الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

استدعاء الذكريات بقلم: د. محمد عبدالله القواسمة

تاريخ النشر : 2016-08-27
استدعاء الذكريات
د. محمد عبدالله القواسمة
يقول أرسطو: الإنسان حيوان ضاحك، وأنا أرى أن الإنسان مخلوق يتذكر، وقادر على استحضار الذكريات، وربما يمضي كلّ حياته، وبخاصة إذا كان أديبًا، وهو يتذكر الأحداث التي مرّ بها، والأماكن التي عاش فيها، والأشخاص الذين تعرّف إليهم، والكتب التي قرأها أو اطلع عليها. وكلما تقدم به العمر غدت الذكريات زاده أو أداته في مواجهة المصاعب، وتحمل أعباء الحياة.
الإنسان، في العادة، يحاول أن يتذكر ما هو جميل، ويبعد عن ذاكرته ما هو سيّئ. إنه يستعيد الذكريات المفرحة، ويكرر استعادتها بلذة كأنها أغنية عذبة، أو قصيدة موحية، أو قطعة موسيقية شجية. أما الذكريات الأليمة فيجعلها تقبع هناك في الذاكرة ، وتظل جروحها غائرة عصية على النسيان، ويمكن أن تنبعث حية في أي وقت.
لعل أشد الذكريات مرارة وحزنًا تلك التي تتراءى فيها أحداث الماضي الجميل وسط شقاء الإنسان، وتعاسته. لقد خبر هذه الذكريات عبد الحميد الكاتب، أبرز كتاب بني أمية، وهو منهزم مع صديقه الخليفة مروان بن محمد أمام جيش العباسيين الذي كان يقوده أبو مسلم الخراساني؛ ففي رسالته التي كتبها لأهله يتذكر أيام سعادته، وهو في كنف الخليفة، ويقارن بينها وبين حالته وهو مطارد من جند العباسيين، ولا أمل عنده في النجاة. يقول في رسالته وكأنه يرثي نفسه:" إن الله تعالى جعل الدنيا محفوفة بالكره والسرور، فمن ساعده الحظ فيها سكن إليها، ومن عضته بنابها ذمها ساخطًا عليها، وشكاها مستزيدًا لها، وقد كانت أذاقتنا أفاويق استحليناها ثم جمحت بنا نافرة، ورمحتنا مولية، فَمُلح عذبها، وخشن لينها، فأبعدتنا عن الأوطان، وفرقتنا عن الإخوان، فالدار نازحة، والطير بارحة."
كما خبر مثل هذه الحالة المعتمد بن عباد عندما زج به يوسف بن تاشفين في سجن أغمات بتونس. ويقول مؤرخو الأدب إنه حين زارته بناته في السجن تذكر أيام عزه ولهوه وهو ملك على اشبيلية، فتدفقت شاعريته، وهو يرى نفسه أسيرًا وبناته يعانين ذل الفقر والحاجة.
فيما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسرورا فَساءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسورا
تَرى بَناتكَ في الأَطمارِ جائِعَة يَغزِلنَ لِلناسِ ما يَملِكنَ قَطميرًا
بَرَزنَ نَحوَكَ لِلتَسليمِ خاشِعَةً أَبصارُهُنَّ حَسراتٍ مَكاسيرا
يَطأنَ في الطين وَالأَقدامُ حافيَةٌ كَأَنَّها لَم تَطأ مِسكًا وَكافورا
وإذا كانت الذكريات باعثة للمرارة عند عبد الحميد الكاتب والمعتمد بن عباد فإنها عامل مساعد للشاعر عنترة بن شداد على تحمل ما يجري في ساحة الوغى؛ إذ يجد في تذكر حبيبته عبلة أداة لمواجهة السيوف والرماح في معركته مع أعدائه:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددتُ تقبيلَ السيوفِ لأنها .لمعت كبارقِ ثغرِكِ المتبسمِ
وربما تشتد مأساة الشاعر حين لا يجد من يتذكره ليبكي عليه كما حدث لمالك بن الريب. عندما لسعته أفعى وجرى السم في جسمه فأحس بدنو أجله، ولم يجد من يتذكره ليبكي عليه غير سيفه ورمحه.
تذكرت من يبكي علي فلم أجد سوى السيف والرمح الردينيّ باكيا
وإذا كان مالك بن الريب لم يجد من يتذكره فإن ابن زيدون يتذكر حبيبته ولادة بنت الخليفة المستكفي. يتذكرها وهو في مدينة الزهراء، ويُسقط مواجع الذكرى على ما حوله من مظاهر الجمال في الطبيعة الأندلسيّة.
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
وللنسيم اعتلال في أصائله كأنما رق لي فاعتل إشفاقــا
والروض عن مائه الفضي مبتسم كما حللت عن اللبات أطواقــا
يوم كأيام لذّات لنا انصرمت بتنا لها حين نام الدهر سراقا
ونلتفت في الشعر الغربي إلى الشاعر الفرنسي لامارتين وحكايته مع تلك الفتاة جولي شارل، التي تعرّف إليها في أثناء وجوده في رحلة علاجية على ضفاف بحيرة بورجيه، التي تقع في جبال الألب من القسم الفرنسي. لقد عاش لامارتين أيامًا مع تلك الفتاة في حب يتسامى فوق رغبات الجسد، ثم افترقا بعد أن اتفقا على اللقاء في العام القادم، وطلبت منه أن يرثيها إذا حال الموت دون لقائهما. مضى العام ولم تأت. لقد قضى عليها مرض السل. فكتب الشاعر قصيدة البحيرة في رثائها كما وعد. وهي قصيدة مشهورة ترجمها عدد كبير من الشعراء والكتاب. نقدم بعض أبياتها من ترجمة الأديب اللبناني نقولا فياض:
أهكذا أبداً تمضي أمانينا
نطوي الحياةَ وليلُ الموت يطوينا
تجري بنا سُفُنُ الأعمارِ ماخرةً
بحرَ الوجودِ ولا نُلقي مراسينا؟
بحيرةَ الحبِّ حيّاكِ الحيا فَلَكَمْ

كانت مياهُكِ بالنجوى تُحيّينا
قد كنتُ أرجو ختامَ العامِ يجمعنا
واليومَ للدهر لا يُرجى تلاقينا
هكذا هي الذكريات عند الأدباء وغيرهم فيها الحنين إلى الماضي، والرغبة في استعادة أجمل ما عايشه الإنسان منها كي يواجه أثقال الحياة ومصائبها بوصفه مخلوقًا غارقًا في الذكريات[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف