ذلك بمثابة "تحضير لإفساد العمليات الانتخابية."
وفي انتظار السابع من أكتوبرالمقبل، على المواطنين أن يتحملوا المزيد من الضجيج والغبار الذي تحدثه آلات الجماعات المحلية (البلديات) من أجل ترصيف، وتشجير، وترميم الطرقات،
وأمام هذا الوضع ، وحتى لا تتكرر سيناريوهات الفساد الانتخابي التي عرفتها الانتخابات التشريعية (شتنبر 2007) وكذا الانتخابات الجزئية (شتنبر 2008) ، فإن الحكومة اليوم تجد نفسها أمام محك لإثبات مدى مصداقيتها وقدرتها على بسط النظام، ومدى جديتها في إعادة هيبة القانون والدفاع عنه من خلال مواجهة الفساد الانتخابي. وللتأكيد على حسن نيتها، فعلى الحكومة بالإضافة إلى كل مكونات المجتمع المدني أن تقوم باستخدام كل الوسائل من اجل محاربة الفساد الانتخابي، وعليها التصدي لمفسدي الانتخابات، مهما علا شأنهم، وعلى وزارة العدل مثلا أن تستعين بجميع الطرق التي يكفلها القانون، بما في ذلك التصنت الهاتفي لملاحقة كل من اشتبه فيه انه مفسد للانتخابات، من خلال شراء ذمة الناخبين، أو تبييض أمواله في المجال السياسي، ذلك لآن القانون الانتخابي يعتبر «إفساد الانتخابات جريمة تستوجب العقاب». كما يجب متابعة ورصد تحركات المرشحين وفضح الخروقات الانتخابية المتعلقة باستعمال المال العام في الحملات الانتخابية تحصينا لها من الشوائب والفساد الانتخابي ، ومن أجل احترام الإرادة الشعبية ، ومن اجل تشكيل مجالس وهيئات محلية نزيهة ومستقلة وقوية وقادرة على وضع استراتيجيات تنموية واقعية وعملية. وعلى الحكومة، في ذات السياق، أن تصدر دليلا انتخابيا يوضح بما لا يدع مجالا للشك لكل الأحزاب السياسية كيفية خوض حملة انتخابية نظيفة وكذا حثها على تفادي كل الخروقات الممكنة، وعلى هذه الوزارة و بتنسيق مع وزارة الداخلية، أن تحكم الطوق على مفسدي ا لانتخابات وذلك من أجل ضمان منافسة ديمقراطية حرة ونزيهة وشفافة بعيدة عن استغلال النفوذ وبعيدة عن استغلال المواقع، ومن أجل حماية المال العام في خضم الاستحقاقات المقبلة ، و ذلك في أفق المساهمة في تخليق الحياة العامة ونشر ثقافة القدوة والامتثال للقانون ومحاربة ناهبي المال العام.