لسرد حكايات المخيم ألوان قوس قزح
في الحلقة السابقة كنت قد حدثتكم عن سهرة في ليلة ماطرة، لكن ماذا كان يدور من أحاديث أثناء السهرات في المخيم، صدقوني كان 75% من الحديث ذكريات في الوطن، عبر هذه الذكريات تدور السنين و يأخذك الحنين وتسافر عائدا إلى كل شبر من أرض الوطن، إلى كل حبة تراب كل قطرة ماء كل حبة قمح، لشجر الزيتون والتين و السنديان يحدثونك عن الشهداء، عن ثورة 1936 وأبطالها، الدفاع عن القرية في 1948، و زهر الحنون. ذكريات تجعلك تحلق مع عصافير الجليل، في سماء فلسطين.
ذكريات تتقاسمها مع كل الحالمين من المشردين لتصبح الذاكرة هي الوطن.
و ليصبح النسيان نقمة عذابات اللجوء و رواسب صدئ المنافي و الشتات.
في هذه الليلة دار الحديث عن صالح الرقية- من قرية لوبية في الجليل بين الناصرة و طبرية بطل من أبطال ثورة 1936، كان قائد فصيل.
بدأ الحديث أبو إبراهيم بسؤال الحضور: مين بيعرف مين المقصود من هاي الأغنية اللي كانت تغنيها بنات لوبية بالاعراس؟
صالح يا صالح يا بو الشاليشي
قتلت الزابط مع الشاويشي
هيي يا أبو إسحاق يا مال الغارة
ولحقت صالح درب القنارة
يومن رابطلك بيني الحجارة
وأنطاك الطلق بين العيون
هيي يا بو سحاق وشمالك عاير
ولحقت صالح درب الشكاير
هيي يا بو إسحاق يا بو طقية
ولحقت صالح درب الصيفية ( درب الصيفية وهي المنطقة الصخرية الوعرة التي خاض فيها هذا الثائر معركته ضد الإنجليز).
فرد أبو صالح: ولو يا زلمة صالح الرقية، هاي يا سيدي والحكي للجميع لما كان صالح على طريق نمرين عائدا إلى لوبية يركب الفرس و بارودته تحت عباءته. كانت وحدة من القوات الإنجليزية قد أحتلت بيت دمعون وبيت مزيد، وكلا البيتين مرتفعين. وقد تعرف الجنود الإنجليز المتمركزين على سطح أحد المبنيين عليه بواسطة المنظار وحركوا سيارة جيب و اتجهوا نحوه ونصبوا له كمينا بكرم بيت حجو، هون عرف صالح الرقية بالملعوب فعاد أدراجه إلى قرية نمرين.
أطلقوا النار باتجاهه وأصيب بساقه لكنه بقي يمتطي فرسه حتى وصل إلى منطقة صخرية، ترجل عن الفرس و أختبئ بين الصخور ثم باشر بإطلاق النار ، قتل الضابط و الشاويش، و جندي آخر، ثم فر الاخرون، يقال أن أحد أفراد الدورية كان مترجما يهوديا إسمه أبو إسحاق.
كانت فتاة من قرية نمرين قد شاهدت المعركة بكل تفاصيلها، وفي الوقت المناسب ذهبت بالفرس إلى مكان صالح، فركب فرسه واتجه نحو قرية عيلبون المجاورة وتم نقله بمساعدة الثوار إلى دمشق للعلاج.
قام الإنكليز بتدمير بيت صالح وبيوت أقاربه وذلك باستعمال المتفجرات حيث بلغ عدد البيوت المدمرة ثمانية.
وصل صالح إلى الشام التي كانت تخضع للإنتداب الفرنسي ولكن تم اعتقاله وحبسه في سجن القلعة الواقع على مدخل سوق الحميدية. بعد ايام تمكن من الهرب والإختباء في محل إسكافي ، الإسكافي ساعده على الإختباء بعد ذلك تمكن من الحصول على العلاج المناسب ومن ثم العودة إلى لوبية لكي يصبح بطلا يعتز به الناس. هذا البطل أسمه صالح محمد طه المعروف بصالح الرقية نسبة إلى والدته و هي من قرية صفورية.
قصة سمعتها عشرات المرات، حاولت سرد القصة دون أن أدخل في جزئية تخلق حساسية عند البعض وهي أن هذا الثائر البطل قد قتل في القرية قبل النكبة بقليل. وسجلت القضية ضد مجهول هنا لن أدخل في التفاصيل.
لكن الحقيقة أن هذا الرجل كان مقاتلا شرسا و شجاعا شارك في معارك عديدة ضد المستعمر الأنجليزي و كان مطلوبا للانجليز.
أنا حدثتكم عن شخصية شعبية معروفة وقصته تداولتها الأجيال جيلا بعد جيل.
لكن لماذا لم يرقى هذا البطل والكثيرون من خيرة أبناء شعبنا الفلسطيني إلى مستوى رموز تكون المعادل الموضوعي و الأخلاقي لجزء من تاريخ عاشه الشعب الفلسطيني؟
بصراحة هذا موضوع مهم يخص ثقافتنا الحاضرة و المستقبلية.
هذه القصة واقعية و حصلت في قرية ورغم ذلك حصل هناك جدل و خلاف على هذه الشخصية لان المفهوم الثقافي ارتطم بالقبلية في حادثة مقتل هذا البطل لتصبح بطولته محل شك.
الآن نحن في أمس الحاجة إلى ثقافة وطنية واحدة بعيدة عن الانتماءات الأيديولجية و الفصائلية، و بعيدة عن سياسة المحاور لتكن ثقافة في خدمة الإنسان الفلسطيني وقضيته العادلة. نحن بالتاكيد نقرا ونتأثر بما نقرأه وهناك ثمة حركة متبادلة من التاثيرات سواءا البنيوية التطويرية، الماركسية ، العلمانية، الدينية والدنيوية ، الدادائية، الوجودية، الحرية المطلقة أو التوقعات المستقبلية .
كل هذه القراءات يجب أن تجير لخدمة الأنسانية وبعدها الحضاري في تاريخ نضال شعبنا. ولنبتعد عن المفهوم الفئوي للثقافة الفلسطينية.
ألقاكم في الحلقة القادمة وحكاية من حكايات المخيم بلون قوس قزح
يحيى عزام ( ابن لوبية )
في الحلقة السابقة كنت قد حدثتكم عن سهرة في ليلة ماطرة، لكن ماذا كان يدور من أحاديث أثناء السهرات في المخيم، صدقوني كان 75% من الحديث ذكريات في الوطن، عبر هذه الذكريات تدور السنين و يأخذك الحنين وتسافر عائدا إلى كل شبر من أرض الوطن، إلى كل حبة تراب كل قطرة ماء كل حبة قمح، لشجر الزيتون والتين و السنديان يحدثونك عن الشهداء، عن ثورة 1936 وأبطالها، الدفاع عن القرية في 1948، و زهر الحنون. ذكريات تجعلك تحلق مع عصافير الجليل، في سماء فلسطين.
ذكريات تتقاسمها مع كل الحالمين من المشردين لتصبح الذاكرة هي الوطن.
و ليصبح النسيان نقمة عذابات اللجوء و رواسب صدئ المنافي و الشتات.
في هذه الليلة دار الحديث عن صالح الرقية- من قرية لوبية في الجليل بين الناصرة و طبرية بطل من أبطال ثورة 1936، كان قائد فصيل.
بدأ الحديث أبو إبراهيم بسؤال الحضور: مين بيعرف مين المقصود من هاي الأغنية اللي كانت تغنيها بنات لوبية بالاعراس؟
صالح يا صالح يا بو الشاليشي
قتلت الزابط مع الشاويشي
هيي يا أبو إسحاق يا مال الغارة
ولحقت صالح درب القنارة
يومن رابطلك بيني الحجارة
وأنطاك الطلق بين العيون
هيي يا بو سحاق وشمالك عاير
ولحقت صالح درب الشكاير
هيي يا بو إسحاق يا بو طقية
ولحقت صالح درب الصيفية ( درب الصيفية وهي المنطقة الصخرية الوعرة التي خاض فيها هذا الثائر معركته ضد الإنجليز).
فرد أبو صالح: ولو يا زلمة صالح الرقية، هاي يا سيدي والحكي للجميع لما كان صالح على طريق نمرين عائدا إلى لوبية يركب الفرس و بارودته تحت عباءته. كانت وحدة من القوات الإنجليزية قد أحتلت بيت دمعون وبيت مزيد، وكلا البيتين مرتفعين. وقد تعرف الجنود الإنجليز المتمركزين على سطح أحد المبنيين عليه بواسطة المنظار وحركوا سيارة جيب و اتجهوا نحوه ونصبوا له كمينا بكرم بيت حجو، هون عرف صالح الرقية بالملعوب فعاد أدراجه إلى قرية نمرين.
أطلقوا النار باتجاهه وأصيب بساقه لكنه بقي يمتطي فرسه حتى وصل إلى منطقة صخرية، ترجل عن الفرس و أختبئ بين الصخور ثم باشر بإطلاق النار ، قتل الضابط و الشاويش، و جندي آخر، ثم فر الاخرون، يقال أن أحد أفراد الدورية كان مترجما يهوديا إسمه أبو إسحاق.
كانت فتاة من قرية نمرين قد شاهدت المعركة بكل تفاصيلها، وفي الوقت المناسب ذهبت بالفرس إلى مكان صالح، فركب فرسه واتجه نحو قرية عيلبون المجاورة وتم نقله بمساعدة الثوار إلى دمشق للعلاج.
قام الإنكليز بتدمير بيت صالح وبيوت أقاربه وذلك باستعمال المتفجرات حيث بلغ عدد البيوت المدمرة ثمانية.
وصل صالح إلى الشام التي كانت تخضع للإنتداب الفرنسي ولكن تم اعتقاله وحبسه في سجن القلعة الواقع على مدخل سوق الحميدية. بعد ايام تمكن من الهرب والإختباء في محل إسكافي ، الإسكافي ساعده على الإختباء بعد ذلك تمكن من الحصول على العلاج المناسب ومن ثم العودة إلى لوبية لكي يصبح بطلا يعتز به الناس. هذا البطل أسمه صالح محمد طه المعروف بصالح الرقية نسبة إلى والدته و هي من قرية صفورية.
قصة سمعتها عشرات المرات، حاولت سرد القصة دون أن أدخل في جزئية تخلق حساسية عند البعض وهي أن هذا الثائر البطل قد قتل في القرية قبل النكبة بقليل. وسجلت القضية ضد مجهول هنا لن أدخل في التفاصيل.
لكن الحقيقة أن هذا الرجل كان مقاتلا شرسا و شجاعا شارك في معارك عديدة ضد المستعمر الأنجليزي و كان مطلوبا للانجليز.
أنا حدثتكم عن شخصية شعبية معروفة وقصته تداولتها الأجيال جيلا بعد جيل.
لكن لماذا لم يرقى هذا البطل والكثيرون من خيرة أبناء شعبنا الفلسطيني إلى مستوى رموز تكون المعادل الموضوعي و الأخلاقي لجزء من تاريخ عاشه الشعب الفلسطيني؟
بصراحة هذا موضوع مهم يخص ثقافتنا الحاضرة و المستقبلية.
هذه القصة واقعية و حصلت في قرية ورغم ذلك حصل هناك جدل و خلاف على هذه الشخصية لان المفهوم الثقافي ارتطم بالقبلية في حادثة مقتل هذا البطل لتصبح بطولته محل شك.
الآن نحن في أمس الحاجة إلى ثقافة وطنية واحدة بعيدة عن الانتماءات الأيديولجية و الفصائلية، و بعيدة عن سياسة المحاور لتكن ثقافة في خدمة الإنسان الفلسطيني وقضيته العادلة. نحن بالتاكيد نقرا ونتأثر بما نقرأه وهناك ثمة حركة متبادلة من التاثيرات سواءا البنيوية التطويرية، الماركسية ، العلمانية، الدينية والدنيوية ، الدادائية، الوجودية، الحرية المطلقة أو التوقعات المستقبلية .
كل هذه القراءات يجب أن تجير لخدمة الأنسانية وبعدها الحضاري في تاريخ نضال شعبنا. ولنبتعد عن المفهوم الفئوي للثقافة الفلسطينية.
ألقاكم في الحلقة القادمة وحكاية من حكايات المخيم بلون قوس قزح
يحيى عزام ( ابن لوبية )