ما بين ثقافة العيب... والأنا
كبرنا في مجتمع بيحكي عن كل شي "عيب"، إذا ضحكنا بالعالي "عيب"، إذا لبسنا عراحتنا "عيب"، إذا ما تحجبنا "عيب"، إذا أرجلنا "عيب"... إذا طلعنا شباب وصبايا "عيب"، إذا تأخرنا بطلعة "عيب"، إذا اشتغلنا مع رجال "عيب"، إذا حبينا "ييييي شو عيب!"، وإذا كتبنا عن الحب "ييي أكيد بتحب.. يعني يييي شو عيب". بس السؤال اللي بيطرح نفسه هلّا... يمكن لو تحكولنا شو ياللي مش عيب بيكون أسهل؟
أنا من زمان حابة أكتب في هدا الموضوع... يمكن لهلّا ما جمعت الأفكار كاملة... بس صار لازم أحكيها كيف ما هيي.
يعني من ثقافة العيب صار بدنا مركز لإعادة التأهيل من آفات المجتمع... البعض قد لا يرى هذه المشكلة خطيرة... ولكن البعض الآخر يعي ويدرك تماماً خطورة هذه الثقافة والقيود التي يفرضها علينا المجتمع المنغلق بين جدرانه...
لماذا أكتب عن هذا الموضوع؟ لأنه وباختصار ترن كلمة "عيب" وتنخر في رؤوسنا بل في أجسادنا لتجعلنا عبدة الخوف من الكلمة والأحكام التي ستُطلق علينا... لأنها تعرقل كل خطوة نحاول أن نأخذها عكس تيار المجتمع، لأن المجتمع يطلب ويقول لكل امرأة وحتى فتاة "تحدّثي دائماً بصوت يكاد أن يكون مسموعاً، فصوتك عورة... وضحكتك عورة...ورأيك احتفظي فيه لنفسك معظم الأحيان... ومطالبتك لحريتك تعني أنك مسترجلة..." كل هذه الأصوات هي التي جعلت من صوتي في كلماتي أعلى... لأنني وجدت في الكتابة مسرحي، وأرفض أن أدع أي من آفات المجتمع تلويث هذا المسرح. قد يجادل البعض ويقول بأن الوقت تغير، والمرأة لم تعد كما كانت، ولكنني بثقة أقول لا إن الزمن لم يتغير، ربّما تغير للبعض، ولكن إذا وسعنا نطاق رؤيتنا لتشمل أبعد من حدود محيطنا لأدركنا جيداً بأن الكثير من العيب لم يتغير بعد، وإن كان قد تغير (لغرض الحوار فقط) فهنالك أمر هام يجب أخذه بعين الاعتبار، وهو الآثار السلبية التي تتركها كلمة "عيب" في نفسية الكثير من نساء المجتمع ولا أقول هذا تخميناً بل عن تجربة شخصية... تجربة صراع الذات ما بين ثقافة العيب... والأنا.
لا لست محرجة... ولا أخجل من القول بأنني في مرحلة ما خضت هذه التجربة، رغم تحرري الفكري، فقد كنت في صراع دائم ما بين ارتفاع نبرة صوتي لأعبّر عن رأيي وما بين نظرات المجتمع من حولي -والتي قد تخترق جسدي ألف مرة، وتحكم على نبرة صوتي وكيفية جلوسي، ولا تلتفت ولو للحظة لفكري- كانت من إحدى أصعب مراحل الصراع الذاتي، وتخطيتها بطريقة واحدة، هي أن لا أفكر في كلمة "عيب" أبداً، أن أُسكت جميع أصوات المجتمع من حولي وأن أطلق العنان لامرأة بداخلي كادوا أن يخنقوا كيانها. ورفَضَتْ.
لماذا أكتب هذا الآن؟ لأنني أؤمن بالمرأة... وبصوتها... وبرأيها... ولأنني أكره أن نتناسى أهمية صراع الذات ضد المجتمع... وعواقب هذا النوع من التشتت ما بين ما أريد أن أكون وما يقولون لي بأنه يجب أن أكون...
ولأنني على يقين بأنني لم أكن وحيدة في هذا الصراع... وبأن الكثيرات -كل واحدة على طريقتها- عانين بطريقة أو بأخرى من ثقافة العيب في المجتمع... سواء في سلوكيات معينة ضمن المجتمع، أو حتى في إبداء رأي أو مناقشة للمواضيع التي تُعتبر "عيب"، فلنُسكت هذا الصوت... ولنفرّق بين الأخلاقيات والعيب... ولنتذكر بأن الأخلاقيات واحدة لجميع الأجناس وتعتمد على مبادئ إنسانية واحترام الثقافات... على عكس العيب وهي وليدة المجتمع المنغلق والتي تعتمد أساساً على توجيه سلوكيات المرأة (في حالات قليلة جداً قد تتضمن الرجل أيضاً) باتجاه يتناسب مع نظرة المجتمع إليها كمواطنة من درجة ثانية.
والأهم من هيك...
لأنه صوتي وصوتِك مش عيب... بقلم: عبير علان
كبرنا في مجتمع بيحكي عن كل شي "عيب"، إذا ضحكنا بالعالي "عيب"، إذا لبسنا عراحتنا "عيب"، إذا ما تحجبنا "عيب"، إذا أرجلنا "عيب"... إذا طلعنا شباب وصبايا "عيب"، إذا تأخرنا بطلعة "عيب"، إذا اشتغلنا مع رجال "عيب"، إذا حبينا "ييييي شو عيب!"، وإذا كتبنا عن الحب "ييي أكيد بتحب.. يعني يييي شو عيب". بس السؤال اللي بيطرح نفسه هلّا... يمكن لو تحكولنا شو ياللي مش عيب بيكون أسهل؟
أنا من زمان حابة أكتب في هدا الموضوع... يمكن لهلّا ما جمعت الأفكار كاملة... بس صار لازم أحكيها كيف ما هيي.
يعني من ثقافة العيب صار بدنا مركز لإعادة التأهيل من آفات المجتمع... البعض قد لا يرى هذه المشكلة خطيرة... ولكن البعض الآخر يعي ويدرك تماماً خطورة هذه الثقافة والقيود التي يفرضها علينا المجتمع المنغلق بين جدرانه...
لماذا أكتب عن هذا الموضوع؟ لأنه وباختصار ترن كلمة "عيب" وتنخر في رؤوسنا بل في أجسادنا لتجعلنا عبدة الخوف من الكلمة والأحكام التي ستُطلق علينا... لأنها تعرقل كل خطوة نحاول أن نأخذها عكس تيار المجتمع، لأن المجتمع يطلب ويقول لكل امرأة وحتى فتاة "تحدّثي دائماً بصوت يكاد أن يكون مسموعاً، فصوتك عورة... وضحكتك عورة...ورأيك احتفظي فيه لنفسك معظم الأحيان... ومطالبتك لحريتك تعني أنك مسترجلة..." كل هذه الأصوات هي التي جعلت من صوتي في كلماتي أعلى... لأنني وجدت في الكتابة مسرحي، وأرفض أن أدع أي من آفات المجتمع تلويث هذا المسرح. قد يجادل البعض ويقول بأن الوقت تغير، والمرأة لم تعد كما كانت، ولكنني بثقة أقول لا إن الزمن لم يتغير، ربّما تغير للبعض، ولكن إذا وسعنا نطاق رؤيتنا لتشمل أبعد من حدود محيطنا لأدركنا جيداً بأن الكثير من العيب لم يتغير بعد، وإن كان قد تغير (لغرض الحوار فقط) فهنالك أمر هام يجب أخذه بعين الاعتبار، وهو الآثار السلبية التي تتركها كلمة "عيب" في نفسية الكثير من نساء المجتمع ولا أقول هذا تخميناً بل عن تجربة شخصية... تجربة صراع الذات ما بين ثقافة العيب... والأنا.
لا لست محرجة... ولا أخجل من القول بأنني في مرحلة ما خضت هذه التجربة، رغم تحرري الفكري، فقد كنت في صراع دائم ما بين ارتفاع نبرة صوتي لأعبّر عن رأيي وما بين نظرات المجتمع من حولي -والتي قد تخترق جسدي ألف مرة، وتحكم على نبرة صوتي وكيفية جلوسي، ولا تلتفت ولو للحظة لفكري- كانت من إحدى أصعب مراحل الصراع الذاتي، وتخطيتها بطريقة واحدة، هي أن لا أفكر في كلمة "عيب" أبداً، أن أُسكت جميع أصوات المجتمع من حولي وأن أطلق العنان لامرأة بداخلي كادوا أن يخنقوا كيانها. ورفَضَتْ.
لماذا أكتب هذا الآن؟ لأنني أؤمن بالمرأة... وبصوتها... وبرأيها... ولأنني أكره أن نتناسى أهمية صراع الذات ضد المجتمع... وعواقب هذا النوع من التشتت ما بين ما أريد أن أكون وما يقولون لي بأنه يجب أن أكون...
ولأنني على يقين بأنني لم أكن وحيدة في هذا الصراع... وبأن الكثيرات -كل واحدة على طريقتها- عانين بطريقة أو بأخرى من ثقافة العيب في المجتمع... سواء في سلوكيات معينة ضمن المجتمع، أو حتى في إبداء رأي أو مناقشة للمواضيع التي تُعتبر "عيب"، فلنُسكت هذا الصوت... ولنفرّق بين الأخلاقيات والعيب... ولنتذكر بأن الأخلاقيات واحدة لجميع الأجناس وتعتمد على مبادئ إنسانية واحترام الثقافات... على عكس العيب وهي وليدة المجتمع المنغلق والتي تعتمد أساساً على توجيه سلوكيات المرأة (في حالات قليلة جداً قد تتضمن الرجل أيضاً) باتجاه يتناسب مع نظرة المجتمع إليها كمواطنة من درجة ثانية.
والأهم من هيك...
لأنه صوتي وصوتِك مش عيب... بقلم: عبير علان