
يا أبا عبد الله !عندما تضحك
تزهر ألفُ وردة
إلى صديقي الشهيد القائد عثمان أبو غربية
المتوكل طه
********
زلزالٌ بشري هاديء .. يبكي!
فتهتزّ الشواشي على غُرّة النافذةِ الحرّى.
وثمة كتابٌ أصفرُ كناريّ، يسرّ الناظرين
مفتوح ..
لم يكمل صاحبُ البيتِ قراءَتَه،
تركه .. وراح على طائرةٍ حديدية
إلى سماءٍ فارهة.
الغبارُ طبقاتٌ،
لم يجرح نعومتَها الماءُ الزجاجيُ الكاوي
الذي يبرق في مآقي صاحبِ البيت .
وقبل أن تحطّهُ الطائرةُ
على الليلِ الممسوس بالزمهرير،
كانت طفلتُه ترتجفُ من غرابة ألوانِ الماء
المبهم الجديد،
وكان صاحبُ البيت يضع يدَهُ على قلبه،
خوف أن يتلاشى ..
ويتركَ الضفائرَ في البئر البيضاء.
*
يا قدس ! يا خليل ! يا عمّان!
يا الجنوب ! يا خضراء .. يا رام الله ..
يا أمي القاتلة المقتولة !
لماذا تكسريني مثل مئذنةٍ فتيّة،
وتخلعيني من رحمك
قبل أن تكتمل مشيمة الكلام؟
ولمّا أرفع أوراقَ الليمون
على عجينة الدار، لأدخل مع العروس
إلى حمأة الزفافِ المطهم بالعَرقِ
والأغاني الهائجةِ الساخنةِ المدوَّخة؟
أنا صاحبُ البيتِ الذي خسر العشبةَ،
قبل أن تُعكَّرَ المرأةُ شرايينَهُ بعسلها،
وقبل أن أُطفىء لفافتي في الدم الأسود.
وطني حبُر الروح الذي أوزّعهُ
على الحدود،
ونشيدي الذي لا يعرفه الغرباء،
وضحكاتي التي تُبكي أصحابي القادمين
من الحجاز وبغداد.
*
وأنا صاحبُ البيت
الذي أخرجه "فاوست" الوطني،
بعد أن عَلَك الطاووسُ لحمَه،
وحبسه في عنكبوت الهلع،
وأذابوه في أَسيْد الشُّبهة،
وألْزموه بوصف عباءة العاري
وهو يجرّها على النّطع والجماجم.
*
وأنا من بيت المقدس أو بيروت
وربما من تونس.
غير أني كاتبٌ مقهور
أُحبّ الأشياءَ الصغيرة والأصدقاءَ البعيدين.
ولطالما بكيتُ على الشهيد، وجفّ حلقى
كلما ذكروا العطشَ وقطْع الرأس،
وأحبّ أبنتي التي عندما تضحك
تزهر ألفُ وردة، ويحلّ الربيع على أكتاف المدينة.
وأحفظ قصص جدّي الذي كان يعلّق
الأفاعي في الهواء، ويُخرج النحلَ
من أفواه الرجال.
وكثيراً ما قصّ حكاية السيف الذي
يقتل حتى المحروسين بالسحر،
وله نَصْلٌ يقطع كل شيء وأي شيء!
ولم يكن يعرف "ديموقليس".
غير أن تظاهرة التأييد التي مرّت،
ذات يوم،
أمام بيتنا وهي ترفع صورة البطل، لم تعجبه،
وتمتم قائلاً:
تحت جلد ذاك البطل وحشٌ كامن!
وأضاف: الرجل المناسب هو الذي يرتدي التاج.
كان جدّي يضطرب كثيراً لأسباب أجهلها،
إلاّ أنني أذكر حركة أصابعه،
ويده التي تتوتّر مثل رمح نِبتون الثلاثي.
*
وأحببت الأميرةَ الصهباء،
مثلما أحببتُ "أنانا" الطاهرة،
وتخيّلتها تتهادى فوق ماء النهر،
وعلى رأسها "شواجارا" تاج السهول الساطع!
ولم أبرح الصراط المستقيم و"طريق الكارما".
وما زلتُ وحيداً.
وأحلم أن أعود إلى القدس أو تمبكتو
أو سرّ مَنْ رأى أو عمّان .. لا فرق !
فمن أين لي بطاقيّة الإخفاء
أو "سيفالوس" حصان الإسكندر،
ورماح أبولّو الحارقة،
وأصحب معي "كاليستنيس"،
ليؤرّخ عودتي الظافرة
وحياتي الهانئة الجديدة!
لتعود إلى ابنتي شمسها
فقد أخطأ مَنْ قال:
عندما تترك الفراشةُ شرنقتَها
تصبحُ أكثر جمالاً.
وأقسم بأنني سأهزم "داريوس"،
وأعيد إلى بابل صهيلها الذهبي،
فأنا مُحَبَّرٌ له حدسٌ حَاد
مثل سيف قلمه.
وأقسم بأنني سأجعل الريح ثملة
تتثنّى على تجاعيد البحيرة الحلوة،
وسأفتح قلبي، ذلك المعبد الصغير
الذي ينبض في الطرقات،
لتغنّي الأشجار بجرأة الموسيقى،
للمجنون الذي أدار ظهره للعجاج،
ليستقبلَ صباح الحب الجليل.
وأنا الشاعر، قهقهةُ الفجيعةِ التي تقطع شرايينَها،
في نهار هزيمتها ووعْيها الكوميدي الباهت،
وأنا لُغَتُها الجميلةُ.
أنا هشاشةُ العصافيرِ الحجرية،
وثلجُ القهوةِ البعيدة،
وهزيمةُ الحرفِ الذي تجرّه الخيولُ
إلى مقصلةِ البطولة.
أنا خارجُ الصلاة،
وداخلُ المذبحِ الأنيق،
وفي انتظار العَودةِ المستحيلة.
لكني
سأجعلك أيتها الأراضي السائخات جنّةً كاملة!
والجبالَ ملونةً كأنها تحف منحوتة،
والتجويفات والصخور الاسطوانية رسوماً ونقوشاً،
أما تماثيل الغيلان والعنقاوات والكائنات الخرافية
فستحظى بشموس وأقمار وخيول
وعقودٍ من الفلّ والورد!
وسيعود إلى يبوس نجمُ "سيروس"
ليفيضَ الوادي، وتعمل المعازق والمحاريثُ
والفؤوس، ويجمعون السنابل في سلال كبيرة،
ويوشمون مواشيهم الكثيرة،
وتُرْضع "هيرا" هرقلَ الجديد ثانيةً
ليطلع درب اللبن من جديد.
تزهر ألفُ وردة
إلى صديقي الشهيد القائد عثمان أبو غربية
المتوكل طه
********
زلزالٌ بشري هاديء .. يبكي!
فتهتزّ الشواشي على غُرّة النافذةِ الحرّى.
وثمة كتابٌ أصفرُ كناريّ، يسرّ الناظرين
مفتوح ..
لم يكمل صاحبُ البيتِ قراءَتَه،
تركه .. وراح على طائرةٍ حديدية
إلى سماءٍ فارهة.
الغبارُ طبقاتٌ،
لم يجرح نعومتَها الماءُ الزجاجيُ الكاوي
الذي يبرق في مآقي صاحبِ البيت .
وقبل أن تحطّهُ الطائرةُ
على الليلِ الممسوس بالزمهرير،
كانت طفلتُه ترتجفُ من غرابة ألوانِ الماء
المبهم الجديد،
وكان صاحبُ البيت يضع يدَهُ على قلبه،
خوف أن يتلاشى ..
ويتركَ الضفائرَ في البئر البيضاء.
*
يا قدس ! يا خليل ! يا عمّان!
يا الجنوب ! يا خضراء .. يا رام الله ..
يا أمي القاتلة المقتولة !
لماذا تكسريني مثل مئذنةٍ فتيّة،
وتخلعيني من رحمك
قبل أن تكتمل مشيمة الكلام؟
ولمّا أرفع أوراقَ الليمون
على عجينة الدار، لأدخل مع العروس
إلى حمأة الزفافِ المطهم بالعَرقِ
والأغاني الهائجةِ الساخنةِ المدوَّخة؟
أنا صاحبُ البيتِ الذي خسر العشبةَ،
قبل أن تُعكَّرَ المرأةُ شرايينَهُ بعسلها،
وقبل أن أُطفىء لفافتي في الدم الأسود.
وطني حبُر الروح الذي أوزّعهُ
على الحدود،
ونشيدي الذي لا يعرفه الغرباء،
وضحكاتي التي تُبكي أصحابي القادمين
من الحجاز وبغداد.
*
وأنا صاحبُ البيت
الذي أخرجه "فاوست" الوطني،
بعد أن عَلَك الطاووسُ لحمَه،
وحبسه في عنكبوت الهلع،
وأذابوه في أَسيْد الشُّبهة،
وألْزموه بوصف عباءة العاري
وهو يجرّها على النّطع والجماجم.
*
وأنا من بيت المقدس أو بيروت
وربما من تونس.
غير أني كاتبٌ مقهور
أُحبّ الأشياءَ الصغيرة والأصدقاءَ البعيدين.
ولطالما بكيتُ على الشهيد، وجفّ حلقى
كلما ذكروا العطشَ وقطْع الرأس،
وأحبّ أبنتي التي عندما تضحك
تزهر ألفُ وردة، ويحلّ الربيع على أكتاف المدينة.
وأحفظ قصص جدّي الذي كان يعلّق
الأفاعي في الهواء، ويُخرج النحلَ
من أفواه الرجال.
وكثيراً ما قصّ حكاية السيف الذي
يقتل حتى المحروسين بالسحر،
وله نَصْلٌ يقطع كل شيء وأي شيء!
ولم يكن يعرف "ديموقليس".
غير أن تظاهرة التأييد التي مرّت،
ذات يوم،
أمام بيتنا وهي ترفع صورة البطل، لم تعجبه،
وتمتم قائلاً:
تحت جلد ذاك البطل وحشٌ كامن!
وأضاف: الرجل المناسب هو الذي يرتدي التاج.
كان جدّي يضطرب كثيراً لأسباب أجهلها،
إلاّ أنني أذكر حركة أصابعه،
ويده التي تتوتّر مثل رمح نِبتون الثلاثي.
*
وأحببت الأميرةَ الصهباء،
مثلما أحببتُ "أنانا" الطاهرة،
وتخيّلتها تتهادى فوق ماء النهر،
وعلى رأسها "شواجارا" تاج السهول الساطع!
ولم أبرح الصراط المستقيم و"طريق الكارما".
وما زلتُ وحيداً.
وأحلم أن أعود إلى القدس أو تمبكتو
أو سرّ مَنْ رأى أو عمّان .. لا فرق !
فمن أين لي بطاقيّة الإخفاء
أو "سيفالوس" حصان الإسكندر،
ورماح أبولّو الحارقة،
وأصحب معي "كاليستنيس"،
ليؤرّخ عودتي الظافرة
وحياتي الهانئة الجديدة!
لتعود إلى ابنتي شمسها
فقد أخطأ مَنْ قال:
عندما تترك الفراشةُ شرنقتَها
تصبحُ أكثر جمالاً.
وأقسم بأنني سأهزم "داريوس"،
وأعيد إلى بابل صهيلها الذهبي،
فأنا مُحَبَّرٌ له حدسٌ حَاد
مثل سيف قلمه.
وأقسم بأنني سأجعل الريح ثملة
تتثنّى على تجاعيد البحيرة الحلوة،
وسأفتح قلبي، ذلك المعبد الصغير
الذي ينبض في الطرقات،
لتغنّي الأشجار بجرأة الموسيقى،
للمجنون الذي أدار ظهره للعجاج،
ليستقبلَ صباح الحب الجليل.
وأنا الشاعر، قهقهةُ الفجيعةِ التي تقطع شرايينَها،
في نهار هزيمتها ووعْيها الكوميدي الباهت،
وأنا لُغَتُها الجميلةُ.
أنا هشاشةُ العصافيرِ الحجرية،
وثلجُ القهوةِ البعيدة،
وهزيمةُ الحرفِ الذي تجرّه الخيولُ
إلى مقصلةِ البطولة.
أنا خارجُ الصلاة،
وداخلُ المذبحِ الأنيق،
وفي انتظار العَودةِ المستحيلة.
لكني
سأجعلك أيتها الأراضي السائخات جنّةً كاملة!
والجبالَ ملونةً كأنها تحف منحوتة،
والتجويفات والصخور الاسطوانية رسوماً ونقوشاً،
أما تماثيل الغيلان والعنقاوات والكائنات الخرافية
فستحظى بشموس وأقمار وخيول
وعقودٍ من الفلّ والورد!
وسيعود إلى يبوس نجمُ "سيروس"
ليفيضَ الوادي، وتعمل المعازق والمحاريثُ
والفؤوس، ويجمعون السنابل في سلال كبيرة،
ويوشمون مواشيهم الكثيرة،
وتُرْضع "هيرا" هرقلَ الجديد ثانيةً
ليطلع درب اللبن من جديد.