الوحش السوري من الفوهة الروسية والانجليزية
بكر أبو بكر
تنفجر الساحات جميعا في سوريا ، فلا يتبقى مكون واحد من مكونات البلاد إلا وأصبح له يد أو مساهمة شريرة في الحرب الجنونية ، ولم يكفِ السوريين بأن يشاهدوا أرضهم المقدسة تتحول ركاما، وتتحول كما كانت نبؤه دريد لحام (حارة كل من إيده إله)، وإنما دخل من (باب الحارة) العريض كل (زُناة العالم) ليرتكبوا الفواحش في وعلى أرض سوريا العروبة وسوريا الأرض المقدسة.
انفجار ساحات الحروب في الشام كانت بدايتها قد جاءت على قاعدة (الربيع العربي) الذي ألهب مشاعر الغضب والثورة على النظام القمعي الاستبدادي للحزب المسيطر ورئيسه من سنين طوال، فكانت السلمية ولأكثر من شهور ستة عنوان الحراك، هذا الحراك الذي قوبل بما أتقنه النظام الاستخباري، أي قتل وذبح واعتقال وتعذيب ووحشية هي معتادة ولا يعرف غيرها.
لم يكن لثورة من ثورات الربيع العربي أن تنتهي سلميتها بإنجاز حضاري سوي (الاستثناء التونسي) كما أسماه د.راشد الغنوشي في كلمته الهامة في المؤتمر العاشر لحزب النهضة عام 2016.
تحول (الربيع العربي) السلمي الذي قاده الشباب الى أمواج متكسرة بعد أن حاولت عصابات أو أحزاب محددة، ركوبها فبدلا من أن تصل بها بر الأمان حولت الربيع كما أصبح يسمى الى خريف بل إلى صيف صيهد (شديد الحرارة).
واستأثرت فسيفساء سوريا بنصيب الأسد من التشتت والتمزق والتحلل، لا سيما والبلد من أعرق بلاد الدنيا ويضم بين جوانبه من الطوائف المتحابة الكثير (سنة وشيعة وعلويين وإسماعيلية ودروز ومسيحيين وآراميين...) إضافة للقوميات غير العربية من الأكراد وبعض التركمان.
انقلب السلم الأهلي و التحاب بين مختلف الطوائف إلى اصطفافات مختلفة، فحيث طالت يد النظام كانت مناطق العلويين والإسماعيلية آمنة نسبيا، وحيث تواجد الشيعة الإثنى عشرية على قلتهم انفتح الباب للتدخل الإيراني بمعية حزب الله، ولم يكن للدول الخليجية "السنية" إلا أن تضع عباءتها فوق العديد من التنظيمات الاسلاموية (السنية)، وضاع الدروز بين ثوريتهم المعهودة وأزلام النظام وصيحات الحياد، وكذلك الأمر مع الفلسطينيين في المخيمات.
أما الأكراد فاستطاعوا أن يبلوروا كيانهم بعد أن شجعهم الكيان الذي يرقى إلى دولة في العراق، وإخوانهم في إيران وتركيا ، فساروا مع النظام حينا ثم فرضوا منطقة خاصة بهم لم يكتمل حلمهم بتواصلها بعد دخول العامل التركي عبر جرابلس.
تحول الأمر في سوريا من صراع سلمي الى صراع عنيف كان الدم فيه يسيل من المدنيين بآلة النظام الجهنمية ثم بالتعاون مع (وحش البحيرة) القادم من الشرق تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي ولده ورباه دول الجوار جميعا بما فيها سوريا بتآمر بين مع الإيرانيين والأتراك بلا مواربة، فكان هذا الوحش ذو الجينات غير المتجانسة أن خلق مسخا سواء في مفاهيمه أو في أدواته أو في طرق التصدي له.
أن تنتقل الرواية السورية من القراءة باللغة العربية الى أن تتحول اللغة الروسية من مشمولات القنوات التعليمية السورية الرسمية فهذا من (مآثر) النظام الذي بدل الحروف . وأن تتحول سوريا من حماية المدنيين الى حماية القبور والمقامات فهذا من مآثر إيران وحزب الله وعصائب أهل الحق العراقية، أو أن يتحول حصار التنظيمات الاسلاموية المتطرفة إلى تعمد قتل المدنيين بعد شهور طويلة فهذا من جرائم حرب الطرفين المتطرفين أي "داعش" وأتباعها والنظام وأتباعه.
وهل من المعقول أن تبقى اللغة الانجليزية التي تستأثر بأكثر من 90% من الشابكة (الانترنت) بعيدة عن (حفلة الموت) هذه ؟ بالطبع لا، فجاء كل من التدخل الأمريكي ليضفي حمايته على الأكراد، ومع جميع الأصابع التي امتدت تعبث بالجسد السوري حلقت (إسرائيل) عاليا بطائرتها تستبيح سماء أرض سوريا بل وتعملقت إلى الدرجة التي يتم استئذانها من القوتين الكبريين أي روسيا وأمريكا عندما يقصفان الشعب السوري.
إن معادلة القوة وأضعاف الأمة العربية، وتدمير صورة الإسلام العظيم، وشرذمة الأمة وإنهاكها بالحروب الاقليمية والطائفية وحتى اللغوية والثقافية والحضارية، طفت على السطح لتجعل مما حصل في طول الأمة وعرضها ليس بعيدا أبدا عن دروب أروقة المخابرات العالمية وصناع الشر في العالم.
فالشر لم يبدأ مع "داعش" فقط كما تحاول الأسرة الاستعمارية أن تصوره، والشر لم يبدأ مع النظام السوري فهو قد أدمن شروره ولم يجد من يردعه، والشر لم يبدأ مع تنامي التيارات الاسلاموية فقط التي ضغط عليها فانفجرت عنفا وتطرفا، والشر لم يبدأ فقط من خروج غول التطرف الشيعي من قمقمه مع خرافات نهاية العالم،.
الشر بدأ حقا مع تعملق المصالح وانتحار القيم وصعود النزق والأهواء واستسهال نحر الرقاب ونهب الشعوب (تماما كما فعل الاستعمار الغربي في قارات العالم القديم والجديد)، وكانت نقطة البداية المفصلية مع الاحتلال الامريكي للأرض العربية في العراق، وتعقيبا على تحالفها السابق مع القوى الاسلاموية المتطرفة في أفغانستان.
إن المأساة السورية التي هي بحق (هولوكوست) العصر الحديث يتحمل مسؤوليتها الأمة العربية جمعاء، بل وكل العالم الذي يصرخ أو يلقي القنابل فوق رؤس الشعب المنهك، ولا يستطيع أن يقدم له (عيش وكرامة وحرية) المطلب البسيط الأول الذي خرج من اجله الربيع السوري الأول.
بكر أبو بكر
تنفجر الساحات جميعا في سوريا ، فلا يتبقى مكون واحد من مكونات البلاد إلا وأصبح له يد أو مساهمة شريرة في الحرب الجنونية ، ولم يكفِ السوريين بأن يشاهدوا أرضهم المقدسة تتحول ركاما، وتتحول كما كانت نبؤه دريد لحام (حارة كل من إيده إله)، وإنما دخل من (باب الحارة) العريض كل (زُناة العالم) ليرتكبوا الفواحش في وعلى أرض سوريا العروبة وسوريا الأرض المقدسة.
انفجار ساحات الحروب في الشام كانت بدايتها قد جاءت على قاعدة (الربيع العربي) الذي ألهب مشاعر الغضب والثورة على النظام القمعي الاستبدادي للحزب المسيطر ورئيسه من سنين طوال، فكانت السلمية ولأكثر من شهور ستة عنوان الحراك، هذا الحراك الذي قوبل بما أتقنه النظام الاستخباري، أي قتل وذبح واعتقال وتعذيب ووحشية هي معتادة ولا يعرف غيرها.
لم يكن لثورة من ثورات الربيع العربي أن تنتهي سلميتها بإنجاز حضاري سوي (الاستثناء التونسي) كما أسماه د.راشد الغنوشي في كلمته الهامة في المؤتمر العاشر لحزب النهضة عام 2016.
تحول (الربيع العربي) السلمي الذي قاده الشباب الى أمواج متكسرة بعد أن حاولت عصابات أو أحزاب محددة، ركوبها فبدلا من أن تصل بها بر الأمان حولت الربيع كما أصبح يسمى الى خريف بل إلى صيف صيهد (شديد الحرارة).
واستأثرت فسيفساء سوريا بنصيب الأسد من التشتت والتمزق والتحلل، لا سيما والبلد من أعرق بلاد الدنيا ويضم بين جوانبه من الطوائف المتحابة الكثير (سنة وشيعة وعلويين وإسماعيلية ودروز ومسيحيين وآراميين...) إضافة للقوميات غير العربية من الأكراد وبعض التركمان.
انقلب السلم الأهلي و التحاب بين مختلف الطوائف إلى اصطفافات مختلفة، فحيث طالت يد النظام كانت مناطق العلويين والإسماعيلية آمنة نسبيا، وحيث تواجد الشيعة الإثنى عشرية على قلتهم انفتح الباب للتدخل الإيراني بمعية حزب الله، ولم يكن للدول الخليجية "السنية" إلا أن تضع عباءتها فوق العديد من التنظيمات الاسلاموية (السنية)، وضاع الدروز بين ثوريتهم المعهودة وأزلام النظام وصيحات الحياد، وكذلك الأمر مع الفلسطينيين في المخيمات.
أما الأكراد فاستطاعوا أن يبلوروا كيانهم بعد أن شجعهم الكيان الذي يرقى إلى دولة في العراق، وإخوانهم في إيران وتركيا ، فساروا مع النظام حينا ثم فرضوا منطقة خاصة بهم لم يكتمل حلمهم بتواصلها بعد دخول العامل التركي عبر جرابلس.
تحول الأمر في سوريا من صراع سلمي الى صراع عنيف كان الدم فيه يسيل من المدنيين بآلة النظام الجهنمية ثم بالتعاون مع (وحش البحيرة) القادم من الشرق تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي ولده ورباه دول الجوار جميعا بما فيها سوريا بتآمر بين مع الإيرانيين والأتراك بلا مواربة، فكان هذا الوحش ذو الجينات غير المتجانسة أن خلق مسخا سواء في مفاهيمه أو في أدواته أو في طرق التصدي له.
أن تنتقل الرواية السورية من القراءة باللغة العربية الى أن تتحول اللغة الروسية من مشمولات القنوات التعليمية السورية الرسمية فهذا من (مآثر) النظام الذي بدل الحروف . وأن تتحول سوريا من حماية المدنيين الى حماية القبور والمقامات فهذا من مآثر إيران وحزب الله وعصائب أهل الحق العراقية، أو أن يتحول حصار التنظيمات الاسلاموية المتطرفة إلى تعمد قتل المدنيين بعد شهور طويلة فهذا من جرائم حرب الطرفين المتطرفين أي "داعش" وأتباعها والنظام وأتباعه.
وهل من المعقول أن تبقى اللغة الانجليزية التي تستأثر بأكثر من 90% من الشابكة (الانترنت) بعيدة عن (حفلة الموت) هذه ؟ بالطبع لا، فجاء كل من التدخل الأمريكي ليضفي حمايته على الأكراد، ومع جميع الأصابع التي امتدت تعبث بالجسد السوري حلقت (إسرائيل) عاليا بطائرتها تستبيح سماء أرض سوريا بل وتعملقت إلى الدرجة التي يتم استئذانها من القوتين الكبريين أي روسيا وأمريكا عندما يقصفان الشعب السوري.
إن معادلة القوة وأضعاف الأمة العربية، وتدمير صورة الإسلام العظيم، وشرذمة الأمة وإنهاكها بالحروب الاقليمية والطائفية وحتى اللغوية والثقافية والحضارية، طفت على السطح لتجعل مما حصل في طول الأمة وعرضها ليس بعيدا أبدا عن دروب أروقة المخابرات العالمية وصناع الشر في العالم.
فالشر لم يبدأ مع "داعش" فقط كما تحاول الأسرة الاستعمارية أن تصوره، والشر لم يبدأ مع النظام السوري فهو قد أدمن شروره ولم يجد من يردعه، والشر لم يبدأ مع تنامي التيارات الاسلاموية فقط التي ضغط عليها فانفجرت عنفا وتطرفا، والشر لم يبدأ فقط من خروج غول التطرف الشيعي من قمقمه مع خرافات نهاية العالم،.
الشر بدأ حقا مع تعملق المصالح وانتحار القيم وصعود النزق والأهواء واستسهال نحر الرقاب ونهب الشعوب (تماما كما فعل الاستعمار الغربي في قارات العالم القديم والجديد)، وكانت نقطة البداية المفصلية مع الاحتلال الامريكي للأرض العربية في العراق، وتعقيبا على تحالفها السابق مع القوى الاسلاموية المتطرفة في أفغانستان.
إن المأساة السورية التي هي بحق (هولوكوست) العصر الحديث يتحمل مسؤوليتها الأمة العربية جمعاء، بل وكل العالم الذي يصرخ أو يلقي القنابل فوق رؤس الشعب المنهك، ولا يستطيع أن يقدم له (عيش وكرامة وحرية) المطلب البسيط الأول الذي خرج من اجله الربيع السوري الأول.