الأخبار
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ضابط في صف المعارضة [1 ــ 2]..

تاريخ النشر : 2015-11-26
ضابط  في صف المعارضة [1 ــ 2]..
 

السيد إبراهيم أحمد

     نحن أمام رجل متعدد المناصب ومتعدد المواهب، منضبط ومتمرد في آن، مهمته تنفيذ الأوامر، وكينونته المعارضة، محب للعلم وللأدب والدين والصحافة ولعمله الشُرطي ولكن بشروطه، يسعى لإقامة العدل، ويكره الظلم ولكن دون الجهر بهذا، لم يتنازل عن موهبة أحبها ولو تحت ضغط الظرف المهني والأسري، مارس الصحافة وفن الحوار، واقتحم عالم الرواية بجرأة شديدة في تناول قضايا معقدة يفر منها غيره ويجابهها بصدرٍ عار، يتميز أسلوبه بالرشاقة، وجزالة اللفظ المبثوث بمهارة في ثنايا تعابيره، والفكاهة وخفة الدم التي تزيل فتيل التوتر بينه وبين قارئه، والتنوع المعرفي أفقيًا ورأسيًا من حيث التخصص والهواية، الذي يبدو جليًا في كتاباته المختلفة، إنه الكاتب والباحث والصحفي والمؤرخ والروائي والناقد والضابط والمحامي أشرف مصطفى توفيق، الذي سأحاوره من خلال تناوله لقضية المعارضة كأطروحة لنيل الماجستير، ثم ضخها وبثها في المجتمع من خلال كتاب يحمل نفس الاسم:
   
** الأديب أشرف توفيق قدمت أطروحتك للماجستير عن "المعارضة" وكنت وقتها في الخدمة بصفتكم ضابط شرطة، فما الدافع وراء ذلك؟

ـــ  دعنا نطل على أوقات خروج أطروحة "المعارضة " إلى النور فى الثمانينات، وبالضبط ناقشتها في مايو 1988وقد فرض الموضوع نفسه، ما حدث في أسيوط 1981 عندما استطاعت الجماعات الإسلامية المسلحة الاستيلاء على مديرية الأمن والسيطرة علي المدينة، فالجماعات الإسلامية كانت لا تزال متواجدة بكثافة في أسيوط آنذاك. ثم أحداث الأمن المركزي في 25 فبراير 1986 تظاهر عشرات الآلاف من مجندي الأمن المركزي  احتجاجًا علي سوء أوضاعهم وتسرب شائعات عن وجود قرار سري بمد سنوات الخدمة من ثلاث إلى خمس سنوات، هنا تحركت جهات الشرطة البحثية والأكاديمية للبحث والتحليل، لم يعد الأمر سياسي بحت بل أمني اجتماعي، فنحن من يموت ومن يلام؟! وتدفقت أبحاث تطورت فيما بعد لرسائل ماجستير ودكتوراه عن الإرهاب من ضباط الشرطة، واشتركت فى بحوث جماعية عن الجريمة السياسية، والمجرم السياسي، ووقتها كانت العيون مفتوحة حتى أننا طالبنا اللواء فاروق الحينى بمنع فيلم "البريء" للفنان أحمد زكى. والهاجس الأمني امتد وقتها فأقدمت المعارضة الحزبية على العناد ضده، وكان اللواء زكي بدر فى بداية توليه وزارة الداخلية، بعد إقالة اللواء أحمد رشدى، ووقع الشقاق وبخاصة مع حزب الوفد وجريدته التي وضعت الزيت على النار "بالعصفورة" إياها.

وهنا بزغت عندى دراسة المعارضة "بين الجذور والممارسة والضوابط"،وفى الرسالة قلتُ: (الباحث لايستطيع مهما تجرد أن ينسى أنه أحد رجال الضبط الإدارى "البوليس" وأن يقف مدافعًا عن الذين ينتمى لهم، لأن الواقع الفعلي العملي يختلف عن الواقع السياسى النظري)، لم يكن الأمر يحتاج لبطل.

** بما أنك بحسب وصفكم تنتمى لفصائل نباتات الظل الإنسانى ..لا تحب الوهج ولست من فصيلة نباتات عباد الشمس الإنسانية، فإلى من ينتمي المعارض أشرف توفيق، والمواطن المعارض بعامة؟

ــ لنقل إني ضد الظلم، ولديَّ حاسة سادسة بالشعور به ولو في قرار عابر بسيط، ولكني أقاوم الظلم بقلبي، والبعض يفسره بأضعف الإيمان في حديث النبى صلى الله عليه وسلم والصوفية يرونه أعلى مراتب الإيمان. وحتى في أطروحتي للماجستير لم امتد بحق المعارضة للفورة أو الثورة أو العنف، فمن يملك الشرعية ليس أمامه سوى معارضة شعبية يقوم بها نواب الشعب في البرلمان، أو معارضة سياسية عن طريق الأحزاب، أو معارضة قانونية بإلزام السلطة بالدستور والقانون عن طريق الرأي العام وجماعات الضغط.

على كل حال، تغير الزمن وتداخلت الراديكالية العقائدية، وأفرز "الديلكتيك" بين الأفكار معارضة عنيفة قولًا وفعلا، وأصبح قول "هنرى أبسن" هو الشائع: (إن تغيير بيادق الشطرنج خطة عقيمة! اكتسح الشطرنج أكن معك!)، أى أن المعارضة ليس عليها معونة السلطة ولا مد اليد لها، هى تنتظر سقوطها لتحل محلها!..وقد رأيت أني حالم أكثر مما ينبغي حين وضعت في رسالتي فصلًا لضوابط المعارضة، بينت فيه ضوابط متعلقة بنقد النظام السياسي الحاكم، وأقول فيه: (إذا كان من مهام المعارضة نقد النظام وإظهار عيوبه رغبة في جذب الرأي العام لصالحها فيجب أن يتناسب ذلك مع الظروف الوطنية والإدراك الحقيقي لإمكانيات الوطن وموارده، لأنها قد تأتي على نفس الموارد ويطلب منها المعجزات).

وأن كل حزب عليه الاعتراف بالحجم الطبيعي له دون اللجوء لتحالفات أو ائتلافات تفقده هويته وتفجره من الداخل..وكم قلت: إن المعارضة صراع دون خلاف حول المباديء، سواء كان له أبعاد أيديولوجية، أو يؤدي لانقسام بين صفوف الأمة، وحتى الآن لا أعرف لماذا لا تعتمد الأحزاب عندنا على ميزانيتها الخاصة؟! ونعمل بمقوله د.سعاد الشرقاوي بضم الأحزاب المتجانسة ذات الاتجاه السياسي الواحد والبرنامج المتشابه لبعضها، فيكون لدينا طابعًا حزبيا إلى حد كبير يشبه طابع النظم الحزبية الثنائية، وقد حصرت وقتها في دراستها أربعة اتجاهات لعدد 125 حزب.وقالت ترفع الدولة يدها عن الأحزاب وتحدد لجنة الأحزاب الاتجاهات، فيكون لدينا أحزاب قوية إذا عارضت وإذا حكمت.

 
** كتبت أطروحتك عن المعارضة وأنت لا تخفي عدم تجردك بوصفك أحد رجال الضبط الإداري وقتها ولذا فقد اخترت أن تكون مع المعارضة المشروعة، والآن وأنت خارج الخدمة هل غيرت رأيك؟

ـ كأنك تقول أنى كتبت كتابًا أمنيا لاستئناس المعارضة؟! حين بحثت في شرعية المعارضة ووضعت لها ضوابط فى الممارسة، لم أقل قولة "جان بودان" الفرنسىي ..بأن المعارضة عبث يجب الغاؤه طالما جاء الحاكم بإرادة شعبية، ولم اعتنق ما اعتنقه "مكيافيلي" الإيطالي في كتابه "الأمير" من إنكار فكرة معارضة الحاكم والدعوى لوجود حاكم قوي له السيادة والسلطة المطلقة بل هو الذي يضع القوانين، ولا تنسَ أن مشرف الرسالة هو الدكتور سليمان الطماوي، وأن الرسالة طبعتها في كتب طبعتين،وأنها صارت مرجعًا لمن يريد أن يكتب في الموضوع، ومع هذا فلم تعجب الوزارة وكُتِبَ فيها تقرير يقول: (أن بها تعريض بالحكم)، لأنى تحدثت عن قانون الطواريء وقلت: (كيف تحول عندنا القانون العرفي ليكون دائمًا يحكمنا بلا فرق بين ظروف عادية وظروف غير عادية)،واستخدمتُ كلمة "كلسن": (القانون العرفي يعنى عدم وحود قانون)..ثم تقريرًا آخر عند طبعها كتاب عن العربي للطباعة والنشر، ويبدو أن كاتب التقريرين واحد هذه المرة: "التعريض بوزير الداخلية" فقد قام الناشر إسماعيل عبد الحكم  بالاتفاق مع رسام كاريكاتير لعمل كاريكاتير لكل فصل في الكتاب، ونال زكي بدر منها كاريكاتير مهين، ولأن المصائب لا تأتي فرادى، كان راسم الكاريكاتير هو"صلاح شفيق" رسام جريدة الوفد، وتبين أن الناشر نفسه شيوعي قح وسبق سجنه واعتقاله.وخرجت من كليه الشرطة للعريش وقد رفقوا بي؛ فقد كنت وقتها برتبة رائد.

بالنسبه لرأيىِ لم يتغير كثيرًا ولكن العلوم السياسية نفسها تغيرت عن 1988وأصبح ما كنا فيه مجرد مدخل للمعارضة، وأعترف بأنني لم أكن أدرك تمامًا التباين بين الشرعية والمشروعية؛ فالمشروعية مرادفة للقانونية الشكلية للحكم، أى التصويت والصندوق والانتخابات، أما الشرعية فهى الجانب السياسي الحقيقي للحكم، لأنها مرتبطة بذات الشعوب "القيم والتوقعات الإجتماعية والآمال" ويرى ماكس ويبر (بدون الشرعية،فأن أي حكم،يصعب عليه أن يملك القدرة على "إدارةالصراع" بالدرجة اللازمة لأي حكم مستقر لفترة طويلة)، فإقناع الشعب بأحقية السلطة وجدارتها هو جوهر الشرعية ومغزاها، لا تُغني عنه كل أشكال السطوة والرهبة، حتى لو أحاطت السلطة نفسها بعشرات الدساتير والقوانين والشرعية بهذا المعنى أوسع من التأييد أو المعارضة.

" دافيد ايترن" فى معنى قوله الشرعية: (قد يقبل المواطن بسلطة الحكم لألف سبب ولكن كمال الشرعية لهذا الحكم هي أن يجد المحكوم أن من المقبول عنده، والمناسب له أن يطيع متطلبات النظام السياسي القائم، إذ يجد أنها تتسق مع قيمه ومبادئه، وأخلاقياته وأمانيه.ليس لمنفعة شخصية مباشرة له ولكن للمصلحة العامة على طول المدى)..

فقد يكون هناك من يعارض السلطة ومن يتذمر من بعض قراراتها وهذه أمور طبيعية بل وحتمية. لاتنفى الشرعية، طالما شعر المواطنون أن السلطة فى توجهها العام،سلطة وطنية،منطقية مع التاريخ الوطني، ومخلصة فى المجموع لإرادة الشعب، وللقيم العامة التي تربط أبناء الوطن الواحد. 

** يرى الأكاديمي أشرف توفيق ضرورة وجود المعارضة  المنظمة، ولو حتى بدون هدف الوصول للحكم، بينما الوضع السائد يضيق بتلك المعارضة وأن هذا ليس وقتها، فما رأيكم؟

 ــ تحدثت عن معارضة منظمة بضوابط من حيث التكوين الداخلي، والحجم الطبيعي لكل حزب، والميزانية والأنفاق، والنظام السياسى، ومبادىء وقيم الوطن،والتزام السلوك الحزبي، والتزام حدود الحصانة، ولم أقطع على المعارضة حقها فى الوصول للحكم..ولكنى لستُ مستريحًا لوجود أفراد يدخلون البرلمان مستقليين.ثم بعد ذلك ينضمون لحزب وعادة يكون حزب الأغلبية فى البرلمان، ويبقى السؤال؟.. ولكنني أعتقد أن العمل السياسي عمل لايأتي بالفطرة وحدها ولكنه يحتاج إلى الخبرة والتدريب،بحيث لا يتصور أن نجد رجل دولة قد جاء لنا من مدرسة الحياة.

** أرجو منكم وضع يدنا على تعريف المعارضة غير المشروعة من وجهة نظركم باعتباره تعبير فضفاض يحتمل التأويل؟

ــ بما أن المعارضة في جوهرها تنافس بين عدة برامج عمل فإنها لا يمكن أن تكون إلا نسبية منضبطة لعاملي الزمان والمكان، تنافس ليس بين حق وباطل وإنما بين حقين على حد تعبير المفكر ياسين الحاج صالح، فلا يمكن لمعارضة جادة أيا كان انتماؤها اعتبار مخالفيها نقيضا لوجودها وعامل فناء لها  كما لا يمكنها خوض صراع إبادي للآخر المخالف والمنافس لها لأن مفهوم المعارضة يأبى بكل بساطة الانسجام مع الثقافة السياسية المبنية على مبدأ التغيير الفوقي والاستيلاء على السلطة بالقوة أو حتى استعمال الديمقراطية كمطية للاستحواذ على الحكم. فغير مشروع في المعارضة مثلًا أن يكون لها مليشيات مسلحة أو غير مسلحة.

** هل توافق على تصوير جلسات النواب في البرلمان، خاصة أنها تحفز النائب إلى الخروج عن ضوابط المعارضة البرلمانية، وأرجو أن توضح لنا وللنائب هذه الضوابط؟

ــ أنهم نواب الشعب،لسانه، نحن نريد أن نراهم ونسمعهم،لنجد أنفسنا.. هل تكلموا لنا؟ هل قالوا مطالبنا وما نحس به؟ هل هادنوا؟ سكتوا، وقفوا مثل المسمار؟..وهم لهم كل الحصانة فيما يقولون داخل البرلمان.دعهم يستجوبون ويسألون..ويصرخون.. دعهم يعلقون الفساد من رجليه..دعهم يبعثرون أخطاء الموازنة في وجه الحكومة، دعهم يقولون: لا.. فإذا ما انتهت الجلسة لبسوا الإسموكن وقالوا: سيادة الوزير..جعلوا الاحترام التام للوطن ورموز الوطن..لاضوابط عليهم ولو قالوا للمفسد: أحمد ياعمر..ويبقى نظام الجلسة مسئولية رئيس المجلس رفع اللائحة أو لم يرفعها ،شطب في محضر الجلسة أم لا. هل تريد نواب يبيعون حصانتهم داخل المجلس ويخجلون،وخارج المجلس يتذكرونها أراضٍ وسياراتٍ وسفر..أرونا أنفسكم داخل البرلمان وتحت القبة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف