أن تكون طفلا من بيت لحم
هذه كبيرة يا عبد الرحمن، كبيرة جدا أن تكون طفلا فلسطينيا وتكون في ذات الوقت من بيت لحم، ولك أن تتخيل يا طفلي كيف ستباغتهم إن حملت اسمك عبد الرحمن أيضا، فبذلك تكون قد جمعت كل نقاط رحيلك السريع إلى جوار ربك، ذلك لأن الله يختار من يشاء من عباده لجواره، وأنت بهذا الاسم وبهذه الصفة الصعبة تكون أحد المبشرين بالشهادة بلا شك، يحكي أن ملكا رومانيا حكم تلك المنطقة التي تنتمي إليها قبل ما يقارب الألفي عام، حكمها كما تحكم الإمبراطوريات القديمة بالحديد والنار، وكان لهذا الملك أبناء ربما بسنك عندما أخبروه بأن أناسا رأوا نجمة ميلاد خلاصهم فوق مدينتك، ضاق الملك وقتها وظن بأن أيامه باتت وشيكة فهرع مسرعا إلى حراس قصره يأمرهم بقتل كل أطفال بيت لحم ، كلهم كانوا مشاريع خلاص كما أنت، لكن بفارق سنوات عن سنك، إحدى عشرة سنة كانت الفارق الزمني المتاح لك لتكون أنت ما أنت عليه، إحدى عشرة سنة كانت فرصتك لأن تقض مضجع الملك بحياتك العادية، بذهابك المطمئن إلى مدرستك مع رفاق صفك في مخيمك المحاذي لبرج قناصك، وربما صادفته ذات يوم في سنة ما، وربما كنت ستقول له شيئا، ولكنك لم تفعل، كنت هادئا وصامتا قبل أن تنفجر في وجهه متحديا إياه بعفويتك التي تخيف الجبابرة والمستبدين، كنت ذاهبا أو عائدا من المدرسة وهذه وحدها جريمة فمن كان طفلا فلسطينيا ومن بيت لحم لا يجوز له في شريعة هيرودس إلا أن ينال نصيبه من موت وجهل وفقر وتشريد، الملك يخشى أمثالك وأصدقاء الملك يخشونك وكل من له علاقة بالقصر يخشى أن تذهب بهذه العفوية إلى مدرستك مارا فوق خطى مريم الخائفة والهاربة إلى مغارة لا تبعد كثيرا عن بيتك الصغير، هل تعرف يا عبد الرحمن معنى أن تسير على خطى مريم..؟ ربما لم تسمع عنها قبل اليوم ، إنها أمك وأمي هي كل تلك النساء البسيطات اللواتي نصادفهن في طريقنا / في حياتنا دون أن ننتبه بأنهن مريم، كل امرأة في بيت لحم تحمل صفة من مريم وكل طفل في هذه المدينة ساعة يولد تلمع نجمة، وكلما لمعت نجمة خاف ملك ما وظن بأن نهايته وشيكة، فسلام عليك وعلى أمك وعلى مدينتك في العالمين.