قصيدة الخريف
(1)
في عشق دمشق..
المدينة التي يُمزق أثوابها الغدر
الأنثى التي تقطر من دفاترها الدماء
يُقلّب صفحات تراثها العتيقة الريح الأصفر
يُذيب رخام معبدها المتآكل الملح والماء
تبحث بكل توحشها عن ينابيع الخلود
تجرّ خلف تعطشها مرساة الفناء
سفينة ضائعة في ميناء مهجور
أشعلها نبيذ الغروب
وغمرتها فضة القمر
ثم يطلع الفجر
ويكشف عريها الضوء
مدينة أشعلت بكفيها الجمر
وتساقطت من عينيها حبات البخور
تلك الأنثى التي ترتدي خنجرها في عتمة الليل
تغتال المدينة والرجال
تتسربل بعباءة مضرجة بالويل
تبحث في السراديب عن سرّ البقاء
في زمن الرحيل
أخطر الجراح النازفة يا دمشق
في حضرة الموت القارس تندمل
أنا الآن أزفك بثوبك الأسودَ
ذلك الذئب الذي توعدَ
جاء الخريف
على جناح حمامة تطير في وضح النهار
الريح البارد
يُداعب الأوراق المتساقطة على الرصيف
أنينها وهي تتدحرجْ
يشي بالمطر والحرجْ
الداكن المتمكن
يُغلق الأفق الأزرق
تبدو الغيوم أقرب وأعمق
ترحل من الجنوب القريب إلى الشمال البعيد
تصير أكثف وأثقلْ
تتمرد وتتمدد
كأن هذه البلاد المخُضلة بالدماء
تنتظر المطر الأسود
تلك الأنثى التي تنحدر كسيل
تتجمل بقوس قزح في أرذل العمر
تُنشب في جسد البلاد أظافرها الرصاصية
شربت حتى ظلها الممزق الأرض الظامية
تمشي الآن الى هاويتها حافية
حتى المدن القديمة يا دمشق تموت
القدس وبغداد وبيروت
تقوم من ركام أحقادها
تضيع في متاهات الانتقام
أنا لست ذلك الحالم المُتيم
يطفئه الخوف ويشعله الألم
العاشق الذي يهيم لا يتجدد
العاشقة التي تخون لا تتردد
دمشق التي طرّزت ثوبها بالنجيع
تحترق الآن وتبتعد
كيفما اتجهت إليها
يغطي وجهها الدخان المتصاعد
من احتراق القناديل
يحجب لؤلؤها الرماد المتساقط
على جبين المجد الجميل
أنا يا دمشق
لا أندبك مفارقا ولا أمتهن الرثاء
ضيّعت في ضباب الخوف عيناني
وضاع في ازدحام الموت القلب
أسير إليك لا أهتدي
أقترب منك أتعب
عاشق تشهّى اللقاء
مد يديه المضرجتين بالشقاء
بي لهفة عمياء
إلى رنين نحاس الألم
بي عطش أزرق
إلى أنين جمر الدموع
أبحث عن عيناي الضائعتين لأبكي
يتآكلني الندم
أبحث فوق الأرصفة اليابسة
عن المرايا
أتعثر برماد التاريخ
والبقايا
أستند إلى ياسمينة أضرمت النار في شعرها
تتساقط فوق ظلّي قصائد ضاع عطرها
عاشق يفقد كل أمل
هجر بردى المنسكب أبدا ضفتيه
أخفى قاسيون العنيد وجهه بيديه
خبأت الغوطة أشجارها بجذورها
حتى المآذن العالية هاجرت مع طيورها
غادرت الأسوار الباقية من أبوابها ورمت المفاتيح
لملم جبل الشيخ عباءته ورماها للريح
حتى السيف الدمشقي يرحل الآن يتبعه غمده
هذا الحاضر الغائب الذي ضيّع غده
أنا الشاعر الذي اغتالته قصيدته
الرمانة التي انكسرت يتناثر عقيقها
الياسمينة التي احترقت
المدينة التي يغيب بريقها
الأنثى التي انتقمت
والآن يا دمشق الزمان
هل فات الآوان..
14/11/2015
صافيتا / زياد هواش
..
(1)
في عشق دمشق..
المدينة التي يُمزق أثوابها الغدر
الأنثى التي تقطر من دفاترها الدماء
يُقلّب صفحات تراثها العتيقة الريح الأصفر
يُذيب رخام معبدها المتآكل الملح والماء
تبحث بكل توحشها عن ينابيع الخلود
تجرّ خلف تعطشها مرساة الفناء
سفينة ضائعة في ميناء مهجور
أشعلها نبيذ الغروب
وغمرتها فضة القمر
ثم يطلع الفجر
ويكشف عريها الضوء
مدينة أشعلت بكفيها الجمر
وتساقطت من عينيها حبات البخور
تلك الأنثى التي ترتدي خنجرها في عتمة الليل
تغتال المدينة والرجال
تتسربل بعباءة مضرجة بالويل
تبحث في السراديب عن سرّ البقاء
في زمن الرحيل
أخطر الجراح النازفة يا دمشق
في حضرة الموت القارس تندمل
أنا الآن أزفك بثوبك الأسودَ
ذلك الذئب الذي توعدَ
جاء الخريف
على جناح حمامة تطير في وضح النهار
الريح البارد
يُداعب الأوراق المتساقطة على الرصيف
أنينها وهي تتدحرجْ
يشي بالمطر والحرجْ
الداكن المتمكن
يُغلق الأفق الأزرق
تبدو الغيوم أقرب وأعمق
ترحل من الجنوب القريب إلى الشمال البعيد
تصير أكثف وأثقلْ
تتمرد وتتمدد
كأن هذه البلاد المخُضلة بالدماء
تنتظر المطر الأسود
تلك الأنثى التي تنحدر كسيل
تتجمل بقوس قزح في أرذل العمر
تُنشب في جسد البلاد أظافرها الرصاصية
شربت حتى ظلها الممزق الأرض الظامية
تمشي الآن الى هاويتها حافية
حتى المدن القديمة يا دمشق تموت
القدس وبغداد وبيروت
تقوم من ركام أحقادها
تضيع في متاهات الانتقام
أنا لست ذلك الحالم المُتيم
يطفئه الخوف ويشعله الألم
العاشق الذي يهيم لا يتجدد
العاشقة التي تخون لا تتردد
دمشق التي طرّزت ثوبها بالنجيع
تحترق الآن وتبتعد
كيفما اتجهت إليها
يغطي وجهها الدخان المتصاعد
من احتراق القناديل
يحجب لؤلؤها الرماد المتساقط
على جبين المجد الجميل
أنا يا دمشق
لا أندبك مفارقا ولا أمتهن الرثاء
ضيّعت في ضباب الخوف عيناني
وضاع في ازدحام الموت القلب
أسير إليك لا أهتدي
أقترب منك أتعب
عاشق تشهّى اللقاء
مد يديه المضرجتين بالشقاء
بي لهفة عمياء
إلى رنين نحاس الألم
بي عطش أزرق
إلى أنين جمر الدموع
أبحث عن عيناي الضائعتين لأبكي
يتآكلني الندم
أبحث فوق الأرصفة اليابسة
عن المرايا
أتعثر برماد التاريخ
والبقايا
أستند إلى ياسمينة أضرمت النار في شعرها
تتساقط فوق ظلّي قصائد ضاع عطرها
عاشق يفقد كل أمل
هجر بردى المنسكب أبدا ضفتيه
أخفى قاسيون العنيد وجهه بيديه
خبأت الغوطة أشجارها بجذورها
حتى المآذن العالية هاجرت مع طيورها
غادرت الأسوار الباقية من أبوابها ورمت المفاتيح
لملم جبل الشيخ عباءته ورماها للريح
حتى السيف الدمشقي يرحل الآن يتبعه غمده
هذا الحاضر الغائب الذي ضيّع غده
أنا الشاعر الذي اغتالته قصيدته
الرمانة التي انكسرت يتناثر عقيقها
الياسمينة التي احترقت
المدينة التي يغيب بريقها
الأنثى التي انتقمت
والآن يا دمشق الزمان
هل فات الآوان..
14/11/2015
صافيتا / زياد هواش
..