الأخبار
2024/5/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الأمهات لايمتن أبداً ! بقلم:أسماء محمد مصطفى

تاريخ النشر : 2015-10-08
الأمهات لايمتن أبداً ! بقلم:أسماء محمد مصطفى
الأمهات لايمتن أبداً ! / قصة قصيرة

أسماء محمد مصطفى

ضج البيت والسرير بنحيب الطفلة التي كان عليها أن تنام للمرة الأولى في حياتها  من غير أن يكون صوت أمها آخر ماتسمعه ، وهي تبتسم لها وكفها الناعم يلامس خدها الطري كما تفعل عادة .

في تلك الليلة ، قفزت من سريرها نحو صورة معلقة على الحائط ، تجمع بينها وبين أمها .. ما أن حدقت فيها حتى تحلق حولها خيال وجه أمها كما شاهدته صباحاً على سرير في مستشفى الطوارئ ، متأثرة بحروق السيارة المفخخة التي اخترقت سلام السوق . شعرت الطفلة بأنّ أمها كذبت عليها يوم قالت لها ،  إن الأمهات لايمتن أبداً .

قالت لها ذلك ، يوم ذعرت الطفلة من ارتداد أبواب البيت وشبابيكه بعصف انفجار مدو ٍ تسبب في ارتفاع دخان كبير حجب  ضوء النهار بعض الوقت . فكومت نفسها في حضن أمها ، وهي ترتعش متسائلة هل سأموت ؟

سحبتها الأم الى صدرها ، قائلة لها اطمئني . الموت لايزور الملائكة .

ـ ولكن ياماما ، انظري الى السماء ، صارت مظلمة . هل ماتت الشمس ؟

ـ لا ، انظري ثانية ، هاهو الظلام يختفي ، لتظهر الشمس مرة أخرى .

ـ كنت أظن أن الانفجار قتل الشمس .

ـ  الشمس لاتموت .

ـ لكنني أخاف عليك أن تموتي حين تخرجين الى السوق او العمل ، وأردفت تقول ، أرجوك ماما لاتكبري وتصيري عجوزاً ، وتموتي !

طمأنتها الأم مؤكدة لها أنّ الموت  يخشى الأمهات ، وأنها لن تشيخ ، لتظل معها الى الأبد .

قالت الطفلة ، وهي تضحك باطمئنان : إذن ، أنت ِ كالشمس ياماما  .

أنهال على ذاكرة الطفلة حديث ذلك اليوم ، وهي  تمرر أصابعها على وجه أمها وتلمس الجلد المتأثر والمتجعد بفعل الحرق بالرغم من محاولة أبيها إبعادها عنها ، وهو يظهر علامات التأسف لأنه رضخ لإلحاح ابنته لاصطحابها للمستشفى  بل إنها ركضت وراءه نحو السوق حين حدث الانفجار ، وهو يعلم أنّ المكان وحال زوجته لايناسبان طفلا ..

نظرت الطفلة الى وجه أمها  وحاولت أن تلمسه  لولا أنّ أباها منعها قائلا لها إن كل شيء سيكون بخير . نظرت الطفلة اليه بحنق ، مشككة .. ألا تكفي كذبة واحدة ؟!

قربت أصابعها من إحدى عيني أمها ، وحاولت فتحها ، بينما الأب يحاول منعها ، وصوت الممرضة ينهيها عن فعل ذلك .

تهيأ لها بأنّ الأم تريد الاعتذار لها عن كذبتها ، لكن الاعتذار لن يشفي خيبة طفل بانتصار هاجس موت أمها وشيخوختها المبكرة على حلم بقائهما معاً .

دفع الخوف بالطفلة الى الصراخ بوجه أمها ، بهستيرية حتى فقد جسدها توازنه تماما فسقطت مسجاة على الأرض .

حين فتحت عينيها مجددا ، كانت مستلقية على سريرها في البيت ، فعاودت البكاء والصراخ حتى أعياها التعب  .

في تلك الليلة ، وبينما كان وجه الأم المتأثر بالحروق يستمر في تحليقه حول خيال الطفلة ، بقيت تتمعن الوجه الذي أشع جمالا وشبابا في الصورة ، حتى إذا مابدأ النعاس والإجهاد يغلبان عيني الطفلة المتورمتين سحبت قدميها بتثاقل الى سريرها ، واستلقت . عادت لتنظر الى الصورة بين رمشة وأخرى ..

ابتسم لها  وجه الأم عبر الصورة ، وفي لحظة  خاطفة  تركت الأم  مكانها في الصورة  وجلست  على  حافة  السرير ، ووجهها مازال يبتسم  ويومئ للطفلة  بالحب ، وأصابعها تداعب خصلات شعرها الى أن تستسلم للنوم  ، حتى إذا ماغرقت الطفلة في نوم عميق ، عادت الأم الى مكانها في الصورة .

في الصباح ، حين فتحت الطفلة عينيها وجهت نظراتها الى الصورة ، فوجدت خيوط الشمس ، بعد انحدارها الى الغرفة ، تلمع على وجه الأم ، النضر والمبتسم .

 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف