الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حلب بقلم:مازن كم الماز

تاريخ النشر : 2016-09-25
حلب

التفت نحوي الشاب الزنجي الطويل و قال  - أنا مع قرار أوباما بعدم ضرب الأسد .. لماذا تريدني أن أذهب لأموت هناك بينما أنت تجلس هنا و تستعد للهروب إلى أوروبا ... شعرت بالغضب , لأني أعرف جيدا أن ذلك الرجل الواقف أمامي و قادته في واشنطن يستطيعون بكل تأكيد أن يسقطوا نظام الأسد , لكنهم لم يفعلوا و لن يفعلوا على الأغلب .. و غضبت أيضا لأن اللئيم فرض علي في اللحظة التي أستعد فيها للهرب من الجحيم أن أقف أمام المرآة التي أهرب منها .. - لكن لماذا تقول ذلك يا جو ؟ - لأني جندي مارينز .. كنت أنا أول من سيموت في حربك أنت ضد الأسد .. لم أعرف هل أكره الرجل أم أحبه , كان بالنسبة لي , و لمن تركتهم ورائي في حلب , رامبو المنتظر , المسيح و المخلص المنتظر , و من يمكنه أن يكره مسيحه , حتى إن كان في غيبته الكبرى .. في حلب تفتقت عبقرية النظام القاتلة عن اختراع البراميل , أو أنه استورد تلك "التقنية" الفتاكة غير المكلفة من "الرفاق الروس" , و على أحياء حلب الفقيرة و عشوائياتها , المحررة , سقط أكبر عدد صنعه النظام من هذه البراميل .. كانت الأبنية التي بنيت على عجل و باستخدام القليل فقط من الاسمنت و الحديد باهظ الثمن تتساقط على وقع تلك البراميل بسهولة كبيرة كأنها أهرامات من ورق لتتحول بغمضة عين إلى مدافن لأصحابها .. في يوم جمعة جاؤوا إلى المستشفى الذي كنت فيه بقرابة عشرين مصابا و عشرة شهداء , جاؤوا بهم من الشعار , كان برميلا أو قنبلة كبيرة , لا أذكر جيدا .. حملت وجوههم و أجسادهم علامات عمر كئيب و كدح طويل قبل أن تحمل علامات إصاباتهم المميتة .. لم يبق في المدينة سوى الفقراء , و تجار الدماء و الحروب .. في المبنى الأوروبي الكبير ذي البوابة الزجاجية الضخمة حيث توجد إدارة الهجرة لم أجد أحدا من هؤلاء .. كان هناك "سوريين" مختلفين ... إحداهن كانت امرأة خمسينية , أناقتها أرستقراطية لدرجة لافتة .. لم يكن كل السوريين هنا مثل هذه السيدة بالطبع , لكن ملابسهم كانت أجمل من أولئك الذين قابلتهم في حلب و على وجوه معظمهم يمكنك أن تقرأ الرغد و الراحة .. تتأفف امرأة و تبدأ بالصراخ .. يرد عليها الشاب الذي يرتدي بزة الشرطي بكل هدوء و كأنه يصب المزيد من الزيت على نار غضبها .. في رحلتي الأخيرة إلى باب السلامة اصطحبت معي في سيارة الإسعاف مجاهدا مصابا بطلقة في رأسه ... كان معنا أخوه التوأم , شاب طويل أشقر الشعر و اللحية , في أول العشرينيات , كان يبكي بصمت , قلت للشباب في العناية المركزة بإطمة ألا داعي لإرساله إلى تركيا , لقد انتهى , لكن مشهد أخيه الذي لا يفارق الباب و يدخل عند كل فرصة ليقرأ عند رأسه ما تيسر من الرقى و القرآن و يبكي دون توقف دفعنا لمنحه "فرصته الأخيرة" , من يدري , قد يفعل له الأتراك شيئا .. لكن قلب الشاب توقف و نحن في الطريق , بدأنا بإنعاش الشاب , بدأ أخاه بالدعاء و البكاء , و مع مرور الوقت , توقف الشاب عن الدعاء و أمسك يد شقيقه و نحن نكسر ضلوعه في محاولتنا الأخيرة لإعادته إلى الحياة .. عندما وصلنا مستشفى باب السلامة أصريت على مواصلة الإنعاش , لكن أيضا دون فائدة , مرة واحدة عاد القلب الشاب إلى العمل , نسميه رجفانا بطينيا , لكن الصدمة الكهربائية لم تفد , و سرعان ما توقف عن النبضان .. عندما أوقفنا الإنعاش اكتشفت خلفي وجه أخيه الهادئ الحزين , لم أحتج أن أقول له أنه قد مات .. ستعود به السيارة الآن إلى قريته , بينما سأقطع أنا الحاجز التركي للمرة الأخيرة في حياتي , غالبا دون عودة .. قال لي الشاب و أنا أترك غرفة الإسعاف , شكرا , أنتم من علمتمونا معنى الصمود .. نحن ؟؟ .. أنا الذي أفر من المعركة ؟؟ بقيت أردد في استانبول أني لو مت , و مهما مات اليوم من سوريين , و غيرهم , هناك , فإن هذا لن يغير شيئا .. لن يغير شيئا .. حاولت أن أختبئ خلف تلك الكلمات , و أنا أهرب بعيدا , إلى عاري الأوروبي , الآمن .. لم أكن أنتظر في حلب فقط صواريخ النظام و براميله , إذا عرف الإسلاميون مكاني فمصيري لن يكون أحسن من غيري , إذا اكتشفوا المستشفى الميداني الذي أنا فيه فلن يصدهم أي شيء عن قطع رأسي , ستكون رقبتي عاجزة تماما أمام سكاكينهم .. لماذا لم نحمل السلاح نحن أيضا , لماذا لم نحم رقابنا و رقاب الآخرين ؟ أهو جبن أم ماذا ؟ منذ وقت مبكر بدأ تقسيم عمل غريب جدا داخل الثورة السورية , الناس العاديون يموتون و يحاصرون و يجوعون و ينتظرون , انتقل الناشطون للعمل في الإغاثة , بسلام في معظم الأوقات , انتقل بعضهم إلى تركيا و مصر لجمع الأموال , بعضهم ذهب أبعد حتى فانضم إلى المجلس الوطني و غيره , شكل المعارضون فرقا مختلفة "لممارسة السياسة" في فنادق الخمس نجوم و ممارسة الصراخ على الفضائيات , أما السلفيون فقد حملوا السلاح , و اختطفوا رزان و سميرة , و كل السوريين معهم .. لكني لست من هؤلاء و لا أولئك و لا أولئك .. ألست أنا الذي طالما تحدث عن الثورة , أن تموت واقفا عوضا عن أن تعيش خانعا .. ألست أنا الذي ملأ الدنيا ضجيجا عن الثورة و أن نقاوم , و تحدثت , و حلمت و كتبت , عن انتفاضات معسكرات غولاغ ستالين و مقاومة "أوشفيتز" لجلاديها , تلك المقاومة و الصرخات التي كان الناس يفجرونها وراء قضبان حديدية و أسوار مرتفعة جدا دون أن يسمع بها أحد , يعرف من يصنعها أنهم ميتون و أنه حظهم في الانتصار لا يتجاوز الصفر , أنهم فقط يسجلون احتجاجهم الأخير بالدم ضد جلاديهم .. كان من الممكن لقصة استعصاء صيدنايا أن تصبح حكاية أناركية رائعة و ملهمة لأجيال قادمة كي تقول لا و تقاوم , لكن السلفيين كانوا هم من صنع استعصاء صيدنايا و قتلوا الجميع , حتى نزار رستناوي و ذلك الذي سموه يهوديا , الرجل الذي كان يبيعهم كل شيء بأثمان باهظة أو بالفائدة .. لماذا لست سلفيا ؟ و هل لأني لست سلفيا أكرههم لهذا الحد .. لماذا لست سلفيا ؟ ربما لأني أناركي , فوضوي , لا سلطوي , ربما لأني أكره السلطة و لا أعشقها , كإخوتي السلفيين , طالما كنت مقتنعا أن البديل السلطوي عن الجلاد هو مجرد كذبة , بل أكثر بكثير , إنه أكثر من مجرد جلاد آخر , أكثر بكثير , إنه اغتيال لطوبى و يوتوبيا الحرية على هذه الأرض , ليس فقط اغتيال للحلم , بل مسخه إلى كابوس .. أنا الذي تحدثت كثيرا عن دانييل خارمز , الذي اتهمه الستالينيون بالخيانة و إضعاف عزيمة الأمة , فسجنوه في لينينغراد الجائعة حتى الموت بفضل حصار النازيين , الحياة أو الموت في سجن ستالين و هتلر , أي مصير يليق بنا غير ذلك في حروب المستبدين هذه .. لماذا لم أكن دانييل خارمز ؟ أنا أيضا أعرف جيدا من هو "ستالين" و من هو "هتلر" , أنا أيضا أزعم أني "خائن" , و ربما "مجنون" مثل خارمز , بالنسبة لستالين و هتلر , لكن يبدو أني أجيد الهروب أفضل من خارمز .. لذلك أنا حي , و أكتب , و غيري حي و يكتب , من في حلب وحدهم , تحت تلك البراميل و القنابل الارتجاجية , قد يموتون , وحدهم لا يستطيعون الكتابة .. خارمز أيضا توقف عن الكتابة , لكنه ما زال يرمقنا جميعا بعبنيه الضاحكتين المجنونتين و ابتسامته الحزينة التي لا تموت , رغم كل تلك السنين , و كل ذلك الجوع , و الموت .. قد يكون خارمز مات , مات جوعا , أو جنونا , لكننا الموتى الحقيقيون , اليوم , و نحن على "قيد الحياة" .. كأناركي , كنت أحلم بغير هذا , أن يكتب الفقراء هم أيضا , و أن يبقوا على قيد الحياة , أن تصبح دنياهم أجمل , ألا يبقى هناك مستبد أو طاغية , لا سادة و لا أكاذيب .. لكن الحلم لا يكفي .. حتى موتنا قد لا يكفي .. قذارة هذا العالم تحتاج للكثير من الدماء و الشجاعة لتكنسها ... حتى موت فقراء حلب لم يعد اليوم كلمة احتجاج .. موت فقراء حلب أصبح اليوم جزءا من لعبة الكبار , ماتت أحلامهم حتى إذا بقوا على قيد الحياة , لا معنى لموتهم أو حياتهم إلا كحجة ما , ليست ذات كثير قيمة , في الجدل الدائر بين كبار و أقوياء هذا العالم و الشرق على اسم الأسد القادم في سوريا , إلا كمزحة أو توبيخ , من أمير لرئيس أو رئيس لأمير أو من وزير خارجية لوزير خارجية , في مؤتمرات لا تنتهي , يتقاسم فيها هؤلاء مهمة الاستيلاء على حياة الفقراء و قتل أحلامهم .. دماء أطفال حلب , كما حياتهم , هي اليوم جزء من سوريا المفيدة , للجميع ... كنت أنا أيضا , ذات يوم بعيد الآن , على وشك الموت أيضا , و لم يكن عندي نت و لا كهرباء و لا ورق , و لا وقت فراغ , لأكتب .. لا يملك "سياسيو" الثورة و "رجال دينها" و "مثقفوها" و "منظروها" إلا صديقي الأسمر جو ليلوموه على أن الثورة لم تنتصر و أن الأسد ما زال يقتل الناس , هذه هي الكتابة الوحيدة الممكنة لكل من أراد أن يصبح أسدا , و ما زال , لكنه لم يصبح لأن الأسد الأصلي ما زال قادرا على القتل .. هم لا يريدون أن يموتوا , يهمهم أن يكونوا من سيحكم من سيبقى , أما أنا "فأتعذب" في قبري الآمن الأوروبي , و أبحث فيه عن خارمز فلا أجده ... في لينينغراد ستالين , التي تحاصرها قطعان النازية , ليس أمامنا , كما يفترض , إلا الموت جوعا في مستشفى للأمراض العقلية .. هذا هو المصير الوحيد الذي يليق بنا .. وراء قضبان معسكرات الغولاغ أو أوشفيتز , ينتفض الناس فقط لكي يموتوا بشرف , هذه حقيقة صادمة , مؤلمة , لكنها حقيقية .. أهل حلب محاصرون اليوم , من الداخل و الخارج , بفقرهم و قلة حياتهم و بقوات الأسد و النصرة و مرتزقة قاسم سليماني و بوتين و مزايدات و صراخ من يعتقد أنه الأسد المستحق لحلب و سوريا , و بعجزنا و قلة حيلتنا , و أن رغبتنا في الهروب أكبر من رغبتنا بالموت , في حلب .. حلب اليوم هي أكبر معسكر غولاغ أو أوشفيتز موجود في هذه اللحظة على هذه الأرض .. حلب اليوم هي لينينغراد , التي يدافع عنها ( و "سيحررها" ) ستالين و التي يحاصرها هتلر حتى الموت .. حتى الموت في حلب لم يعد يعني المقاومة , عمران و إيلان صامتان "كالموتى" , غيرهم يملأ الدنيا ضجيجا , و كل العيون تتركز على العرش المغطى بالدماء في قصر الشعب بدمشق و الأنفاس محبوسة بانتظار اسم المنتصر , و لا عزاء للفقراء , لا عزاء للفقراء 

مازن كم الماز
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف