كان الجو مشمسا جدا والرطوبة عالية ، " بيروت جميلة بكل أحوالها اليوم " ، قلت ذلك في نفسي سعيدة بأني سأستطيع أن أقابل حبيبي في المطار لمدة ساعة أقل أو أكثر ولا أكترث الآن لما بعد ذلك .
كان من المفروض أن أفكّر طوال الطريق من صيدا لبيروت أن ساعة من الزمن لن تكف ، وأني بعدها سأضطر لأودعه مهاجراً هذه المرة بعيداً عن الشًام ، بعيدا عًن مخيم اليرموك ، بعيدا عني .
لماذا كل هذا التفكير داخل ( فان ) تصدح أغنية مجوز عالياً على جنبيه و تجبرك على هز جسمك ونفضه غصباً عنك ، ألا يحق لي التفكير بأن هذا البلد جميل وأن مكياجي اليوم مخصص له ؟ لماذا كنت خائفة من اللقاء ؟ ولماذا كل هذه الأسئلة التافهة ؟ .
وصلت إلى " مفرق البرج " ولم يتبق سوى أن أقطعه بسيارة أجرة لأنزل جنوبا إلى بوابة المطار ثم إلى بوابة الاستقبال .
باتت الآن دقات قلبي أسرع وأسرع ، رائحة عطر محمد تمسني من الداخل أشتمها ، تذكرني بطفولتي ، تذكرني بجنوني معه ، ببداية صداقتنا ووقوعنا بالحب ، رائحة هذا العطر تماما ما زالت ذاتها حينما احتضنته آخر مرة على سطح منزلي في مخيم اليرموك مودعة له وللمخيم .
سائق التاكسي كما لو أنه أحس أن عليه الآن أن يسرع أكثر فسألني : " هل ستسقبلين أحد ؟ " ، أجبته :" سأستقبل .. ثم أودع " . بيروت كما صيدا كما كل لبنان هي المحطة لا أكثر حتى الطائرة هنا تحط قليلا ثم تمضي و ... وأنا أصبحت المحطة لكثر ما ودعت واستقبلت ثم ودعت .. بتّ أشبه هذا البلد كثيراً وأحبه ، ربّما لأنّي أحس وأبرر له اللؤم والطائفية التي تمتلكه ، هو مثلي وأنا مثله ضحية حرب فككت أعضاءه و استنزفت قواه فاستوحش .
ليس مهم كل هذا ، المهم الآن أني وصلت إلى قاعة الاستقبال و ضحكتي تصل إلى الأذنين ، ضحكة طبيعية من القلب من الصميم .
قال لي محمد صباحا مباغتاً : " هديل أنا بطريقي لعندك ، من مطار دمشق طالع لأوروبا و الترانزيت طلع بلبنان ، زبطت شب بالأمن العام ليخليني شوفك ، طيارتي بتطلع 5 تعالي عال2 ما معي شوفك غير تقريبا ساعة، بحبك ."
إذاً الساعة الآن الواحدة وخمسين دقيقة ، أن أصل باكراً في هكذا موقف خير من أن أصل في الوقت المحدد ، كانت أصعب عشر دقائق انتظار في حياتي ، كانت أصعب علي من انتظار نتيجة آخر مادة قدمتها في جامعة دمشق لأحصل على شهادة التخرّج ، لكن لا بأس فعيوني تتابع لوحات مواعيد الطيران و أتأكّد من موعد الطائرة القادمة من دمشق لبيروت ، الطائرة وصلت منذ ساعة تقريبا و الآن باتت الساعة الثانية .
الساعة الثانية ، الساعة الثانية وعشر دقائق ، الساعة الثانية والربع ، الهاتف أمامي ولا أحد يرن ، واللوحة تعلن عن المغادرين و الناس تودّع وتبكي وأنا أبكي مع الناس أبكي مهيأة نفسي للبكاء وكأني أتدرّب على الموقف .
بات الموقف جدّياً أكثر ، علي السؤال عن محمد ، علي النفير العام فقد ضاعت نصف الساعة وبقي نصف الوقت لأراه ، سألت شباب الأمن وأكدوا لي أن من لديه ترانزيت لا يخرج " ولو اتدخلت الملائكة " وأنا بدوري أكدت لهم أن من أنتظر سأراه .
ماذا تهم مدة الوقت ؟ هذا سؤال للمواساة عن نفسي بأنه لم يبق من الوقت سوى خمس دقائق . أخمس دقائق كافية لأن أراه بعد طول فترة اعتقاله ؟ أخمس دقائق كافية لأن نخطط لما بعد أوروبا معه ؟، أخمس دقائق تكفيه لينظر إليّ من أعلى لأسفل ؟ بدأت أتخلّى عن أني سوف أخبره بما حدث طوال ثلاث سنوات ، وسوف أتخلّى عن خلق مشكلة لأنه أهملني كثيرا من الوقت وأنه لا يفي بوعوده ، ولن أقول له أني أخطأت مراراً وتكرارا ، لا وقت لقول كل هذا .
الساعة الثانية إلا دقيقة ، كل شيء ينقص مع الوقت حتى كلامي المخزّن لأجله سوف أنقصه وأختصره بكلمتين لكل كلمة نصف دقيقة " بحبك " " زعلانة منك " .
أحس برجفة الهاتف في بدي و أحس برعشة ، إنّه رقم هاتف محمد في الشام ! إن صوت محمد يقول لي : " حبيبتي ، آسف ، ما سافرت ، صارت مشاكل كتير و ما كان فيي روح عالمطار وأوصل للطيارة ، أنا بخير ، بحبك " . ...
كان من المفروض أن أفكّر طوال الطريق من صيدا لبيروت أن ساعة من الزمن لن تكف ، وأني بعدها سأضطر لأودعه مهاجراً هذه المرة بعيداً عن الشًام ، بعيدا عًن مخيم اليرموك ، بعيدا عني .
لماذا كل هذا التفكير داخل ( فان ) تصدح أغنية مجوز عالياً على جنبيه و تجبرك على هز جسمك ونفضه غصباً عنك ، ألا يحق لي التفكير بأن هذا البلد جميل وأن مكياجي اليوم مخصص له ؟ لماذا كنت خائفة من اللقاء ؟ ولماذا كل هذه الأسئلة التافهة ؟ .
وصلت إلى " مفرق البرج " ولم يتبق سوى أن أقطعه بسيارة أجرة لأنزل جنوبا إلى بوابة المطار ثم إلى بوابة الاستقبال .
باتت الآن دقات قلبي أسرع وأسرع ، رائحة عطر محمد تمسني من الداخل أشتمها ، تذكرني بطفولتي ، تذكرني بجنوني معه ، ببداية صداقتنا ووقوعنا بالحب ، رائحة هذا العطر تماما ما زالت ذاتها حينما احتضنته آخر مرة على سطح منزلي في مخيم اليرموك مودعة له وللمخيم .
سائق التاكسي كما لو أنه أحس أن عليه الآن أن يسرع أكثر فسألني : " هل ستسقبلين أحد ؟ " ، أجبته :" سأستقبل .. ثم أودع " . بيروت كما صيدا كما كل لبنان هي المحطة لا أكثر حتى الطائرة هنا تحط قليلا ثم تمضي و ... وأنا أصبحت المحطة لكثر ما ودعت واستقبلت ثم ودعت .. بتّ أشبه هذا البلد كثيراً وأحبه ، ربّما لأنّي أحس وأبرر له اللؤم والطائفية التي تمتلكه ، هو مثلي وأنا مثله ضحية حرب فككت أعضاءه و استنزفت قواه فاستوحش .
ليس مهم كل هذا ، المهم الآن أني وصلت إلى قاعة الاستقبال و ضحكتي تصل إلى الأذنين ، ضحكة طبيعية من القلب من الصميم .
قال لي محمد صباحا مباغتاً : " هديل أنا بطريقي لعندك ، من مطار دمشق طالع لأوروبا و الترانزيت طلع بلبنان ، زبطت شب بالأمن العام ليخليني شوفك ، طيارتي بتطلع 5 تعالي عال2 ما معي شوفك غير تقريبا ساعة، بحبك ."
إذاً الساعة الآن الواحدة وخمسين دقيقة ، أن أصل باكراً في هكذا موقف خير من أن أصل في الوقت المحدد ، كانت أصعب عشر دقائق انتظار في حياتي ، كانت أصعب علي من انتظار نتيجة آخر مادة قدمتها في جامعة دمشق لأحصل على شهادة التخرّج ، لكن لا بأس فعيوني تتابع لوحات مواعيد الطيران و أتأكّد من موعد الطائرة القادمة من دمشق لبيروت ، الطائرة وصلت منذ ساعة تقريبا و الآن باتت الساعة الثانية .
الساعة الثانية ، الساعة الثانية وعشر دقائق ، الساعة الثانية والربع ، الهاتف أمامي ولا أحد يرن ، واللوحة تعلن عن المغادرين و الناس تودّع وتبكي وأنا أبكي مع الناس أبكي مهيأة نفسي للبكاء وكأني أتدرّب على الموقف .
بات الموقف جدّياً أكثر ، علي السؤال عن محمد ، علي النفير العام فقد ضاعت نصف الساعة وبقي نصف الوقت لأراه ، سألت شباب الأمن وأكدوا لي أن من لديه ترانزيت لا يخرج " ولو اتدخلت الملائكة " وأنا بدوري أكدت لهم أن من أنتظر سأراه .
ماذا تهم مدة الوقت ؟ هذا سؤال للمواساة عن نفسي بأنه لم يبق من الوقت سوى خمس دقائق . أخمس دقائق كافية لأن أراه بعد طول فترة اعتقاله ؟ أخمس دقائق كافية لأن نخطط لما بعد أوروبا معه ؟، أخمس دقائق تكفيه لينظر إليّ من أعلى لأسفل ؟ بدأت أتخلّى عن أني سوف أخبره بما حدث طوال ثلاث سنوات ، وسوف أتخلّى عن خلق مشكلة لأنه أهملني كثيرا من الوقت وأنه لا يفي بوعوده ، ولن أقول له أني أخطأت مراراً وتكرارا ، لا وقت لقول كل هذا .
الساعة الثانية إلا دقيقة ، كل شيء ينقص مع الوقت حتى كلامي المخزّن لأجله سوف أنقصه وأختصره بكلمتين لكل كلمة نصف دقيقة " بحبك " " زعلانة منك " .
أحس برجفة الهاتف في بدي و أحس برعشة ، إنّه رقم هاتف محمد في الشام ! إن صوت محمد يقول لي : " حبيبتي ، آسف ، ما سافرت ، صارت مشاكل كتير و ما كان فيي روح عالمطار وأوصل للطيارة ، أنا بخير ، بحبك " . ...