الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الــعـــمـــر بقلم:حسن زايد

تاريخ النشر : 2016-09-26
الــعـــمـــر  بقلم:حسن زايد
الــعـــمـــر
أقـصـــوصــة
بـقــلـم : حــســن زايــــــد

علي مدار ستة أشهر فائتة ، وأنا أتوجه صباح كل يوم ، في نفس التوقيت ، إلي محطة المترو . أنحشر داخل طابور طويل ممتد ، مخصص للرجال ، بجوار طابور آخر ممتد للسيدات . الطابوران متوازيان . بعد فترة يأتي دوري للحصول علي التذكرة . أنقده ثمنها ، وأخذها ، وأتحرك ناحية المداخل الآلية ، أضع التذكرة في فتحة الماكينة ، ثم أدفع الحاجز ، فيندفع . وأخرج أخذاً التذكرة من الجانب الآخر . أتمشي قليلاً في الطرقات المؤدية لأرصفة القطارات . غالباً ما يكون القطار الموجود ممتلئاً ، ولا توجد كراسي شاغرة . فاضطر إلي الإنتظار علي المقاعد الأسمنتية المعدة علي الأرصفة لهذا الغرض ، والتي تعلوها مظلات أسمنتية للحماية من حرارة الشمس المباشرة في الصيف ، ولاتقاء مياه الأمطار في الشتاء ، والراحة لمن تعب من الوقوف ، أو للعواجيز من الرجال والنساء ، الذين لا تسعفهم قوتهم علي الوقوف لفترات طويلة ، أو كمكان للقاء الأحبة والعشاق بمعزل عن الأماكن ذوات العيون المتلصصة . يأتي صفير المترو من بعيد ، طويل ممتد ، وهو يتلوي علي القضبان كما الثعبان . نقف ننتظره ، غير عابئين باندفاعه ، حتي يرسو بجوار أحد الأرصفة ، وتنفتح أبوابه آلياً ، فنندفع داخله مسرعين ، أثناء هبوط ركابه ، في تزاحم غير مبرر، حتي نجد مقاعد للجلوس . وعلي الفور يتحرك المترو الآخر محملاً بركابه ، مغادراً المحطة . أفتح الجريدة اليومية لمطالعة ما بها من أخبار ، وأظل منهمكاً في القراءة ، مراقباً اللوحات الأسمنتية المنزرعة علي أرصفة المحطات بطرف عيني . لا أنشغل بمن يجلس بجواري من الناحيتين ، ولا بمن يجلس في الجهة المقابلة ، ولا بالواقفين في الطرقة الممتدة داخل كل عربة من عربات المترو . أنعزل بداخلي تماماً ، فلا أكاد أميز صوتاً ، أو شكلاً ، أو حركة داخل المترو . كل تركيزي منصب علي ما أقرأ . وأظل هكذا حتي أصل إلي محطة وصولي ، فألملم أوراق الجريدة ، وأهبط مندفعا في الزحام ما بين الخارجين والداخلين ، أصعد مسرعاً علي السلالم الكهربية ، في استعجال مصطنع ، كأني أهرب من عيون تلاحقني ، وأضع التذكرة في الماكينة ، وأدفع الحاجز فينفتح ، فأخرج . وأتوجه إلي مقر عملي . هذا هو الطقس اليومي الذي صببت نفسي بداخله صباً منذ شهور . حتي وقع لي حادث غريب . ففي أحد الأيام ، قرب انتهاء الستة أشهر ، التي قضيتها في دورة تدريبية متعلقة بعملي . وبينما أهم بالجلوس علي مقعدي داخل المترو ، حتي لمحت عيني ملامح فتاة ، قد تبدو جميلة ، تهم بالجلوس إلي جواري . فجلست ، وجلست بجواري . لم أكترث ، وظللت أمارس نفس الطقس اليومي المعتاد . وفي اليوم التالي تكرر نفس المشهد بذات الرتابة الآلية . وفي اليوم الثلث هكذا . فثار في ذهني تساؤلاً مشروعا:
ــ هل ما يقع محض صدفة ؟ .
ــ .............................
ولم أنتظر إجابة من أحد ، بدأ الأمر يشغل مساحة من تفكيري واهتمامي ، ويفقدني قدراً من مساحة الإعتزال المفروضة ـ إرادياً ـ من حولي ، وبمجرد صعودي للعربة ، يشغل مؤخرة رأسي وجودها من عدمه . وبدأ الإهتمام بالإستحواذ علي مساحة اكبر من المقعد يتسع ؛ في إشارة خفية لجلوسها إلي جواري . وبدأت هي تصعد إلي العربة متأخرة قليلاً ، حتي تتثبت مما يدور بخلدي ، وكأنها قد أدركته . مرت عدة أيام علي هذا النحو ، حتي تحول سلوكي وسلوكها إلي طقس تجري ممارسته علي نحو آلي ، اندفاعاً وراء أمر ما مضمر داخل النفس . ظلت هذه الحدود مرسومة بصرامة ، كأطواق حديدية ضربت حول الرقاب . ربما تاقت روحي ، وربما تاقت روحها كذلك ، إلي فك هذه الأطواق ولو قليلاً . تلك هي الطبيعة البشرية . وفي ذات يوم كنت أرمقها من طرف خفي ، وهي تمد يدها إلي داخل حقيبتها ، التي تضعها علي رقبتيها ، وهي جالسة إلي جواري . ثم أخرجتها وفيها صورة ورقية ، إنها صورة لطفلة صغيرة ، ترتدي مريلة المدرسة . وجه صغير ناعم ، ذو ملامح دقيقة ، وعيون عسلية واسعة مبتسمة ، ترتسم علي شفتيها ابتسامة رقيقة ، تظهر منها أسنانها الصغيرة ، مرتسمة في صفين . شعرها الأصفر تنتظمه ضفيرتان تتدليان علي كتفيها ، وتصلان إلي صدرها الصغير . فرفعت بصري خفية إلي وجه الجالسة بجانبي ، في محاولة لكشف صلة ما بينها وبين تلك الصورة ، إلا أن ذلك قد تعذر ، فعاودت النظر في الجريدة من جديد ، دون أن يلحظ أحد اهتمام عيناي بالتقاط صورتها . وعشت مع الجريدة بنصف عقل ، والنصف الآخر ذهب مع الصورة . استمر هذا الموقف في التكرار لعدة أيام ، بنفس ملابساته ، وأحداثه ، وما يترتب عليه ، حتي كدت أحفظ ملامح هذه الفتاة الصغيرة عن ظهر قلب . الغريب أنني قد لاحظت أنه لا يوجد أي اكتراث ، بما يحدث داخل هذه البقعة الجغرافية ، من جمهور الراكبين . اعتدت علي هذا المشهد ، فلم أعد أكترث به ، وفي يوم آخر، دفعني الفضول إلي رؤية صورة الطفلة كرة أخري ، إلا أنني فوجئت بصورة أخري ، لفتاة أو سيدة فوق الثلاثين ودون الأربعين ، ترتدي بلوزة ذات ألوان زاهية ، يعلوها رقبة طويلة ، ووجه أبيض مستدير ذا ملامح أكثر تحديداً ، وشفاه دقيقة مبتسمة ، تكشف ابتسامتها عن صفين من الأسنان المنحوتة بدقة ، منتظمة كأن يداً قد تدخلت في رصهما رصاً . وعينان عسليتان واسعتان ، منطفئتا اللمعة ، تغطيهما أهداب طويلة سوداء ، وحاجبان هلاليان يعلوانهما . وشعرأصفر متدلي علي كتفيها ، يمثل إطاراً يبروز جمال الوجه بداخله . وفي الجزء السفلي من الصورة ، داخل الإطار الأبيض ، كتبت عبارة من كلمتين : " مشيت خلاص " . أخذتني العبارة من تلابيبي ، وأثارت بداخلي العديد من الهواجس والظنون . وبدأت أشك في القوي العقلية لمن تجلس بجانبي ، وسلامتها النفسية . فالمنطقي أن يتعلق الإنسان بصورة من يحب ، صورة أمه، أو أبيه ، أو حبيبه أو أخيه ، أو أخته ، أو زوجه . أما أن يتعلق الإنسان بصورته كل هذا التعلق المرضي ، فهذا أمر لاريب مقلق ومخيف . ربما تكون صورة أختها التوأم . ربما ، ولكن لو أنها كانت لأختها لكانت العبارة بصيغة المؤنث . دفعني الفضول إلي سؤالها ، إلا أنني ترددت كثيراً ، فأنا لم يسبق لي مخاطبة الغرباء ، ثم وجدتني مندفعاً في سؤالها :
ــ من الذي مشي ؟ .
ردت بهدوء :
ــ عمري .
لم أنبس ببنت شفه ، ودفنت وجهي في الجريدة ، حتي بلغ المترو محطة وصولي ، فلملمت أوراق الجريدة ، وغادرت عربة المترو لآخر مرة ، فقد انتهت المأمورية .
حـــســـــــن زايـــــــــــــد
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف