الأخبار
وفد حماس يغادر القاهرة للعودة برد مكتوب على المقترح الجديد لوقف إطلاق الناربلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع فلسطين.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرجتل أبيب تستعد لإصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبارإعلام إسرائيلي: 30 جندياً في الاحتياط يرفضون الاستعداد لاجتياح رفحقناة كان: القيادة الإسرائيلية منقسمة بشأن مستقبل الحرب في غزةارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيا
2024/4/30
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الكلمة , الموقف , الرجل الرمز بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2015-11-25
الكلمة , الموقف , الرجل الرمز بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
( عادل بن مليح الأنصاري )

الكلمة , الموقف , الرجل الرمز

هي مفردات متوارثة ومتأصلة في عقلية الفرد العربي منذ ظهوره على مسرح المجتمع البشري , التاريخ العربي حُفظ بالكلمة وبالموقف وبالرجل الرمز .

الكلمة والتي تمثلت بالشعر .
والموقف والذي تمثل بالحروب والفروسية وغيرها .
والرجل الرمز تمثل بالكثير من الشخصيات بدءا من مهلهل وعنترة ومرورا بمحمد عليه السلام وصحابته وانتهاء بالكثير من القادة والسياسيين والمفكرين كل حسب موقعه التاريخي .

ولكن المتغيرات الزمنية والسياسية والمرحلية تصنع مزيدا من الهالات وربما تبهت مزيدا من الهالات حول تلك الشخصيات ومواقفهم .
تلك الرمزية ربما شاركنا فيها الكثير من الشعوب عبر التاريخ , ولكن المتأمل للتاريخ يكاد أن يلاحظ أن تلك الرمزية تضمحل مع تقدم الدول حضاريا وإنسانيا , وكلما اقترب المجتمع من دولة المؤسسات والقانون , هنا يحتل القانون محل الرمزية البشرية ليتصدى للكثير من الخرافات أحيانا والمبالغات أحيانا أخرى وربما يتعدى على بعض الحقائق والاستحقاقات للرمزية محل النقاش .
ربما في المستقبل القريب ستختفي الرمزية بكل أنواعها من التاريخ البشري لو دارت عجلة التقدم سريعا , وستبقى تلك الرمزية مجرد إطارات تاريخية , ولا يبقى منها إلا تأثيراتها القوية والتي فرضت نفسها على التاريخ وعلى العدم .
عند ظهور المجتمع الإلكتروني ( مهما طالت الأزمنة ) وتربع النظام والقانون والدساتير على تسيير عجلة المجتمع الإنساني , عندها فقط سيوقف التاريخ ظهور الرمزيات , وسيكتفي البشر برمزية القانون الصارم فقط .
ربما ستظل نظرة بعض المجتمعات للرمزيات التاريخية المختلفة نظرة احترام , وحنين , وربما حاجة , لكسر العجز المتنامي في نفس الإنسان نحو تحقيق أحلامه ألا متناهية .

ولكن الخوف من المستقبل يظل ضبابيا وغير متوقع أبدا , فخضوع الإنسان للآلة و (مكننة) المجتمع والقانون , ربما سيحولنا كما نرى في أفلام الخيال العلمي , أي الخضوع لنوع من استعباد الآلة , واختفاء الارتجال البشري والتخطيط القائم على نوع ما من العواطف البشرية التي ترى ما لا تراه الآلة .
إن اختفاء الرمزية وقصص ألف ليلة وليلة وقصص عنترة والزير وأبو زيد الهلالي وروميو وجوليت وهرقل وسندريلا وهاملت وغيرها من الرمزيات يحولنا إلى آلات لا تؤمن إلا بالأرقام , وتحول ليالينا لحسابات رياضية عن يومنا الفائت ويومنا القادم .
ولكن وفي شرقنا العربي ستظل الرمزية جزء من تكويننا برغم محاولات التشويه أو ربما أحيانا , اكتشاف التشويه الذي لم تره عين التاريخ ذات زمن , هذه خصوصية الشرق العربي الذي نشأ في كنف الصحراء , ولم يتغلب على وحشة هذه الصحراء إلا بالمواويل حينا أو أبيات من شعر حينا آخر , أو التغني بالرموز في كثير من الأحيان .
ربما في وقتنا القريب اتخذت بعض الشخصيات رمزية ما برغم اختلافات النظر إلى موقعها الرمزي من حيث البريق الزائف أو الصحيح , ولا نعرف كيف سينصفها التاريخ حقا في المستقبل القريب أو البعيد , ولا نريد هنا أن ندخل في قذف الأسماء حسب وجهة شخصية , ولكن ربما نتفق على أن تلك الشخصيات أخذت رمزية ما سواء تجاذبتها الآراء أو اختلفت عليها وعلى وجودها كرمز أصلا .
العرب أمة بيان , أي أنها بوجهة نظر خاصة تضخم واقعها وأحداث يومياتها بطريقة (إن من البيان لسحرا) , فذلك العربي الذي يلتحف السماء وربما لم يشاهد البحر يوما يقول :
وَظَهرَ البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا
ويتنقل بخيامه وماشيته بحثا عن قطرات من المطر , ويقول :
إذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ ... تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا
وكانت عبقرية العرب في التعامل مع الخطاب العام أو الشخصي بالغة العبقرية , حتى أنهم برعوا في غرائب اللغة وتعدد المفردات واختصار الكثير من الحكايات والحكم والرؤى بكلمات قليلة ربما لم يفهم مغزاها عدوهم , فعبدالمطلب حين قال لأبرهة طالبا إبله التي استولى عليها أبرهة حين قدم لهدم الكعبة , ( أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه ) , لم يفهم منها أبرهة إلا أن شيخا أنانيا وربما جبانا جاء يطلب إبله ويترك بيت مقدسا بناه آباؤه وأجداده بدل أن يتذلل له طالبا الرجوع عن هدمه , ولكن عبدالمطلب رجل قوي الإيمان وفصيح اللسان ويمتلك من الحكمة ما لم يستطع أبرهة أن يدرك مغازيها , فهو يخاطبه بما هو فوق إدراكه السطحي ويقول أنا مؤمن تمام الإيمان أن ربي ورب هذا البيت لن يدعك تقترب منه فرد إبلي قبل أن تهلك .
ما أقصده من القصة السابقة أن العرب امتلكوا ناصية البيان التي عجز غيرهم عن فهمها والتعامل معها أو الكشف عما تخبئه من مقاصد .
ويبرز هنا السؤال الأهم , هل ضخم البيان العربي عبر تاريخنا الحديث والقصير رمزيات الكثير من تلك الشخصيات ؟
كان الإعلام العربي القديم يعتمد على قوة البيان , وربما لو تتبعنا الكثير من القصائد الجاهلية وأطلقنا العنان لتصور تلك الأبيات المزلزلة من مقولات حكماء الإعلام القديم وهم الشعراء وتصويرهم للمعارك وبطولات ربما تكون خرافية في بعض الصور , فمعارك عنترة والزير سالم وحروب البسوس وداحس والغبراء , لا نعرف نصيب الصدق في تفاصيلها إلا ما حفظته لنا تلك الأبيات الصاخبة , ولا نقصد هنا أنها بطولات وهمية أو فارغة , ولكن ربما تكون ممزوجة بتفاصيل غير واقعية , وهذا له مبرراته التاريخية , فالشعر ديوان العرب , وهو جليسهم وأنيسهم في صحرائهم الشاسعة ولياليهم الطويلة وحاجتهم لقصص السمر وتسجيل مفاخرهم بالشعر , ومن هذه الثغرة تسللت شخصيات اكتسبت رمزية تاريخية في حياتهم وتعاقبت أجيالهم في الحفاظ على صورهم الرمزية كما تناقلوها أو سمعوا عنها أو قرأوها .
وقد جاء القرآن الكريم مواكبا لطريقة حياة العرب في مهدهم الأول , فأمدهم وجرعات مكثفة من البيان والفصاحة وقوة الكلمة ومدلولاتها وتأثيرها على حياة العربي , حتى أن الكثير من حكمهم تقول ما معناه ( ربما كلمة قتلت صاحبها ) ( وربما كلمة سودت صاحبها في قومه ) وهكذا .
وتعددت القصص والرمزية في سور القرآن مع الحفاظ على قوة الكلمة وسحرها , ونقل لهم الكثير من قصص الأمم السابقة بكلمات معجزة حتى لهم وهم أهل الإعجاز اللغوي , فهذا الوليد بن المغيرة وهو أعدى أعداء الإسلام قال عن القرآن كلمة حق لم يستطع أن يكابر عليها رغم عدائه الشديد لدين الإسلام , لأن قدسية البلاغة في نفسه تجاوزت رغبته في الإساءة للإسلام , فقال :
( والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما
يعلى، وإنه ليحطم ما تحته )
والآن لنتجاوز هذه المرحلة التاريخية , والتاريخ حفظ لنا صاغرا رموز تلك الحقبة التاريخية من عباقرة الكلام الذين خلدوا بحروفهم رموزا بعضها استحق تلك الرمزية وبعضها الآخر ليست إلا نتاج موقف أو قصيدة أو ربما صدفة عابرة , ولا شك أن آثارها وتغلغلها في صميم مكونات الإنسان العربي باقية ما بقي العرب , حتى لو انطفأ بريقها حينا أو ثار أحيانا أخرى , فالعربي ربما توقظه بين الفينة والفينة كلمات , مجرد كلمات يطلقها شاعر ما أو ربما مغنٍ ما , فتجد مشاعر وحناجر العرب تصدح بها في كل مكان , وكأنهم سيلقون بعدوهم في مزابل التاريخ لمجرد سماع هديرهم وهم يرددونها , فعبدالوهاب يشدوا : أخي جاوز الظالمون المدى , وفيروز تزأر : وستمحو يا نهر الأردن أثار القدم الهمجية ,
ويصرخ الشابي : إذا الشعب يوما اراد الحياة , ويثيرهم سيد مكاوي : الأرض بتتكلم عربي .
ولا تلبث تلك الجماهير المتعطشة لرفض العدوان والذل أن تنسى أو تتناسى بعد زوال نشوة الكلمة وسحر البيان .
فالعربي الحديث أصبح واقعا بين سندان البيان ومطرقة الواقع , فالعالم لم يعد خيمة وشاعر , بل صار دبابة ومدفع وسياسة قذرة .
أصبح ذلك الطفل الذي تخر له الجبابر ساجدينا خارا حتى أذنيه على (البلايستيشن) , وأولئك العظماء الذين يملئون البحر مشغلون (بالواتساب) , وكأن جرير يخاطبهم وهم يستمعون لعبدالوهاب وفيروز ويردد ساخرا ( زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا ) .
في المقال القادم لنا حديث ( إن شاء الله تعالى ) عن أشياء أتمنى من الله أن أتمكن من صياغتها بشكل مفيد و ( آمن ) عن الرمزية منذ مرض الخلافة العثمانية مرورا بالقوميين والإسلاميين والليبراليين وحتى ( البوعزيزي ) و ( مرسي ) و (أردوغان التركي ) .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف