عن اللاوعي في الثقافة الفلسطينية
بقلم : كريم الصغيّر
في إحدى المحاضرات الجامعية طرح دكتُور المادة موضوعاً للنقاش كان يتعلق بحدث على الساحة الفلسطينية ، وإن أسعفتني الذاكرة كان يتعلق بـ " المنتجات الإسرائيلية " ، معظم الطُلاب الحاضرين بدأوا نقاشهم أو جٍدالهم بالصُراخ والشتائم على الحكومات العربية ، وفجأة بإحدى الطالبات تقوم بحركة هستيرية مع موجة شتائم خرجت من فمها كخروج الرصاص من الرشاش الاّلي .
حقيقةً حبذتُ الصمت لإدراكي أمران ، الأول أن دخولي في هذا الجدال العٍوائي سيحُجم ما سأقول وسيجعله كنكتة ساخرة ، والثاني لٍعلمي المُسبق أن النقاش الجامعي هو نقاش إستدراجي هدفه الكشف عن ما يحمله الطالب من فٍكر فإن وافق الإستخبارات الجامعية فينجح ( الطالب ) ، وإن لم يوافق فسيطبق عليه القانون السائد ( أصمت ، تسلم ) .
ما إستنبطّهُ من هذا النقاش هو أن الثقافة الفلسطينية والعربية في نقاش القضية الفلسطينية يعتمد على عٍدة أسس ( فارغة )
وهي خليط من مشاعر عاطفية ( هوّجاء ) وخلفية دينية للصراع ، ومشاعر وطنية ( لاوطنية ) في حقيقتها ومشاعر قومية دون أدنى سقف معرفي .
إن مشكلة الثقافة الوطنية الفلسطينية أنها متناقضة ، ولا تسير وفق رؤية سياسية منطقية عقلانية .. لإن التأثير الديني الأصولي يطغى عليها ، وقد يكون السبب في ذلك هو مدينة ( القدس ) والأماكن الدينية المقدسة والإعتقاد بإن سبب الإحتلال الصهيوني هو سبب ( ديني ) لا إستعماري ، الحقيقة أن القداسة التي وضعت على مدينة القدس ومقدساتها الدينية غاب عنها ثقافة التعايش والتعددية الدينية والتنوع الديموغرافي ، لإن الخٍطاب الوطني الفلسطيني مزدوج وله لسانان فاللسان الأول الذي يمثله التيار الوطني التقليدي إي منظمة التحرير الفلسطينية يقبل التعايش والتعدد ، أما الخٍطاب الديني الذي تمثله حماس وتيارات الإسلام السياسي التي تحظى بشعبية واسعة ( إي خطاباتها ) فهي لا تقبل هذا الأمر وهنا ( العٍلة الحقيقة ) .
في الحقيقة الخلل الثقافي هو يعود بالدرجة الأولى إلى ( المثقفين الفلسطينيين ) اللذين يعيشون في حالة من ( الوهم الثقافي ) والتناقض فيما بينهم ، فالمثقف الفلسطيني وإن كان ( علمانياً ) فإن حديثه لا يخلو من الثقافة الجهادية ، فهو في كتبهٍ علمانياً يتحدث عن الثورات العالمية ويقتبس منها التجارب ، لكن في حديثه للرأي العام يكون إسلامياً وفي بعض الأحيان ( سلفياً ) ، وذلك يعود لسببين:
الأول : إدراك المثقف أن الشعب الفلسطيني يميل بعادته إلى الخطابات الدينية التي تكون المُحفّز المعنوي في الصراع ، فهو يعلم في قرارة نفسه هذا الأمر ، ويمسك العصا من المنتصف.
الثاني : أن المثقف ( إنتهازي ) فهو يريد الحفاظ على عدد قُرّاءه ولا يريد أن يتناقصوا حتى لو كان ذلك على حٍساب الوعي العام ، فالمهم أن يحافظ على ( المجد الشخصي ).
لٍذلك وجب علينا كفلسطينين ، أن نبني ثقافة جديدة لا تكون منغلقة على نفسها ، ولا تتعامل مع الحركة الصهيونية على أنها قبيلة ( بني قريظة ) ، وأن نقدم كفلسطينين مشروعاً حقيقياً للدولة التي نطمح لها ، وأن نُعرّف العالم الذي يتضامن معنا عاطفياً ولكن يستنكر سلوكنا في بعض الأحيان عن ( فلسفة ) الدولة الفلسطينية التي نطمح لها ، ونقدم مشروعاً لدستور مدني ، وقوانين حديثة ، ونحارب الفساد الذي أصبح ( مقنن ) ، وأن نواجه الإحتلال بسلوك ثوري فكري لا بثقافة الفزعة والإنفعالات اللحظية .
لٍذا ، وجب علينا إيضاً كمثقفين فلسطينين أن نبدأ عملية ( بناء فكري ) جديدة للشارع الفلسطيني ، وأن نتخلص من ثقافة عٍبادة الأشخاص ، وصناعة الرموز ، والتعصب الفصائلي ، وأن نبني مجتمعاً مدنياً تعددياً متنوعاً يدافع عن قضيته بسلوك حضاري يجعل العالم ينتقل من مرحلة التعاطف ( الناعم ) إلى مرحلة التأييد والوقوف مع الدولة الفلسطينية .
بقلم : كريم الصغيّر
في إحدى المحاضرات الجامعية طرح دكتُور المادة موضوعاً للنقاش كان يتعلق بحدث على الساحة الفلسطينية ، وإن أسعفتني الذاكرة كان يتعلق بـ " المنتجات الإسرائيلية " ، معظم الطُلاب الحاضرين بدأوا نقاشهم أو جٍدالهم بالصُراخ والشتائم على الحكومات العربية ، وفجأة بإحدى الطالبات تقوم بحركة هستيرية مع موجة شتائم خرجت من فمها كخروج الرصاص من الرشاش الاّلي .
حقيقةً حبذتُ الصمت لإدراكي أمران ، الأول أن دخولي في هذا الجدال العٍوائي سيحُجم ما سأقول وسيجعله كنكتة ساخرة ، والثاني لٍعلمي المُسبق أن النقاش الجامعي هو نقاش إستدراجي هدفه الكشف عن ما يحمله الطالب من فٍكر فإن وافق الإستخبارات الجامعية فينجح ( الطالب ) ، وإن لم يوافق فسيطبق عليه القانون السائد ( أصمت ، تسلم ) .
ما إستنبطّهُ من هذا النقاش هو أن الثقافة الفلسطينية والعربية في نقاش القضية الفلسطينية يعتمد على عٍدة أسس ( فارغة )
وهي خليط من مشاعر عاطفية ( هوّجاء ) وخلفية دينية للصراع ، ومشاعر وطنية ( لاوطنية ) في حقيقتها ومشاعر قومية دون أدنى سقف معرفي .
إن مشكلة الثقافة الوطنية الفلسطينية أنها متناقضة ، ولا تسير وفق رؤية سياسية منطقية عقلانية .. لإن التأثير الديني الأصولي يطغى عليها ، وقد يكون السبب في ذلك هو مدينة ( القدس ) والأماكن الدينية المقدسة والإعتقاد بإن سبب الإحتلال الصهيوني هو سبب ( ديني ) لا إستعماري ، الحقيقة أن القداسة التي وضعت على مدينة القدس ومقدساتها الدينية غاب عنها ثقافة التعايش والتعددية الدينية والتنوع الديموغرافي ، لإن الخٍطاب الوطني الفلسطيني مزدوج وله لسانان فاللسان الأول الذي يمثله التيار الوطني التقليدي إي منظمة التحرير الفلسطينية يقبل التعايش والتعدد ، أما الخٍطاب الديني الذي تمثله حماس وتيارات الإسلام السياسي التي تحظى بشعبية واسعة ( إي خطاباتها ) فهي لا تقبل هذا الأمر وهنا ( العٍلة الحقيقة ) .
في الحقيقة الخلل الثقافي هو يعود بالدرجة الأولى إلى ( المثقفين الفلسطينيين ) اللذين يعيشون في حالة من ( الوهم الثقافي ) والتناقض فيما بينهم ، فالمثقف الفلسطيني وإن كان ( علمانياً ) فإن حديثه لا يخلو من الثقافة الجهادية ، فهو في كتبهٍ علمانياً يتحدث عن الثورات العالمية ويقتبس منها التجارب ، لكن في حديثه للرأي العام يكون إسلامياً وفي بعض الأحيان ( سلفياً ) ، وذلك يعود لسببين:
الأول : إدراك المثقف أن الشعب الفلسطيني يميل بعادته إلى الخطابات الدينية التي تكون المُحفّز المعنوي في الصراع ، فهو يعلم في قرارة نفسه هذا الأمر ، ويمسك العصا من المنتصف.
الثاني : أن المثقف ( إنتهازي ) فهو يريد الحفاظ على عدد قُرّاءه ولا يريد أن يتناقصوا حتى لو كان ذلك على حٍساب الوعي العام ، فالمهم أن يحافظ على ( المجد الشخصي ).
لٍذلك وجب علينا كفلسطينين ، أن نبني ثقافة جديدة لا تكون منغلقة على نفسها ، ولا تتعامل مع الحركة الصهيونية على أنها قبيلة ( بني قريظة ) ، وأن نقدم كفلسطينين مشروعاً حقيقياً للدولة التي نطمح لها ، وأن نُعرّف العالم الذي يتضامن معنا عاطفياً ولكن يستنكر سلوكنا في بعض الأحيان عن ( فلسفة ) الدولة الفلسطينية التي نطمح لها ، ونقدم مشروعاً لدستور مدني ، وقوانين حديثة ، ونحارب الفساد الذي أصبح ( مقنن ) ، وأن نواجه الإحتلال بسلوك ثوري فكري لا بثقافة الفزعة والإنفعالات اللحظية .
لٍذا ، وجب علينا إيضاً كمثقفين فلسطينين أن نبدأ عملية ( بناء فكري ) جديدة للشارع الفلسطيني ، وأن نتخلص من ثقافة عٍبادة الأشخاص ، وصناعة الرموز ، والتعصب الفصائلي ، وأن نبني مجتمعاً مدنياً تعددياً متنوعاً يدافع عن قضيته بسلوك حضاري يجعل العالم ينتقل من مرحلة التعاطف ( الناعم ) إلى مرحلة التأييد والوقوف مع الدولة الفلسطينية .