
حين كانت أمي هنا
أمور كثيرة كانت مختلفة عما هي عليه الآن حين كانت أمي هنا، بل إن الأمور كلها كانت مختلفة شكلا وموضوعا كانت مختلفة حتى أنا لم أعد بعد رحيل أمي كما كنت من قبل، وكيف أكون وقد كبرت أعواما فوق عمري بعدها؟؟ ما عدت أجري إليها في كل وقت أطلب فيض دعواتها التي كانت تخرج من قلبها وعيونها الباسمة قبل أن ينطقها لسانها الطيب وصوتها الحزين.
نعم صوت أمي على حنوه وعذوبته كان حزينا شجيا لما حفرته فيه عوامل الزمن والأيام وغباء البشر من يُتْم وظلم وتسلط تعرضت أمي له كثيرا، لكنها كانت تملك قلبا حنونا يسع الكون ويغفر للجميع وأولهم أنا.
ليس هناك من قلب أحبني كقلب أمي أبدا، أمي التي تشيعت لابنتها حتى آخر أنفاس حياتها، وآزرتني لآخر مدى حتى وهي غير راضية عما أفعل لكنه قلبها الذي ما كان يرضى بتركي أتخبط وحدي. كانت أمي تعرف حسناتي ومساوئي فكنت أخطئ فتلوم علىّ خطأي وزلتي لكنها تعود وتردف "بس إنت طيبة وقلبك أبيض".
في هذه الدنيا ليس هناك من عاذر لك ولا من مترأف بك، شأن الجميع النكران، فما هي إلا سقطة منك حتى يكثرون فوقك لوما وتعنيفا وجلدا وتوبيخا ولسانهم حالهم يقول: "ما رأينا منك خيرا قط"!!. إلا أمي فيد تضرب وأخرى تهدهد وتربت وتداوي، الأم ليست لها ذاكرة سوداء لأبنائها وإن حاولت، فذاكرتها السوداء إن وجدت هي لأي كائن دون الأبناء، والحقيقة أن ذاكرة أمي السوداء كانت ضعيفة مشوشة ضبابية، والحقيقة الأخرى أني لم أرث عنها ضعف ذاكرتها تلك.
حين كانت لي أم كنت إذا مرضت ألوذ بالنوم والراحة وألزم الفراش ولو دون حاجة فهنا أمي؛ صوت يسأل، ودعاء يتردد، وطعام وشراب يتهيأ ويأتيني مع إلحاح ورجاء مستميت أن أتناول شيئا. حين كانت لي أم كنت لا أخشى المرض ولا أحمد العافية ففي كليهما تتواجد أمي فما حاجتي لأي شيء آخر؟؟.
كلما أوجعتني الدنيا وتلقيت ضربات مؤلمة أذكر أمي، وحين تخونني خياراتي وقناعاتي أذكر أمي وأهمس لنفسي أنها ليست هنا، أعرف انها كانت ستقويني وتدعمني ولكنها أيضا كانت ستتنمر بمن أتعبني وآذاني.
الحقيقة يا أمي أني قد أوذيت كثيرا بعدك ممن لا تتصورين ايذائهم لي ولا كنت أنا لأتصور أيضا لكنها الحياة وتقلباتها، وربما هم الناس وإعادة اكتشافهم وتكشفهم، وربما أيضا وهو الأرجح الأمر عائد لإفراطي كالعادة في حسن الظن. عموما أرى في الأمر سلوى لي حين أقول إنني مرتاحة لك لكونك لم ولن تشاركيني ذلك الوجع وتلك السخافات التي تأتي وتذهب وتأتي وتذهب، رغم حاجتي لك وشوقي إليك وإلى رائحة أنفاسك ودفء ذلك الحضن المجاني الرحيب وتلك الكلمات الطيبة البسيطة معه كل ذلك كانت لتهون معه كل الأمور وربما لا، ربما كعادتي صرخت فيك: إنت مش فهماني!!. لكني أعود وأقول لنفسي كفاها وجعا وألما ما وجدته في حياتها من عنت وجحود هي الأخرى... أمي اشتقت إلينا وإلى حديث يمتد معك لساعات وتختتمه إحدانا بنهوض مفاجئ وهي تقول: يا الله عليك... رغاية!!
بقلم: ناهـــــــــــــد زيان
أمور كثيرة كانت مختلفة عما هي عليه الآن حين كانت أمي هنا، بل إن الأمور كلها كانت مختلفة شكلا وموضوعا كانت مختلفة حتى أنا لم أعد بعد رحيل أمي كما كنت من قبل، وكيف أكون وقد كبرت أعواما فوق عمري بعدها؟؟ ما عدت أجري إليها في كل وقت أطلب فيض دعواتها التي كانت تخرج من قلبها وعيونها الباسمة قبل أن ينطقها لسانها الطيب وصوتها الحزين.
نعم صوت أمي على حنوه وعذوبته كان حزينا شجيا لما حفرته فيه عوامل الزمن والأيام وغباء البشر من يُتْم وظلم وتسلط تعرضت أمي له كثيرا، لكنها كانت تملك قلبا حنونا يسع الكون ويغفر للجميع وأولهم أنا.
ليس هناك من قلب أحبني كقلب أمي أبدا، أمي التي تشيعت لابنتها حتى آخر أنفاس حياتها، وآزرتني لآخر مدى حتى وهي غير راضية عما أفعل لكنه قلبها الذي ما كان يرضى بتركي أتخبط وحدي. كانت أمي تعرف حسناتي ومساوئي فكنت أخطئ فتلوم علىّ خطأي وزلتي لكنها تعود وتردف "بس إنت طيبة وقلبك أبيض".
في هذه الدنيا ليس هناك من عاذر لك ولا من مترأف بك، شأن الجميع النكران، فما هي إلا سقطة منك حتى يكثرون فوقك لوما وتعنيفا وجلدا وتوبيخا ولسانهم حالهم يقول: "ما رأينا منك خيرا قط"!!. إلا أمي فيد تضرب وأخرى تهدهد وتربت وتداوي، الأم ليست لها ذاكرة سوداء لأبنائها وإن حاولت، فذاكرتها السوداء إن وجدت هي لأي كائن دون الأبناء، والحقيقة أن ذاكرة أمي السوداء كانت ضعيفة مشوشة ضبابية، والحقيقة الأخرى أني لم أرث عنها ضعف ذاكرتها تلك.
حين كانت لي أم كنت إذا مرضت ألوذ بالنوم والراحة وألزم الفراش ولو دون حاجة فهنا أمي؛ صوت يسأل، ودعاء يتردد، وطعام وشراب يتهيأ ويأتيني مع إلحاح ورجاء مستميت أن أتناول شيئا. حين كانت لي أم كنت لا أخشى المرض ولا أحمد العافية ففي كليهما تتواجد أمي فما حاجتي لأي شيء آخر؟؟.
كلما أوجعتني الدنيا وتلقيت ضربات مؤلمة أذكر أمي، وحين تخونني خياراتي وقناعاتي أذكر أمي وأهمس لنفسي أنها ليست هنا، أعرف انها كانت ستقويني وتدعمني ولكنها أيضا كانت ستتنمر بمن أتعبني وآذاني.
الحقيقة يا أمي أني قد أوذيت كثيرا بعدك ممن لا تتصورين ايذائهم لي ولا كنت أنا لأتصور أيضا لكنها الحياة وتقلباتها، وربما هم الناس وإعادة اكتشافهم وتكشفهم، وربما أيضا وهو الأرجح الأمر عائد لإفراطي كالعادة في حسن الظن. عموما أرى في الأمر سلوى لي حين أقول إنني مرتاحة لك لكونك لم ولن تشاركيني ذلك الوجع وتلك السخافات التي تأتي وتذهب وتأتي وتذهب، رغم حاجتي لك وشوقي إليك وإلى رائحة أنفاسك ودفء ذلك الحضن المجاني الرحيب وتلك الكلمات الطيبة البسيطة معه كل ذلك كانت لتهون معه كل الأمور وربما لا، ربما كعادتي صرخت فيك: إنت مش فهماني!!. لكني أعود وأقول لنفسي كفاها وجعا وألما ما وجدته في حياتها من عنت وجحود هي الأخرى... أمي اشتقت إلينا وإلى حديث يمتد معك لساعات وتختتمه إحدانا بنهوض مفاجئ وهي تقول: يا الله عليك... رغاية!!
بقلم: ناهـــــــــــــد زيان