رواية قصيرة .. أبطالها.. اشخاص حقيقيون .. لا زال البعض منهم يعيش بيننا
حدثت في حقبة زمنية ليست ببعيدة تأليف الاستاذ ابراهيم شواهنة
***** الفصل الاول *********
جنوبا ....جنوبا ....حيث الموت والجوع ..حيث السل ... والموت ... حيث الغربة والعزلة القاتلة ...الى منفى العمر ...والمصير المجهول ... حيث المقاهي المتعبة ...وأسراب الذباب الثقيل ..............
كانت الشوارع تنتهي في جسد مدينة ...الى فراغ ..ومزيدا من القهر والحرمان ,, حيث تسجن النساء في قلاع من الطين . حيث النخيل الشاهق...والمزارع المترامية الاطراف ...هنا وهناك.
حيث ....وادي ..نجران ..يمتد من جبال "الموفجة" ...الى جثة الربع الخالي ,,,الممتد ...الى جسد الدنيا .
حالة من الحزن ...وخوف من المجهول ...والطائرة العسكرية ...تحط بي أرض مطار خميس مشيط ....في مدينة الملك فيصل العسكرية .. قادم من جدة .. المدينة الساهرة التي لا تعرف النوم مذ خلقت .. كنت عاريا الا من خوفي ..ووحيدا حتى حدود الغياب .
مالذي أتى بي ؟...ولماذا ؟ ...وكيف..تجتمع كل هذه التناقضات في انسان واحد مثلي ... لا يعرف ما تعنيه الغربة ..لشاب في مقتبل العشرين . فبدأت فصلا من البكاء بصمت " روعني ..عندما أدركت أنني سأمض عام ..وحيدا ...في الغربة التي لم أدرك ماتعنيه الا بمرور الايام والليالي مالذي ستفعله أمي ...لو مت بعيدا عنها ...وبين دمعتين متقاطعتين ...تسألت مالذي ستفعله فاطمة ... في غيابي ...فاطمة التي تعلمت الحب على يدي ..عبثا حاولت ان أكتم كل مشاعري لاخفيها ..عن فتاة كانت تجلس ...بالمقعد المقابل ....أصبت بالرعب والطائرة تحط بأرض المطار ...كتنين ضخم ...يشق السماء .. البحر بعيد ...ولكن موجة باردة تأرجحت فوق وجهي ..فأرتدت الروح لي ... وهي تهمس ...هل وصلنا ؟؟؟ . همست لي من تحت غطاء وجهها الاسود السميك .. فقد أخفى ظل معالم وجهها ...الا بعض بريق من عينيها ...
نعم .....وصلنا ...ولكن ..أمامنا رحلة برية بالسيارة ...مدتها اربع ساعات ..أن كنت ذاهبة الى مدينة نجران ...؟
نعم ....أنا معلمة .... ويرافقني أبي ... ....
كم ليلة ..ستمر ..قبل أن تنقضي تلك الليلة ... الشمس تشرف على المغيب ..وأمامك سفر طويل محفوف بالمخاطر ... فالطريق الى نجران ...طويل وموحش ... "غول" يقتل كل من يتحداه ..خاصة اذا ...سرت به ليلا .
كنت تحمل الكثير أثناء رحلتك ..نحو الجنوب ..وفجأة ...تختلط السواحل بحزنك والمدن بضياعك هي نجران أذن .....مدينة...بلا بحر ....والماء ملؤها ... مدينة بلا ..أرض والرمل يغطي كل كائناتها .
تبحث عنها في جيوبك ....فتجد أنك ..... أضعتها .....وتبحث فيها عن نفسك فأذا بك قد أنفقتها كأنها الدنيا .
جميلة هي نجران ....كجمال مقتبل العمر ....مدينة فاتنة ... كم أنت رائعة يا نجران وأنا أعيش صباي ,,على يديك...........كنت تحلم وانت في الطريق الى نجران ...بأن الفرج سيأتي وتحل
أزمتك .... كنت تحلم ............. وتحلم .
غربت الشمس ..لم تعلم أين ذهبت ... فأنت لا تدرك الجهات الاربعة ... لم تدرك سوى الجنوب حيث تنام نجران وادعة على أكتاف الربع الخالي ... تمنيت لو تصرخ ... فتسمعك الجبال والوديان ...وتردد صدى صوتك . لكنك محاصر بعزلتك الداخلية ... وصمتك المريب .
ها هي المركبة التي ستقلك الى نجران ..أنت وأحد عشر معلما ... " أحد عشر" وتسألت بأستغراب .....وأين سيجلس كل هؤلاء ... ولا تنس أن من بين المسافرين ...."أنثى"
لا تعرفها ... من هي ومن أين ومن تكون ... فقد بدت بلباسها وغطاء وجهها الاسود مثل كيس من الفحم الاسود .. وزادتها عتمة الليل غموضا .
لست تدري الان لماذا يرق قلبك لها ..وكيف ترفف بين عينيك كطائر حالم ....تسطيع الان أن تتأكد من وجهها ...عندما أقتربت منك .. وقالت :
هل انت معلم ؟؟
أقتربت أكثر ... واجبت : ..نعم ... وانت ؟
قالت : معلمة ...
تبددت وحشتك ..... شعرت بنوع من الدفء ..وأنت تستأنس بحديثها معك وحدك .. لم أنت بالذات دون غيرك ... من معشر المسافرين ...في الرحلة .؟؟؟.. فجميع المسافرين من المعلمين من الجنسية الفسطينية .
هدر محرك السيارة ..بعد أن كنا نشبه علبة السردين .. لحظة سلام طوقتك بطيور ملونة ..وأغان ملونة وأنت ..تعبر هذا الليل البهيم الغامض ...غموض الموت ...تململت .. في المقعد
تكومت ..واضعا رأسك قرب ركبتيك ...ورحت تحلم بالمجهول .. وتتخيل صورة نجران التي خالي سقضي بها عامك الاول من الغربة ...ليل من الغربة الموحشة .. يعبر ليل الطريق الى نجران
فبدى صافيا ..الا من نجوم لا معات ..وخيالات الاشجار البرية على جنبات الطريق .. الملتوي كثعبان ..ملدوغ .
تمد يدك في جيبك ..تتحسس بقايا النقود ...وترتجف من أثار حمى ...نتيجة تحصين تلقيته بالامس .لا زالت السيارة تعبر الظلمة الحالكة المتجهة صوب نجران .
نظرت الى السائق ..فكان منظره يثير الرعب في النفس ...كان يشبه قطاع الطرق .. يبدد صمته ... ببعض دندنات لاغنية غير مفهومة ...
أنه الليل ...فاغر فاه الموحش ... يحمل في طياته الف حكاية .....ها هي ظهران الجنوب ...بلد استوطن بها الموت والسل ...بلد الاجساد النحيلة والقامات الفارعة ...مدينة بلا اشباح ..مدينة ملها الموت فهجرها ..فأصبحت جسدا من الطين المحروق ....
أنتصب النادل في باب المطعم ..مثل لسان من لهب " يمنى" الجنسية ... بقسماته التي تشبه الاطفال الى حد كبير .ولكنه رجل . خرج من دهاليز الزمن الغابر ..ومن وحل الجهل وطينه
وعفنه ...أرتعشت ...وأنت ترى الكلاب والقطط السوداء تملاء المطعم ..تسألت بينيك وبين نفسك أهناك عرس ؟؟.
وهل وسط تلك الظلال السوداء ....فرح ؟؟.....مستحيل ....ربما تكون خرافة من ظلال ... ربما تعيش كابوسا ....وانت لا تدري ...ربما ..تعيش غربة الروح .. عن وطنك ,,الذي أرغمك قهر الاحتلال على تركه .
وفي تلك اللحظة ...وقعت عيناك ..عليها .. هي الانثى الوحيدة وسط هذه الفوضى العارمة .
ربما تخيلت فيها ..الوطن ....
وتبادلت معها لغة الاعراب عن الدهشة والاستغراب .. لم تقل كلمة واحدة .... فهي تجلس مع ابيها العجوز ... والتي علت على وجهه قسمات عدم الرضى من المكان . جميعنا غرباء في هذا المكان القصى من العالم ... جمعتكم الغربة القسرية ...
ركضت في داخل نفسك درت حولها ...صعدت نحو الريح جرفتك السيول والوديان... وعدت من جديد تقيم في زوايا الصمت والخوف .
هل من المعقول أننا نعيش على ظهر الارض أو أننا موتى منسيون منذ ألاف السنين ؟؟
ماذا ستأكل ؟؟؟؟ جاء صوته مغالبا الموت يلملم أشلائه ..كغراب في ليلة مظلمة ...تيقنت انه الغراب الذي قتل أخية منذ الخليقة.....وأردف ..."شكشوكة " مقلقل ...أوصال ,,كبسة ....
"كبسة " تلك العار الذي يلاحقنا ....تلك الخيبة التي لا نعرف الا طريقها عندما نتذكر اصناف الطعام ... الا يوجد في قاموس الموائد الا تلك الاكلة التي لا تكره في الدنيا الا هي .
لقد لعنت اليوم الذي أتى بك .....الى هذه البقعة من الارض ... البقعة التي ربما يكون التاريخ قد نسيها من دفاتره ..
عاد بصوته الذي يشبه الاطفال ..سأمهلكم قليلا وأعود ... وتكونوا قد حزمتم أمركم ,,أي قرار سنتخذ ؟؟؟ هل سنخوض الحرب مجتمعين ... نحن لم نجتمع منذ مدة ...نحن دائما متفرقين ...
كل ما في الامر أننا نتضور جوعا ... وسط هذه المفازة والتيه العدمي ...
عاد بعينيه الصغيرتين ... كعيون الافعى ...يتصفح المكان ... فهو يعج بالرواد ... فلبرما لم يؤم هذا المكان ..جمع مثل هذا الجمع ... منذ وجوده ..,قبل أن تتفوه بكلمة ,,دفع لك بطبق قذر تأبى الكلاب أن تأكل منه ...وقال كل ......كل ...أنه طيب مع العافية ... يبدو عليك الجوع ..
داهمتك عاصفة ...اقتلعت جذور أشجارك ...كانت مباغته .. فنثرت أوراقك في الهواء ..فذبلت حنجرتك وأتسعت عيناك ...فلم تقترب من الطبق ... صدمت .. نعم ..اصبت بالصدمة .وكانت شاهده عليك .. فقد كانت ترقب كل حراكتك وسكناتك ... ولن أقول انها أحبتك .. فلا زال الوقت مبكرا .
ويعلن السائق ..عن الرحيل ..بنبرة الامر .. نعم .. اليس هو سيد الرحلة ؟؟ اليس هو القائد ؟؟؟
تحرك يا ولد ..." الكل هنا ولد "....حتى العجوز ..ولد في شرعتهم وأعتقادهم .. فتلك العبارة تلقى الاستحسان عند كبار السن ...فيشعر انه لا زال شابا ...في مقتبل العمر ... أما الصبي ... فيقال له " ورع " ...فأذا قيل للعجوز عجوزا ..لوى عنقه وأشاح بوجهه تعبيرا عن عدم الرضى .......تصور غريب .
قفز الرعب من جديد الى عينيك ... والمسافة تتضائل ...وانت ترحل من ظهران الجنوب صوب نجران ....الوقت متأخرا جدا ...كل شيىء بدى يميل الى الصمت ..الا من تمتمات من البعض ... بالتمنى .. السلامة للجميع ... فهذا الطريق والمسمى بالوحش الكاسر ,,ازهق الكثير من الارواح .. لوعورته ...ولجهل المسافرين بخطورته .
تمطرك الاحزان من جديد ...تتذكر ..عائلتك ..أمك ..أبوك ,,,, اخوتك ... قط بيتكم .... الطريق الي المنزل .... ..تحاول أن تتأقلم مع هذا الواقع الجديد ..
ها هي نجران ....مدينة الفقراء ...ولكنها مليئة بالماء ... سجينة تاريخها البائد ..ودينها ...تحاصرها الجبال من كل ناحية ..تعبرها من نفق مظلم لتجد نفسك بين أحضانها ,,وتضمك بشوق ولهفة .....سجن لا حدود له .. من السد الى رمال الربع الخالي....
وفي جيبك ريال واحد فقط ..!!!. هو كل ما تبق من المبلغ الذي احضرته من هناك ... فقد انفقت المبلغ ...في فاتورة واحدة في فندق الشرق الاوسط بمدينة جدة ....جيبك الذي قال عنه : أسعد الحسن" سيعود مليئا بالريالات السعودية ....فقد قال : دعه يا علي يسافر ..لا تقف بطريقه دعه يواجه مصيره ....الغربة للرجال ... يومها بكت أمك ...وضمتك الى صدرها ..
سيتفرق شملكم عما قليل .... الساعة الواحدة ليلا .... ونجران قد نامت .. نامت تحلم بذي نواس الذي أذاقها مرارة الحريق ....ليتخلص أهلها من الشرك ويثبتو على دينهم ..دين .... الصراط أجل ...وعند مركز " طعزة " وقف الجنود السعوديون كالاشباح ....صياح ديوك طاعنة في السن ...تكون قد أوت للنوم مبكرا ....يتناهي الى.... مسمعك من بعيد .
ماذا يريدون ... هؤلاء ؟؟ ربما تكون انت المطلوب ...نعم أنت ...خاصة وان نجران منطقة حدودية ... مع اليمن .
حدقت في وجه الجندي ...فطار النوم من عينك ..فصاح قائلا :
من اين اتيت بهولاء التعساء ؟؟الا يوجد ببلادهم خبزا ولا ماء ؟؟
ليهبط الجميع من العربة ...لقد كانت فرصتك أن تتنفس الهواء. ... وتسرق نظرة من عينيها
ربما تهدأ من روعك ... " وتفرق شمل علبة السردين .. وراح الجميع ...يروح كل واحد عن نفسه بطريقته ...
ومن خلال الحلكة ...لاحظت نجران تنتصب قلاعها كأنها حرب وشيكة الوقوع ..وتستمع لاصوات كلاب ضالة ..وتلفح وجهك نسمات باردة ترد اليك روحك .بعد قليل ..سيذهب كل واحد منكم الى شأنه ....لن تراها بعد اليوم ..قلت : في نفسك لن تدعها تذهب دون أن تترك لك ..شيئا ربما تستند عليه ...أقتربت منها وقلت :
الحمد لله على السلامة ...ها نحن وصلنا نجران .
ردت بصوت خافت ... الحمد لله على سلامتك ... اين ستنزل في نجران ؟
قلت : أنا لا أعرف احدا هنا .... ربما في الفندق .... وعدت وتسألت وهل توجد فنادق هنا ؟؟
ليلة ..مضت ..لا تدري كيف تسلل النوم الى عينيك ...فوق سطح " قهوة الحرمين " في شارع الاخدود ...الفندق الوحيد في المدينة ...لم يكن فندق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ...بل كان خان
تأوي اليه الدواب ...والنفوس المشردة ...والنوعيات الشريرة ... اناس بصورة بشر ... يرتدون الزي اليمني .. ويضعون على خصورهم النحيلة " الخنجر " او ما يسمى " الجنبية " .
هنا على السطح ...هدوء غريب ...يلف المدينة ..كلما اقترب النهار .
غدا ستشرق الشمس ...ويبدأ عام جديد ..تمنيت لو أن لك جناحان تحلق بهما فوق الحصون والقلاع تستعجل الشمس لترى نجران محطتك الاخيرة وهي تفتح عينيها على الربع الخالي
المكان ...هنا مزعج غير صالح لنوم هادىء ....أسراب من البعوض تحلق فوق رأسك ..وذباب بليد ...وقح يسهر في الليل ....من يصدق ؟؟؟
الحركة في المقهى ..لا....تهدأ ....كيف لا وهي محطة ... لكل من يصل الى نجران ...أول مرة أسرة من الخشب ,,,وجذوع النخل ..أغطية غاية في القذارة ,,غالبك النوم فنمت .
حلمت .... بها ..أمضيت نومك برفقتها .... وقلت ..هل ستحضر فاطمة الى هذا البر في يوم من الايام ؟؟؟
ها هي شمس نجران ...تملاء الكون ....صبي المقهى يعلن للجميع ,,, الصلاة ...الصلاة ...
داهمك الفزع ...وانت تحدق في وجوه الحاضرين ..الكل ينظر اليك ... " غريب " أنت ...اجنبي هكذا كانوا يسمون غير السعودي .
كانت شعورهم طويلة ...يذكرونك بصورة من عاشوا في القرون الوسطى ... في زمن الجاهلية الاولى ...فجأة ... رمى صبي المقهى حقيبة سفرك .وأمرك بدفع ريال واحد ...مقابل مبيتك كان ريالا وحيدا ... يتيما ..لا تملك غيره ...تحسرت علية ...أصبحت بلا مال ..." قطيع حج" مثلما يقولون ...فأنت لا تعرف أحدا هنا .
أندفعت تهرول في الشارع ...تبحث عن مكتب الاشراف ...محاولا الاحتفاظ بتوازنك ..ووقارك محاولا ان تمحو ...كل هالات الكابة عن وجهك ..وهموم الدنيا .
كم تكره الانتظار ....وأنت تقابل " عزمي أبو فارة " ........المعلم البدين ,.. قصير الرقبة بأنفه الصغير ..وعيناه التي تستغرب كيف .. يبصر بها .. كانت اشبهه بعيون الافعى
أحذر ...أن توافق على تعينك في قرى نجران ...واقسم أنك لن ترىالملح هناك ....واردف قائلا : حاول أن تدبر لك واسطة .لتبق في المدينة هنا ...............حاول ...حاول .
استغربت من فضوله ... وتطفله عليك ... لكن ربما كان على حق ...من يدري ؟؟؟...
دق قلبك ..أكثر من عادته ..ورقص خوفا ..رقص كزنجي حول النار ...وكنت متحفزا .متوترا
وزاد من توترك يوم قابلت المرحوم " أبو اللبيد" .........لعنهم الله ..لقد عينوني في مدرسة بقرية أسمها " حبونا " تبعد من هنا اربعمائة كيلومتر ....
لن أذهب هناك ..حتى لو شربوا البحر ...ودفعوا لي مال " قارون " ...انهم مجانين ...أنا اذهب هناك ؟؟.دعوني اعود الى بلادي ....كان يهذي من وقع الصدمة علية ..كمن أصابته الحمى ..والحمى ...هنا تحصد الارواح .تسكن الجبال وحقول النخيل ....تسكن حتى الهواء ..اليست الغياب
والموت ؟؟.
تعثر في خطواته ...وهو يجتاز باب مكتب الاشراف...ذلك المبنى الطيني ..بسقفه المعقودمن جذوع اشجار النخيل ...وغاب في الزحام ...." وكان قد توفي في حادث سير,بعد ثلاث سنوات
على طريق " الموفجة .
كم حزنت انتصار ...يوم موته ....لم تتزوج .... بعده .عاشت على ذكراه ...حتى توفيت هي الاخرى بالصعقة الكهربائية ..
تمسكت من جديد ...بالمظروف الذي يحتوى على شهادة الجامعة وبعض الاوراق الثبوتية من الملحق الثقافي السعودي بعمان وجواز سفرك الاردني ..نعم انت اردني تحمل الجنسية الاردنية على الرغم من أنك ولدت بفلسطين .....وانت تحاول فهم .. ما قاله المرحوم ...واعتبرته جزء من حلم ....
وعلى الرغم من الخوف الذي يسكنك ..حدقت .. من جديد في وجوه الحاضرين ...علك تعرف أحدا يرشدك ...وتنحيت جانبا ...لتجلس مع مجموعة من المعلمين ..تحلقوا ...حول كومة من الصور الشخصية ...ملقاة على الارض ..القيت بلا عناية على الارض ..
أية صدفة جمعتك ...بالموجه " محمد الرزي" ...ذلك الرجل ... الذي تكن له الاحترام والتقدير ...حيث فاجأك بالسؤال :من أين أتيت ؟؟؟
حدثت في حقبة زمنية ليست ببعيدة تأليف الاستاذ ابراهيم شواهنة
***** الفصل الاول *********
جنوبا ....جنوبا ....حيث الموت والجوع ..حيث السل ... والموت ... حيث الغربة والعزلة القاتلة ...الى منفى العمر ...والمصير المجهول ... حيث المقاهي المتعبة ...وأسراب الذباب الثقيل ..............
كانت الشوارع تنتهي في جسد مدينة ...الى فراغ ..ومزيدا من القهر والحرمان ,, حيث تسجن النساء في قلاع من الطين . حيث النخيل الشاهق...والمزارع المترامية الاطراف ...هنا وهناك.
حيث ....وادي ..نجران ..يمتد من جبال "الموفجة" ...الى جثة الربع الخالي ,,,الممتد ...الى جسد الدنيا .
حالة من الحزن ...وخوف من المجهول ...والطائرة العسكرية ...تحط بي أرض مطار خميس مشيط ....في مدينة الملك فيصل العسكرية .. قادم من جدة .. المدينة الساهرة التي لا تعرف النوم مذ خلقت .. كنت عاريا الا من خوفي ..ووحيدا حتى حدود الغياب .
مالذي أتى بي ؟...ولماذا ؟ ...وكيف..تجتمع كل هذه التناقضات في انسان واحد مثلي ... لا يعرف ما تعنيه الغربة ..لشاب في مقتبل العشرين . فبدأت فصلا من البكاء بصمت " روعني ..عندما أدركت أنني سأمض عام ..وحيدا ...في الغربة التي لم أدرك ماتعنيه الا بمرور الايام والليالي مالذي ستفعله أمي ...لو مت بعيدا عنها ...وبين دمعتين متقاطعتين ...تسألت مالذي ستفعله فاطمة ... في غيابي ...فاطمة التي تعلمت الحب على يدي ..عبثا حاولت ان أكتم كل مشاعري لاخفيها ..عن فتاة كانت تجلس ...بالمقعد المقابل ....أصبت بالرعب والطائرة تحط بأرض المطار ...كتنين ضخم ...يشق السماء .. البحر بعيد ...ولكن موجة باردة تأرجحت فوق وجهي ..فأرتدت الروح لي ... وهي تهمس ...هل وصلنا ؟؟؟ . همست لي من تحت غطاء وجهها الاسود السميك .. فقد أخفى ظل معالم وجهها ...الا بعض بريق من عينيها ...
نعم .....وصلنا ...ولكن ..أمامنا رحلة برية بالسيارة ...مدتها اربع ساعات ..أن كنت ذاهبة الى مدينة نجران ...؟
نعم ....أنا معلمة .... ويرافقني أبي ... ....
كم ليلة ..ستمر ..قبل أن تنقضي تلك الليلة ... الشمس تشرف على المغيب ..وأمامك سفر طويل محفوف بالمخاطر ... فالطريق الى نجران ...طويل وموحش ... "غول" يقتل كل من يتحداه ..خاصة اذا ...سرت به ليلا .
كنت تحمل الكثير أثناء رحلتك ..نحو الجنوب ..وفجأة ...تختلط السواحل بحزنك والمدن بضياعك هي نجران أذن .....مدينة...بلا بحر ....والماء ملؤها ... مدينة بلا ..أرض والرمل يغطي كل كائناتها .
تبحث عنها في جيوبك ....فتجد أنك ..... أضعتها .....وتبحث فيها عن نفسك فأذا بك قد أنفقتها كأنها الدنيا .
جميلة هي نجران ....كجمال مقتبل العمر ....مدينة فاتنة ... كم أنت رائعة يا نجران وأنا أعيش صباي ,,على يديك...........كنت تحلم وانت في الطريق الى نجران ...بأن الفرج سيأتي وتحل
أزمتك .... كنت تحلم ............. وتحلم .
غربت الشمس ..لم تعلم أين ذهبت ... فأنت لا تدرك الجهات الاربعة ... لم تدرك سوى الجنوب حيث تنام نجران وادعة على أكتاف الربع الخالي ... تمنيت لو تصرخ ... فتسمعك الجبال والوديان ...وتردد صدى صوتك . لكنك محاصر بعزلتك الداخلية ... وصمتك المريب .
ها هي المركبة التي ستقلك الى نجران ..أنت وأحد عشر معلما ... " أحد عشر" وتسألت بأستغراب .....وأين سيجلس كل هؤلاء ... ولا تنس أن من بين المسافرين ...."أنثى"
لا تعرفها ... من هي ومن أين ومن تكون ... فقد بدت بلباسها وغطاء وجهها الاسود مثل كيس من الفحم الاسود .. وزادتها عتمة الليل غموضا .
لست تدري الان لماذا يرق قلبك لها ..وكيف ترفف بين عينيك كطائر حالم ....تسطيع الان أن تتأكد من وجهها ...عندما أقتربت منك .. وقالت :
هل انت معلم ؟؟
أقتربت أكثر ... واجبت : ..نعم ... وانت ؟
قالت : معلمة ...
تبددت وحشتك ..... شعرت بنوع من الدفء ..وأنت تستأنس بحديثها معك وحدك .. لم أنت بالذات دون غيرك ... من معشر المسافرين ...في الرحلة .؟؟؟.. فجميع المسافرين من المعلمين من الجنسية الفسطينية .
هدر محرك السيارة ..بعد أن كنا نشبه علبة السردين .. لحظة سلام طوقتك بطيور ملونة ..وأغان ملونة وأنت ..تعبر هذا الليل البهيم الغامض ...غموض الموت ...تململت .. في المقعد
تكومت ..واضعا رأسك قرب ركبتيك ...ورحت تحلم بالمجهول .. وتتخيل صورة نجران التي خالي سقضي بها عامك الاول من الغربة ...ليل من الغربة الموحشة .. يعبر ليل الطريق الى نجران
فبدى صافيا ..الا من نجوم لا معات ..وخيالات الاشجار البرية على جنبات الطريق .. الملتوي كثعبان ..ملدوغ .
تمد يدك في جيبك ..تتحسس بقايا النقود ...وترتجف من أثار حمى ...نتيجة تحصين تلقيته بالامس .لا زالت السيارة تعبر الظلمة الحالكة المتجهة صوب نجران .
نظرت الى السائق ..فكان منظره يثير الرعب في النفس ...كان يشبه قطاع الطرق .. يبدد صمته ... ببعض دندنات لاغنية غير مفهومة ...
أنه الليل ...فاغر فاه الموحش ... يحمل في طياته الف حكاية .....ها هي ظهران الجنوب ...بلد استوطن بها الموت والسل ...بلد الاجساد النحيلة والقامات الفارعة ...مدينة بلا اشباح ..مدينة ملها الموت فهجرها ..فأصبحت جسدا من الطين المحروق ....
أنتصب النادل في باب المطعم ..مثل لسان من لهب " يمنى" الجنسية ... بقسماته التي تشبه الاطفال الى حد كبير .ولكنه رجل . خرج من دهاليز الزمن الغابر ..ومن وحل الجهل وطينه
وعفنه ...أرتعشت ...وأنت ترى الكلاب والقطط السوداء تملاء المطعم ..تسألت بينيك وبين نفسك أهناك عرس ؟؟.
وهل وسط تلك الظلال السوداء ....فرح ؟؟.....مستحيل ....ربما تكون خرافة من ظلال ... ربما تعيش كابوسا ....وانت لا تدري ...ربما ..تعيش غربة الروح .. عن وطنك ,,الذي أرغمك قهر الاحتلال على تركه .
وفي تلك اللحظة ...وقعت عيناك ..عليها .. هي الانثى الوحيدة وسط هذه الفوضى العارمة .
ربما تخيلت فيها ..الوطن ....
وتبادلت معها لغة الاعراب عن الدهشة والاستغراب .. لم تقل كلمة واحدة .... فهي تجلس مع ابيها العجوز ... والتي علت على وجهه قسمات عدم الرضى من المكان . جميعنا غرباء في هذا المكان القصى من العالم ... جمعتكم الغربة القسرية ...
ركضت في داخل نفسك درت حولها ...صعدت نحو الريح جرفتك السيول والوديان... وعدت من جديد تقيم في زوايا الصمت والخوف .
هل من المعقول أننا نعيش على ظهر الارض أو أننا موتى منسيون منذ ألاف السنين ؟؟
ماذا ستأكل ؟؟؟؟ جاء صوته مغالبا الموت يلملم أشلائه ..كغراب في ليلة مظلمة ...تيقنت انه الغراب الذي قتل أخية منذ الخليقة.....وأردف ..."شكشوكة " مقلقل ...أوصال ,,كبسة ....
"كبسة " تلك العار الذي يلاحقنا ....تلك الخيبة التي لا نعرف الا طريقها عندما نتذكر اصناف الطعام ... الا يوجد في قاموس الموائد الا تلك الاكلة التي لا تكره في الدنيا الا هي .
لقد لعنت اليوم الذي أتى بك .....الى هذه البقعة من الارض ... البقعة التي ربما يكون التاريخ قد نسيها من دفاتره ..
عاد بصوته الذي يشبه الاطفال ..سأمهلكم قليلا وأعود ... وتكونوا قد حزمتم أمركم ,,أي قرار سنتخذ ؟؟؟ هل سنخوض الحرب مجتمعين ... نحن لم نجتمع منذ مدة ...نحن دائما متفرقين ...
كل ما في الامر أننا نتضور جوعا ... وسط هذه المفازة والتيه العدمي ...
عاد بعينيه الصغيرتين ... كعيون الافعى ...يتصفح المكان ... فهو يعج بالرواد ... فلبرما لم يؤم هذا المكان ..جمع مثل هذا الجمع ... منذ وجوده ..,قبل أن تتفوه بكلمة ,,دفع لك بطبق قذر تأبى الكلاب أن تأكل منه ...وقال كل ......كل ...أنه طيب مع العافية ... يبدو عليك الجوع ..
داهمتك عاصفة ...اقتلعت جذور أشجارك ...كانت مباغته .. فنثرت أوراقك في الهواء ..فذبلت حنجرتك وأتسعت عيناك ...فلم تقترب من الطبق ... صدمت .. نعم ..اصبت بالصدمة .وكانت شاهده عليك .. فقد كانت ترقب كل حراكتك وسكناتك ... ولن أقول انها أحبتك .. فلا زال الوقت مبكرا .
ويعلن السائق ..عن الرحيل ..بنبرة الامر .. نعم .. اليس هو سيد الرحلة ؟؟ اليس هو القائد ؟؟؟
تحرك يا ولد ..." الكل هنا ولد "....حتى العجوز ..ولد في شرعتهم وأعتقادهم .. فتلك العبارة تلقى الاستحسان عند كبار السن ...فيشعر انه لا زال شابا ...في مقتبل العمر ... أما الصبي ... فيقال له " ورع " ...فأذا قيل للعجوز عجوزا ..لوى عنقه وأشاح بوجهه تعبيرا عن عدم الرضى .......تصور غريب .
قفز الرعب من جديد الى عينيك ... والمسافة تتضائل ...وانت ترحل من ظهران الجنوب صوب نجران ....الوقت متأخرا جدا ...كل شيىء بدى يميل الى الصمت ..الا من تمتمات من البعض ... بالتمنى .. السلامة للجميع ... فهذا الطريق والمسمى بالوحش الكاسر ,,ازهق الكثير من الارواح .. لوعورته ...ولجهل المسافرين بخطورته .
تمطرك الاحزان من جديد ...تتذكر ..عائلتك ..أمك ..أبوك ,,,, اخوتك ... قط بيتكم .... الطريق الي المنزل .... ..تحاول أن تتأقلم مع هذا الواقع الجديد ..
ها هي نجران ....مدينة الفقراء ...ولكنها مليئة بالماء ... سجينة تاريخها البائد ..ودينها ...تحاصرها الجبال من كل ناحية ..تعبرها من نفق مظلم لتجد نفسك بين أحضانها ,,وتضمك بشوق ولهفة .....سجن لا حدود له .. من السد الى رمال الربع الخالي....
وفي جيبك ريال واحد فقط ..!!!. هو كل ما تبق من المبلغ الذي احضرته من هناك ... فقد انفقت المبلغ ...في فاتورة واحدة في فندق الشرق الاوسط بمدينة جدة ....جيبك الذي قال عنه : أسعد الحسن" سيعود مليئا بالريالات السعودية ....فقد قال : دعه يا علي يسافر ..لا تقف بطريقه دعه يواجه مصيره ....الغربة للرجال ... يومها بكت أمك ...وضمتك الى صدرها ..
سيتفرق شملكم عما قليل .... الساعة الواحدة ليلا .... ونجران قد نامت .. نامت تحلم بذي نواس الذي أذاقها مرارة الحريق ....ليتخلص أهلها من الشرك ويثبتو على دينهم ..دين .... الصراط أجل ...وعند مركز " طعزة " وقف الجنود السعوديون كالاشباح ....صياح ديوك طاعنة في السن ...تكون قد أوت للنوم مبكرا ....يتناهي الى.... مسمعك من بعيد .
ماذا يريدون ... هؤلاء ؟؟ ربما تكون انت المطلوب ...نعم أنت ...خاصة وان نجران منطقة حدودية ... مع اليمن .
حدقت في وجه الجندي ...فطار النوم من عينك ..فصاح قائلا :
من اين اتيت بهولاء التعساء ؟؟الا يوجد ببلادهم خبزا ولا ماء ؟؟
ليهبط الجميع من العربة ...لقد كانت فرصتك أن تتنفس الهواء. ... وتسرق نظرة من عينيها
ربما تهدأ من روعك ... " وتفرق شمل علبة السردين .. وراح الجميع ...يروح كل واحد عن نفسه بطريقته ...
ومن خلال الحلكة ...لاحظت نجران تنتصب قلاعها كأنها حرب وشيكة الوقوع ..وتستمع لاصوات كلاب ضالة ..وتلفح وجهك نسمات باردة ترد اليك روحك .بعد قليل ..سيذهب كل واحد منكم الى شأنه ....لن تراها بعد اليوم ..قلت : في نفسك لن تدعها تذهب دون أن تترك لك ..شيئا ربما تستند عليه ...أقتربت منها وقلت :
الحمد لله على السلامة ...ها نحن وصلنا نجران .
ردت بصوت خافت ... الحمد لله على سلامتك ... اين ستنزل في نجران ؟
قلت : أنا لا أعرف احدا هنا .... ربما في الفندق .... وعدت وتسألت وهل توجد فنادق هنا ؟؟
ليلة ..مضت ..لا تدري كيف تسلل النوم الى عينيك ...فوق سطح " قهوة الحرمين " في شارع الاخدود ...الفندق الوحيد في المدينة ...لم يكن فندق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ...بل كان خان
تأوي اليه الدواب ...والنفوس المشردة ...والنوعيات الشريرة ... اناس بصورة بشر ... يرتدون الزي اليمني .. ويضعون على خصورهم النحيلة " الخنجر " او ما يسمى " الجنبية " .
هنا على السطح ...هدوء غريب ...يلف المدينة ..كلما اقترب النهار .
غدا ستشرق الشمس ...ويبدأ عام جديد ..تمنيت لو أن لك جناحان تحلق بهما فوق الحصون والقلاع تستعجل الشمس لترى نجران محطتك الاخيرة وهي تفتح عينيها على الربع الخالي
المكان ...هنا مزعج غير صالح لنوم هادىء ....أسراب من البعوض تحلق فوق رأسك ..وذباب بليد ...وقح يسهر في الليل ....من يصدق ؟؟؟
الحركة في المقهى ..لا....تهدأ ....كيف لا وهي محطة ... لكل من يصل الى نجران ...أول مرة أسرة من الخشب ,,,وجذوع النخل ..أغطية غاية في القذارة ,,غالبك النوم فنمت .
حلمت .... بها ..أمضيت نومك برفقتها .... وقلت ..هل ستحضر فاطمة الى هذا البر في يوم من الايام ؟؟؟
ها هي شمس نجران ...تملاء الكون ....صبي المقهى يعلن للجميع ,,, الصلاة ...الصلاة ...
داهمك الفزع ...وانت تحدق في وجوه الحاضرين ..الكل ينظر اليك ... " غريب " أنت ...اجنبي هكذا كانوا يسمون غير السعودي .
كانت شعورهم طويلة ...يذكرونك بصورة من عاشوا في القرون الوسطى ... في زمن الجاهلية الاولى ...فجأة ... رمى صبي المقهى حقيبة سفرك .وأمرك بدفع ريال واحد ...مقابل مبيتك كان ريالا وحيدا ... يتيما ..لا تملك غيره ...تحسرت علية ...أصبحت بلا مال ..." قطيع حج" مثلما يقولون ...فأنت لا تعرف أحدا هنا .
أندفعت تهرول في الشارع ...تبحث عن مكتب الاشراف ...محاولا الاحتفاظ بتوازنك ..ووقارك محاولا ان تمحو ...كل هالات الكابة عن وجهك ..وهموم الدنيا .
كم تكره الانتظار ....وأنت تقابل " عزمي أبو فارة " ........المعلم البدين ,.. قصير الرقبة بأنفه الصغير ..وعيناه التي تستغرب كيف .. يبصر بها .. كانت اشبهه بعيون الافعى
أحذر ...أن توافق على تعينك في قرى نجران ...واقسم أنك لن ترىالملح هناك ....واردف قائلا : حاول أن تدبر لك واسطة .لتبق في المدينة هنا ...............حاول ...حاول .
استغربت من فضوله ... وتطفله عليك ... لكن ربما كان على حق ...من يدري ؟؟؟...
دق قلبك ..أكثر من عادته ..ورقص خوفا ..رقص كزنجي حول النار ...وكنت متحفزا .متوترا
وزاد من توترك يوم قابلت المرحوم " أبو اللبيد" .........لعنهم الله ..لقد عينوني في مدرسة بقرية أسمها " حبونا " تبعد من هنا اربعمائة كيلومتر ....
لن أذهب هناك ..حتى لو شربوا البحر ...ودفعوا لي مال " قارون " ...انهم مجانين ...أنا اذهب هناك ؟؟.دعوني اعود الى بلادي ....كان يهذي من وقع الصدمة علية ..كمن أصابته الحمى ..والحمى ...هنا تحصد الارواح .تسكن الجبال وحقول النخيل ....تسكن حتى الهواء ..اليست الغياب
والموت ؟؟.
تعثر في خطواته ...وهو يجتاز باب مكتب الاشراف...ذلك المبنى الطيني ..بسقفه المعقودمن جذوع اشجار النخيل ...وغاب في الزحام ...." وكان قد توفي في حادث سير,بعد ثلاث سنوات
على طريق " الموفجة .
كم حزنت انتصار ...يوم موته ....لم تتزوج .... بعده .عاشت على ذكراه ...حتى توفيت هي الاخرى بالصعقة الكهربائية ..
تمسكت من جديد ...بالمظروف الذي يحتوى على شهادة الجامعة وبعض الاوراق الثبوتية من الملحق الثقافي السعودي بعمان وجواز سفرك الاردني ..نعم انت اردني تحمل الجنسية الاردنية على الرغم من أنك ولدت بفلسطين .....وانت تحاول فهم .. ما قاله المرحوم ...واعتبرته جزء من حلم ....
وعلى الرغم من الخوف الذي يسكنك ..حدقت .. من جديد في وجوه الحاضرين ...علك تعرف أحدا يرشدك ...وتنحيت جانبا ...لتجلس مع مجموعة من المعلمين ..تحلقوا ...حول كومة من الصور الشخصية ...ملقاة على الارض ..القيت بلا عناية على الارض ..
أية صدفة جمعتك ...بالموجه " محمد الرزي" ...ذلك الرجل ... الذي تكن له الاحترام والتقدير ...حيث فاجأك بالسؤال :من أين أتيت ؟؟؟