الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حزب الأصالة والمعاصرة: فرصة اليسار الضائعة بقلم:عبد الله لعماري

تاريخ النشر : 2016-09-28
حزب الأصالة والمعاصرة: فرصة اليسار الضائعة بقلم:عبد الله لعماري
حزب الأصالة والمعاصرة: فرصة اليسار الضائعة

ذ. عبد الله لعماري

ملحوظة؛ حتى وأنا إسلامي النشأة والاختيار، فلا أرى حرجا أن أعتبر لليسار حقه في الوجود والطموح، وحتى وأنا قد أمضيت عمرا مديدا في السجون، ثوري الهوى والموقف، فلا يضيرني أن أرى  للحكم محامده، ما اجتمعنا جميعا على خدمة البلاد ورفعة الوطن ورفاه الشعب.

منذ نشأته قبل ثمان سنوات، والحزب في صراع مع شهرته، التي ولدت معه فصارت  ملء سمع الدنيا وملء بصرها، إذ كان لافتا للانتباه ومثيرا للطبقة السياسية بالخصوص، أن تكون المبادرة السياسية التي أنجبت الحزب، نتاجا لتلاقح إرادتين كانتا في الماضي، متعارضتين في خلفيتهما الثقافية والسياسية، وفي منبتهما الاجتماعي وأصولهما وولاءاتهما المجتمعية.

كانت الإرادة الأولى ممثلة في العنصر السياسي القادم من صلب الدولة ومن صدر الإدارة ومن عمق النظام السياسي نشأة وتطورا وممارسة وتدبيرا قياديا علويا، وهي إرادة بعض رجالات الدولة، وفي مقدمتهم، وعلى الأخص: فؤاد عالي الهمة، الوزير السابق في الداخلية، والمستشار الملكي حاليا.

وكانت الإرادة الثانية ممثلة في العنصر السياسي القادم من حقل اليسار الجذري في معارضته للنظام السياسي، ومن التيار الماركسي اللينيني تحديدا، وهي إرادة بعض وجوه اليسار السبعيني، وبعض سابقي المعتقلين السياسيين سنوات الرصاص، وكذا بعض نشطاء اليسار الطلابي القاعدي سنوات الثمانينيات.

وشكلت هاتان الإرادتان معا الركيزتين الأساسيتين لهذه التجربة السياسية الفريدة، في  بناء صرحها السياسي والتنظيمي، وفي بسط مهادها الحاضن للقوى السياسية والاقتصادية والوجاهات الاجتماعية التي انجذبت للتجربة بدعمها والتفاعل معها والاندماج في تركيبتها.

وأفرزت أيضا هاتان الإراداتان معا، المنتوج الإيديولوجي الجديد، الذي تقاربت فيه المنظومة الفكرية ذات المشرب اليساري مع منظومة القيم السائدة في المجتمع والمعتمدة في الدولة والراسخة في النظام السياسي تاريخيا وتقليديا، فيما تم تعميده رمزيا بتسمية الأصالة والمعاصرة، وهي العنوان السياسي والمرجعي للحزب، إبرازا للتلاقح بين القيم والتمازج بين الرؤى.

وفيما سجلت هذه التجربة خروجا عن المألوف في تاريخ الوقائع السياسية المغربية، تجلى فيها التصالح النفسي والثقافي والنضالي بين الخط السياسي للحكم، وبين الخط السياسي للمعارضة الجذرية في حمولتها اليسارية، بما تفتقت عنه العبقرية السياسية المغربية من إبداع جديد في العهد الجديد، يجسر الهوة بين تيار ديناميكي من عمق نضالية الشعب، وبين النسق السياسي المغربي الضارب في الواقع، المتجذر في التاريخ، فيما الأمر كذلك، راح العقل النقدي السياسي، بشقيه العدمي والعدائي الأيديولوجي، يسقط على هذه التجربة إسقاطات من واقع الصراع الطويل بين نظام الحكم وبين أحزاب الحركة الوطنية، حينما كان الحكم يتحصن في مواجهة المعارضة، بتأسيس الجبهات والأحزاب المستقوية بالإدارة، فيما سمي بالفديك أو مشتقاته المتنسلة عنه تباعا، في صور التجمع أو الاتحاد أو ما شاكل ذلك، أو ما تولد عنه .

وبهذه الإسقاطات السطحية والغير الناضجة، عمي هذا العقل النقدي عن لحظ  دينامية مدرسة اليسار إذ تغزو القلاع التقليدية وتجتذب القمم العليا الثاوية في هذه القلاع، وضيع هذا العقل ثراء الفعل الميداني الذي ابتدره هذا اليسار وهو يشق الطريق في هذه المجالات التقليدية الرسمية المنغلقة أبديا عليه، حينما انصب النظر التحليلي فقط على زاوية واحدة، هي زاوية مناورات الموقف السياسي الرسمي في احتواء القوى السياسية وتوظيفها وتسخيرها في اتجاه اصطناع المحطات السياسية التي يلتف بها على كل نهوض شعبي محتمل.

ويقتضي النظر التحليلي المعمق، أن تعتمد المنهجية التي تفضي إلى تتبع الخيط الناظم لهذه التجربة عبر امتداداتها الماقبلية، وجذور تطوراتها، وإلى استكناه الملابسات التي نشأ فيها حزب الأصالة والمعاصرة، فلم تكن ملابسات لحظية، أسفرت عن صيحة فجائية  جاد بها عالم الابتكار السياسي، بقدر ما إن الأمر يتعلق بمسلسل طويل من الحلقات التي تراكمت فيها عروض النوايا وأوجه الاستطلاع، وتماست فيها وجهات النظر وإمكانيات التقارب، وليست محطة ولادة حركة لكل الديموقراطيين سوى الفصل الأخير المفضي إلى التمخض السياسي للحزب .

فلقد كان تاريخ اليسار في المغرب طوال عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات تاريخ الصراع المرير مع الحكم سلطة ونظاما، خاضه اليسار التقليدي ممثلا في الجناح التقدمي للحركة الوطنية، المتحول إلى الحركة الاتحادية بكل أجنحتها، كما خاضه اليسار الجديد ممثلا في الحركة الماركسية اللينينية بكل منظماتها السرية وأذرعها الطلابية، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، فالقاعديون.

وفي خضم هذا الصراع رزئ اليسار في مئات من الشهداء الذين لقوا حتفهم إعداما أو تعذيبا أو تصفيات، وطالت الاعتقالات والمحاكمات والمطاردات والمنافي عشرات الآلاف بمن فيهم يسار الإسلاميين.

وبعد هبوب رياح التغيير في العالم، بسقوط حائط برلين سنة 1989، وتفكك الاتحاد السوفياتي ومنظومة المعسكر الشيوعي في أوروبا الشرقية، بعد سياسة البيرسترويكا والغلاسنوست، بداية التسعينيات، وبعد دخول الجزائر مرحلة الانتفاضات الشعبية، فالنفوذ الإسلامي، فالاقتتال الداخلي، هب النظام السياسي المغربي للتفاعل مع الحراك العالمي الجديد، ولاستباق هبوب رياح التغيير، وللتحصن من عدوى هيجان المجتمع الجزائري، فكانت الانطلاقة نحو وضع اللبنات الأولى على طريق القطع مع الممارسات القمعية الرهيبة للماضي القاتم، إذ تأسس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بظهير ملكي سنة 1990، ليكون قناة رسمية لتصريف القرار الملكي بالبدء في تصفية الواقع الحقوقي الكارثي الجاثم على صدر البلاد، والتصالح مع  فصائل المعارضة السياسية، بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وفتح الباب أمام عودة المنفيين. وهكذا  بادر المجلس إلى نهج مسلسل من التصفية، كان البدء فيه بإغلاق المعتقلات السرية الكريهة، تزمامارت وقلعة مكونة وغيرها سنة 1991. ثم الإفراج عن الدفعة الأولى من معتقلي اليسار السبعيني، ثم الدفعة الثانية والأخيرة من هذه الفئة، والتي أفرج فيها عن إدريس بنزكري و أبراهام السرفاتي سنة 1991، على طريق إنضاج الظروف لإعلان العفو الملكي العام والشامل عن جميع السياسيين معتقلين ومنفيين بمن فيهم الإسلاميون، سنة 1994.

في هذه المحطة الفاصلة كان الملك الراحل الحسن الثاني قد حسم الأمر في سياسته الجديدة بالمصالحة الوطنية مع المعارضة بكل أصنافها اليسارية: التقليدية والراديكالية، وكذا الإسلامية، وقرر طي صفحة الماضي، ووضع لذلك استراتيجية هي التي استهل بها مطلع التسعينيات، من أجل تطهير البلاد في الداخل، وكذا تفريغ الخارج، من كل معارضة حدية ومعادية.

وفي هذه الاستراتيجية التصالحية، وإلى جانب ٱلية العفو، وتفريغ السجون والمنافي من المعارضين السياسيين، كانت آلية أخرى دؤوبة في نشاطها واشتغالها، هي آلية الحوار والمفاوضة على المشاركة في الحكم، على مستوى سياسي معين، هو مستوى المعارضة التقليدية، التي راحت تجهز نفسها وتقوي موقفها التفاوضي بتأسيس الكتلة الديموقراطية،  وعلى مستوى ٱخر، هو مستوى القوى اليسارية والإسلامية، كانت هناك وسائل الانفتاح والتقارب والتواصل الهادئ واستطلاع الٱراء والنوايا.

وبينما كانت المفاوضات الرسمية مع المعارضة التقليدية المنتظمة في الكتلة الديموقراطية، يضطلع بمهمتها رسميا من قبل الملك، معاونوه إدريس البصري وأحمد رضا اكديرة، كانت جهات من المحيط الملكي تنفتح على العلاقات مع اليسار ومجموعاته الخارجة من السجون والعائدة من المنفى، بينما تكلفت شخصيات رسمية وأخرى سياسية مقربة من القصر بالتواصل مع الإسلاميين، كالمستشار الملكي أحمد بنسودة، ووزير الأوقاف العلوي المدغري، والزعيم الوطني السياسي الدكتور الخطيب. كما تم انتداب شخصيات سياسية، وعلى رأسها عبد الرزاق أفيلال وأحمد العسكي، من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وبقرار ملكي، لمحاورة المعتقلين الإسلاميين داخل السجون، ورفع تقرير إلى الملك عن ذلك، سنة 1993.

وفيما أفضت المفاوضات الرسمية مع الكتلة الديموقراطية إلى التوافق مع الحسن الثاني على الشراكة في الحكم على أساس التناوب الحكومي، وأفضى التواصل مع فريق من الإسلاميين إلى إدماجهم في المجال السياسي تحت وصاية ورقابة الدكتور الخطيب، كانت جولات التواصل مع اليسار الخارج من السجون والعائد من المنفى تذلل أكبر الصعاب في طريق صحوة هذا اليسار، من محاولة تحريره من التشرذم المعطل لحركته، إلى محاولة تحريره من حالة الانطواء في اللامشروعية والجمود السياسي، فضلا على أن هذا التواصل المنفتح على بعض وجوه اليسار، رفع حالة التنافر الفطري بين رجل النضال وبين رجل النظام، وفتح الٱفاق أمام إمكانيات التقارب بين الطرفين، وفرص التعاون برسم البناء الوطني من داخل النسق الوطني.

وفي النصف الثاني من التسعينيات، كان اليسار يبحث عن ذاته بالخلاص من حالة التشظي والتشرذم المرضي، وبالخروج من وضع انعدام الشرعية القانونية، فتأسست تبعا لذلك حركات ومنظمات، الحركة من أجل الديموقراطية، حركة الديموقراطيين المستقلين، النهج الديموقراطي، وفعاليات ديموقراطية. 

وغاص الحراك اليساري في جهود جهيدة من أجل لم الشتات، غير أنها كانت جهود غير مجدية، فقد تأسس في سبيل هذا المشروع، حزب اليسار الاشتراكي الموحد، ثم انفرط العقد من جديد.

كان هذا الاستعصاء اليساري على التوحد والتجمع، إحباطا لليسار نفسه، الذي ظل يتخبط في عدم الفاعلية في المجتمع، وعدم النفوذ في قطاعات الشعب، بكل المشروعية النضالية والتاريخية التي يمتلكها، وبكل الثراء النظري النخبوي الذي يتميز به، كما كان إطاحة بالاستراتيجية التصالحية الرسمية والتي كانت تمهد الطريق ليسار قوي يستوفي أغراض التوازن السياسي والإيديولوجي في البلاد، ويكسر موجة الانفلات العارمة في تنامي التيارات الإسلامية.

غير أن حركية الانفتاح والتواصل التي جمعت بين الدينامية اليسارية من جهة، والاستراتيجية التصالحية الرسمية من جهة أخرى حققت النجاح المشهود في المشروع الحقوقي، بإدانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال سنوات الرصاص، والتصدي بتقويم ذلك عبر آليات جبر الضرر وتعويض الضحايا.

وقد كان هذا المشروع الحقوقي والسياسي في نفس الوقت، ميدانا ملائما للتوافق والتنسيق والتقارب بين تطلعات اليسار وبين استراتيجية النظام السياسي في استهلال العهد الجديد  بالنفس الجديد القائم على خيار المصالحة والإنصاف.

ولئن كان الشطر الأول من مشروع المصالحة الوطنية في شقه السياسي، قد أفضى إلى توافق بين الملك الحسن الثاني واليسار التقليدي في كتلته الديموقراطية، بالتعاون السياسي على الحكم، خلال التسعينيات، فإن الشطر الثاني من مشروع المصالحة الوطنية في شقه الإنساني والحقوقي، قد أفضى إلى توافق بين الملك محمد السادس واليسار الراديكالي السبعيني، والذي كانت مساهمته وقودا رئيسيا لهذا المشروع، وكان انخراط هذا اليسار فيه تمرينا له على إمكانيات التعاون السياسي.

وهكذا برزت أسماء لامعة لوجوه من اليسار: إدريس بنزكري، صلاح الوديع، أحمد حرزني، و إلياس العماري، وغيرهم، ممن سيكون لانخراطهم في هذا المشروع الحقوقي التصالحي دور ريادي في إنضاج الشروط المنهجية والتصورية لاهتداء فريق من اليسار   إلى مسار استيعاب الواقع المغربي، والتخلص من شرنقة التقوقع على الذات، وسكرات الأحلام واليوتوبيا والدوغمائية المجمدة.

وقد أدرك هذا الفريق من اليسار، وبعد الإخفاقات الموجعة لمحاولات التجميع اليساري والتي شاركوا فيها أولا بأول، وبعد الشعور باستحالة الخروج من النخبوية، ومن العزلة في أبراج الإيديولوجيا، أدركوا أن الانفتاح على رحابة المجتمع يقتضي التسلح بالبراغماتية السياسية، واسترفاد وسائل القوة والتمدد من كل العلاقات والتوافقات والأيادي الممدودة، وأدركوا أن التصالح مع الرأسمال والقوى الاقتصادية النافذة، والتصالح مع التقاليد السائدة،  سبيل إلى  الانغراس في قاعدة المجتمع، عبر تدعيم مشروع الحداثة بقيم الأصالة.

في الواقع الراهن، يبدو أن حزب الأصالة والمعاصرة والذي تقوده نخبة يسارية، خبرت كل دروب اليسار، من نشأة ثورية وعمل سري ونضال طلابي واعتقال سياسي ونقاش وحدوي، يبدو أنه يجثم فوق احتياطي كبير من الفرص والوسائل، باتخاذ استراتيجية تحرير الطاقات والعقليات، بما لم يتح من قبل لتجارب اليسار، وبما لم يكن في وارد الاستفادة منه، فهل ستكون هذه الفرصة إذا ما تم اهتبالها، واستثمار النجاح فيها، فجوة في الزمان، كي يضرب اليسار موعده مع التاريخ، وكي يخرج من عهود الانسحاق والتشتت والانحسار؟.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف